يوحنا ٣: ١–١٠
١كَانَ إِنْسَانٌ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ اسْمُهُ نِيقُودِيمُوسُ، رَئِيسٌ لِلْيَهُودِ. ٢هذَا جَاءَ إِلَى يَسُوعَ لَيْلاً وَقَالَ لَهُ:«يَا مُعَلِّمُ، نَعْلَمُ أَنَّكَ قَدْ أَتَيْتَ مِنَ اللهِ مُعَلِّمًا، لأَنْ لَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَعْمَلَ هذِهِ الآيَاتِ الَّتِي أَنْتَ تَعْمَلُ إِنْ لَمْ يَكُنِ اللهُ مَعَهُ». ٣أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ:«الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ اللهِ». ٤قَالَ لَهُ نِيقُودِيمُوسُ:«كَيْفَ يُمْكِنُ الإِنْسَانَ أَنْ يُولَدَ وَهُوَ شَيْخٌ؟ أَلَعَلَّهُ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ بَطْنَ أُمِّهِ ثَانِيَةً وَيُولَدَ؟» ٥أَجَابَ يَسُوعُ:«الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ. ٦اَلْمَوْلُودُ مِنَ الْجَسَدِ جَسَدٌ هُوَ، وَالْمَوْلُودُ مِنَ الرُّوحِ هُوَ رُوحٌ. ٧لاَ تَتَعَجَّبْ أَنِّي قُلْتُ لَكَ: يَنْبَغِي أَنْ تُولَدُوا مِنْ فَوْقُ. ٨اَلرِّيحُ تَهُبُّ حَيْثُ تَشَاءُ، وَتَسْمَعُ صَوْتَهَا، لكِنَّكَ لاَ تَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ تَأْتِي وَلاَ إِلَى أَيْنَ تَذْهَبُ. هكَذَا كُلُّ مَنْ وُلِدَ مِنَ الرُّوحِ». ٩أَجَابَ نِيقُودِيمُوسُ وَقَالَ لَهُ:«كَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هذَا؟» ١٠أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ:«أَنْتَ مُعَلِّمُ إِسْرَائِيلَ وَلَسْتَ تَعْلَمُ هذَا!
لقد بدأنا سلسلة من الرسائل عن الولادة الجديدة. قال الرب يسوع لنيقوديموس في يوحنا ٣: ٣ “الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ اللهِ.” وكان يتحدث إلى كل واحد منا، عندما قال ذلك. لم يكن نيقوديموس حالة خاصة. يجب أن نُولد أنا وأنت مرة أخرى، أو لن نرى ملكوت الله. وهذا يعني أننا لن نخلص، ولن نكون جزءً من عائلة الله، ولن نذهب للسماء، ولكن بدلا من ذلك سوف نذهب إلى الجحيم.
كان نيقوديموس واحد من الفريسيين، أكثر القادة اليهود تديّنا. قال لهم المسيح في متى ٢٣: ١٥ و٣٣ “وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تَطُوفُونَ الْبَحْرَ وَالْبَرَّ لِتَكْسَبُوا دَخِيلاً وَاحِدًا، وَمَتَى حَصَلَ تَصْنَعُونَهُ ابْنًا لِجَهَنَّمَ أَكْثَرَ مِنْكُمْ مُضَاعَفًا. أَيُّهَا الْحَيَّاتُ أَوْلاَدَ الأَفَاعِي! كَيْفَ تَهْرُبُونَ مِنْ دَيْنُونَةِ جَهَنَّمَ؟” ولذا فإن سلسلة التي بدأناها ليست هامشية. إنها مركزية. فالأبدية معلقة في كفة الميزان عندما نتحدث عن الولادة الجديدة. “إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ اللهِ.”
