اللاهوت الأنجليكانيّ

التعريف

في حين أنَّ لاهوت الكنيسة الأنجليكانية[1] اليوم قد تأثَّر بالحركات المختلفة، كالأنجليكانية الكاثوليكيّة (Anglo-Catholicism)[2] واللاهوت الليبرالي، إلا أن اللاهوت الأنجليكاني يضرب جذوره تاريخيًّا في الوثائق البروتستانتية التي ظهرت إبَّان الإصلاح الإنجليزي[3]، وأهمها: البنود التسعة والثلاثون،[4] والعظات،[5] وكتاب الصلاة العامة.[6]

المُلخّص

يضرب اللاهوت الأنجليكاني جذوره تاريخيًّا في الوثائق التي ظهرت إبَّان الإصلاح الإنجليزي، وأهمها: البنود التسعة والثلاثون، والعظات، وكتاب الصلاة العامة. كان المُهَندِس الرئيسي لهذه الطائفة الجديدة هو توماس كرانمر، رئيس أساقفة كانتِربِري، والذي كان كاثوليكيًّا إنجليزيًّا مُتَأثِّرًا بلوثر. إنَّ القطعة التأسيسيَّة الأهم في اللاهوت الأنجليكاني التي أَعَدَّها كرانمر هي البنود التسعة والثلاثون التي اعْتُبِرَتْ أنَّها تُقَدِّم نظامًا عقائديًّا شامِلًا للكنيسة التي تَعَرَّضتْ للإصلاح، وقد ظَلَّتْ هذه البنود على حالها دون تغيير منذ عام 1571. كان أحد التطورات الجوهرية على نحوٍ أكبر من غيرها داخل الكنيسة الأنجليكانية[7] هو ظهور الأنجليكانية–الكاثوليكية، وهي حركة تسعى إلى مزيد من التمسك بعقائد الكنيسة الأنجليكانية وممارساتها من خلال إعادة إحيائها لكنيسة ما قبل الإصلاح في مواجهة ما اعْتَبَرَتْه “بِدَعًا بروتستانتية”. لقد تَعَرَّضت الكنيسة الأنجليكانية في الوقت نفسه لهجوم عنيف من قِبَل اللاهوت الليبرالي الواسع الانتشار، ولم تَكُنْ قادرة على إرساء منظومات واضحة تضمن وجود قانون كنسي مشترك بين الإيبارشيات والكنائس الأربعين ذاتيّة الحُكْم التي تُكَوِّنها. وما إذا كان بإمكان الكنيسة الأنجليكانية أن تعيد تجميع صفوفها حول عقائد الإصلاح، أم أنَّها ستتفتَّت إلى كنائس ومجموعات مستقلة، فهذا ما سيُخبرنا به المستقبل.


الأساسات

يرجع اللاهوت الأنجليكاني إلى الظروف الخاصة التي صاحبت الإصلاح الإنجليزي، فعندما انفصل هنري الثامن (ملك إنجلترا من 1509 حتى 1547) عن كنيسة روما في 1534، أسَّس كنيسة “بروتستانتيّة” لم يكن فيها بروتستانتيون. كان عددٌ قليل من الإنجليز مُلِمّين بتعليم مارتن لوثر، ولكن لم يَكُنْ هناك فَهْمٌ يُذكَر لدوافع لوثر اللاهوتية الأعمق. بعث هنري الثامن بوفدٍ إلى ڤيتنبِرغ ليبحث مع اللوثريين مسألة تكوين تحالُف ضد روما، وخلال هذه العملية دخلت بعض الأفكار اللوثرية إلى إنجلترا، ولكن كان على الإصلاح الحقيقي أن ينتظر حتى عهد ابن الملك هنري، إدوارد السادس (1547-1553)، البالغ من العمر تسع سنوات. كان المهندس الرئيسي لهذا الإصلاح الحقيقي هو توماس كرانمر (1489-1556)، رئيس أساقفة كانتِربِري، الذي وقع تحت تأثير لوثر وكان يتحرك أكثر فأكثر في الاتجاه البروتستانتي، وبصفته عضوًا في مجلس الوصاية على عرش الملك إدوارد، مُنِح كرانمر سُلطة حُكْم الكنيسة، وكان هذا هو ما مَكَّنه من سَنِّ مجموعة واسعة من الإصلاحات.

كان على كرانمر أن يُعَلِّم عامّة الشعب الذي كان في أغلبه أُميّ العقائد البروتستانتية. وهذا يُفَسِّر الطبيعة التعليمية للصِّيَغ العقائدية التي أَعَدَّها كرانمر أو سمح بها. أصدر في البداية كتاب العظات (1547)، وهو الذي حَدَّد العقائد الأساسية للكنيسة بشأن مركزية كُلٍّ من الكتاب المُقدَّس والتبرير بالإيمان، اللذَيْن يُمَثِّلان ركيزتين أساسيتين في فكر لوثر، وكان من المُخَطَّط له ظهور كتاب عظات ثانٍ، إلَّا أنَّ هذا لم يحدث حتى عام 1563. لَحِقَ ذلك ظهور كتاب الصلاة العامة (1549) تم تنقيحه لاحقًا في اتجاهٍ أكثر راديكاليّة (1552). ثم ظهر بعد ذلك بفترة وجيزة كتاب الرِّسَامَة[8] (وتم ضَمّه لكتاب الصلاة)، وشرح هذا الكتاب ما الذي كان مُتَوَقَّعًا من كُلٍّ من الرُّتَب الكنسيّة الثلاث (الأساقفة، والقسوس، والشمامسة). أَعَدّ كرانمر أيضًا اثنين وأربعين بندًا للإيمان (1553)، والتي تم تنقيحها فيما بعد لتصبح البنود التسعة والثلاثين التي نعرفها اليوم (وحدث ذلك على مرحلتين: 1563 و1571). وأخيرًا أصدر كرانمر كتاب القانون الكنسيّ (1553)، والذي فشل في تحقيق القبول على الرغم من الاقتباس منه أحيانًا في أوقات لاحقة كما لو كان أحد الوثائق التأسيسية للكنيسة الأنجليكانية.

