أهمية قوانين وإقرارات الإيمان

التعريف

تمثِّل قوانين وإقرارات الإيمان أهمية، باعتبارها الوثائق التاريخيَّة التي قامت الكنائس بكتابتها وتبنِّيها، للتعبير بصورة رسميَّة عن معتقداتها اللاهوتيَّة.

الموجز

يعود أصل الإقرارات التي تلخِّص الإيمان المسيحي إلى كلٍّ من وصايا ومبادئ العهد الجديد. ففي الكنيسة الأولى، صيغ الإجماع العام على محتوى الإيمان بحلول القرن الرابع الميلادي في صورة رسميَّة محدَّدة، تبنَّتها الكنيسة ونسبت إليها سلطة عامة، ولا سيما قانون الإيمان النيقاوي (325م/381م)، وما قدَّمته المجامع المسكونيَّة من استفاضة وتوسع فيه. وفي عصر الإصلاح، عرَّفت كل من الكاثوليكيَّة والبروتستانتيَّة نفسها من خلال كل من التقليد العقائدي للكنيسة الأولى، وكذلك من خلال إصدار إقرارات إيمان وأدلة لتعليم الإيمان بالسؤال والجواب، تكون أكثر تفصيلًا وشمولًا. وفي حين شهدت القرون الأخيرة نقصًا في إنتاج إقرارات الإيمان، وفي حين أن الكثير من الكنائس البروتستانتيَّة إما تخلت تمامًا عن التقيُّد الصارم بإقرارات إيمانها، وإما تبنَّت بيانات إيمان مختصرة من تأليفها، لا يزال التراث الغني من قوانين وإقرارات الإيمان يمثل أهمية حيوية لصحة وسلامة الكنيسة المعاصرة.


الأصول الكتابيَّة

يقدم الكتاب المقدَّس العديد من المؤشرات إلى كون إقرارات الإيمان تُمثِّل جزءًا مهمًا لهوية شعب الله. ففي العهد القديم، يُرسخ نص الشماع (تثنية 6: 4) هوية شعب الله في هوية الله ذاته، بطريقة إقراريَّة، سواء بالمعنى العقائدي للكلمة، أي باعتباره بيانًا بالحق، أو بالمعنى الليتورجي لها، أي باعتباره إعلانًا علنيًّا عن الإيمان. ويشهد العهد الجديد عن استمرار هذا النمط، وذلك من خلال إشارة بولس إلى الأقوال “الصادقة والمستحقة كل قبول” من الكنيسة، بل وفي حقيقة الأمر، من خلال استخدامه لنصوص تحمل سمة قوانين الإيمان (على سبيل المثال، 1تيموثاوس 1: 15؛ 3: 16؛ فيلبي 2: 5-11). وإن تركيز بولس على التقيد بأمانة بصورة التعليم الرسولي يعكس ذلك أيضًا (1تيموثاوس 1: 13).

قاعدة الإيمان

إيريناوس وترتليانوس، وهما عالما لاهوت عاشا في القرن الثاني الميلادي، أشارا في أجزاء من كتاباتهم إلى قاعدة أو قانون الإيمان، وهو ما يُعَد ملخصًا للأفكار الرئيسة من العقيدة المسيحيَّة، من وحدانية الله وتفرده إلى الدينونة الأخيرة. ومجيء هذا الملخص في صيغ لغوية مختلفة يوحي بأنه لم يكن قانونًا رسميًّا، أي إنه لم يكن صيغة شفهية ثابتة ومعيارية، بل بالأحرى كان مجموعة من المفاهيم المتفق عليها.

قوانين إيمان الكنيسة الأولى

إن أهم قانون إيمان في الكنيسة الأولى هو الذي صيغ مبدئيًّا في مجمع نيقية، في عام 325م، ثم خضع للتنقيح والاستفاضة في مجمع القسطنطينية الأول في عام 381م. كان السبب الذي عقد مجمع نيقية الأول لأجله هو الحاجة إلى تولِّي أمر تعليم قس، يدعى أريوس، قال إن وحدانية الله وعدم قابليته للتأثر بالمشاعر، سواء مشاعر الألم أو الفرح، يعنيان أننا ينبغي أن ننظر إلى الابن على أنه أدنى بشكلٍ ما من الله. ومع أن أريوس أدين في مجمع نيقية، ظلت قضية العلاقة بين الآب والابن (والروح القدس، بداية من ستينيات القرن الرابع) تزعج الكنيسة حتى عام 381م، عندما اتُّفِق أخيرًا على مفردات دقيقة للتعبير عن كل من الوحدانية (“جوهر واحد”)، والتثليث (“ثلاثة أقانيم”). وفي السنوات بين عام 325 وعام 381، برز أيضًا مفهوم المجمع المسكوني – وهو اجتماع لقادة الكنيسة، من أجل اتخاذ قرارات ملزِمة للكنيسة بأكملها – الأمر الذي سلط الضوء على أن مسألة قوانين الإيمان، والعقيدة عن الكنيسة خما مسألتان وثيقتا الصلة إحداهما بالأخرى، سواء لاهوتيًّا أو تاريخيًّا.

