ما الفرق بين الأدب الجنسي ونشيد الأنشاد؟

ما الفرق بين الأدب الجنسي الشائع وسِفر نشيد الأنشاد؟ فكلاهما يصف النشاط الجنسي البشري بتفاصيل صريحة ومثيرة. ويقدِّم كلاهما أوصافًا تفصيليَّة للجسم البشري، متضمِّنة على الأقل تلميحات إلى الأعضاء التناسليَّة. وكلاهما يرسم صورًا مذهلة للحياة الجنسيَّة ويستحضر أحاسيسًا قويَّة. فما الفرق إذًا بينهما؟

هل الأمر ببساطة هو أن سفر نشيد الأنشاد كان واحدًا من المؤلَّفات الأدبيَّة الجنسيَّة وأخذه الروح القدس وضمَّه إلى الكتاب المقدَّس؟ إذا كان الأمر كذلك، فإنَّه سيتوجب علينا أن نستنتج أحد الخيارين، إمَّا أنَّ الروح القدس قد التقط خنزيرة “أدبيَّة” من حظيرة الخنازير وزيَّنها بأحمر الشفاه وألبسها ثوبَ احتفالٍ (أو قميصًا شفَّافًا، حسبما يقتضي الحال)، وكان يأمل ألَّا نلاحظ رائحتها الكريهة، وإمَّا أنَّ الأدب الجنسي ليس شرًّا بطبيعته. لا أعتقد أنَّ أيًّا من هذين الخيارين صحيح. لا بدَّ أنَّ هناك اختلافًا جوهريًّا بين ما نشهده في نشيد الأنشاد، وما نواجهه في الأدب الجنسي الدنيوي.

وهناك إجابة أساسيَّة واحدة تُظهر نفسها بعدَّة طرق. فالفرق الرئيسي بين نشيد الأنشاد والأدب الجنسي هو الفرق بين الوسيلة والغاية. إذ إنَّ الهدف الأساسي لسليمان في سفر النشيد هو وصف الحب والجمال. وللقيام بذلك، يستخدم سليمان التتميم الأساسي لهاتين الفضيلتَين، ألا وهو النشاط الجنسي البشري. فالحب والجمال غايتان، والجنس هو الوسيلة. أمَّا الأدب الجنسي فإنَّه يعكس هذا الترتيب. حيث إنَّ الهدف الرئيسي من الأدب الجنسي هو وصف النشاط الجنسي البشري، وأحيانًا يتم ذلك باستخدام أوصاف للجمال الجسدي أو الحب، أو كليهما. في الأدب الجنسي، يكون النشاط الجنسي هو الغاية، بينما الحب والجمال مجرَّد وسيلتَين -يمكن الاستغناء عنهما.

الجمال في نشيد الأنشاد والجمال في الأدب الجنسي

لاحظ الفرق بين الطريقة التي يعامَل بها الجمال في نشيد الأنشاد، وتلك التي يُوظَّف بها الجمال في الأدب الجنسي. بالنسبة لسليمان، لا بدَّ من الاحتفاء بالجمال الجسدي بكل حماس وحمية الشباب. وينبغي وصفه بتفاصيل تكاد تكون ملموسة:

شَفَتَاكِ كَسِلْكَةٍ مِنَ الْقِرْمِزِ، وَفَمُكِ حُلْوٌ.

خَدُّكِ كَفِلْقَةِ رُمَّانَةٍ تَحْتَ نَقَابِكِ. (نشيد الأنشاد 4: 3)

خَدَّاهُ كَخَمِيلَةِ الطِّيبِ وَأَتْلاَمِ رَيَاحِينَ ذَكِيَّةٍ.

شَفَتَاهُ سُوْسَنٌ تَقْطُرَانِ مُرًّا مَائِعًا.  (نشيد الأنشاد 5: 13)

بالطبع، يزداد الأمر وضوحًا وجرأةً: فهناك أوصاف لثديَيها (4: 5؛ 7: 3، 7-8؛ 8: 10)، وفخذَيها (7: 1)، وبطنها العاري (7: 2)، وجاذبيَّة “جَنَّتها” (4: 12-5: 1)، وخُضر “بستانها” (6: 11). غير أنَّ هذه الأوصاف الجريئة والمثيرة حين تُؤخذ مع بقيَّة الصور المعروضة في باقي السِفر، يكون التأثير الإجمالي ليس هو الهوَس الجامح بعضوٍ أو عضوَين من الجسم البشري. وإنَّما نحن نبتهج بالجسم البشري ككل، للذكر والأنثى على حدٍّ سواء. بعبارة أخرى، فإنَّ سليمان هنا مغرمٌ بالجمال وليس بالنشاط الجنسي.