الولادة الجديدة غير مريحة:
في الرسالة الأولى المرة الماضية ركزنا على أسباب هذه السلسلة وأنواع الأسئلة التي سوف نسألها. سؤال اليوم هو: ماذا يحدث في الولادة الجديدة؟ قبل محاولة الإجابة على هذا السؤال، اسمحوا لي أن أذكر مصدر قلق جاد للغاية لدي حول الطريقة التي سيتم الاستماع لهذه الرسائل. وأنا أدرك أن هذه السلسلة من الرسائل ستكون مقلقا لكثير منكم، تماما مثلما تكون كلمات المسيح مقلقة لنا مرارا وتكرارا إن كان لنا أن نأخذها على محمل الجد. هناك على الأقل ثلاثة أسباب لذلك:
١) بسبب لحالتنا الميؤوس منها:
تعليم المسيح عن الولادة الجديدة تواجهنا بحالتنا الروحية الأخلاقية والقانونية الميؤوس منها بدون تجديد نعمة الله. قبل حدوث الولادة الجديدة لنا، نحن أموات روحيا. نحن أنانيون أخلاقيا ومتمردون. نحن مذنبون قانونا أمام شريعة الله، وتحت غضبه. عندما قال لنا المسيح أنه يجب أن نولد ثانية هو يخبرنا بأن حالتنا الحالية لا تستجيب بشكل يائس، وفاسدة، ومذنبة. بدون النعمة المذهلة في حياتنا، نحن لا نحب أن نسمع ذلك عن أنفسنا. ولذلك فمن غير المريح عندما يقول لنا المسيح أنه يجب أن نولد ثانية.
٢) لأننا لا نستطيع أن نتسبب في الميلاد الجديد:
التعليم عن الولادة الجديدة هو أمر غير مريح لأنه يشير إلى شيء يتم لنا، وليس شيئا نقوم نحن به. تؤكد يوحنا 1: 13 هذا. فإنه يشير إلى أبناء الله كأولئك “اَلَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُل، بَلْ مِنَ اللهِ.” يؤكد بطرس الشيء نفسه: “مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي حَسَبَ رَحْمَتِهِ الْكَثِيرَةِ وَلَدَنَا ثَانِيَةً” (١ بطرس ١: ٣). نحن لا نتسبب في الولادة الجديدة. الله يتسبب في الولادة الجديدة. أي شيء صالح نحن نقوم به هو نتيجة الولادة الجديدة، وليس سببا للولادة الجديدة. وهذا يعني أن الولادة الجديدة هي خارج إرادتنا. فإنها ليس في سيطرتنا. وهكذا تواجهنا بعجزنا واعتمادنا المطلق على شخص خارج أنفسنا.
هذا هو القلق. قيل لنا أننا لن نرى ملكوت الله إن كنا لا نولد ثانية. وقيل لنا أننا لا يمكن أن نجعل أنفسنا تولد ثانية. هذا هو القلق.
٣) لأن الحرية المطلقة لله تواجهنا:
والسبب الثالث أن تعاليم المسيح عن الولادة الجديدة هو أمر غير مريح، لذلك، هو أنه يواجهنا بالحرية المطلقة لله. فبدون الله، نحن أموات روحيا في أنانيتنا وتمردنا. فنحن بالطبيعة أبناء الغضب (أفسس ٢: ٣). تمردنا عميق جدا بحيث أننا لا نستطيع نتطلع أو نرغب في مجد المسيح في الإنجيل (٢ كورنثوس ٤: ٤). ولذلك، فإن كنا سنولد من جديد، سوف يعتمد ذلك بشكل حاسم، وفي نهاية المطاف على الله. قراره أن يجعلنا أحياء لا يمكن أن يكون ردا على ما نحن نفعله كجثث روحية، بل ما نفعله سوف يكون استجابة لجعله لنا أحياء. بالنسبة لمعظم الناس، على الأقل في البداية، هذا أمر مقلق.