تُشَكِّل هذه النصوص مُجتَمِعَة لُبَّ اللاهوت الأنجليكاني الكلاسيكي، ولكن تحتل البنود التسعة والثلاثين مركز الصدارة. أمّا العظات فيُشار إليها في البنود على أنَّها مصادر تُوَفِّر بيانات عقائدية أكثر تفصيلًا. كما يُوَضِّح كتاب الصلاة العامة (والذي تم تنقيحه آخر مرة عام 1662) كيفية تطبيق عقائد البنود التسعة والثلاثين على عبادة الكنيسة وممارستها. يعتقد الكثير من الأنجليكانيين أنَّ كتاب الصلاة هو المصدر الرئيسي للعقيدة بالنسبة للكنيسة الأنجليكانية، ولكنَّ هذا سوء فهم؛ فهو في الواقع يعكس تعليم البنود والعظات، وليس العكس.

بعد صدور المجموعة الكلاسيكية (البنود التسعة والثلاثون، العظات، كتاب الصلاة العامة)، تم سَنّ عدد من القوانين الكنسيّة بين عامي 1571 و1604، غير أنّها لم تكتسب أبدًا نفس المكانة الممنوحة للنصوص الأخرى. لم يتمكن الأنجليكانيون أبدًا من وضع شكل للتأديب الكنسي يَتَّفِق عليه الجميع، وهو الخلل الذي لا يزال يُطارِد الطائفة الأنجليكانية حتى هذا اليوم.

البنود التسعة والثلاثين

لا تتفرَّع بنود الإيمان رسميًّا إلى قطاعات مختلفة أو فئات متنوعة، ولكن دراستها دراسةً دقيقة تُظهِر أنَّها تمتلك بنية متماسكة ومترابطة منطقيًّا تُشابِه منهجًا نظاميًّا. نَجِد أنَّ البنود الثمانية الأولى هي بنود “جامِعة”، بمعنى أنَّها تؤكِّد العقائد التي آمنت بها الكنيسة الجامعة منذ نشأتها. تتناول البنود الخمسة الأولى الله وأقانيم الثالوث (كُلٌّ على حِدَة)، وهي متوافقة مع اللاهوت الخلقيدوني لكل من روما والكنائس البروتستانتية الرئيسيَّة الأخرى. يؤكِّد البند الخامس عقيدة الانبثاق المزدوج للروح القدس من الآب والابن (filioque)[9]، وهي العقيدة التي ترفضها الكنائس الأرثوذكسية الشرقية، ولكنَّ هذه العقيدة كانت قد تَقرَّرتْ بالفعل في مَجْمَع فلورنسا عام 1439، وقامت فقط كنيسة إنجلترا بقبول الموقف الغربي المُعتَرَف به.

يُحَدِّد البندان 6 و7 مركز الأسفار المقدسة وقانونيتها، ويتَّخِذان موقفًا بروتستانتيًّا لا يكتنفه شَكٌّ. تتبنّى البنود قانون چيروم (كما يَنُصّ البند 6 صراحةً) مع حذف الكُتُب غير العبرية في العهد القديم، والتي يُنزِلها البند 6 إلى مرتبةٍ ثانوية، حيث يُمكِن قراءة هذه الكُتُب المُسَمَّاة بكُتُب الأَبُوكرِيفَا (بالنسبة للبروتستانت) أو بالأسفار القانونية الثانية (بالنسبة للكاثوليكية الرومانية والأرثوذكسية الشرقية) من أجل البنيان الروحي، ولكنَّها لا تُستَخدَم من أجل إثبات أي عقيدة معينة. بالإضافة إلى ذلك، يَنُصّ البند 6 على أنَّ أيَّ شيءٍ غير موجود في الأسفار المقدسة لا يمكن فرضه على المسيحيين كمُعْتَقَدٍ ضروريٍّ للخلاص. لا يرفض البند 6 صراحةً ما هو غير كتابي من معتقدات وممارسات، ولكنَّه يَنُص على عدم تعليمها أو فرضها على الكنيسة الأنجليكانية كجزءٍ من عقيدتها الجوهرية.