بعد ذلك، شكَّل الحسم النيقاوي لقضية الثالوث الأساس للجدل الكرسيتولوجي اللاحق. فما أن حُسِمت المفاهيم المعيارية اللازمة لمناقشة جوهر الله، وأقانيمه، صارت قضية علاقة الله بالمسيح قضية ملحة. وعندئذ، عُقِدت سلسلة من المجامع الأخرى، حُسِبت أهمها بأنها تحمل مكانة مسكونية جامعة، وهي:

  • مجمع أفسس الأول (431م) الذي رفض النسطورية
  • مجمع خلقيدونية (451م) الذي رفض الأوطاخية، واستقر على لغة الشخص الواحد والطبيعتين، باعتبارها لغة معيارية تتعلق بعقيدة المسيح.
  • مجمع القسطنطينية الثاني (553م)، الذي وسع من نطاق إدانة النسطورية، وتبنى نظرية “تألُّم الله”.
  • مجمع القسطنطينية الثالث (680-681م)، الذي شجب مفهومي الطاقة الواحدة والمشيئة الواحدة للمسيح.
  • مجمع نيقية الثاني (787م)، الذي استعاد تبجيل الأيقونات بعد حظرها السابق.

كل مجمع من المجامع الستة السابقة كان حريصًا على تأكيد توافق تصريحاته مع مجمع نيقية الأول.

بالإضافة إلى قانون الإيمان النيقاوي الرسمي، وتطبيقاته اللاحقة على عقيدة المسيح في المجامع اللاحقة، يتمتع قانونا إيمان آخران بأصلٍ آبائيٍّ، وهما قانون إيمان الرسل، وقانون الإيمان الأثناسي. وفي حين لا يحمل أي منهما مكانة رسمية مسكونية، كان كل منهما مؤثرًا سواء من الناحية الليتورجيَّة، أو من الناحية اللاهوتيَّة.

لم يُكتَب قانون إيمان الرسل بيد الرسل، رغم حمله اسم الرسل، لكنه ظهر قرب نهاية القرن الرابع. ولا يمكن أن يكون أثناسيوس هو الذي كتب قانون الإيمان الأثناسي، لأنه كُتِب باللغة اللاتينية، وليس اليونانية، والأمر الأكيد أيضًا هو أن قانون الإيمان يتطرق إلى القضايا الكريستولوجية التي كانت موجودة في القرن الخامس، والتي ظهرت في المشهد فقط بعد مجمع القسطنطينية الأول في عام 381م. والكاتب المرجَّح بدرجة أكبر لقانون الإيمان هذا هو اللاهوتي فينسنت من ليرنز (Vincent of Lerins). ومع ذلك، فرغم الأصل الغامض لقانوني الإيمان هذين، يتمتع كلاهما (ولا سيما قانون إيمان الرسل) بقبول واسع النطاق، وباستخدام ليتورجي داخل العديد من الطوائف المسيحيَّة.

القرنان السادس عشر والسابع عشر

يمثل القرنان السادس عشر والسابع عشر الحقبة الأعظم لإقرارات الإيمان – أي تلك الوثائق التي قدَّمت بيانات عن الإيمان المسيحي أكثر شمولًا من قوانين إيمان الكنيسة الأولى الأضيق نطاقًا. وقد غطت تلك البيانات أيضًا بعض المسائل غير المتصلة بجوهر الإيمان (على سبيل المثال، دور السلطة المدنية في شؤون الكنيسة). وعندما انقسمت المسيحيَّة إلى الكاثوليكيَّة الرومانيَّة والبروتستانتيَّة، ثم انقسمت البروتستانتيَّة نفسها إلى الكنيسة المصلَحة، والكنيسة اللوثريَّة، والكنيسة الأنجليكانيَّة، ثم إلى عدد كبير من الطوائف الأخرى، صارت الحاجة إلى مثل هذه الإقرارات الشاملة والتفصيلية ضروريًّا، سواء من الناحية السياسية، إذ عرَّفت بعض الدول الناشئة نفسها مقابل الدول الأخرى باستخدام مفردات لاهوتية؛ أو من الناحية الكنسية، إذ عرَّفت كنائس مختلفة نفسها من حيث علاقتها بعضها ببعض. وتجلت الصياغة البروتستانتية لإقرارات الإيمان منذ وقت مبكِّر في عصر الإصلاح، في إقرار إيمان أوجسبورج، على سبيل المثال (1530م). لكن تسارعت الوتيرة بشكل كبير في ستينيات القرن السادس عشر، بعدما تسبَّب مجمع ترنت في انتعاش الكاثوليكية الرومانية، وإصدارها قوانين ومراسيم حدَّت الكنيسة في وجهات نظر واضحة بشأن مسائل من قبيل التبرير والأسرار المقدَّسة.

