اختبار تشارلز فيني ولاهوته

اختبار تشارلز فيني

في مساء يوم أحد، في العاشر من أكتوبر عام 1821، جثا محامٍ يبلغ من العمر تسعًا وعشرين سنة يُدعى تشارلز فيني على ركبتيه في غابةٍ قرب بلدة آدامز بولاية نيويورك، حيث اختبر اختبارًا عميقًا غيّر مجرى حياته. وفيما يلي مقتطف من روايته لذلك الحدث:

في مساء يوم سبتٍ من خريف عام 1821، عقدت العزم في نفسي أن أحسم مسألة خلاص نفسي في الحال، وأن أصطلح مع الله إن كان ذلك ممكنًا. لكنني كنت منشغلاً أشد الانشغال بأعمال المكتب، وأدركت أنّه من دون عزيمةٍ ثابتةٍ وغايةٍ جازمةٍ، فلن أستطيع أن أُكرّس انتباهي حقًّا لهذا الأمر. لذلك قرّرت في تلك اللحظة أن أتجنّب – قدر المستطاع – كل عملٍ أو أمرٍ قد يلهيني، وأن أُكرّس نفسي بالكامل للسعي في سبيل خلاص نفسي. وقد وضعت هذا القرار موضع التنفيذ بكل ما أوتيت من جدٍّ وصلابةٍ. غير أنّه كان لا بدّ لي من قضاء بعض الوقت في المكتب. ولكن بعناية الله، لم أكن مشغولاً كثيرًا لا يوم الاثنين ولا الثلاثاء، فسنحت لي الفرصة أن أقرأ الكتاب المقدّس وأتفرّغ للصلاة معظم الوقت. . . .

خلال يومي الاثنين والثلاثاء، اشتدّت قناعاتي الداخلية وتأنيب ضميري، غير أنّ قلبي بدا كأنّه يزداد قسوة. لم أستطع أن أذرف دمعة واحدة، ولا أن أرفع صلاة حقيقية. لم تسنح لي الفرصة أن أُصلّي بصوتٍ مسموع، وغالبًا ما كنت أشعر أنّه لو استطعت أن أختلي بنفسي في مكانٍ أرفع فيه صوتي وأُفرغ ما في قلبي، لوجدت راحة في الصلاة. كنت خجولًا ميّالًا إلى الانطواء، فتجنّبت – قدر ما أستطيع – الحديث مع أيّ شخصٍ في أيّ موضوع. ومع ذلك، حرصت أن أفعل ذلك بطريقةٍ لا تثير في ذهن أحدٍ أدنى شبهةٍ بأنني أسعى إلى خلاص نفسي.

في ليلة الثلاثاء، أصابتني حالة من التوتر الشديد، واستولت عليَّ مشاعر غريبة كأنّني على وشك أن أموت. وكنت أعلم يقينًا أنّه إن حدث ذلك، فسوف أهوي إلى الجحيم. غير أنّي حاولت أن أهدّئ نفسي قدر المستطاع حتى الصباح.

في ساعةٍ مبكّرة من الصباح خرجت متوجّهًا إلى المكتب، ولكن قبل أن أصل إليه بدا لي كأن شيئًا ما يعترض طريقي بأسئلةٍ داخلية، وكأنّ صوتًا في داخلي يقول لي: “عمَّ تنتظر؟ ألم تعِد أن تُسلِّم قلبك لله؟ وماذا تحاول أن تفعل الآن؟ أتسعى إلى اقتناء برًّا من نفسك؟”

في تلك اللحظة انكشف أمامي موضوع الخلاص الإنجيلي بصورةٍ عجيبةٍ لم أختبر مثلها من قبل. أظنّ أنّي رأيت حينها، بأوضح ما رأيت في حياتي، حقيقة كفّارة المسيح وكمالها التام. أدركت أنّ عمله قد أُنجز على نحوٍ كامل، وأنّه بدلاً من أن أمتلك برًّا خاصًّا بي أقدّمه إلى الله، كان عليَّ أن أخضع لبرّ الله الذي أُعلِن في المسيح. بدا لي الخلاص الإنجيلي عرضًا إلهيًّا ينبغي قبوله، لا عملاً ينبغي إنجازه؛ وأنّه خلاصٌ كاملٌ تامٌّ، وما كان مطلوبًا من جانبي سوى أن أوافق في قلبي على التخلّي عن خطاياي وقبول المسيح. وأدركت أنّ الخلاص، بدلاً من أن يكون شيئًا أحقّقه بأعمالي، إنما هو أمرٌ يوجد بالكامل في شخص الربّ يسوع المسيح، الذي تجلّى أمامي بصفته إلهي ومخلّصي.