رجائي: تحقيق الاستقرار والخلاص، وليس مجرد عدم الارتياح
لذلك، أود أن أبدأ هذه السلسلة، وأنا على علم كيف أن هذا التعليم عن الولادة الجديدة يمكن أن يكون غير مريح. وكم أود أن أكون حريصا. فأنا لا أريد أن أتسبب في أي إزعاج لا لزوم له للنفوس الضعيفة. وأنا لا أريد أن أعطي رجاءً كاذبا لأولئك الذين خلطوا بين الأخلاق والدين للحياة الروحية. الرجاء الصلاة لأجلي. أشعر أنني آخذ نفوسا أبديا في يدي في هذه الأيام. ومع ذلك أنا أعلم أنه ليس لدي قوة في نفسي لمنحهم الحياة. ولكن الله يفعل ذلك. وأنا متفائل جدا أنه سيفعل ما قاله في أفسس ٢: ٤-٥ “اَللهُ الَّذِي هُوَ غَنِيٌّ فِي الرَّحْمَةِ، مِنْ أَجْلِ مَحَبَّتِهِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي أَحَبَّنَا بِهَا، وَنَحْنُ أَمْوَاتٌ بِالْخَطَايَا أَحْيَانَا مَعَ الْمَسِيحِ بِالنِّعْمَةِ أَنْتُمْ مُخَلَّصُونَ.” يحب الله أن يعظم غنى نعمته المعطية حياة حيث يُرفع المسيح في الحق. هذا ما أتمناه: أن هذه السلسلة لن تكون فقط غير مريحية ولكن مستقرة، بل وتخلص.
ماذا يحدث في الميلاد الجديد؟
لذلك دعونا ننتقل الآن إلى السؤال: ماذا يحدث في الولادة الجديدة؟ سأحاول أن أضع الإجابة في ثلاثة بيانات. الأولين سنناقشهما اليوم، والثالث سنناقشه (إن شاء الرب) الأسبوع المقبل. ١) ما يحدث في الولادة الجديدة ليس هو الحصول على دين جديد، ولكن الحصول على حياة جديدة. ٢) ما يحدث في الولادة الجديدة ليست مجرد تأكيد ما هو فوق طبيعي في المسيح ولكن اختبار الفوق الطبيعي في نفسك. ٣) ما يحدث في الولادة الجديدة ليس تحسينا لطبيعتك البشرية القديمة ولكن خلق طبيعة إنسانية جديدة، طبيعة هي حقا أنت، مغفور لها ومطهرة، وطبيعة جديدة حقا، يتم تشكيلها بروح الله الساكن فينا. دعونا نأخذ هذه واحدة تلو الأخرى.
١) حياة جديدة، وليس دين جديد:
ما يحدث في الولادة الجديدة ليس هو الحصول على دين جديد، ولكن الحصول على حياة جديدة. اقرأ معي أول ثلاث آيات من يوحنا ٣: “كَانَ إِنْسَانٌ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ اسْمُهُ نِيقُودِيمُوسُ، رَئِيسٌ لِلْيَهُودِ. هذَا جَاءَ إِلَى يَسُوعَ لَيْلاً وَقَالَ لَهُ:«يَا مُعَلِّمُ، نَعْلَمُ أَنَّكَ قَدْ أَتَيْتَ مِنَ اللهِ مُعَلِّمًا، لأَنْ لَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَعْمَلَ هذِهِ الآيَاتِ الَّتِي أَنْتَ تَعْمَلُ إِنْ لَمْ يَكُنِ اللهُ مَعَهُ». أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ:«الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ اللهِ».”
يضمن يوحنا أننا نعرف أن نيقوديموس فريسيا ورئيسا لليهود. وكان الفريسيون أكثر صرامة دينيا من بين مختلف الجماعات اليهودية.، قال المسيح (لهذا الشخص في الآية ٣) “الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ اللهِ.” وحتى بشكل شخصي أكثر في الآية ٧: “يَنْبَغِي أَنْ تُولَدُوا مِنْ فَوْقُ.” واحدة من نقاط يوحنا هي: أن كل تدين نيقوديموس، وكل من دراسته الفريسية المذهلة وانضباطه وحفظه للناموس، لا يمكن أن يحل محل الحاجة إلى الولادة الجديدة. في الواقع، هي قد تجعل الحاجة أكثر وضوحا إلى الولادة الجديدة.