وعرَّفت الكنيسة اللوثريَّة نفسها بطريقة إقراريَّة من خلال الوثائق التي جُمِعت في كتاب كونكورد (1580). والكنائس المصلحة العامة عرَّفت نفسها من خلال وثيقة “أشكال الوحدة الثلاثة”، وهي: إقرار الإيمان البلجيكي (1561)، ودليل هايدلبرج لتعليم الإيمان عن طريق السؤال والجواب (1563)، وإقرارات دورت (1619)، وهذه الثلاثة معًا جرى تبنيها بصورة رسمية في سندوس دورت (1618-1619)، لتصير المعايير الخاصة بالكنائس المصلحة، لكن الخاضعة في الوقت نفسه للكتاب المقدَّس. أما الكنيسة الأنجليكانيَّة، فعرَّفت نفسها من خلال تسع وثلاثين مادة (اثنتين وأربعين مادة في الأصل) (1522/1571)، بالتناسق مع كتاب الصلوات العامة، وكتابي العظات. وعرَّفت الكنائس المشيخيَّة نفسها من خلال الوثائق التي أصدرها اجتماع وستمنستر، وهي إقرار إيمان وستمنستر (وكذلك الدليل الموجز والدليل المفصل لتعليم الإيمان بالسؤال والجواب، مع أن هاتين الوثيقين لم يكن الغرض الأصلي منهما هو أن يكونا إقراري إيمان رسميين). ويصعب كثيرًا لا محالة التعميم بشأن الكنائس المستقلة (الكنائس الجمهورية، والكنائس المعمدانيَّة، وغيرها)، لكن من وثائقها الإيمانية المهمة: إعلان سافوي (1658، خاص بالكنيسة الجمهورية)، وإقرار إيمان لندن الثاني (1677/1689، خاص بالكنيسة المعمدانيَّة). بالإضافة إلى ذلك، أصدرت جماعات بروتستانتيَّة أخرى إقرارات إيمان، مثل إقرار إيمان سكيلثييم (1527، وهو تابع لطافة معيدي المعموديَّة في سويسرا)، والدليل الراكوفي لتعليم الإيمان عن طريق السؤال والجواب (1605، وهو تابع للسوسينيانية).

وفي حين قدمت إقرارات الإيمان البروتستانتيَّة بيانات رسمية عن معتقدات الكنائس المختلفة، حُسِبت هذه الوثائق خاضعة للكتاب المقدَّس، ومن ثم عرضة للتقويم من الكتاب المقدَّس. والمصطلح الرسمي الذي يعبر عن ذلك هو أن الكتاب المقدَّس هو “المعيار القياسي”، وإقرارات الإيمان هي “المعايير الخاضعة للقياس”.

العصر الحديث

إن دراسة قوانين وإقرارات الإيمان في العصر الحديث هي أمر معقد. ففي حين لا تزال الأرثوذكسيَّة الشرقية مقيَّدة بتبجيلٍ للمجامع المسكونية السبعة الأولى، وخاضعةً لسلطتها، ظلت الكاثوليكيَّة تتطور، قائلة إن عقائدها المتعددة تحمل سلطة، وأهمها حبل العذراء مريم بلا دنس (1854)، والعصمة البابوية (1870). والوثائق التي صادق عليها المجمع الفاتيكاني الثاني (1962-1965)، ودليل الكنيسة الكاثوليكيَّة لتعليم الإيمان بالسؤال والجواب (1992) هما أهم الوثائق الإقراريَّة في التاريخ الحديث.