دون أن أعي ذلك بوضوح، وجدت نفسي قد توقّفت في منتصف الطريق، في الموضع ذاته الذي بدا فيه الصوت الداخلي وكأنّه استوقفني. ولا أعلم كم من الوقت بقيت على تلك الحال. ولكن بعد أن لبث هذا الإعلان الإلهي واضحًا في ذهني لبرهة، خُيِّل إليَّ أنّ سؤالاً وُجّه إليَّ: “هل تقبل هذا الآن، اليوم؟” فأجبت قائلاً: “نعم، سأقبله اليوم، أو أموت وأنا أحاول.”

إلى شمال القرية، خلف تلٍّ صغير، كانت تمتدّ قطعة من الغابة اعتدت أن أتمشّى فيها كلّ يوم تقريبًا في الأجواء المعتدلة . . . فبدلًا من أن أمضي إلى المكتب، انعطفت واتّجهت نحوها، شاعراً بأنّه لابدّ لي أن أكون وحدي، بعيدًا عن أنظار الناس وآذانهم، لأستطيع أن أفيض بصلاةٍ صادقةٍ أمام الله. . . .

بدأ يلحّ عليّ شعورٌ قويّ بتهوّر الوعد الذي قطعته على نفسي، وهو أن أُسلِّم قلبي لله في ذلك اليوم أو أموت وأنا أحاول. بدا لي أنّ هذا العهد قد أصبح ملزمًا لروحي، ومع ذلك شعرت بأنني على وشك أن أنقضه. عندها اجتاحتني حالة من الانكسار واليأس العميق، حتى خارت قواي، وأحسست أنني أضعف من أن أستطيع الوقوف على ركبتيّ.

وفي تلك اللحظة بالذات، خُيِّل إليَّ أنني سمعت أحدًا يقترب منّي، ففتحت عينيّ لأرى إن كان الأمر كذلك. ولكن في تلك اللحظة عينها انكشفت لي حقيقة كبرياء قلبي، وتبيَّن لي بوضوح أنها العقبة العظمى التي كانت تعترض طريقي. واستولت عليّ مشاعر غامرة بإثم فظيع — إذ كنت أخجل أن يراني إنسان راكعًا أمام الله — حتى صرخت بأعلى صوتي قائلًا إنني لن أبرح مكاني ولو أحاط بي جميع البشر في الأرض، بل وجميع شياطين الجحيم. وقلت في نفسي: “ما هذا! أأنا، الخاطئ الوضيع، الراكع أمام الإله العظيم القدوس لأعترف بخطاياي، أستحي أن يراني إنسان خاطئ مثلي وأنا أطلب الصلح مع إلهي الذي أسأت إليه!” بدت لي خطيئتي مروّعة، لا حدّ لها، حتى انكسر قلبي تمامًا أمام الرب.

وفي تلك اللحظة بالذات، خطر في ذهني قول الكتاب المقدّس وكأنّ نورًا غامرًا أشرق في قلبي: “فَتَدْعُونَنِي وَتَذْهَبُونَ وَتُصَلُّونَ إِلَيَّ فَأَسْمَعُ لَكُمْ. وَتَطْلُبُونَنِي فَتَجِدُونَنِي إِذْ تَطْلُبُونَنِي بِكُلِّ قُلُوبِكُمْ” (إرميا ٢٩: ١٢-١٣). فتشبّثت بهذه الكلمات بكل قلبي في الحال. كنت من قبل أؤمن عقليًا بالكتاب المقدّس، لكنّ الحقيقة لم تَسكن قلبي قط كما في تلك اللحظة، حين أدركت أن الإيمان ليس مجرّد اقتناعٍ ذهني، بل هو ثقة إرادية حيّة بالله. شعرت بيقينٍ لا يقلّ عن يقيني بوجودي أنّي في تلك اللحظة أضع ثقتي في صدق الله وأمانته. لم أكن متأكدًا أنّي قرأت هذا النصّ من قبل، لكنّي كنت أعلم في قرارة نفسي أنّه كلمة الله وصوته يخاطبني شخصيًا. فصرخت إليه قائلاً: “يا ربّ، إنّي آخذك على وعدك. أنت تعلم أنّي أطلبك بكل قلبي، وقد جئت إلى هذا المكان لأصلّي إليك، وقد وعدتَ أن تسمع لي” . . .

