كتاب الخبر السار (1): دراسة في أفكار إن. تي. رايت

صدر كتاب آخر للكاتب المثمر إن. تي. رايت (توم رايت)، وهو باحث متعلم استثنائي ولديه قدرات غير عادية على الكتابة بطريقة حيوية ومشوقة. الكتاب نشرته بالعربية دار أوفير للطباعة والنشر تحت عنوان “الخبر السار: هل الإنجيل خبرٌ سارٌ بالفعل؟ ولماذا؟”[1] ومحتوى هذا الكتاب موجود في العديد من كتابات رايت الأكاديميّة. ولكن يهدف هذا الكتاب إلى أن يكون مُلخصًا بسيطًا لنظرة رايت للإنجيل (أو الخبر السار) مُقَدًّم للقارئ المسيحي العادي.

لماذا كتب رايت عن الإنجيل، أو “الخبر السار”؟ لأنه يرى، بحسب رأيه، أن العديد من المسيحيين حوّلوا الخبر السار إما إلى “نصيحة جيدة” أو “خبر خاطئ”. يقصد رايت “بـالنصيحة الجيدة” مجموعة من الإرشادات، مثل كيف نصلي أو كيف تكون زوجًا صالحًا. يرى رايت، أن مثل هذه ليست بأخبارٍ ناهيك عن أنها ليسا بأخبارٍ سارة.

الخبر السار مقابل النصائح الجيدة

يُشدد رايت على أن الخبر يجب أن يحتوي على إعلان عن حدث معين. ويلاحظ أن هذه هي الطريقة التي استخدمت بها كلمة “إنجيل” في القرن الأول. فكانت تُستخدم كلمة “إنجيل” للإعلان عن أحداثًا ضخمة مثل تنصيب قيصر جديد أو انتصار قيصر على أعدائه. يوضح رايت، أن “أخبارًا سارة” مثل هذه يجب أن تؤثر على الحاضر. فمثلًا، خبر انتصار الإمبراطور يعني إعلان عن عصر جديد مزدهر لشعبه.

لذلك، يؤكد رايت بأن “الخبر السار” المسيحي هو إعلان عن حدث غيّر العالم بأكمله؛ وذلك الحدث هو موت المسيح وقيامته: “إنَّني سلَّمتُ إلَيكُمْ في الأوَّلِ ما قَبِلتُهُ أنا أيضًا: أنَّ المَسيحَ ماتَ مِنْ أجلِ خطايانا حَسَبَ الكُتُبِ، وأنَّهُ دُفِنَ، وأنَّهُ قامَ في اليومِ الثّالِثِ حَسَبَ الكُتُبِ.” (كورِنثوس الأولَى 4-3 :15)

ولكن يجادل رايت أيضًا أن ما يعطي المعنى الدقيق لهذا الحدث هو “الخلفية” المناسبة. فموت المسيح وقيامته وقع “بحسب كتب [العهد القديم] المقدسة”، وتحتوي هذه الكتب على خلفية القصة.

الخبر السار مقابل الأخبار الخاطئة

من ناحية أخرى، يعتقد رايت أن بعض المسيحيين يعظون بأخبار عن المسيح، لكنها “الأخبار الخاطئة”. وهو يعطي مثالًا على ذلك قائلًا:

نحن نعلم أن يسوع مات من أجل خطايانا! أخذ عقابنا حتى ننال الحياة الأبدية! أليست هذه أخبار سارة؟ إذا كنت تعتقد أنك ذاهب إلى الجحيم وفجأة أخبرك أحدهم أن الله قد فعل شيئًا ليغير ذلك، ألن تكون هذه أخبارًا سارة؟ (5)

يخبرنا رايت أن هذه “ليست بالضبط الخبر السار الذي تحدث عنه يسوع والكنيسة الأولى. في الواقع إنها “قصة مختلفة عما قصده كُتاب العهد الجديد بالأخبار السارة”. إن عبارة “مات المسيح من أجل خطايانا” عادةً ما تُخفي خلفية مغلوطة مما يجعلها “أخبارًا سيئة”.

للتلخيص: يعتقد رايت أنه لنعتبر شيء ما خبر، يجب أن يحتوي على:

1.إعلان عن حدث معين؛

2.خلفية يكون فيها للحدث معنى منطقي؛

3.فهم جديد للمستقبل نتيجة لذلك الحدث؛

4.وتغيير في فهم الحاضر في ضوء الحدث الذي تم في الماضي والمستقبل الجديد.

الإنجيل كما يراه رايت

ما هو إذًا “الخبر السار” في نظر رايت؟ يجادل أن الخلفية المناسبة لموت يسوع وقيامته هي العهد القديم (24). تسير نسخة رايت من الخبر السار على هذا النحو (20-25):

  1. الخليقة: خلق الله العالم الذي سقط بسبب خطية آدم.