يتمسك البند 7 باستخدام العهد القديم، ويُقسِم ناموس موسى (بطريقة مُصلَحة نموذجية) إلى جانب طقسي وجانب مدني وجانب أخلاقي، وقد أضحى أول اثنين من هذه الجوانب عتيقًا بمجيء المسيح، أمّا الأخير فتحتفظ الكنيسة بأهميته بالنسبة لها. يُعلِن البند 8 سُلطة قوانين الإيمان الثلاثة التي منذ القديم (قانون إيمان الرسل، وقانون الإيمان النيقاوي، وقانون الإيمان الأثناسي)، ويُستَخدَم أول اثنين منها على نحوٍ منتظم في العبادة، وعلى الرغم من رفض الكنيسة الأسقفية الأمريكية قانون الإيمان الأثناسي عام 1801، يحتفظ هذا القانون بمكانه في كتاب الصلاة العامة، ويعتبره مُعظَم الأنجليكانيين ذا سُلطة، حتى وإن قَلَّ اليوم الإلمام به أو استخدامه.

تُعَدُّ البنود 9-34 بروتستانتية على وجه الخصوص، وتُوضِّح الموقف الذي تَبَنّته كنيسة إنجلترا بشأن الجدالات اللاهوتية في القرن السادس عشر، وبوجهٍ عام، هي تعكس ما يمكن اعتباره الآن كالڤينية معتدلة؛[10] فلقد تم إعدادها خلال حياة كالڤن وتأثَّرت به، إلَّا أنَّها لا تقول شيئًا عن الجدالات التي من شأنها أن تُشَكِّل الكالڤينية التي نعرفها اليوم؛ حيث تُعتَبَر عقيدة التعيين المُسبَق المزدوج،[11] ولاهوت العهد،[12] ونقاط سنودس دورت الخمس (1618-1619)[13] أكثر الأمور التي تم تجنب الخوض فيها. لطالما اعتنق الأنجليكانيون الأفراد هذه العقائد الكالڤينية الأكثر تطوُّرًا، لكنَّها ليست موجودة في البنود، وتَعَرَّضت محاولات إضافتها للبنود للمقاومة منذ البداية.

تُحَدِّد البنود 9-18 ترتيبًا للخلاص (ordo salutis)[14] يبدأ بتأكيد الخطية الأصلية متبوعًا بإنكار الإرادة الحرة. تأتي بعد ذلك تأكيدات على التبرير بالإيمان وحده، وعلى ضرورة الأعمال الصالحة بعد التبرير (وعدم جدواها قبل الإيمان)، وعلى استحالة نوال النعمة من خلال الأعمال مهما كانت هذه الأعمال صالحة أو عديدة. ثم تتبع هذه البنود بنودٌ تُفَصِّل كَوْن المسيح بلا خطية، وإمكانية غفران الخطايا المُرتَكَبَة بعد المعمودية، والتعيين المُسبَق (والاختيار)، وحَصْرية الخلاص في المسيح وحده ومن خلال المسيح وحده. لا يوجد بند من هذه البنود مثير للجدل على نحوٍ خاص بين البروتستانتيين، ولكنَّها تكشف عن خروج واضح عن التعاليم الكاثوليكية الرومانية. يؤكِّد البند المتعلق بالتعيين المُسبَق هذه العقيدة بوضوح شديد، ولكنّه يُحَذّر من أخطار الوعظ بها دون تمييز، وعدم ذِكْر شيء عن مصير أولئك الذين ليسوا من ضِمن المختارين.

تتناول البنود 19-34 عقيدة الكنيسة، بما في ذلك الخدمة (23-24، 32)، والأسرار (25-31). تُعَرَّف الكنيسة بأنَّها جسدٌ من الأشخاص الأمناء يُوعَظ فيه بكلمة الله النقية، وتُمارَس فيه الأسرار بشكل صحيح، ولكن في نفس الوقت قد أخطأت كل كنيسة في مرحلةٍ ما من تاريخها، ويدل هذا على ميل نحو الإيمان بكنيسةٍ غير منظورة[15] لا يمكن ربطها بأي مؤسسة معينة، ولكن في نفس الوقت يبدو أن هذه البنود تفترض أنَّ كنيسة إنجلترا قد نجحت في توفير ما هو مطلوب. تعترف البنود بأن للكنيسة سُلطة تحديد الطقوس والمراسم وأيضًا سُلطة تقرير القضايا الإيمانية ما دام لا يوجد شيء مِمَّا تفعله يتعارض مع الكتاب المقدس.

يقول البند 21 إنَّ المجامع (المسكونية) العامة لا يمكن الدعوة إلى انعقادها إلا بأمر من السُّلطات المدنية، ويُصِرّ البند على أن هذه المجامع يمكن أن تُخطئ في قراراتها. سيتفق مُعظَم الأنجليكانيين اليوم على أن المجامع الكنسية يمكن أن تجتمع دون موافقة الحُكّام المدنيين، وأمّا الإيمان بإمكانية خطأهم فيظل جزءًا من العقيدة الأنجليكانية.

يُعَدُّ البند 22 إنكارًا لعقيدة المَطْهَر ولغيرها من الممارسات الفاسدة التي اتَّبعتها الكنيسة الرومانية. يقول البند 23 إنَّه يجب دعوة الخُدَّام من قِبَل السُّلطات الكنسية المُختَصّة ويجب رسامتهم بالشكل الصحيح، على الرغم من أن البند لا يُحدِّد ما هي تلك السُّلطات أو ما هي الرُّتَب الخدمية المقصودة. يَنُصّ البند 24 على وجوب إجراء العبادة العامة باستخدام لغةٍ يفهمها الناس، ولكنّه لم يُحَدِّد أنَّ هذه اللغة يجب أن تكون لغة العابدين الأم.

