شهادة يسوع عن نفسه

التعريف

تشير شهادة يسوع عن نفسه إلى الطريقة التي فهم بها يسوع هويته ورسالته وأظهرها من خلال أقواله وأفعاله.

الموجز

مَن هو يسوع وفقًا لأقواله وأفعاله؟ كيف كشَف وتواصل وأظهر فهمه لذاته ولمَن حوله أثناء خدمته؟ إنَّ الإجابات على هذه الأسئلة ليست مجرد إجابات نظرية ولاهوتية، لكنها عملية أيضًا لأنها تكشف هوِيَّة يسوع ورسالته وجدارته. ليس الغرض مِن هذا المقال التحليل النفسي ليسوع لكن الغرَض فهمه بدقة بناءً على أقواله وأفعاله الموضحة في الأناجيل. تشير الأدلة إلى أن يسوع كان مدركًا لذاته من حيث مساواته لله تمام الإدراك، ومُدركًا أنه المسيّا الذي طال انتظاره وأرسله الله الآب لإنجاز رسالته على الأرض: لإتمام أشواق إسرائيل وتدشين ملكوت الله على الأرض وارتباطه الكامل بالبشرية لتمكين المذنبين من الوصول إلى الآب من خلال حياته وموته وقيامته.


المُقدِّمة

مَن هو يسوع وفقًا لما قاله وفعله يسوع نفسه؟ كيف فهِمَ هويته كما تخبرنا أقواله وأفعاله؟ هل كان على عِلم في ذاته بأنه المسِيَّا،[1] الذي طال انتظاره أم أنَّ هذا كان ببساطة رأي أتباعه فيه؟ كيف فهِمَ دوره على الأرض وهل نجح في مهمته؟ كيف رأى ذاته بالنسبة إلى الله الآب وخليقته؟ تسعى كل هذه الأسئلة في النهاية إلى تقييم فهْم يسوع لنفسه. مِن المُسلَّم به أنَّ الأناجيل تقدم بيانات تاريخية موثوقًا بها عن يسوع بناءً على شهادة شهود عيان،[2] وعلى ذلك، فإن المهمة المطروحة هي تقييم أقوال وأعمال يسوع لكي نفهم بدقَّة كيف نظر يسوع إلى هويَته ورسالته على الأرض ونفَّذها بدِقَّة.

يسوع وإسرائيل

ابن الانسان

كثيرًا ما استخدم يسوع عبارة “ابن الإنسان” للإشارة إلى نفسه خلال الأناجيل جميعها (على سبيل المثال، متى 20:8؛ 12: 8؛ 28:20؛ 2:26، 24؛ مرقس 10:2، ٢٨؛ 45:10؛ 41:14، 62؛ لوقا 5:6؛ 22:9، 58؛ 48:22؛ يوحنا 28:8؛ 23:12؛ 31:13). في حد ذاتها، تعني العبارة ببساطة “إنسان”. مع ذلك، من الصعب التغاضي عن صلتها بسِفر دانيال 13:7 حيث يروي النبي “مِثْلُ ابْنِ إِنْسَانٍ” يركب السحاب ويستقبل المملكة الأبدية. عندما يشير يسوع إلى ذاته على أنه “ابن الإنسان” فإنه يردد نبوءة دانيال (على سبيل المثال، مرقس 26:13؛ 62:14؛ لوقا 12: 8-10). يوحي هذا بأصل سماوي وبأن يسوع فهِمَ ذاته على أنه أكثر من مجرد نبي أو مُعلِّم. نُدعِّم هذا الفهْم عندما نلاحظ أنَّ المستمعين الأصليين اعتبروا الادعاء تجديفًا (متى 26: 65-66).

إشعياء 61

يُمثِّل إشعياء 61 مقطعًا بارزًا آخر من العهد القديم يُلقي الضوء على تقييم يسوع الذاتي لهويته ورسالته. يُجسِّد بداية إشعياء ٦١ فكرة المسيَّا، الممسوح من الله ليجلب البشارة المُفرحة للمساكين ويعصب المنكسرين ويعلن الإطلاق للمأسورين (إشعياء 1:61 – ٢). يدَّعي يسوع مباشرة أنه بذاته إتمام هذه النبوءة (لوقا 4: 14-30). علاوة على ذلك، عندما سأل يوحنا المعمدان يسوع عما إذا كان هو “الآتي”، يجيب يسوع بتسليط الضوء على أعماله: شفاء الناس من الامراض، الاوبئة، إخراج الأرواح الشريرة والكرازة بالبشارة المُفرحة للفقراء (لوقا 7: 18-23؛ قارِن إشعياء 35 و61). كان يسوع يترك أفعاله تتحدث عن نفسها لتأكيد المواضيع المِسيانية التي رُويت طوال سِفر إشعياء.

