ما هي الترجمة السبعينية؟

لِمَ ينبغي أن يهتمَّ المسيحيُّون بالترجمة السبعينيَّة؟

إن الترجمة السبعينيَّة ربما تكون بالفعل هي أهم ترجمة للكتاب المُقدَّس. فهي أقدم ترجمة للعهد القديم إلى لغة أخرى. وكان فيلو (الفليسوف اليهوديّ السكندريّ) ويوسيفوس (المؤرّخ اليهوديّ الشهير) يعتبران أنها تقف على قدم المساواة مع الكتاب المُقدَّس العبري. وقد كانت مفضَّلة على النص العبري في الكنيسة المسيحيَّة الأولى. كما أنها تسلِّط الكثير من الضوء اللازم على تطوُّر العهد الجديد.

ومع ذلك، فإن الكثير من المسيحيِّين ليست لديهم معرفة تُذكَر بها.

ما هي الترجمة السبعينيَّة؟

يُعتَقَد في المعتاد أن المصطلح “سبعينيَّة” يشير إلى النسخة (أو الترجمة) اليونانيَّة للكتاب المُقدَّس العبري، بقدر كون الفولجاتا هي الترجمة اللاتينيَّة، والبشيطا هي الترجمة الأراميَّة. لكن، كي نتحرَّى الدقة، نقول إنه لا وجود لما يسمَّى “الترجمة السبعينيَّة”. فإذا كانت بحوزتك نسخة حديثة من الترجمة السبعينيَّة (على سبيل المثال، طبعة رالف أو برينتون)، فهي طبعة “انتقائيَّة”، أي إنها مجموعة مختارة من أفضل المخطوطات اليونانيَّة وأكثرها جدارة بالثقة التي جرى ترميمها واستعادتها بحيث تكون قريبةً قدر الإمكان من الترجمة الأصليَّة للعهد القديم من اللغة العبريَّة إلى اللغة اليونانيَّة.

إذن، عندما يستخدم العلماء هذا المصطلح، لا يشيرون بهذا إلى نص واحد، بل بالأحرى إلى مجموعة مختارة من الترجمات اليونانيَّة التي أصدرها العديد من الكتبة على مدار بضع مئات من السنوات، والتي كُتِبت على الأرجح في مواضع مختلفة. واليوم، يُستخدَم هذا المصطلح في المعتاد للإشارة بوجه عام إلى الترجمات اليونانيَّة المتعددة للكتاب المُقدَّس العبري، بالإضافة إلى بعض الأسفار الإضافيَّة، مثل سفر طوبيا، والمكابيين، ويشوع بن سيراخ، على سبيل المثال لا الحصر.

مع أن رسالة أرستياس (القرن الثاني قبل الميلاد) تحمل طبيعة أسطوريَّة إلى حد ما، لكنها تحوي بعض المعلومات الثمينة عن أصول الترجمة السبعينيَّة. فهي تخبرنا بأن ملكًا مصريًّا يُدعَى بطليموس فيلادلفوس (حكم من 285-246 قبل الميلاد) كلَّف بعمل ترجمة للكتاب المُقدَّس العبري حتى توضع في مكتبته بمدينة الإسكندريَّة. وبالتالي، أُرسِل اثنان وسبعون مترجمًا من أورشليم إلى جزيرة فاروس لترجمة التوراة إلى اللغة اليونانيَّة.

المصطلح “سبعينيَّة”، ومعناه “سبعون”، يشير فعليًّا إلى الاثنين والسبعين مترجمًا –ستة منهم من كلِّ سبط من أسباط إسرائيل– الذين اشتركوا في ترجمة الأسفار الخمسة الأولى من اللغة العبريَّة إلى اللغة اليونانيَّة في القرن الثالث قبل الميلاد (قُرِّب العدد 72 إلى سبعين، ومن هنا جاء الاسم “السبعينيَّة”). أما بقيَّة الكتاب المُقدَّس العبري، فتُرجِم من اللغة العبريَّة إلى اللغة اليونانيَّة على يد أشخاص متعدِّدين على مدار القرن التالي أو نحو ذلك.

ما الحاجة إلى ترجمة يونانيَّة للعهد القديم؟

كانت اللغة العبريَّة قد توقفت في وقت مبكر، في فترة السبي أو ما بعد السبي تقريبًا (راجع نحميا 13: 24)، عن أن تكون هي لغة الحديث المشتركة، وصارت اللغة الأراميَّة هي لغة الحديث المشتركة بين اليهود. وبظهور الإسكندر الأكبر، والإمبراطوريات اليونانيَّة، تحوَّل اليهود في الشتات إلى تبنِّي الثقافة الهلينستيَّة. وبالنسبة لبعض اليهود، ولا سيما الذين كانوا يعيشون في مصر البطلميَّة، صارت اللغة اليونانيَّة هي اللغة الرئيسيَّة. وبالتالي، صار ضروريًّا أن يترجم الكتاب المُقدَّس إلى اليونانيَّة.