ما يحتاجه نيقوديموس، وما احتاجه أنا وأنت، هو ليس دينا ولكن حياة. الفكرة في الاشارة إلى الولادة الجديدة هي أن الولادة تجلب حياة جديدة إلى العالم. فمن ناحية، بطبيعة الحال، نيقوديموس على قيد الحياة. فهو يتنفس، ويفكر، ويشعر، ويسلك. هو إنسان، مخلوق على صورة الله. لكن من الواضح، أن المسيح يعتقد أنه ميت. فلا يوجد حياة روحية في نيقوديموس. روحيا، هو لم يولد بعد. فهو يحتاج إلى حياة، وليس المزيد من الأنشطة الدينية أو المزيد من الحماسة الدينية. فهو لديه الكثير من ذلك.
تذكرون ما قاله المسيح في إنجيل لوقا ٩: ٦٠ إلى الرجل الذي كان يريد تأجيل تبعية المسيح حتى يتمكن من دفن والده؟ قال له المسيح: “دَعِ الْمَوْتَى يَدْفِنُونَ مَوْتَاهُمْ.” هذا يعني أن هناك أشخاص أموات جسديا يحتايوحنا إلى دفن. وهناك أشخاص أموت روحيا يمكنهم دفن هؤلاء. وبعبارة أخرى، فكر المسيح في الناس الذين يتجولون بحياة تبدو واضحة، أنهم أموات. في مثله عن الابن الضال، قال الأب: “لأَنَّ ابْنِي هذَا كَانَ مَيِّتًا فَعَاشَ.” (لوقا ١٥: ٢٤).
لم يكن نيقوديموس بحاجة إلى الدين، ولكنه كان يحتاج إلى الحياة، حياة روحية. ما يحدث في الولادة الجديدة هي أن الحياة تأتي إلى حيز الوجود حيث لم تكن موجودة من قبل. الحياة الجديدة تحدث في الولادة الجديدة. ليس هذا نشاطا دينيا أو انضباطا أو قرارا. بل هو القدوم إلى حيز الوجود في الحياة. هذه هي الطريقة الأولى لوصف ما يحدث في الولادة الجديدة.
٢) اختبار ما هو فوق طبيعي، وليس فقط التأكيد عليه:
ما يحدث في الولادة الجديدة هو ليس مجرد تأكيد ما هو فوق طبيعي في المسيح ولكن اختبار ما هو فوق طبيعي في نفسك. في الآية ٢، يقول نيقوديموس: “يَا مُعَلِّمُ، نَعْلَمُ أَنَّكَ قَدْ أَتَيْتَ مِنَ اللهِ مُعَلِّمًا، لأَنْ لَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَعْمَلَ هذِهِ الآيَاتِ الَّتِي أَنْتَ تَعْمَلُ إِنْ لَمْ يَكُنِ اللهُ مَعَهُ.” وبعبارة أخرى، يرى نيقوديموس في المسيح نشاط إلهي حقيقي. فهو يعترف بأن المسيح هو من عند الله. والمسيح يعمل أعمال الله. إلى هذا، لا يجيب المسيح قائلا: “أتمنى للجميع في فلسطين أن يرى الحق الذي أنت تراه عني.” بدلا من ذلك، يقول: “يجب أن تُولَدُ مِنْ فَوْقُ وإلاَ لن ترَى مَلَكُوتَ اللهِ أبدا.”