موسى

في متى 5: 17-20، ذكَر يسوع العبارة الشهيرة أنه لم يأت لينقض الناموس، لكن ليتمِّمه. يدل هذا على نظرة يسوع السامية للشريعة، لكن إعلاناته في الآيات التالية (21-48) تعكس سلطانه الإلهي الفريد: ” قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ … وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ”. يضع يسوع ذاته في مكانة الأعظم من موسى. كما يشير بِن ويذرنغتون: “يبدو أن يسوع يولي ذاته سلطان على التوراة لم يمكن لأحد من الفريسيين أو أنبياء العهد القديم أنْ يوليها”.[3]

ابن داود

يُظهِر يسوع أيضا أنه ابن داود (راجِع 2 صموئيل 7: 11-16). في متى 22: 41-46، يسأل يسوع، مُشيرًا إلى مزمور 1:110، أولئك الموجودين في الهيكل عن كيف يمكن أن يكون ابن داود هو ربّ داود أيضًا (متى 22: 41-46). حيث إنَّ المسيَّا الالهي يسوع هو كل مِن – ابن داود ورب داود.

يسوع والآب

الإرسالية

غالبًا ما يقدم يسوع نفسه في الإنجيل بحسب يوحنا على أنه “مُرسَل” من الآب لإتمام مهمته كوسيط (يوحنا 34:3؛ 34:4؛ 23:5، 24؛ 30، 36، 37، 38؛ 29:6، 38، 39، 44، 57، إلخ)، وكثيرًا ما يفترض هذا “الإرسال” أصل يسوع السماوي (راجِع يوحنا 24:17).

آبا الآب

من الجدير بالذكر هنا أيضا استخدام يسوع الخاص للمصطلح الآرامي:آبا، للإشارة إلى علاقة حميمة مع الله الآب (مرقس 36:14). لم يكن هذا المصطلح ذائع الاستخدام في الصلوات اليهودية الشائعة ويوصِّل استخدام يسوع الخاص والهادف لهذا المصطلح علاقته الفريدة بالآب. نلاحظ أنَّ هذا المصطلح من المحبة والعلاقة الحميمة استُخدم لاحقًا من قِبَل تلاميذ يسوع أيضًا، مما يجعل من المُرجَّح أنه من خلال علاقة يسوع الفريدة مع الآب، يُمنح أولئك الذين ينتمون إلى الآب من خلال شخص وعمل يسوع، يُمنحون امتياز الارتباط بالله الآب بالطريقة ذاتها (رومية 15:8؛ غلاطية 6:4). إنَّ القدرة الممنوحة لنا لكي ندعو الله أبانا لا تتحقق إلا من خلال ابن الله الذي يمنحنا هذا الامتياز من خلال حياته وموته وقيامته.

“أنا هو”

لعل أكثر ما يعبّر عنه يسوع في تصريحاته “أنا هو” سلطانه الفريد القائم على علاقته بالآب. يقول يسوع في يوحنا 58:8: “قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِنٌ”. أدرك على الفور اليهود الذين سمعوه أنه يشير إلى سِفر الخروج 3: 13-15 حيث عرَّف الله ذاته على أنه “أَهْيَهْ”، لذلك سعَوا إلى إعدامه بتهمة التجديف (يوحنا 59:8). على الرغم من أنهم كانوا مخطئين في اعتبار ادعاء يسوع تجديفًا، إلا أنهم فهموه بالحق أنه يعرّف نفسه بارتباطه بالله. بالمِثْل، يصف يسوع نفسه في يوحنا 10 بأنه الراعي الصالح ويختتم بالقول: “أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ” (يوحنا 30:10). مرة أخرى، إنَّ الإشارات الدالة على ألوهية يسوع واضحة.

مغفرة الخطايا

عندما يعلن يسوع أنَّ كلماته تحمل القدرة على مغفرة الخطايا (مرقس 5:2؛ لوقا 7: 48)، يجيب الكَتَبة باتهام يسوع بالتجديف لأنَّ القدرة على مغفرة الخطايا لا تُعلَّق إلا على الله وحده (مرقس 7:2). كان يسوع مدركًا تمامًا لنوع ردود الأفعال التي سيحصل عليها كنتيجة لمِثْل هذا الادِّعاء، لكن امتيازه الإلهي هو بالتحديد النقطة التي أراد التأكيد عليها. ربما لم يكن للمفلوج الذي شفاه يسوع في مرقس 2 وضوح شامل بشأن هوية يسوع الحقيقية، لكن يسوع كان يُثبت أنه أكثر بكثير من مجرد شافي للأمراض – إنه الله المتجسد، مساوٍ لله، واحد مع الله يشاركه سلطان مغفرة الخطايا.