سرت بهدوءٍ نحو القرية، وكان سكون نفسي عميقًا إلى درجةٍ بدت معها الطبيعة كلّها وكأنّها تُصغي في صمت. كان ذلك في العاشر من أكتوبر، في يومٍ جميلٍ لطيف الجو. كنت قد خرجت إلى الغابة بعد الإفطار مباشرة، ولمّا عدت إلى القرية وجدت أنّ وقت الغداء قد حان، غير أنّي لم أكن أشعر بمرور الزمن مطلقًا، إذ خُيّل إليّ أنّي لم أغب عن القرية إلاّ لوقتٍ قصير.

ولكن كيف أفسّر هذا الهدوء العجيب الذي استقرّ في نفسي؟ حاولت أن أستعيد شعوري بالذنب، وأن أسترجع ذلك الثقل الذي كانت خطاياي تضعه على قلبي، ولكن دون جدوى؛ فقد تلاشى عني كل إحساسٍ بالخطية، وكل وعيٍ بالذنب أو الإدانة. قلت في نفسي: “ما هذا؟ كيف لا أقدر أن أُثير في قلبي شعورًا بالذنب، وأنا الخاطئ العظيم؟” حاولت عبثًا أن أقلق على حالي الروحي، ولكن السلام الذي ملأ قلبي كان عميقًا إلى حدٍّ جعلني أتساءل هل فقدت إحساسي بسبب ابتعاد روح الله عني؟ ومع ذلك، أياً كانت زاوية النظر التي نظرتُ منها، لم أستطع أن أُحدث في نفسي أي قلقٍ بشأن خلاصي أو حالتي الروحية. كان سكون نفسي يفوق الوصف، وراحة ذهني لا تُعبَّر عنها بكلمات. كان التفكير في الله حلوًا لنفسي، وقد استولت عليَّ سكينةٌ روحيةٌ عميقةٌ وشاملة. كان هذا سرًّا عظيمًا، لكنّه لم يسبّب لي اضطرابًا ولا حيرة.

ذهبتُ إلى الغداء، لكنني وجدت أن لا شهيّة لي للطعام. ثم ذهبت إلى المكتب، فوجدت أن السيد «و» قد خرج لتناول الغداء. أخذت آلتي الموسيقية، وكما اعتدت من قبل، بدأت أعزف وأرتّل بعض الترانيم المقدّسة. ولكن ما إن بدأت أُنشد تلك الكلمات الروحية حتى انفجرت بالبكاء. بدا لي كأنّ قلبي قد ذاب كلّه، وكانت مشاعري في حالةٍ من الرقة الشديدة حتى إنني لم أستطع أن أسمع صوتي وأنا أغني دون أن تفيض أحاسيسي بالدموع. تعجّبت من ذلك، وحاولت عبثًا أن أُمسك نفسي عن البكاء، ولكنني لم أقدر. وبعد أن فشلت في كبح دموعي، أعدت آلتي الموسيقية إلى مكانها وتوقفت عن الغناء. . .