من المهم أن نتذكَّر أن الترجمة السبعينيَّة هي في المقام الأول ترجمة. وواحد من مجالات الدراسة الرئيسيَّة للترجمة السبعينيَّة في هذه الأيام هو دراسة المنهجيَّة (أو المنهجيات) التي اتبعها الكتبة في الترجمة. على سبيل المثال، هل اتبع مترجم أسفار العهد القديم منهجيَّة حرفيَّة، أم منهجيَّة أقرب إلى التكافؤ الديناميكي (أي بتصرف بهدف توصيل المعنى)؟

يتفق العلماء معًا على أن بعض الترجمات عبارة عن ترجمة حرفيَّة، في حين أن البعض الآخر هو إعادة صياغة أو ترجمة بتصرُّف، أشبه بترجمة كتاب الحياة العربية. وفي ضوء أن المخطوطات اليونانيَّة هي أقدم الشهود على العهد القديم العبري، يمكن لمخطوطة مترجمة حرفيًّا بدرجة أكبر أن تفيد في عمليَّة النقد النصي. إلا أن الترجمات غير الحرفيَّة يمكن أن تسلط بعض الضوء أيضًا على الفكر اللاهوتي للإيمان اليهودي في فترة الهيكل الثاني المتأخرة، أو فلسفة هذا الإيمان، أو طبيعة ممارساته الدينيَّة.

تساعدنا الترجمة السبعينيَّة لنفهم العهد الجديد فهمًا أفضل

أبدى واحد من علماء اللغة اليونانيَّة الملاحظة التالية: “إن ساعة واحدة مخصَّصة بحماسٍ لدراسة نص الترجمة السبعينيَّة ستزيد من معرفتنا التفسيريَّة بالرسائل البولسيَّة أكثر كثيرًا من يوم كامل نقضيه في قراءة كتاب تفسير”. رغم هذه المبالغة، قليلون سيختلفون في الرأي مع الفكرة العامة، ألا وهي أن الترجمة السبعينيَّة مصدر لا يقدَّر بثمن للمسيحيِّين المهتمِّين بالعهد الجديد”.

ثمة بعض النواحي الجليَّة التي أثَّرت بها الترجمة السبعينيَّة في العهد الجديد. على سبيل المثال، إن لقب يسوع، “المسيح” [Christos]، الذي جاء في العهد الجديد، هو الترجمة اليونانيَّة التي وردت في الترجمة السبعينيَّة للكلمة العبريَّة maschiach، ومعناها “الممسوح”. بعض الكلمات الأخرى المألوفة لدينا، مثل “مجد” [doxa]، و”رب” [kurios]، و”إنجيل” [euangelion]، تستمد معناها الخاص من الترجمة السبعينيَّة.

واحد من أهم مجالات دراسة الترجمة السبعينيَّة هو كيفيَّة استخدام العهد القديم في العهد الجديد. والسبب في ذلك هو أن غالبيَّة الاقتباسات المباشرة من العهد القديم في العهد الجديد مكافئة للترجمة السبعينيَّة، وليس للكتاب المُقدَّس العبري (أو النص المازوري). يوجد نحو 300 نصًّا كتابيًّا من العهد القديم مقتبس بشكل مباشر، أو ملمح إليه بقوة، في العهد الجديد.

في غالبيَّة الأحيان، لم يكن كُتَّاب العهد الجديد يقتبسون نص العهد القديم كلمة بكلمة، لكنهم كانوا يعيدون صياغة نصوص العهد القديم، مستخدمين أساليب تفسيريَّة يهوديَّة. لكن، في الحالات التي اقتُبِس فيها من العهد القديم كلمة بكلمة، كان الاقتباس من الترجمة السبعينيَّة، حيث فضَّلها كُتَّاب العهد الجديد على النص المازوري ما يقرب من 75% من الوقت (وفقًا لبعض العلماء، تتصاعد هذه النسبة المئويَّة إلى ما يزيد على 90% وفقًا لتعريف المرء لكلمة “اقتباس”).

