واحد من أكثر الأمور جمالًا والتي يقوم بها الرب في بلادنا اليوم هو صحوة جموع المؤمنين لإدراك أهمية رؤية الرب يسوع في كل الكتاب المقدس. إن الوعظ والتعليم المُتمركز حول المسيح يكتسب زخمًا لم يسبق له مثيل في بلادنا، نشكر الرب علي هذه النهضة التي قام بها بروحه القدوس!
ولكن ربما تسأل: لماذا من المهم رؤية يسوع في كل الكتاب المقدس؟ دعني أقدم لك سببين على الأقل لماذا من الضروري على كل مؤمن أن يرى المسيح في كل الكتاب المقدس.
أولاً: إنها الطريقة الوحيدة لفهم الكتاب المقدس بشكل صحيح
إن رؤية يسوع كبطل قصة الكتاب المقدس سيغير قراءتنا للكتاب. إنها الطريقة الوحيدة لنفهم الكتاب المقدس بشكل صحيح.
تخيل أنك في السينما تشاهد فيلم Avengers: Endgame وتم محو جميع مشاهد بطل الفيلم Ironman باستثناء مشهده الأخير أمام عدوه Thanos. النتيجة: ستجد صعوبة في فهم الفيلم ومعرفة التضحية التي قدمها بطل الرواية في ذروة القصة. لن تفهم الحبكة، على الأقل بالقدر الذي يريدك مؤلف الفيلم أن تفهمه.
شيءٌ مماثلٌ لذلك يحدث مع الكتاب المقدس عندما لا نفهم أن الأمر كله يتعلق بيسوع وأنه موجود بطريقة ما في كل الكتاب المقدس. يمكنك أن تفهم بعض الأشياء عن الإنجيل وأن تنال الخلاص، حتى لو لم تفهم حقًا كيف كان يسوع حاضرًا في العهد القديم، ولكن يستحيل أن تفهم الكتاب المقدس بشكل صحيح كما قَصَد الرب لك أن تفهمه.
من الواضح أن يسوع ليس مذكورا في كل آية من الكتاب المقدس. لذا فإن رؤية يسوع في كل الكتاب المقدس ليست مجرد رؤية اسمه مذكورًا في أحد أجزاء الكتاب. بل أن الأمر يدور حول فهم أن كل الكتاب المقدس يعلن عن حبكة واحدة، يسوع هو بطلها.
تحدث يسوع عن ذلك لاثنين من تلاميذه بعد قيامته، في الطريق إلى عمواس:
فَقَالَ لَهُمَا: «أَيُّهَا الْغَبِيَّانِ وَالْبَطِيئَا الْقُلُوبِ فِي الإِيمَانِ بِجَمِيعِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الأَنْبِيَاءُ! أَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ بِهذَا وَيَدْخُلُ إِلَى مَجْدِهِ؟» ثُمَّ ابْتَدَأَ مِنْ مُوسَى وَمِنْ جَمِيعِ الأَنْبِيَاءِ يُفَسِّرُ لَهُمَا الأُمُورَ الْمُخْتَصَّةَ بِهِ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ. (لوقا 24: 25-27)
وتحدث أيضا عن هذا عندما قال: “فَتِّشُوا الْكُتُبَ لأَنَّكُمْ تَظُنُّونَ أَنَّ لَكُمْ فِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً. وَهِيَ الَّتِي تَشْهَدُ لِي!” (يوحنا 39:5)
لاحقا، أعلن بطرس عن ذلك في موت المسيح وقيامته: “وَأَمَّا اللهُ فَمَا سَبَقَ وَأَنْبَأَ بِهِ بِأَفْوَاهِ جَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ، أَنْ يَتَأَلَّمَ الْمَسِيحُ، قَدْ تَمَّمَهُ هكَذَا” (أعمال الرسل 18:3). في مقاطع أُخرى، كتب بولس أن يسوع مات وقام بحسب الكتب (كورنثوس الأولى 15: 3-4)، وتلك “الْكُتُبَ الْمُقَدَّسَةَ، الْقَادِرَةَ أَنْ تُحَكِّمَكَ لِلْخَلاَصِ، بِالإِيمَانِ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ” (تيموثاوس الثانية 15:3).