لم يكن في الغرفة نارٌ ولا ضوء، ومع ذلك بدا لي وكأنّها مضيئة تمامًا. وما إن دخلت وأغلقت الباب خلفي حتى خُيّل إليّ أنني ألتقي بالربّ يسوع المسيح وجهًا لوجه. لم يخطر ببالي حينها، ولا لوقتٍ بعد ذلك، أنّ ما حدث كان حالةً عقليةً فحسب؛ بل بدا لي كأنني أراه كما أرى أيّ إنسان آخر. لم ينطق بكلمة، لكنه نظر إليّ نظرةً كسرتني تمامًا عند قدميه. ومنذ ذلك الحين، ظللت أعدّ تلك اللحظة من أعجب الحالات التي مرّت بي، إذ بدا لي الأمر واقعًا حقيقيًا: أنه واقفٌ أمامي، وأنا أخرّ عند قدميه وأفيض نفسي بين يديه. بكيت بصوتٍ عالٍ كطفلٍ صغير، واعترفت له بما استطعت من اعترافات، على قدر ما سمحت به غصّتي وانقطاع صوتي. خُيّل إليّ أنني غسلت قدميه بدموعي، ومع ذلك لا أذكر أنني شعرت شعورًا ملموسًا بأنني لمستُه.

لابدّ أنّي مكثت في تلك الحالة مدّةً طويلة، لكنّ ذهني كان مستغرقًا تمامًا في تلك المقابلة حتى إنني لا أذكر شيئًا ممّا قلته. غير أنّي أعلم أنّه حين هدأ عقلي بما يكفي لأخرج من تلك الحالة، عدت إلى المكتب الأمامي، فوجدت النار التي كنت قد أوقدتها بالحطب الكبير تكاد تنطفئ. وبينما كنت ألتفت لأجلس بجانبها، شعرت بأنّني نلت معمودية الروح القدس العظيمة. حدث ذلك دون أن أكون أتوقّع شيئًا من هذا القبيل، أو أن يكون قد خطر ببالي يومًا أنّ مثل هذا الأمر يمكن أن يحدث لي، أو حتى أنني سمعت أحدًا يتحدّث عنه من قبل. لقد انسكب الروح القدس عليّ بطريقةٍ شعرت بها تخترق كياني كلّه، جسدًا ونفسًا، كما لو كانت موجة من الكهرباء تسري في أعماقي. بل بدا لي الأمر كأنّه موجات متتابعة من المحبّة السائلة – فلا أجد وصفًا أصدق من ذلك – وكانت أشبه بنَفَس الله ذاته. وأذكر بوضوحٍ أنّي أحسست كأنّ أجنحةً عظيمة ترفرف من حولي وتُظلّلني.

لا كلمات تستطيع أن تعبّر عن المحبّة العجيبة التي انسكبت في قلبي في تلك اللحظة. بكيت بصوتٍ عالٍ من شدّة الفرح والمحبّة، بل لعلّي أستطيع القول إنّ قلبي كان يفيض بصرخاتٍ لا يُعبّر عنها بالكلمات. كانت موجات المحبّة الإلهيّة تتوالى عليّ الواحدة تلو الأخرى، حتى إنّي أذكر أنّي صرخت قائلًا: “سأموت إن استمرّت هذه الموجات تجتاحني!” وقلت أيضًا: “يا ربّ، لا أستطيع احتمال المزيد!” ومع ذلك، لم يكن في قلبي أدنى خوفٍ من الموت.

في تلك الحالة الروحية العميقة، تعلّمت عقيدة التبرير بالإيمان بوصفها خبرةً حاضرة واقعية. لم تكن هذه العقيدة قد استقرّت في ذهني من قبل، ولم أكن أنظر إليها بوضوح على أنها من الحقائق الجوهرية للإنجيل، بل في الحقيقة لم أكن أعلم معناها الصحيح على الإطلاق. لكنني الآن أدركت بوضوح معنى قول الرسول: “فإِذْ قَدْ تَبَرَّرْنَا بِالإِيمَانِ، لَنَا سَلاَمٌ مَعَ اللهِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ” (رومية ٥: ١). رأيت أنّه في اللحظة التي آمنتُ فيها، وأنا في الغابة، زالت عني كل مشاعر الإدانة تمامًا؛ ومنذ تلك اللحظة لم أعد أستطيع أن أستحضر في نفسي أيّ إحساسٍ بالذنب مهما حاولت. لقد اختفى شعوري بالخطية، ومُحيت آثامي، حتى إنني لم أشعر بعدها بأيّ شعورٍ بالذنب، كما لو أنني لم أرتكب خطيئة قطّ.