أما البروتستانتيَّة، فبسبب طبيعتها المتنوعة والمنقسمة، فلا يمكن وصفها بسهولة من خلال قوانين وإقرارات الإيمان. لا تزال وثائق عصر الإصلاح الأول هي المعيار التي تتقيد به الكثير من الطوائف، لكن اشتراطات الانضمام إليها متنوعة للغاية، حيث تتراوح من الصرامة الشديدة إلى التساهل الشديد. علاوة على ذلك، إن العدد الكبير من الكنائس المستقلة معناه أن العديد من الكنائس البروتستانتيَّة قد صارت تدوِّن إقرارات إيمانها الخاصة، أو ربما (وهذا الأكثر شيوعًا) صارت تقدِّم بيانات موجزة عن الإيمان، ليست بالضرورة متصلة رسميًّا بقوانين وإقرارات الإيمان العريقة. يجعل ذلك أي تعميم بشأن محتوى هذه الوثائق أمرًا مستحيلًا. ولم يصدر في القرنين الماضيين الكثير من الوثائق الإقراريَّة ذات النطاق الأكثر من محلي، مع أن المقتضيات السياسية جعلت إعلان بارمن (1934)، وإقرار إيمان بيلهار (1986) يتمتعان بقدر من الأهمية، لكن كان هذا بالأكثر بسبب الظروف السياسية التي كانا يخاطبانها آنذاك (النازية والتمييز العنصري على التوالي)، وليس بسبب أهمية إسهامهما اللاهوتي في حد ذاته.

أهمية قوانين وإقرارات الإيمان لنا اليوم

رغم التشكُّك الغريزي المعتاد في قوانين وإقرارات الإيمان بين البروتستانتيين، ولا سيما الإنجيليين، على أساس أنها تبدو وكأنها تفسد التقيُّد بالسلطة الأوحد للكتاب المقدس، ينبغي أن يتضح لنا من التاريخ، والأهم من ذلك، من الشهادة الكتابيَّة التي قدَّمناها أعلاه، أن قوانين وإقرارات الإيمان يجب أن تلعب دورًا حيويًّا في أي كنيسة. فيما يلي خمس نقاط تمثِّل أهم الفوائد التي تعود بها قوانين وإقرارات الإيمان على كنائس اليوم:

أولًا، قوانين وإقرارات الإيمان تشهد لحقيقة أنه لا يوجد أي مؤمن يؤمن بالكتاب المقدَّس وحده. بل إن الجميع فعليًّا يؤمنون بأن الكتاب المقدَّس يعني شيئًا ما، ويمكن جمع العناصر الأساسية لما يعنيه الكتاب المقدَّس في إقرارات الإيمان. وبالتالي، فإن ادعاء أحدهم بأنه لا يخضع لأي قانون أو إقرار إيمان، بل للكتاب المقدَّس وحده، هو ادعاء مضلِّل في أفضل الأحوال.

ثانيًا، قوانين وإقرارات الإيمان تقدِّم ملخصات موجزة لما تؤمن به الكنائس، سواء لأجل أعضائها أو لأجل الذين من خارج. وبالتالي، فإنها يمكن أن تكون بمثابة أدوات تعليمية في التلمذة، او أدوات دفاعية في الكرازة.

ثالثًا، قوانين وإقرارات الإيمان تدفع المؤمنين إلى التركيز على المسائل التي لا يمكن التفاوض في أهميتها للإيمان (مثل الثالوث والتجسد)، وعلى المسائل التي تمثِّل أهمية لسلامة الكنيسة المنظورة وحياتها العملية (مثل طريقة المعمودية، وهوية الذين يجب أن يعتمدوا). والكنائس، بدورها، تحترم الحرية المسيحيَّة في المسائل التي لا تتناولها قوانين وإقرارات الإيمان. وبالتالي، فإن هذه الوثائق تقدم إرشادًا واضحًا أيضًا بشأن حدود سلطة الكنيسة، ومجال التأديب الكنسي المشروع.

رابعَا، قوانين وإقرارات الإيمان تشهد عن الطبيعة التاريخية والمسكونية للمسيحيَّة، وتربط الكنيسة المعاصرة، سواء عقائديًّا أو ليتورجيًّا، بكنيسة الماضي، بل وفي حقيقة الأمر بالكنيسة الحالية في دول أخرى.

خامسًا، قوانين وإقرارات الإيمان تحقِّق أهدافًا ليتورجية وتمجيدية، وذلك عن طريق الإمداد بالمحتوى، بل وبالكلمات اللازمة للتسبيح والصلاة.

شارك مع أصدقائك

كارل ترومان

حاصل على درجة الدكتوراة من جامعة أبردين، ويعمل كأستاذ الدراسات الكتابيّة في كليّة جروف سيتي للاهوت، بولاية بنسلفانيا الأمريكيّة.