رؤية الآيات والعجائب، والاندهاش بها، ومنح صانع المعجزة التقدير بسببها أنه هو من عند الله، لا يخلص أحدا. هذا هو واحد من المخاطر العظمى للآيات والعجائب: فأنت لست بحاجة إلى قلب جديد لتندهش بسببها. فكل ما تحتاجه هو الطبيعة البشرية الساقطة القديمة لكي تندهش بالآيات والعجائب. فالطبيعة البشرية الساقطة القديمة على استعداد أن تقول إن صانع المعجزة هو من عند الله. فالشيطان نفسه يعرف أن يسوع هو ابن الله، ويصنع المعجزات (مرقس ١: ٢٤). لا، يا نيقوديموس، رؤيتي كصانع معجزات مرسل من عند الله ليس هو المفتاح لملكوت الله. “الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ اللهِ.”
وبعبارة أخرى، ما يهم هو ليس مجرد التأكيد على ما هو فوق طبيعي في المسيح ولكن اختبار ما هو فوق طبيعي في نفسك. فالولادة الجديدة هي أمر فوق طبيعي، وليس طبيعيا. لا يمكن أن تقارن بالأشياء موجودة بالفعل في هذا العالم. الآية ٦ تؤكد على الطبيعة الخارقة للولادة الجديدة: “اَلْمَوْلُودُ مِنَ الْجَسَدِ جَسَدٌ هُوَ، وَالْمَوْلُودُ مِنَ الرُّوحِ هُوَ رُوحٌ.” فالجسد هو ما نحن عليه بشكل طبيعي. روح الله هو شخص فوق طبيعي يجلب الولادة الجديدة. قال المسيح هذا مرة أخرى في الآية 8: “اَلرِّيحُ تَهُبُّ حَيْثُ تَشَاءُ، وَتَسْمَعُ صَوْتَهَا، لكِنَّكَ لاَ تَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ تَأْتِي وَلاَ إِلَى أَيْنَ تَذْهَبُ. هكَذَا كُلُّ مَنْ وُلِدَ مِنَ الرُّوحِ.” الروح ليس جزء من هذا العالم الطبيعي. هو فوق طبيع. هو خارق للطبيعة. في الواقع، هو الله. وهو السبب المباشر للولادة الجديدة.
لذلك يا نيقوديموس، يقول المسيح، ما يحدث في الولادة الجديدة هو ليس مجرد التأكيد على ما هو فوق طبيعي في، ولكن اختبار ما هو فوق طبيعي في نفسك. يجب أن تولد من جديد. وليس بأي وسيلة طبيعية مجازية، ولكن بطريقة خارقة للطبيعة. الله الروح القدس يجب أن يحل عليك، ويأتي بحياة جديدة إلى حيز الوجود.
وسنتطرق في المرة القادمة إلى الكلمات في الآية ٥: “الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ.” إلى ماذا يشير الماء والروح هنا؟ وكيف يمكن أن يساعدنا هذا على فهم ما يحدث في الولادة الجديدة؟
المسيح هو الحياة:
ولكن اليوم أريد أن اختم بصنع ربط هام بين الولادة الثانية بالروح والحياة الأبدية بالإيمان بيسوع المسيح. ما رأيناه حتى الآن هو أن ما يحدث في الولادة الجديدة هو عمل فوق طبيعي بالروح القدس لجلب الحياة الروحية إلى حيز الوجود حيث لم تكن موجودة من قبل. يقول المسيح مرة أخرى في يوحنا ٦: ٦٣ “اَلرُّوحُ هُوَ الَّذِي يُحْيِي. أَمَّا الْجَسَدُ فَلاَ يُفِيدُ شَيْئًا.”
لكن إنجيل يوحنا يجعل شيئا آخر واضح أيضا: يسوع هو الحياة التي يعطيها الروح القدس. أو يمكن أن نقول: إن الحياة الروحية التي يعطيها، يعطيها فقط بتواصل مع المسيح. فالاتحاد بالمسيح هو المكان نختبر فيه الحياة الروحية الفوق طبيعية. قال المسيح في يوحنا ١٤: ٦ “أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي.” في يوحنا ٦: ٣٥، قال: “أَنَا هُوَ خُبْزُ الْحَيَاةِ.” وفي ٢٠: ٣١، يوحنا يقول: “وَأَمَّا هذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ، وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِاسْمِهِ.”