يثير ذلك العديد من الأسئلة المهمة: هل اقتبس كُتَّاب العهد الجديد من الترجمة السبعينيَّة بهدف تقديم حُجة لاهوتيَّة معينة لم يكن من الممكن تقديمها إلا باستخدام الترجمة اليونانيَّة؟ أم إن هذا التفضيل الواضح للترجمة السبعينيَّة سببه فقط هو استخدام ترجمة العهد القديم التي تتفق مع اللغة التي كان كاتب السفر الكتابي يكتب بها؟ ربما يشبه ذلك في يومنا هذا اقتباس واعظ من ترجمة ESV أو ΝΙV الإنجليزيَّة، دون أن يلقي بالًا للاختلافات في الترجمة أو للفروق التفسيريَّة.

واحد من الأمثلة المثيرة للاهتمام هو اقتباس إشعياء 7: 14، تلك الكلمات الشهيرة التي نطق بها إشعياء النبي لآحاز الملك، في متى 1: 23،

  • النص العبري: “هَا الفتاة الشابة [‘almah] تَحْبَلُ وَتَلِدُ ٱبْنًا”
  • النص السبعيني: “ها العذراء [Parthenos] تَحْبَلُ وَتَلِدُ ٱبْنًا”
  • متى 1: 23، “هَا ٱلْعَذْرَاءُ [Parthenos] تَحْبَلُ وَتَلِدُ ٱبْنًا”.

اقتبس متى من الترجمة السبعينيَّة (وليس من النص العبري) كلمة بكلمة، الأمر الذي يوحي بأن لغة الميلاد العذراوي ليسوع مستمدَّة، جزئيًّا، من الترجمة السبعينيَّة.

قطعًا، ينبغي دراسة كلِّ نص على حدة، وبتدقيق، لكن تفوُّق الاقتباسات في العهد الجديد من الترجمة السبعينيَّة، وتفوُّق المصطلحات اللاهوتيَّة السبعينيَّة المفتاحيَّة، يطالبنا بأخذ الترجمة السبعينيَّة على محمل الجد.

تساعدنا الترجمة السبعينيَّة لنفهم الفكر اللاهوتي اليهودي فهمًا أفضل

كذلك، تلقي الترجمة السبعينيَّة بالضوء على الفكر اللاهوتي للشعب اليهودي في فترة الهيكل الثاني (الفترة السابقة لأزمنة العهد الجديد)، وممارسات العبادة لديهم.

على سبيل المثال، في النسخة السبعينيَّة من الأسفار الخمسة الأولى، تُرجِمت الكلمة العبريَّة التي معناها مذبح [mizbeah] إلى thysiasterion، في حالة الإشارة إلى المذبح اليهودي، لكن إلى bomos، في حالة الإشارة إلى المذابح الوثنيَّة. يبيِّن ذلك أنه كان لدى المترجمين على الأرجح دافع لاهوتي، حيث أرادوا التمييز بين الممارسات اليهوديَّة والممارسات غير اليهوديَّة.

يختلف العلماء في الرأي معًا حول مدى التفسيرات اللاهوتيَّة الموجودة في الترجمة السبعينيَّة، ولا سيما في المواضع حيث تحيد الترجمة اليونانيَّة كثيرًا عن الكتاب المُقدَّس العبري. قال البعض إن الغرض الرئيسي للمترجم كان أن يترجم الأسفار المُقدسَّة، ويجعلها سهلة المنال ومفهومة لدى سامعيه، وهو الأمر الذي ربما كان شبيهًا بالطريقة التي قد يتولى بها مترجم معاصر للكتاب المُقدَّس مهمته.

آخرون أكدوا أن وظيفة المترجم كانت مدفوعة بدرجة أكبر بدوافع لاهوتيَّة أو تفسيريَّة، أي إن غرضه كان أن يعيد تفسير الأسفار المُقدسَّة، ويجعلها واقعًا ملموسًا لدى مجتمعه، ويربطها بظروف وأحداث معاصرة.

واحد من الأمثلة التي توضح هذا الجدل هو الترجمة اليونانيَّة لنشيد العبد الذي جاء في إشعياء 53: 10، والتي تختلف اختلافًا ملحوظًا عن النص المازوري:

  • النص المازوري: ” أَمَّا يهوه فشاء أن يسحقه بالألم”
  • النص السبعيني: “والربُّ شاء أن يطهره من ضربته”.

لمَ ترجم مترجم النص السبعيني الكلمة العبريَّة التي معناها “يسحق” إلى الكلمة اليونانيَّة التي معناها “يطهر”؟ افترض أحد العلماء أن المترجم أراد التقليل من معاناة العبد، حتى يتجنَّب ربط يهوه بأفعال “شيطانيَّة”.

