لماذا لم تُحرّم المسيحية الرق والعبودية؟

YouTube player

ده سؤال فعلًا جميل ومهم قوي، خاصة أن أحنا أول ما بنسمع سيرة العبودية، أوقات عقلنا بيروح للممارسات الشنيعة اللي مارسها المستعمر الأوروبي في حق الأفارقة في أمريكا. بس العبودية مش بعيدة عن شعوبنا وبلادنا العربية والإسلامية. فإذا كان المستعمر الأوروبي اشترى العبيد واستعبدهم، فالعرب والمسلمين كانوا متخصصين في بيع وتجارة العبيد. فمفيش حد معفي من الجريمة دي، وكلنا لازم ندينها علشان نعرف نتقدم.

للأسف، العبودية كانت جزء من كل ثقافة وحضارة، الأمم مارسته كجزء من نظامها الاقتصادي والاجتماعي. فمثلًا، في زمن المسيح، كانت نسبة العبيد بتمثل 75% من تعداد مدينة أثينا، وأكتر من 50% من تعداد روما. طب إيه كان موقف الكتاب المقدس من العبودية؟

أولًا، موقف العهد القديم:

خلينا دايمًا فاكرين أن الأصحاحات الأولى من سفر التكوين بتشكّل كتير من وعينا ومنظورنا. فإحنا بنشوف من البدء الله بيخلق البشر، كل البشر، على صورته، لما بيقول كده في تكوين 1: 27

فخلق الله الانسان على صورته. على صورة الله خلقه. ذكرا وانثى خلقهم (تكوين 27:1)

وخليني هنا أقول لك أن لما نبيّ الله موسى كتب سفر التكوين، في الوقت ده كان الملوك بس بيشوفوا نفسهم أنهم صورة الآلهة بتاعتهم. لكن هنا الله بيعلمنا إن مش بس في فئة أو شريحة من الناس هما اللي على صورة الله، بل إن كل البشر، بدون تمييز، على صورته.

نظام العبودية بيذكره سفر الخروج 21: 2–7، واللي ممكن نسميه “العبودية الطوعية أو الاختيارية”: إن يجي شخص من شعب الله فقير، ويروح يشتغل كعبد عند شخص غني. لكن شريعة العبودية دي كانت بتقتضي إن الشخص ده مايفضلش عبد إلى الأبد، لكن يتم إطلاق سراحه بعد ما يخدم سيده 6 سنين، إلا لو هو قرر تاني إنه يفضل في عبودية طوعية في خدمة سيده ده، لو العبد كان شايف إن سيده ده كان بيحسن إليه.

صحيح إن سفر اللاويين 25: 44–46، بيقول إن كان في نوع تاني من العبودية، وهو شبه نظام العبودية اللي كان سائد في العالم وقتها، لكن الله تركه موجود زي ما ترك تعدد الزوجات وما حرمهوش دفعة واحدة. لكن حط له ضوابط، وهي منعه إساءة معاملة العبيد. بنشوف ده في خروج 23: 9، ولاويين 19: 33–34. كمان سفر التثنية 24: 7 بيقول إن لو في حد اتمسك وهو بيحاول يخطف شخص علشان يأخده كعبد، الشخص ده كان بيتحكم عليه بالموت.

ثانيًا، موقف العهد الجديد:

نيجي للعهد الجديد، ونشوف كلمات الرسول بولس عن المساواة بين المؤمنين، في غلاطية 3: 28

ليس يهودي ولا يوناني. ليس عبد ولا حر. ليس ذكر وانثى، لانكم جميعا واحد في المسيح يسوع.

