لماذا تسمح المسيحيّة بالتبنيّ؟

التبني قيمة عظيمة ونبيلة جدًا مارستها كل الشعوب والأمم المتحضرة. ففي العهد القديم، نتقابل مع ابنة فرعون وهي تتبنى موسى النبيّ حين كان طفل رضيع، وتخبرنا عبرانيين 24:11 بأنه دُعي ابن ابنة فرعون. ويُفتتح العهد الجديد على تبني يوسف خطيب العذراء مريم، للطفل يسوع، وقد منحه اسمه ونسبه، ورعاه كابن له. فسلسلة نسب المسيح المذكورة في افتتاحية إنجيل متى، هي نسبه ليوسف النجار (متى 16:1). كما أن أحد ألقاب الله في الكتاب المقدس هي أنه ” أَبُو الْيَتَامَى وَقَاضِي الأَرَامِلِ” (مزمور 68: 5–6)، وإنه الملاذ والملجأ الذي يجد اليتيم فيه الحب والرحمة (هوشع 3:14).

التبني أم الكفالة؟

ليس التبني في المسيحية مجرّد كفالة بمصروفات اليتيم؛ إذ أن الطفل بحاجة لأكثر من مجرد أموالنا وكسوتنا. هو يحتاج إلينا. فهو محتاج لأسرة. يحتاج أب، وأم، وأخوات. هو بحاجة للشعور بالانتماء لعائلة حقيقية. يحتاج أن يُعوّض عن فقدانه لأبويه، لا أن يحيا حياته كلها يجني ثمار أخطاء أو وضع ليس له يد فيه.

غلطة أم اختيار؟

ربما يأتي ملايين الأطفال إلى دُنيانا كـ”غلطة”، ولكن التبني ليس “غلطة”، لكنه اختيار.

التبني هو شيء مُخطط ومدروس، ونابع من اختيار رحيم مليء بالإحسان أن تمنح أسرة اسمها ليتيم، وينزعوا عنه عار اليُتم، ويُدمجوه وسطهم، ويمنحوه الحب، ويعاملونه كابن لهم، ويُشاركونه الميراث مع أولادهم.

أساس التبنيّ

قد تبدو الفكرة للبعض صعبة، لكنها نبيلة جدًا، وتسموا فوق كل الحجج والاعتراضات. فهي تنبع وتستند على حقيقة أعظم: أن الله قد تبنانا لنفسه في المسيح. يقول يوحنا في رسالته الأولى:

اُنْظُرُوا أَيَّةَ مَحَبَّةٍ أَعْطَانَا الآبُ حَتَّى نُدْعَى أَوْلاَدَ اللهِ! (1 يوحنا 1:3)

فقد دعانا الله لنكون أولاده نحن الذين كنا “بِالطَّبِيعَةِ أَبْنَاءَ الْغَضَبِ” (أفسس 3:2)؛ نحن الذين يقول عنّا المسيح أننا من أب واحد هو إبليس ولا نعمل سوى رغباته الشريرة (يوحنا 44:8)؛ نحن الذين، في كثير من الأحيان، يُنظر إلى بعضنا على أننا قد جئنا إلى هذا العالم “غلطة” لم يكن مخطط لها.

ولكن أنظروا كيف أن الله، في رحمته، قد خطط لتبنينا لنفسه، حتى قبل أن نولد، بل قل حتى قبل أن يخلق الكون! يقول الرسول بولس أن الله:

… اخْتَارَنَا فِيه [المسيح] قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ… إِذْ سَبَقَ فَعَيَّنَنَا لِلتَّبَنِّي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ لِنَفْسِهِ، حَسَبَ مَسَرَّةِ مَشِيئَتِهِ… (أفسس 4:1–5)

فالمسيحيون الحقيقيّون، بسبب أنهم في المسيح–الابن الوحيد، لا يُعاملهم الله الآب كعبيد أو أعداء؛ وإنما هم أولاد لله بالتبني. وتقول الرسالة إلى العبرانيين أن المسيح “لاَ يَسْتَحِي أَنْ يَدْعُوَهُمْ إِخْوَةً” (عبرانيين 11:2).

فلكل شخص يرى أن التبنيّ عمل مُشين، أقول له أن الله بذاته قد أنعم على المؤمنين به ورحمهم وتبناهم لنفسه، دون أدنى استحقاق منهم؛ والمسيح، الابن الوحيد الذي من ذات جوهر الآب، لا يستحي أن يدعونا اخوته بالتبني.

التبني والميراث

الله لم يُنعم على المؤمنين به فقط بأن يُنتسبوا إليه ويجدوا قيمتهم فيه حين ضمهم ليكونوا من أهل بيته، بل قد وهبهم أيضًا أن يُنادوه “يَا أَبَا الآبُ”، ووعدهم أن يمنحهم نصيب في ميراث المسيح في الأبدية. ويُطلق الكتاب المقدس على المسيحيين الحقيقيين أنهم “وَارِثُونَ مَعَ الْمَسِيحِ” (رومية 15:8–17؛ غلاطية 6:4؛ أفسس 19:2)

نحن كمؤمنين لم نفعل أي شيء نستحق بسببه أن ننال قسط من ميراث المسيح، لكن المسيح رضيّ بأن يُشاركنا ميراثه الذي هو من حقه وحده كإخوة له بالتبنيّ. وسواء تحدثنا عن التبنيّ بالمعنى الطبيعيّ، أو الروحيّ، فكلاهما لم يُبنى على الاستحقاق، بل على مبادرة حب مجانيّ بدون مقابل.

فإذا كان الله قد تبنانا ونحن لا نستحق، ألا نسمح نحن أيضًا بالتبني؟

 

شارك مع أصدقائك

مينا م. يوسف

يدرس حاليًا درجة الدكتوراة (Ph.D) في الإرساليات والأديان المقارنة في الكليّة المعمدانيّة الجنوبيّة، بولاية كنتاكي الأمريكيّة. كما حصل على درجة الماجستير (M.A) في الدراسات الإسلاميّة من جامعة كولومبيا الدوليّة، بولاية ساوث كارولاينا الأمريكيّة. ويعمل كمدير مشروعات الشرق الأوسط في خدمات الألفيّة الثالثة، وكمساعد أستاذ للدراسات العربيّة والإسلامية بالكليّة المعمدانية الجنوبية. كما شارك في تأليف كتاب Medieval Encounters باللغة الإنجليزيّة.