تقول نظريَّة أخرى إن المترجم لم يكن يعرف معنى هذه الكلمة النادرة نسبيًّا، وإن الفعل “يطهر” هو مجرد سوء ترجمة أو تخمين. الاحتمال الثالث هو أن المترجم كان يستخدم نصًّا عبريًّا به كلمة أخرى مختلفة عن الكلمة العبريَّة الموجودة هنا.

ربما أمكنك أن ترى الآن لمَ يحب علماء الترجمة السبعينيَّة التنقيب في هذه الترجمة!

الصلة بين الترجمة السبعينيَّة والعهد القديم العبري

واحدة من المشكلات التي تواجه العلماء هي حقيقة وجود اختلافات بين الترجمة السبعينيَّة والكتاب المُقدَّس العبري في كلِّ سفر من أسفار العهد القديم. غالبيَّة هذه الاختلافات يمكن تجاهلها، لكنَّ بعضها اختلافات مهمة إلى حد كبير، تشمل فقرات كاملة من السفر الكتابي، إن لم يكن أصحاحات.

على سبيل المثال، يمكن رصد وجود اختلافات كبرى في سلاسل الأنساب بين تكوين 5، وتكوين 11. وتوجد إضافات كبيرة وأمثلة لحذف (عبارات أو آيات أُضيفت أو حُذِفت) في غالبيَّة أسفار العهد القديم، ولا سيما في سفر العدد، وسفر يشوع، وسفر صموئيل، وسفر الملوك. كذلك، يوجد اختلاف كبير في التسلسل الزمني والمقاطع الاستهلاليَّة بين سفر صموئيل وسفر الملوك. وسفر المزامير في الترجمة السبعينيَّة يحوي مزمورًا إضافيًّا (المزمور 151). كذلك، الترجمة السبعينيَّة لسفر إرميا أقصر كثيرًا (نسبة 1/8) من النسخة العبريَّة. وأخيرًا، في سفر دانيال وسفر أستير، أضيفت مقاطع كبيرة إلى الترجمتين إلى اليونانيَّة.

تُعَد عمليَّة تحديد النص الأقدم أو “الأصلي” عمليَّة معقدة، مشوبة بالتحديات. ومع ذلك، انخرط العلماء في النقد النصي، وقاموا بتحليل الاختلافات بين المخطوطات اليونانيَّة والعبريَّة (وأخرى أيضًا). وقد حكموا على هذه الاختلافات بحسب المراحل المختلفة التي مرت بها أسفار العهد القديم، وذلك بهدف تحديد موثوقيَّة المخطوطات، والعلاقة بينها.

هذه الدراسات أُدرِجت في الطبعات النقديَّة للكتاب المقدس العبري (على سبيل المثال، طبعة BHS، وBHQ، وHUBP)، والكتاب المُقدَّس اليوناني (ترجمة كامبريدج أو جوتنجن السبعينيَّة)، وقد أحدثت في بعض الأحيان تأثيرًا على ترجماتنا الحالية.

وعندما يعمل المترجمون في العصر الحديث على إصدار ترجمة للكتاب المُقدَّس، تُستخدَم هذه النصوص لتحديد أفضل ترجمات أسفار العهد القديم. ولا يزال هناك الكثير من الجهد الذي ينبغي أن يُبذَل.

لا يسعُنا أن نكون مبالغين إذا شدَّدنا على أهميَّة الترجمة السبعينيَّة. فهي تلقي بالكثير من الضوء اللازم على كلمات ومفاهيم لاهوتيَّة مهمة موجودة في كلٍّ من العهد القديم والعهد الجديد، كما تساعدنا لنفهم على نحو أفضل الظروف الدينيَّة والسياسيَّة التي عاش فيها يسوع وكُتَّاب العهد الجديد. وهي قد ساعدت العلماء أيضًا على تحديد المخطوطات الأكثر موثوقيَّة، الأمر الذي أدَّى بدوره إلى صدور ترجمات جديرة بالثقة للعهد القديم. كذلك، هي تمدُّنا بفهم أفضل لآباء الكنيسة، الذي اعتادوا الاقتباس من الترجمة السبعينيَّة، مفضِّلين إياها على الكتاب المُقدَّس العبري. وبالتالي، فمع أنني قد لا أوصي بأن تبيع كل ما لك لاقتناء ترجمة سبعينيَّة، أقول لك بحماس: “اذهب واقتن واحدةً!”


للمزيد حول الترجمة السبعينية، اضغط هنا.

شارك مع أصدقائك

أستاذ اللاهوت بكليّة جوردون كونويل للاهوت.