كان هذا الإعلان الإلهيّ عين ما كنت أحتاج إليه. شعرت أنني تبرّرت بالإيمان، ووجدت نفسي – بقدر ما كنت أرى – في حالةٍ لا أُخطئ فيها. فبدلًا من الإحساس المستمر بالخطية كما في السابق، كان قلبي ممتلئًا بالمحبّة حتى فاض بها. لقد كانت كأس قلبي تفيض بالبركة والمحبّة، ولم أعد أشعر أنني أُسيء إلى الله في شيء. كما لم أستطع أن أستعيد أدنى شعورٍ بالذنب عن خطاياي الماضية. أمّا عن هذه الخبرة – خبرة التبرير هذه – فلا أذكر أنني تحدّثت عنها لأحدٍ في ذلك الوقت مطلقًا.

لاهوت تشارلز فيني

مضى فيني بعد ذلك ليصبح أحد أعظم مبشّري النهضة الثانية الكُبرى في أمريكا، كما تولّى رئاسة كلية أوبرلين بين عامي 1851 و1865. غير أنّه، مع الأسف، أورث العالم الإنجيليّ لاهوتًا بيلاجيًّا يمتزج بنزعة نحو المثالية والكمال الروحي، وهو لاهوت ما زالت آثاره العميقة تُلقي بظلالها على الفكر واللاهوت الإنجيلي إلى يومنا هذا.

في مقالٍ بعنوان “إرث تشارلز فيني“، يتتبّع مايكل هورتون كيف أن فيني رفض عقيدة الخطية الأصلية، وأنكر مفهوم البدليّة في كفّارة المسحية وأنكر أيضًا التبرير بالنعمة وحدها من خلال الإيمان وحده، وهي جميعها من الركائز الجوهرية للإيمان الإنجيلي المُصلّح.

فقد تمحوّر لاهوت تشارلز فيني حول القدرة الأخلاقية للإنسان لا حول نعمة الله السيادية، مُتّبعًا آراء بيلاجيوس المهرطق في القرن الخامس، فأنكر عقيدة الخطيئة الأصلية. فقد اعتقد أن الإنسان يختار بنفسه أن يكون فاسدًا أو بارًّا، ورفض فكرة أن البشر يولدون بطبيعةٍ خاطئة. وبناءً على ذلك، رأى أن آدم قاد الناس إلى الخطية بمثاله السيئ، وأن المسيح، آدم الثاني، يخلّصهم أيضًا بمثاله الصالح لا بالتكفير عن خطاياهم.

رأى فيني أن المسيح لم يمت عن خطايا الآخرين، بل عن نفسه فقط، وأن طاعته الكاملة لا يمكن أن تُحسب قانونيًا نيابة عن البشر! فبرأيه، موت المسيح لم يكن فداءً بديليًا بل عملًا أخلاقيًا يقدّم مثالًا أعلى للمحبة والإيثار، يهدف إلى تحفيز الناس على ترك الأنانية واتباع الفضيلة. وهكذا حوّل فيني معنى الكفّارة من عملٍ إلهي يخلّص الخطاة إلى درسٍ أخلاقيّ ينهض بالبشر نحو الإصلاح الذاتي. كما اعتبر أن التجدّد الروحي ليس عملًا للروح القدس، بل قرارٌ بشريٌّ إراديّ في اتجاه القلب من الأنانية إلى المحبة متأثرًا بالمثال الأخلاقي للمسيح.  أما التبرير بحُسبان بر المسيح للمؤمن، فقد اعتبرها فيني خرافةً أقرب إلى القصص منها إلى لاهوتٍ حقيقي، واعتبر أن الطاعة الكاملة المستمرة حتى نهاية الحياة، مع التقديس الدائم، هي شرط التبرير، وأن كل خطيئة تتطلّب تجديدًا للتبرير. وبجعله التجديد والحياة الجديدة التي في المسيح ثمرة لجهد الإنسان لا لأعمال نعمة الله، حوّل فيني المسيحية من إنجيل الخلاص الإلهي السيادي إلى منظومةٍ أخلاقيةٍ للإصلاح الذاتي. ويختتم هورتون بالقول إنّ فيني ليس عدوًّا للبروتستانتية الإنجيلية فحسب، بل لجوهر المسيحية التاريخية بأسرها.

شارك مع أصدقائك