وده مكنش مجرّد شعار من الشعارات الجوفاء، لكنه حقيقة. في مرة الرسول بولس كان مسجون، واتقابل في السجن مع عبد هربان من سيده. وكانت جريمة هروب العبد في الإمبراطورية الرومانية وقتها، إن العبد ده يتقتل. ترتيب ربنا كان إن بولس كان يعرف صاحب العبد ده، واللي اسمه فليمون، وكان مؤمن بالمسيح. في الرسالة دي الرسول بولس مش بس طلب من السيد فليمون إنه يقبل العبد الهارب ويسامحه بس، لا! اسمع كده معايا قاله إيه:

[قاله إنه يقبله] لا كعبد في ما بعد، بل افضل من عبد: اخا محبوبا، ولا سيما الي، فكم بالحري اليك في الجسد والرب جميعا! فان كنت تحسبني شريكا، فاقبله نظيري.

الرسول بولس بيقول له اقبله نظيري؟! أقبله زي ما أنت قابلني! زي ما أنت قابلني كأخ ليك، أقبل العبد ده كأخ! خليني أقول لك معلومة، إن أرسطو من أشهر تعاليمه عن العبيد هو أنه مش ممكن تكون في صداقة بين سيد وعبد! الكتاب المقدس هنا بيكسّر الأعراف والقوانين الظالمة بتاعة العبودية، وبيقول في مثل حيّ للسيد فليمون إنه يقبل العبد كأخ ليه في المسيح.

ثالثًا: تاريخ الكنيسة

بيقول روبين لين فوكس في كتابه الوثنيون والمسيحيون في القرن الثاني والثالث، إن كتير جدًا من المسيحيين الأوائل لما كانوا بيؤمنوا كانوا بيعتقوا عبيدهم في حضور الراعي أو الأسقف. والقديس أوغسطينوس في كتابه مدينة الله، كان شايف إن العبودية هي نتاج الخطية والسقوط، وهي ضد خطة الله الأساسية للبشر. كمان، في العصور الوسطى، بيقول لنا التاريخ إن كتير من الرهبان في أوروبا كانوا بيشتروا العبيد من الحكّام المسلمين في الأندلس ويحرروهم. وبحلول القرن 12، كانت أوروبا شبه خالية من العبيد. لكنها للأسف رجعت تاني من خلال الإنجليز في القرن الـ17 لاستغلالهم في المستعمرات البريطانية.

الكتاب المقدس لم يقنن أو يحلل العبودية، لكنه في البداية تعامل مع وجودها ووضع ليها بعض الضوابط الأخلاقية، ثم تدريجيًا أدرك المسيحيين في نور العهد الجديد مدى سوء وظلم الأمر ده. وخليني أقول لك حاجة حصلت معايا، من فترة كنت في زيارة لمتحف الكتاب المقدس في واشنطن دي سي، وهناك شوفتهم عارضين نُسخة من الكتاب المقدس اللي كان مجموعة من المُستعمرين الأوروبيين المتطرفين بيسمحوا للعبيد الأفارقة إنهم يقروها. عارف المفاجأة إيه؟ إن النسخة دي من الكتاب أخفوا منها سفر الخروج! لأنهم كانوا مدركين كويس إن قصة سفر الخروج ببساطة هي قصة تحرير مجموعة من العبيد! ده يقول لك مدى قوة رسالة وموقف الكتاب المقدس من العبودية. وجه العهد الجديد علشان يطالب السادة زي فليمون بمعاملة العبيد كإخوة ليهم في المسيح.

 

شارك مع أصدقائك

مينا م. يوسف

يدرس حاليًا درجة الدكتوراة (Ph.D) في الإرساليات والأديان المقارنة في الكليّة المعمدانيّة الجنوبيّة، بولاية كنتاكي الأمريكيّة. كما حصل على درجة الماجستير (M.A) في الدراسات الإسلاميّة من جامعة كولومبيا الدوليّة، بولاية ساوث كارولاينا الأمريكيّة. ويعمل كمدير مشروعات الشرق الأوسط في خدمات الألفيّة الثالثة، وكمساعد أستاذ للدراسات العربيّة والإسلامية بالكليّة المعمدانية الجنوبية. كما شارك في تأليف كتاب Medieval Encounters باللغة الإنجليزيّة.