عندما لا نرى يسوع في كل الكتاب المقدس، فإننا نميل إلى الاعتقاد بأن الكتاب مجرد سلسلة من القصص المنفصلة غير المترابطة، والتي تُقدم مجموعة من الأمثلة الأخلاقية والوصايا. في واقع الأمر، فالكتاب المقدس هو قصة يكشف فيها الله عن مجده، ويُظهر محبته لنا، ويدعونا أن نسير في عبادته.
وهذا يقودنا للنقطة التالية.
ثانياً: قلوبنا بحاجة لمعرفة مجد الله
السبب الرئيسي الآخر لأهمية مركزية المسيح في كل الكتاب المقدس هو أن الرب يُظهر مجده في يسوع، وقلوبنا بحاجة لرؤية ذلك المجد حتى تتغير وتعيش من أجل الرب.
قرأت مؤخرًا العديد من كتب سي. إس. لويس، ومن خلالها شعرت أنني تعرفت -قليلاً-على ذلك المؤلف الشهير. تعرفت عليه من خلال معرفة أفكاره، وطريقة ترتيبه للأحداث في رواياته، ومن خلال الأفكار التي يروج لها أو ينتقدها في كتاباته.
شيءٌ مماثلٌ لذلك يحدث مع الكتاب المقدس. عندما نعرف ما هو مُعلن فيه، ونتعرف على كاتبه (تيموثاوس الثانية 3: 16-17). في الواقع، أن الغرض الأساسي من الكتاب المقدس هو أن نتعلم من كل صفحة فيه عن شخصية الرب، وصفاته، وإرادته. يمكنك الاعتقاد أن الكتاب المقدس هو سيرة الله الذاتية التي وهبها لنا، حيث يخبرنا فيه من هو، ماذا فعل وماذا سيفعل، وما هي خطته لكل شيء في الكون.
من المدهش، في الكتاب المقدس، أن نرى كيف يقدم الله نفسه -في أكثر اللحظات إثارة في التاريخ على أنه الشخص الذي يدور حوله كل شيء: “الْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ، مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا.”(يوحنا 14:1). يسوع نفسه يقول: “اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ”(يوحنا 9:14). لاحقًا، يؤكد بولس أن يسوع “هُوَ صُورَةُ اللهِ غَيْرِ الْمَنْظُورِ، بِكْرُ كُلِّ خَلِيقَةٍ” (كولوسي 15:1).
يعلن الرب عن مجده -امتيازات صفاته ومن يكون في ابنه وليس بأي طريقة أخرى. لذلك يتحدث بولس عن الإنجيل على أنه “إِنْجِيلِ مَجْدِ الْمَسِيحِ،” حيث يُرى مجد الرب في وجه المسيح (كورنثوس الثانية 4: 4-6).
نحن نتغير عندما ننظر إلى ذلك المجد (كورنثوس الثانية 18:3). إن التعمق في الإنجيل يُحدث ثورة في حياتنا ويقودنا إلى عبادة الله امتنانًا وتسبيحاً على الخلاص العظيم الذي منحنا إياه (رومية 12: 1-2). أن نُفتن بمجد الله هو إذن مفتاح التغلب على الخطية في حياتنا، لنكون مستعدين حقا أن نعطي كل شيء في عبادة للرب، ونفرح به في خضم كل الظروف.
إن قراءة الكتاب المقدس وعدم رؤية المسيح فيه أمر مأساوي، مثل رؤية المنظر المذهل للنجوم، المنظر الذي من شأنه أن يحبس أنفاسك، وبمنتهى الحماقة تفقد هذا المشهد الخلاب من خلال توجيه تلسكوبك إلى الأرض! فلنتعلم إذن رؤية المسيح في كل الكتاب المقدس. وجه تلسكوبك نحوه، النجم الرئيسي المُشع الذي يعطي معنًا وسطوعًا لكل شيء آخر.