يُمَيِّز البند 25 بشكل واضح بين سِرَّي الإنجيل (المعمودية والشَّرِكَة المُقدَّسة)، واللذان تحتفظ البنود بهما، وبين الممارسات الخمس الأخرى المُسَمّاة أسرار التي إمَّا تُسيء تفسير العهد الجديد أو تُمَثِّل حالات الحياة (مثل سر الزواج)، والتي قد تكون شرعيّة في ذاتها، ولكنها لا تمتلك طبيعة سرية. إنَّ المقصود من الأسرار المقدسة هو استخدامها بالشكل الصحيح، وهي عامِلة في أولئك الذين يستقبلونها بالروح الصحيحة، ولكنَّ عدم استحقاق الخادم لا يُبطِلها، فيجب تأديب الخُدّام الأشرار، أمّا خدمتهم في ممارسة الأسرار تعتبرها البنود عامِلة بالنسبة أولئك الذين يستقبلونها بالشكل الصحيح؛ وبهذه الطريقة تُحقِّق البنود توازنًا بين موضوعية ممارسة الأسرار، وبين الحاجة إلى استحقاق أولئك المشاركين فيها أن يستقبلونها.

تُعَدُّ المعمودية علامة التجديد (الولادة الجديدة)، ومغفرة الخطية، والتبنّي كأولاد لله، والتطعيم في جسد المسيح (الكنيسة)، ولكنَّها لا تُنتِج هذه الأشياء آلِيًّا. لقد قضى قرار محكمة يُعرَف باسم “حُكْم جورهام”[16] عام 1850 بأنَّ كنيسة إنجلترا لا تُعَلِّم “التجديد بالمعمودية”[17]، ولا يزال هذا هو الموقف الأنجليكاني المُعتَرَف به. تحتفظ البنود بمعمودية الأطفال باعتبارها “الأكثر موافقةً” لتعليم المسيح على الرغم من عدم بذل أي محاولة للدفاع عنها لاهوتيًّا. يُوَضِّح كتاب الصلاة أنَّ الكنيسة الأنجليكانية توقَّعت تعميد جميع الأطفال حديثي الولادة وتربيتهم كمؤمنين، إلَّا أنَّ طقس المعمودية نفسه لا يمكن أن يضمن خلاصهم.

إنَّ الشَّرِكَة المقدسة أو عشاء الرب هو علامة على المحبة المسيحية، ولكن الأهم من ذلك هو أنَّه يستعيد ذِكرى موت المسيح من أجل خلاصنا. ترفض البنود عقيدة الاستحالة الجوهريّة[18] رفضًا تامًّا، وتقول إنَّه لا يمكن استقبال (جسد) المسيح إلَّا بالإيمان، بطريقةٍ سماويّة وروحيّة. ترفض البنود الممارسات الطقسية الكاثوليكية المرتبطة بعقيدة الاستحالة، وكذلك الإيمان اللوثري بأنَّ غير المؤمنين يأكلون (جسد) المسيح عندما يتناولون العناصر المُكرَّسة (المقدسة) المُتَمَثِّلة في الخبز والخمر. نَصَّت البنود أيضًا على أنَّه يجب تقديم الشَّرِكَة المقدسة للجميع بكلا النوعين أو الشكلين (الخبز والخمر)،[19] وعلى أنَّ الشَّرِكَة المقدسة ليست بأي حال من الأحوال امتدادًا أو تكرارًا لذبيحة المسيح التي قُدِّمَت مرةً واحدة وإلى الأبد على عود الصليب.

تمنح البنود رجال الدين المُرتَسَمين الإذن بالزواج وفقًا لتقديرهم الخاص (32).[20] كما يجب إبعاد الأشخاص المحرومين كنسيًّا عن الكنيسة حتى تتم مصالحتهم رسميًّا (33). وأخيرًا، يسمح البند 34 لكل كنيسة وطنية بأن تتبنّى تقاليد وأنماط العبادة الخاصة بها، ولكنّه (فيما يتعلّق بكنيسة إنجلترا) يمنح السُّلطات المدنية الحق في تطبيق قراراتها داخل دوائر اختصاصها القانونية.

تُعَدُّ البنود 35-37 أنجليكانية على نحوٍ مُمَيَّزٍ، فهي تُوصي بالعظات (35) وبكتاب الرِّسَامَة (36)، وتعترف أيضًا بالدور الشرعي للحكومة المدنية (37). يَنُصّ البند 37 على أنَّ “أسقف روما” لا يمتلك أي سُلطة في إنجلترا، وعلى أنَّه يجوز لكُلٍّ من الحكومة المدنية أن تُطَبِّق عقوبة الإعدام على الجرائم الخطيرة، وللمسيحيين أن يخدموا في الجيش.

يُمَثِّل البندان 38-39 مُلحَقًا مُصَمَّمًا لمجابهة الأشكال الراديكاليّة لفِكْر إعادة المعمودية Anabaptism،[21] حيث يُدافِع الأول عن حق المؤمنين في حيازة ممتلكاتهم الخاصة، ويقول الثاني بجواز حَلْف اليمين عندما يُطلَب من المرء إبرام عقد أو قول الحقيقة في المحكمة.

اعْتُبِرَتْ بنود الإيمان أنَّها تُقَدِّم نظامًا عقائديًّا شامِلًا للكنيسة التي تَعَرَّضتْ للإصلاح، وقد ظَلَّتْ هذه البنود على حالها دون تغيير منذ عام 1571. لقد حدث الكثير منذ ذلك الوقت، ولكن تَظَلّ هذه البنود الأساس الذي يقوم عليه كل اللاهوت الأنجليكاني الأصيل حتى هذا اليوم.