لا حياة بدون المسيح:
لذلك ليس هناك حياة روحية، وليس هناك حياة أبدية بدون العلاقة مع يسوع المسيح والإيمان بالمسيح. سيكون لدينا الكثير لنقوله حول العلاقة بين الولادة الجديدة، والإيمان بيسوع المسيح. ولكن دعونا نضع الأمر بهذه الطريقة في الوقت الحالي: في الولادة الجديدة، يوحدنا الروح القدس بالمسيح في اتحاد حي. فالمسيح هو الحياة. المسيح هو الكرمة حيث تتدفق الحياة. ونحن الأغصان (يوحنا ١٥: ١ وما يليها). ما يحدث في الولادة الجديدة هو خلق فوق طبيعي لحياة روحية جديدة، ويتم خلقها من خلال الاتحاد بالمسيح يسوع. فالروح القدس يقودنا إلى علاقة حيوية مع المسيح الذي هو الطريق والحق والحياة. هذا هو الواقع الموضوعي لما يحدث في الولادة الجديدة.
ومن جانبنا، طريقة اختبار هذا، هو أن الإيمان بالمسيح يتم ايقاظه في قلوبنا. فالحياة الروحية والإيمان بيسوع المسيح يأتي إلى حيز الوجود معا. فالحياة الجديدة تجعل الإيمان ممكنا، وبما أن الحياة الروحية توقظ دائما الإيمان وتعبر عن نفسها في الإيمان، فلا توجد حياة بدون الإيمان بيسوع المسيح. ولذلك، فلا ينبغي لنا أبدا الفصل بين الولادة الجديدة عن الإيمان بيسوع المسيح. من جانب الله، نحن متحدون بالمسيح في الولادة الجديدة. هذا ما يفعله الروح القدس. من جانبنا، نحن نختبر هذا الاتحاد عن طريق الإيمان بالمسيح.
لا تفصل مطلقا بين الميلاد الجديد والإيمان بالمسيح:
استمع إلى كيف يضعهم يوحنا معا في ١ يوحنا ٥: ٤: “لأَنَّ كُلَّ مَنْ وُلِدَ مِنَ اللهِ يَغْلِبُ الْعَالَمَ. وَهذِهِ هِيَ الْغَلَبَةُ الَّتِي تَغْلِبُ الْعَالَمَ: إِيمَانُنَا.” الولادة من الله هي مفتاح الغلبة. الإيمان مفتاح الغلبة. لأن الإيمان هو الطريق لاختبار كوننا مولودين من الله.
أو استمع إلى ما يقوله يوحنا في ١ يوحنا ٥: ١١-١٢: “وَهذِهِ هِيَ الشَّهَادَةُ: أَنَّ اللهَ أَعْطَانَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَهذِهِ الْحَيَاةُ هِيَ فِي ابْنِهِ. مَنْ لَهُ الابْنُ فَلَهُ الْحَيَاةُ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ ابْنُ اللهِ فَلَيْسَتْ لَهُ الْحَيَاةُ.” لذلك، عندما يقول المسيح: “اَلرُّوحُ هُوَ الَّذِي يُحْيِي. أَمَّا الْجَسَدُ فَلاَ يُفِيدُ شَيْئًا. اَلْكَلاَمُ الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ هُوَ رُوحٌ وَحَيَاةٌ” (يوحنا ٦: ٦٣)، وعندما يقول “ينبغي أن تُولد من الروح” ليكون لك حياة، هو يعني: في الولادة الجديدة، يعطي الروح القدس بشكل فوق طبيعي حياة روحية جديدة بربطنا بيسوع المسيح من خلال الإيمان. لأن المسيح هو الحياة.
لذلك لا تفصل أبدا هاتين المقولتين للمسيح في يوحنا ٣: “إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ اللهِ” (الآية ٣) و”الَّذِي يُؤْمِنُ بِالابْنِ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ” (الآية ٣٦).