في الأدب الجنسي أو في المواد الإباحيَّة، لا يوجد مكان للجمال الحقيقي. غير أنه يوجد بالتأكيد محاكاة لبعض الجوانب الجميلة للجسد البشري، ولكن حتى هذه الجوانب يجري التركيز عليها بشكل أخرق وبتسرُّع المراهق، سعيًا لتسليط الضوء على الشيء الأهم: الجنس.

الحب في نشيد الأنشاد والحب في الأدب الجنسي

تأمَّل في مكانة الحب في نشيد سليمان مقابل مكانته في الأدب الجنسي. فدائمًا ما تقود أوصافُ الجمال الجسدي في نشيد الأنشاد إلى مديحٍ ومنه يقود إلى الحب نفسه:

قَدْ سَبَيْتِ قَلْبِي يَا أُخْتِي الْعَرُوسُ،

قَدْ سَبَيْتِ قَلْبِي بِإِحْدَى عَيْنَيْكِ …

مَا أَحْسَنَ حُبَّكِ يَا أُخْتِي الْعَرُوسُ!

كَمْ مَحَبَّتُكِ أَطْيَبُ مِنَ الْخَمْرِ! … (نشيد الأنشاد 4: 9-10)

وفي أحد أكثر الأوصاف إثارةً للعاطفة، يؤكِّد سليمان على أن الطُمأنينة نفسها يمكن الحصول عليها في حضن الحبيب:

أَنَا سُورٌ وَثَدْيَايَ كَبُرْجَيْنِ،

حِينَئِذٍ كُنْتُ فِي عَيْنَيْهِ كَوَاجِدَةٍ سَلاَمَةً. (نشيد الأنشاد 8: 10)

يبدو أن كيرت فونيجوت (kurt Vonnegut) قد أدرك الفرق بين حب الجمال وبين الشهوة المحضة عندما كتب قصَّته القصيرة “ملكة جمال الإغراء”(Miss Temptation)، والتي تتضمَّن ما يجب تصنيفه كأحد أفضل الأوصاف للجسم الأُنثوي في كل العصور. وربما يكون وصفه مأخوذًا مباشرةً من نشيد سليمان: “كان شَعر سوزانا مجدُول كالريش، وعيناها الواسعتان متَّشحتان بالسواد كنصف الليل، وبشرتها فاتحة كالقشدة، وفخذاها مثل القيثارة في استدارتها، وصدرُها يُغرِق الرجال في أحلامٍ بالسلام والخير إلى أبد الآبدين”.

أي قطعة من الأدب الجنسي يمكن أن تضاهي تلك الكتابة؟

إنَّ الأدب الجنسي ليس مهتمًّا بالحب. وإن كان في بعض الأحيان سيُضفي مظهرًا خادعًا من الحب على بعض قصصه، غير أنَّ الحب لم يكن قط هو مغزاه الرئيسي. فما الحب عنده إلَّا خلفيَّة دراميَّة لأحداث القصَّة. يُكتب الأدب الجنسي بغرض إثارة الأحاسيس، بينما نشيد الأنشاد غرضه الاحتفاء. الأول مكتوبٌ لإثارة الشهوة، والآخر لاستحضار الجمال.

إنَّ الفارق بينهما هائلٌ. فنشيد الأنشاد هو نصب تذكاري للحب والجمال والعلاقة الصحيحة بينهما. بينما تجربة النشاط الجنسي هي القاعدة التي يرتكز عليها النصب التذكاري بأمان وجرأة. يُعلِّمنا سليمان أنَّ الجمال الأكثر سحرًا هو محصِّلة للحب الأكثر استماتة، إذ تغدو الحبيبة جميلةً جدًّا تحديدًا لأنَّها محبوبة جدًّا.

 

شارك مع أصدقائك

راعي كنيسة فونتين المعمدانية في مارتينسفيل ، فيرجينيا.