ما أتى بعد ذلك من تَطوُّرات وجِدالات

حتى منتصف القرن التاسع عشر كان هناك القليل جدًّا من الخروج على عقائد البنود التسعة والثلاثين، ولكن نشأت الخلافات مع رغبة التَّطَهُّريّين (الپيوريتانيّين) في توافُقٍ أكثر صرامة مع تعليم الكتاب المقدس ومع ممارسة الكنائس المُصلَحة الأخرى، ومَيْل خصومهم إلى الدفاع عن الممارسات التقليدية وعن حق الدولة في تقرير عبادة الكنيسة وفقًا لما تراه مناسبًا. وانهار هذا الإجماع بعد عام 1832 عندما دَفَعَ السماح لغير الأنجليكانيين بدخول البرلمان[22] إلى بحث الكثيرين عن مفهوم للكنيسة يكون أكثر “روحانية”.[23] وكانت النتيجة ظهور الأنجليكانية–الكاثوليكية التي نظرت إلى الوراء إلى كنيسة ما قبل الإصلاح، وأدارت ظهرها لِما اعْتَبَرَتْه “بِدَعًا بروتستانتية”. لقد كانت الأنجليكانية–الكاثوليكية إعادة بناء خيالية لتاريخ الكنيسة، وقد استقبلت تنديدًا واسع النطاق باعتبارها هكذا، ولكنّها حقَّقت نجاحًا لا يُستهان به في تعريف “الأنجليكانية” بأنَّها فرع كاثوليكي من الكنيسة الجامعة، إلَّا أنَّه فرعٌ (مثل الكنائس الأرثوذكسية الشرقية) غير خاضع للبابويّة الرومانيّة.

سعى الأنجليكان–الكاثوليك إلى التخلُص من تراث الإصلاح في الكنيسة قدر الإمكان، فقد أعادوا اكتشاف محامي القرن السادس عشر، ريتشارد هوكر (1554-1600)، وجعلوا منه مؤسس الأنجليكانية الحقيقي لأنَّه جادل ضد التَّطَهُّريّين (الپيوريتانيّين)، ونادى بالتوافُق مع مؤسسة الكنيسة، فضلًا عن أنهم نسبوا لأنفسهم تقريبًا كل كاتب مُناهِض للپيوريتانيّين في القرن السابع عشر وأوائل القرن الثامن عشر– على الرغم من أنَّ مُعظَم هؤلاء الكُتّاب كانوا بروتستانتيين في عقيدتهم تمامًا مثلما كان الپيوريتانيّون. استغل الأنجليكان–الكاثوليك غياب القانون في كنيسة إنجلترا وبدأوا يبتدعون ليتورچِيًّا، مُعيدين إدخال ملابس كهنوتية وعدد من الممارسات الطقسية اعتقد الآخرون من البروتستانت أنَّها ملابس وممارسات تنتمي للكاثوليكية الرومانية، ولكنّهم الآن غالبًا ما يعتبرونها “أنجليكانية” نموذجية أيضًا.

كان نجاح الأنجليكان–الكاثوليك الأعظم هو إصرار على “الأسقفية التاريخية”[24] باعتبارها أساسية للأنجليكانية، وهو ما لم تكن عليه من قبل. لقد كان مَقصَدهم هو صَفّ الأنجليكان مع الروم الكاثوليك والأرثوذكس الشرقيين، وكذلك الابتعاد بأنفسهم عن البروتستانت الذين شعروا بالغربة أكثر فأكثر.

غير أنَّ الكاثوليك والأرثوذكس ازْدَروا بمبادراتهم، بالإضافة إلى أنَّ الحركة المسكونيّة الحديثة قد طَمَسَت القضايا إلى حد كبير. كما ذَوَت الأنجليكانية–الكاثوليكية التقليدية مع قيام المزيد من الكنائس الأنجليكانية برسامة النساء، وبقبول غير الأنجليكانيين في الشَّرِكَة المقدسة (عشاء الرب)، وبالاشتراك في المشروعات المسكونيّة، وبشكل رئيسي مع بعض البروتستانت الآخرين. لقد كشفت الأبحاث التاريخية زيف مُعظَم ادِّعاءات الأنجليكانية–الكاثوليكية بشأن الأنجليكانية المبكرة، وفي السنوات الأخيرة كان هناك تجديد للاهتمام بين جماعات مُحافظة بشكل أكبر بصِيَغ كنيسة إنجلترا التي أنتجها الإصلاح (البنود التسعة والثلاثون، العظات، كتاب الصلاة العامة) باعتبارها أساس الوحدة بين الأنجليكان.

