تحدثنا في الأسبوع الماضي عن مقدمة عامة حول كتاب “الخبر السار: هل الإنجيل خبرٌ سارٌ بالفعل؟ ولماذا؟” للاهوتي إن. تي. رايت، وهو كتاب يحتوي على الكثير من الأمور الرائعة.
أولًا، يُعَدّ تركيزه على الإنجيل كإعلان عن حدث بدلًا من بعض النصائح الجيدة (أو الإرشادات الأخلاقية) أمر هام للغاية. لقد تدخل الله من خلال المسيح في عالمه وعمل شيئًا بالغ الأهمية بالفعل. يساعد هذا على إبقاء المسيح في واجهة ومركز الإنجيل كما نراها في مُلَخَصات رسالة الإنجيل الموجودة في بعض المواضع الكتابيّة (روميَةَ 1: 2-4؛ تيموثاوُسَ الثّانيةُ 2: 8؛ كورِنثوس الأولَى 15: 3-4). كما انه يُشجع أن تكون أفضل إطوار للإنجيل/ الخبر السار هي الأناجيل الأربعة ذاتها.
ثانيًا، إن رغبة رايت في وضع عمل المسيح في قصة كتابيّة شاملة هي تصحيح مذهل. فببساطة، لا يمتلك المسيحيون إنجيل بدون خلفية العهد القديم. فإتمام المسيح لنبوات العهد القديم هو جوهر رسالة الإنجيل:
… جاءَ يَسوعُ إلَى الجَليلِ يَكرِزُ ببِشارَةِ ملكوتِ اللهِ ويقولُ: قد كمَلَ الزَّمانُ واقتَرَبَ ملكوتُ اللهِ، فتوبوا وآمِنوا بالإنجيلِ.” (مَرقُسَ 1: 14-15)
… إنجيلِ اللهِ، الّذي سبَقَ فوَعَدَ [الله] بهِ بأنبيائهِ في الكُتُبِ المُقَدَّسَةِ … (روميَةَ 1: 1-2)
اُذكُرْ يَسوعَ المَسيحَ المُقامَ مِنَ الأمواتِ، مِنْ نَسلِ داوُدَ بحَسَبِ إنجيلي … (تيموثاوُسَ الثّانيةُ 2: 8)
على عكس الكثير من الدراسات الكتابية التي تتعامل مع الكتاب المقدس على أنه مجموعة عشوائية من الألغاز، يحاول رايت بشجاعة تجميع القطع معًا في وحِدةٍ كاملة. ويُذَكِّرنا أن الإنجيل هو ذروة قصة وأساس المنظور المسيحي للحياة. وهذا بالضبط ما نحتاجه إذا أردنا إظهار تفوّق الإنجيل على أطروحات الثقافات الأخرى.
ثالثًا، يُعَدّ تركيز رايت على القيامة كمحور الإنجيل لهو شيء رائع. غالبًا ما يركّز البعض في عرضهم لرسالة الإنجيل على ما حققه موت المسيح، متجاهلين دور القيامة في تتويج المسيح لتأسيس ملكوت الله والخليقة الجديدة.
نقد واجب
إن مخاوفي الرئيسية من الإنجيل بحسب رايت هي فيما يُركّز عليه. فبالنسبة له، فإنَّ الأمور الجوهريّة التي ينبغي أن تكون هي مقدمة الإنجيل نجدها تنتقل إلى الخلفيّة، ومخاوفه التي كان ينبغي أن تكون في الخلفيّة، نجدها في المقدمة. إن هذا التحوّل في الرؤية إنما هو راجع إلى مفهوم رايت المختلف حول المشكلة الأساسية التي يحلها الإنجيل. فهو يحدد المشكلة بأنها هي الشر، والخطية، وإبليس (ومملكته وقواته). وهذه بلا شك مشاكل مهمة يعالجها الإنجيل.