2. العهد: اختار الله شعب إسرائيل و”ميّزهم” حتى يتمكنوا من إنقاذ العالم من الكارثة التي سببها آدم. ولكن، فشل شعب إسرائيل في تنفيذ المهمة لأنهم شاركوا البشرية أجمع في شرها. في الواقع، كانت إسرائيل “بحاجة إلى إنقاذ نفسها” (23).

3. المستقبل: تطلع العهد القديم إلى الوقت الذي سيأتي فيه الرب بنفسه إلى إسرائيل (إشَعياءَ 5 :40؛ 8 :52) وينقذها، ومن ثم العالم كله بما في ذلك الخليقة نفسها (إشَعياءَ 25-17 :65). سيحقق الله هذا بالتحديد من خلال ملك قادم (إشَعياءَ 3-1 61). يرى رايت أن تلك القصة تنتظر ذروتها. وتلك الذروة قد وُجدت في يسوع.

كيف يرى رايت أن يسوع هو خلفية قصة العهد القديم؟ يسوع هو الله الذي آتى إلى إسرائيل كما وعد العهد القديم. علاوة على ذلك، يجسد يسوع إسرائيل – فإنه يتمم مهمتها لإنقاذ الخليقة الساقطة. كان المسيح “يقوم بأفعال من خلالها يُشفى العالم ويُنقذ ويُجدد” (35). وهذا، بالنسبة لرايت، تضمن هزيمة المسيح لقوى الشر التي استعبدت إسرائيل (والعالم أجمع) بموته على الصليب. وفي قيامته أظهر يسوع أنه الملك الذي طال انتظاره (وهو في الأساس ما يعنيه اسم “المسيح”) الذي يحكم العالم الآن. لقد آتى ملكوت الله! وأيضًا، أسست قيامة المسيح بداية الخليقة الجديدة، التي ستكتمل عندما يعود مرة أخرى. فيُلّخص رايت الخبر السار بهذه الطرائق:

الخبر السار هو أن الإله الحيّ قد غلب كل قوى العالم ليؤسس مملكته القائمة على العدل والسلام، كما في السماء كذلك على الأرض. ليس في السماء فقط، فيما بعد. (43) … الخبر السار هو أن الإله الواحد الحقيقي يملك الآن على عالمنا، في ومن خلال يسوع وبموته وقيامته. (54) … يريد الله أن يُصلح البشر ليُصلح العالم. والخبر السار هو أن هذا، أيضًا، قد تم من خلال يسوع. (97)

الحياة بحسب الإنجيل كما يراه رايت

هذا “الخبر السار”، يعتقد رايت، أن له نتائج عظيمة على حياة المسيحيين قبل عودة المسيح. وكما يُكرر دائمًا، فإن الخبر السار لا يتعلق في النهاية “بالذهاب إلى السماء عندما تموت” (90) واختبار أبدية بلا جسد. بل، أسست قيامة المسيح بداية الخليقة الجديدة التي يملك الرب عليها كلها، الآن. وبالتالي، فإن الحياة بحسب الإنجيل تتلخص في الصلاة والعمل “من أجل أن تولد علامات ذلك العالم الجديد فينا” (116). يؤمن رايت أن “هناك أسبابًا رائعة تجعل هذا المجهود محط اهتمامنا.” وتشمل هذه العلامات “الاهتمام بالفقراء، ورعاية المرضى، وتوفير التعليم للجميع”. يلخصها بقوله:

الخبر السار هو أن الله يؤسس بالفعل مملكته على الأرض كما في السماء، من خلال عمل يسوع الكامل، ويدعو الناس جميعًا أن يشاركوا ليس فقط في هبات الملكوت ولكن أيضًا في العمل الذي من خلاله سيصل الملكوت إلى نهايته. (164)

كيف يجب أن نُقيّم التحدي الذي يطرحه رايت؟ سنواصل تحليل طرحه حول الإنجيل من وجهة نظره في الأسبوع المقبل.


[1] Tom Wright, Simply Good News: Why the Gospel Is News and What Makes It Good. San Francisco: HarperOne, 2015.
جميع الاقتباسات الواردة في هذا المقال من الكتاب مأخوذة عن النسخة الإنجليزية وليست العربية، لذلك فقد تكون هناك بعض الاختلافات في ترجمة بعض العبارات أو في أرقام الصفحات.


تم نشر هذا المقال أولًا بتاريخ 29 ديسمبر 2015، على موقع TGC: Australian Edition

شارك مع أصدقائك

أستاذ اللاهوت بكليّة اللاهوت الإنجيليّة بسنغافورة.