لقد تَعَرَّضت الكنيسة الأنجليكانية في الوقت نفسه لهجوم عنيف من قِبَل اللاهوت الليبرالي، ولم تَكُنْ قادرة على إرساء منظومات واضحة تضمن وجود قانون كنسي مشترك بين الكنائس الأربعين ذاتيّة الحُكْم التي تُكَوِّنها. تَكمُن المشكلة في أنَّ الكنيسة الأنجليكانية تحتوي الآن مجموعة واسعة من الآراء حول المسائل اللاهوتية لا نظير لها في أي مكان آخر في العالم المسيحي، جاعِلة مصطلح “اللاهوت الأنجليكاني” تقريبًا بلا معنى. وما إذا كان بإمكان الكنيسة الأنجليكانية أن تعيد تجميع صفوفها حول عقائد الإصلاح، أم أنَّها ستتفتَّت إلى كنائس ومجموعات مستقلة، فهذا ما سيُخبرنا به المستقبل. وليس من عدم الإنصاف اعتبار هذا السؤال هو السؤال الأعظم الذي يَظَلّ بلا إجابة في عصرنا.


[1] كنيسة إنجلترا والكنائس المتصلة بها، والتي تشاركها عقائدها ونظامها. تُمَثِّل الكنيسة الأنجليكانية في بنيتها ولاهوتها وشكل عبادتها تقليد مسيحي وَسَط بين الكاثوليكية الرومانية والإصلاح البروتستانتي.

[2] وهي الحركة التي تتضمن المعتقدات والممارسات التي تُشَدِّد على التراث الكاثوليكي والهوية الكاثوليكية للكنائس الأنجليكانية المختلفة قبل الإصلاح، فهي تُرَكِّز بشكل كبير على مسألة أسرار الكنيسة ولا سيَّما الأهمية المركزية لسِرَّي الشَّرِكَة المقدسة (العشاء الرَّبَّاني)، والخلافة الرسولية للأساقفة (سر الكهنوت). لم يهتم الكاثوليك الأنجليكانيون بالعقيدة فحسب، بل أيضًا باستعادة التعبيرات الليتورچية والتعبُّدية للعقيدة في حياة الكنيسة الأنجليكانية، كالملابس الليتورچية التقليدية، وشموع المذبح، والبخور.

[3] حدث الإصلاح في إنجلترا في القرن السادس عشر عندما انفصلت كنيسة إنجلترا عن سلطة البابا والكنيسة الكاثوليكية، وكانت هذه الأحداث جزءًا من الإصلاح البروتستانتي الأوروبي الأوسع.

[4] بنود الدين الـ 39 هي البيانات التاريخية المُحَدِّدة لعقائد كنيسة إنجلترا وممارساتها، والتي أتت خلال فترة الإصلاح الإنجليزي في القرن السادس عشر لتوفير أساس لاهوتي لوجود كنيسة إنجلترا وَسَط الصراعات العقائدية بين البروتستانت والروم الكاثوليك، وكذلك الجدل داخل كنيسة إنجلترا نفسها. سَعَتْ البنود إلى توفير إجماع أساسي حول النقاط المتنازع عليها، وفصل كنيسة إنجلترا عن بعض عقائد الكاثوليكية الرومانية التي كانت تعتبر انتهاكات وخرافات من العصور الوسطى، ولكنها أكدت في نفس الوقت على جوانب أخرى من الإيمان المسيحي اعتنقتها الكنيسة الكاثوليكية الرومانية.

[5] عبارة عن كتابين معًا يحتويان على 33 عظة تُقَدِّم العقائد الرسمية التي خضعت للإصلاح لكنيسة إنجلترا بعمق وتفصيل حسبما نص البند الـ 35 من بنود الدين الـ 39 على استخدامها في الكنائس بهدف التأكد من أن شعوب كنيسة إنجلترا سوف تسمع فقط العقيدة المعتمدة رسميًا.

[6] وهو كتاب العبادة المستخدم في الكنيسة الأنجليكانية بصفة عامة، وهو يوضح كيف يتم تطبيق عقيدة البنود الـ 39 على عبادة الكنيسة وممارستها من خلال نظام كامل يحدد شكل العبادة في الكنيسة وشكل مختلف ممارساتها وطقوسها.

[7] رابطة دولية من الكنائس تتكون من كنيسة إنجلترا وكنائس أخرى في بريطانيا وخارجها تشاركها نفس الإيمان والنظام والعبادة، وتتكون الطائفة الأنجليكانية من 41 إقليم، يتمتع كل منها بالحكم الذاتي، وجميعها في شَرِكَة -أو علاقة متبادلة- مع كرسي كانتِربِري، وتعترف برئيس أساقفة كانتِربِري باعتباره الرئيس الروحي للطائفة.

[8] وهو كتاب يحوي طقوس رسامة الأساقفة، الكهنة، الشمامسة في الكنيسة الأنجليكانية بعد الانفصال عن الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، ويشرح ما هو المُتَوَقَّع من هذه الرُّتَب الكهنوتية الثلاث.

[9] عقيدة الانبثاق المزدوج للروح القدس من الآب “والابن”: أي أن الروح القدس لا ينبثق من “الآب” فحسب، بل “من الآب والابن”. كلمة (filioque) في اللاتينية تعني “والابن”، وهي الكلمة التي أُضيفَت إلى قانون الإيمان النيقاوي مشيرة إلى انبثاق الروح القدس من الآب “والابن”. كان هناك الكثير من الخلاف حول هذه القضية لدرجة أنها أدت في النهاية إلى الانقسام بين الكنيسة الكاثوليكية الرومانية (الغرب) والكنيسة الأرثوذكسية الشرقية (الشرق) عام 1054.