لكن المشكلة الأساسية التي يعاني منها البشر ليست الخطية أو الشر أو إبليس! فالمشكلة الأساسية هي لدى الله! فالله مُستاء من خطيتنا، وغضبه محموم، ولذلك أعلن الدينونة (أو اللعنة) علينا. هذا موضوع أساسي في الكتاب المقدس بدءًا من السقوط، مرورًا بقايين والطوفان وبابل وصولًا إلى سبي إسرائيل. والأخبار المخيفة هي أننا في يوم من الأيام سنضطر نحن الخطاة إلى الوقوف أمام الله في يوم الدينونة. (مَتَّى 2 :25؛ كورِنثوس الثّانيةُ 5: 10؛ العِبرانيّينَ 9: 28). لا توجد مشكلة ذات أهمية أكبر من هذه. إن سبي إسرائيل، وهو دينونة الله على خطاياها، ما هو إلا ظل ومثال لما سيحدث في يوم الدينونة. يؤمن رايت بيوم الدينونة الأخير، لكنه يكاد لا يذكره إطلاقًا في هذا الكتاب – ذلك الكتاب الذي موضوعه هو الإنجيل!
موت المسيح
يؤثر إخفاق رايت في تحديد جوهر المشكلة الأساسية على عرضه للإنجيل في ثلاثة نقاط أساسية. الأولى هي حول موت المسيح. إن إغفال رايت في تحديد كون المشكلة الأساسية هي غضب الله المُعلَن، يقود هذا إلى إغفاله لجوهر موت المسيح. يعتقد رايت أن السبب الرئيسي (ولكن ليس الوحيد) لموت المسيح هو هزيمة الشيطان وأتباعه الشياطين، فيكتب يقول:
كما تشير الأناجيل الأربعة، يأتي التحليل الأخير إلى المعركة بين يسوع، رائد ملكوت الله على الأرض كما في السماء، والمتهم، إبليس، القوة المظلمة العازمة على تدمير عمل الله، ملكوت الله، عالم الله. والآن ابن الله أيضًا. يفعل إبليس كل ما في وسعه، بتجميع اتهامات باطلة، وخيانات وأحكام غير عادلة ضد الله. (44)
هذا محير. إن النص الأكثر وضوحًا الذي يربط موت المسيح بهزيمة إبليس هو العِبرانيّينَ 2: 14-15. يحدد النص قوة إبليس التي تجعل البشر يخافون “الموت” (لكونهم مذنبين أمام كرسي دينونة الله). فاسم “إبليس” في الأساس يعني “المشتكي”. إذ يرهق إبليس الناس بتذكيرهم بذنبهم. ويفقد ذلك الاتهام قوته عندما يُمحى الذنب. وهذا بالضبط ما فعله المسيح عندما جاء باعتباره “رَئيسَ كهَنَةٍ أمينًا في ما للهِ حتَّى يُكَفِّرَ خطايا الشَّعبِ.” (العِبرانيّينَ 2: 17) بعبارة أخرى، يُهزم إبليس كمشتكي فقط عندما يُسترضى غضب الله. لا يمكن هزيمة إبليس قبل إزالة غضب الله و”اللعنة”. لهذا يتكلم يوحنا عن غلبة المؤمنين على إبليس “الّذي كانَ يَشتَكي علَيهِمْ أمامَ إلهِنا نهارًا وليلًا” بواسطة “دَمِ [أي موت] الخَروفِ” (رؤيا يوحَنا 12: 10-11).
النص الآخر الوحيد من الكتاب المقدس الذي يتحدث عن هزيمة المسيح “للرّياساتِ والسَّلاطينَ” في موته هو كولوسّي 2: 15. ولكن بحسب سياق هذا النص، قد تمت الغَلَبة على قوة إبليس فقط عندما كُفّر عن ذنب البشر، عندما محى الله “الصَّكَّ الّذي علَينا في الفَرائضِ الّذي كانَ ضِدًّا لنا، وقَدْ رَفَعَهُ مِنَ الوَسَطِ مُسَمِّرًا إيّاهُ بالصَّليبِ” (كولوسّي 2: 14).
باختصار، تعتمد هزيمة المسيح للشيطان على عمل المسيح الأساسي في استرضاء غضب الله. من المؤكد أن المسيح ينتصر على الشيطان كالملك المنتصر. لكن هذا ليس نتيجة لموت المسيح، بل لقيامته (أفَسُسَ 1: 20-21).
هذه النواقص خطيرة. في الأسبوع المقبل، بينما نختتم هذا التحليل، سنلقي نظرة على المزيد من النواقص في هذا الكتاب.
تم نشر هذا المقال أولًا بتاريخ 29 ديسمبر 2015، على موقع TGC: Australian Edition