[10] الكالڤينية المعتدلة هي الفكر الذي يرفض النقطة الثالثة من نقاط الكالڤينية الخمس، الكفارة المحدودة، ولكنه يؤمن بكفارة غير محدودة، أي أنَّ المسيح مات من أجل خطايا جميع الناس لا خطايا المختارين فقط. إنَّه يحافظ على عقيدة الاختيار غير المشروط (النقطة الثانية) حتى أثناء تعليم الكفارة غير المحدودة بهذه الطريقة: لأنَّ الله عَلِمَ أن الجميع لن يستجيبوا بالإيمان لكفارة المسيح (بسبب الفساد الكلي للإنسان، النقطة الأولى)، فقد اختار البعض ليُودِعهم الإيمان الخلاصي.

[11] تعني أنه كما عيَّن الله مُسبَقًا البعض، وليس الكل، للخلاص الأبدي، فهو كذلك عيَّن مُسبَقًا الآخرين للهلاك الأبدي، ولكنها ليست علاقة إيجابية مزدوجة، أي أن الله يتدخَّل على نحو إيجابي وبشكل فعَّال في حياة المختارين ليقودهم للخلاص، وبالطريقة عينها يتدخَّل الله على نحو إيجابي وبشكل فعَّال في حياة الهالكين ليقودهم للخطية؛ وإنَّما هي علاقة إيجابية-سلبية.

[12] يُعَدُّ لاهوت العهد نهجًا للتفسير الكتابي يُقَدِّر أهمية العهود في فَهْم العلاقة بين الله والإنسان وفَهْم تَكَشُّف تاريخ الفداء في الكتاب المقدس. يشرح لاهوت العهد دامِجًا المعارف من علم اللاهوت النظامي وعلم اللاهوت الكتابي الثالوث التدبيري [دراسة الثالوث من ناحية عمل الله -تدبيره- في الخلق والفداء، وأدوار الأقانيم الثلاثة في ذلك]، الشَّرِكَة مع الله، شخص المسيح وعمله، الأسرار المقدسة، التبرير بالنعمة وحدها من خلال الإيمان وحده في المسيح وحده، دور الطاعة في الحياة المسيحية، يقين الخلاص لدى المؤمن، وحدة تاريخ الفداء وتَقَدُّمه، وغيرها من الأمور في ضوء تعليم الكتاب المقدس عن العهود الإلهية.

[13] انعقد سنودس دورت في دوردريخت بهولندا، واستمر لما يقرب من ستة أشهر، من 13 نوفمبر عام 1618 وحتى 29 مايو عام 1619، وكان الغرض منه هو تسوية نزاع بين فصيلين لاهوتيين (الأرمينيين والكالڤينيين) في الكنيسة المُصلَحة الهولندية. كان أعظم إنجاز لهذا السنودس هو إصدار ما اشتهر بعد ذلك باسم “إقرارات دورت” (يتحدّث القسم الرئيسي الأول من الإقرارات عن الاختيار غير المشروط، ويتحدّث القسم الرئيسي الثاني عن الكفّارة المحدودة، ويدمج السنودس القسمان الرئيسيان الثالث والرابع معًا كي يبيِّن أن الفساد الكلي لا يمكن أن يقوم إلا حين يُقدَّم تعليم عن ضرورة النعمة التي لا يمكن أن تُقاوَم، ويُعلِّم القسم الرئيسي الخامس عن مثابرة القديسين بسبب نعمة الله الحافظة) التي تقدِّم الإجابات المُصلَحة عن النقاط الأرمينيّة الخمس (الاختيار المشروط، الكفارة غير المحدودة، الفساد الخطير، النعمة التي يمكن مقاومتها، وعدم اليقين بشأن مثابرة القديسين)، ومن هذه الإقرارات الخمسة ظهر ما يُعرَف الآن باسم “النقاط الكالڤينيّة الخمس أو TULIP”.

[14]  Ordo salutis هي كلمة لاتينية تعني “ترتيب الخلاص”، والتي تتناول التسلسل المنطقي (وليس الزمني) للمراحل المُتَضَمّنَة في عملية خلاص المؤمن. يُقَدِّم بولس صيغة مُرَكّزة من ترتيب الخلاص في رومية 8: 29-30.

[15] هو مفهوم لاهوتي يُعبِّر عن الكنيسة المسيحية “غير المنظورة” التي تضم المختارين الذين لا يعرفهم إلا الله، بخلاف “الكنيسة المنظورة”، أي المؤسسة الموجودة على الأرض الذي تَعِظ بالإنجيل وتمارس الأسرار أو الفرائض، والتي تضم كل أولئك الذين يدّعون أنهم أتباع المسيح أو يُعَرِّفون أنفسهم بأنَّهم أتباع المسيح، مُخلَّصين وغير مُخَلَّصين.

[16] كان حُكْم جورهام في الأساس قرارًا قانونيًّا بأنَّ الآراء المنسوبة إلى جورهام [چورچ جورهام (1787-1857) الذي كان خادمًا أنجليكانيًّا يميل إلى وجهات النظر الكالڤينية حول المعمودية] فيما يتعلق بالمعمودية متوافقة مع بنود كنيسة إنجلترا وصِيَغها العقائدية (الذي وضعها كرانمر) التي يَنُص عليها القانون.

[17] التجديد بالمعمودية هو العقيدة القائلة بأنَّ المعمودية ليست فقط علامة على التجديد ومغفرة الخطية والتبني كأولاد الله والتطعيم في جسد المسيح (الكنيسة)، بل هي وسيلة حدوث التجديد، أي أن الروح القدس فيها يسكب على الشخص المُعَمَّد عطية الحياة الجديدة.

[18] هي عقيدة الكنيسة الكاثوليكية الرومانية والكنيسة الأرثوذكسية الشرقية، والتي تقول إنَّ الكاهن بتقديسه الخبز والخمر في سر الشَّرِكَة المقدسة (عشاء الرب) يتحول جوهرهما فعلًا إلى جسد المسيح ودمه، مع بقاء شكلهما الخارجي كما هو.

[19] لأن الكنيسة الكاثوليكية كانت تُقَدِّم الشَّرِكَة المقدسة للعامّة (الشعب) في شكل الخبز فقط، وكان الكهنة فقط هُم المسموح لهم بتناول الشَّرِكَة المقدسة بكلا النوعين أو الشكلين (الخبز والخمر)؛ حيث أكَّد مجمع كونستانس (1414-1418) أنَّه على الرغم من أن المؤمنين قد استقبلوا هذا السر بكلا النوعين أو الشكلين في الكنيسة الأولى، فقد تغيَّرت هذه الممارسة تدريجياً لتجنب بعض الأخطار والفضائح (والتي تفاوتت بين انسكاب الدم الثمين أثناء توزيعه، والمخاوف الصحية من تقاسُم نفس الكأس وقت الأوبئة، والسُّكْر، والهروب بالأوعية المقدسة)، فلم يُستَقبَل السر لاحقًا بكلا النوعين أو الشكلين إلا من قِبَل أولئك الذين يُعِدّونه (الكهنة)، واستقبله العامّة (الشعب) في شكل الخبز فقط، وأكَّد المجمع أيضًا أنَّ جسد المسيح ودمه كامِلَيْنِ موجودان في كُلٍّ من شكل الخبز وشكل الخمر.

[20] حيث إنَّ القانون في الكنيسة الكاثوليكية هو كالتالي: يُختار جميع الخُدّام المُرتَسَمين في الكنيسة الكاثوليكية اللاتينية (الغربية)، باستثناء الشمامسة الدائمين [أولئك الذين لا يخططون أن يكونوا كهنة]، من بين رجال الإيمان الذين يعيشون حياة بتولية، والذين ينوون البقاء هكذا من أجل ملكوت السماوات. أمّا في الكنائس الكاثوليكية الشرقية فيمكن رسامة الرجال المتزوجين كشمامسة وكهنة، ولكن يُختار الأسقف من الرجال غير المتزوجين. لا يمكن لرجال الدين بِرُتَبهم المختلفة في الشرق أو في الغرب أن يتزوجوا بعد الرسامة.

[21] تعني كلمة Anabaptism إعادة المعمودية، من الكلمة اليونانية “ana” التي تعني “مرة أخرى”. أطلق مضطهدو أصحاب هذا الفكر عليهم هذا الاسم في إشارة إلى ممارسة تعميد الأشخاص عندما يهتدون أو يعلنون إيمانهم بالمسيح حتى لو كان أولئك الأشخاص قد اعتمدوا وهم أطفال. وهو تقليد مسيحي خرج من رحم الإصلاح البروتستانتي في القرن السادس عشر كطريقة للحصول على مزيد من الإصلاحات، وتَضَمَّنت الإصلاحات الإضافية: معمودية الكبار، مشاركة الممتلكات، الالتزام بالسلام (عدم المقاومة، عدم استخدام السلاح، اللاحرب، اللاعنف)، عدم جواز الحَلْف أو القَسَم، فصل الكنيسة عن الدولة. واعتبر كل من البروتستانت والروم الكاثوليك آراء مُعيدي المعمودية متطرفة.

[22] وذلك وفقًا لقانون تمثيل الشعب لعام 1832 (المعروف أيضًا باسم قانون الإصلاح لعام 1832 أو قانون الإصلاح العظيم أو قانون الإصلاح الأول) الصادر عن برلمان المملكة المتحدة.

[23] حيث حدث تغيير كبير في العلاقة بين الدولة وكنيسة إنجلترا من عام 1828 إلى عام 1832، وأراد الكثيرون أن تتحرر كنيسة إنجلترا من سُلطَة الدولة، مُرَكِّزين على كَوْن كنيسة إنجلترا مؤسسة روحية مستقلة (وليست أرضية وطنية تابعة للدولة)، وذلك من خلال التأكيد على الخلافة الرسولية للأساقفة داخل كنيسة إنجلترا، بمعنى أن سُلطة الكنيسة هي سُلطة إلهية مُستَمَدَّة من الرُّسُل.

[24] وهي العقيدة القائلة بتعاقُب الأساقفة على مدار تاريخ الكنيسة من وقت الرسل حتى الوقت الحاضر في خلافة رسولية صحيحة، بمعنى أن سلطة الأساقفة مُستَمَدَّة من الرسل من خلال سلسلة متواصلة من وضع الأيدي (سر الكهنوت)، وما هو دون ذلك لا يُعَدُّ تعاقُب رسولي أو يُمَثِّل خلافة رسولية.

شارك مع أصدقائك

جيرالد براي

أستاذ اللاهوت في كليّة بيسون للاهوت، وأستاذ متميّز في اللاهوت التاريخيّ في كليّة نوكس للاهوت، كما أنه مؤلف للعديد من الكتب ومحرر في مجلة شيرشمان الأنجليكانيّة.