يسوع ومُهمته

الحمَل المذبوح

كما سبق وذكرنا، ادَّعى يسوع أن الآب أرسله في مهمة خلاصية. هذه المهمة الخَلاصيَّة، بدورها، ستتحقَّق في ذروتها بموته الكفَّاري: “أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ، بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ” (متى ٢٠:28). يسوع هو الراعي الصالِح الذي “يَبْذِلُ نَفْسَهُ عَنِ الْخِرَافِ” (يوحنا 11:10؛ راجِع الآيات 17-18). كما تجسَّد ابن الله المؤهل بشكل فريد، قدَّم ذاته بدلًا من الخطأة ليفتديهم من الخطية وإلى الرب.

مُخلِّص لا مثيل له

يدّعي يسوع أيضا أنَّ بشارة الخلاص هذه المُقدَّمة من خلال عمله الكفَّاري المُضحِّي، لا تُتاح إلا للذين يأتون ليؤمنوا ويثقوا به. يصف يسوع نفسه بأنه “الباب” في يوحنا 9:10، مُعربًِا أنه بالإيمان به وحده يُمنَح المرء الدخول عبر ذلك الباب ونوال الخلاص (يوحنا 10:10). كما يدَّعي: “أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي” (يوحنا 6:14). إنَّ عرضه لتقديم الخلاص يشمل الجميع بمعنى أنَّ أي شخص من أي خلفية ثقافية ومكانة اجتماعية يمكن أن يأتي لتلقِّي هذه الحياة الفُضلى (يوحنا 35:6)، لكن العرض حصري أيضًا من حيث كونه المُخلِّص الوحيد (راجِع يوحنا 25:11). فهم يسوع ذاته أنه المُخلِّص الوحيد للخاطئين (راجِع يوحنا 6:14).

الآلام

أدرك يسوع أنَّ مهمته ستشمل بالضرورة آلامًا وإذلالًا أيضًا (إشعياء 53). كما ذكرنا أعلاه، لم يكن هذا محض الصُدفة. رأى يسوع نفسه “الحجر المرفوض” في (مرقس 10:12) ومزمور 118: 22؛ مَن خانه صديق (متى ٢3:٢6؛ مرقس ١8:١4؛ لوقا ٢1:٢2؛ يوحنا ١8:١3) ومزمور ٤١؛ الذي تركه الله (متى 46:27؛ مرقس 34:15؛ لوقا ٢6:٢4) ومزمور ٢٢. لاحقًا أثناء خدمة يسوع، عندما اعترف بطرس أنَّ يسوع هو المسيَّا (متى ١٦؛ مرقس ٨)، أجاب يسوع بالتشديد على الألم، مما يبرز طبيعة مهمته. كان يسوع مُدركًا تمامًا أنَّ أدنى حالة سيصل إليها في حياته الأرضية ستكون ذاتها ساعة المجد في خطة الله (يوحنا 1:17). إنَّ فهم الدور الضروري وأهمية الألم يمنحنا نافذة أخرى على حقيقة الاعتراف بتعريف جديد ليسوع وتأكيد هويته أنه المسيَّا.

التلمذة والعبادة

ينعكس تقييم يسوع الذاتي أيضًا على مطالبته بالولاء الحصري والسامي. في الواقع، يجب أن يجعل إخلاصنا له جميع الولاءات الأخرى، في المقابِل، تبدو وكأنها كراهية (لوقا 14: 25-27). بالفِعل، لكي نكون له، يجب أن نتحمل صليبنا من أجله (متى 24:16) ونخضع جميع المصالح الذاتية طوعًا له. يُصِّر يسوع، في الواقع، على أن قيمته سامية للغاية حتى إنه لكي تموت “من أجل اسمي” ستكون لك حياة في النهاية (متى 10: 16-22).

يسوع والكنيسة اليوم

وبناءً على إظهار يسوع لسلطان لا مثيل له وعلاقة فريدة بالآب وادعاءات العبادة والهوية المِسيانية وإتمام أشواق إسرائيل من خلال النبوات، يجب أن نستنتج أن يسوع كان لديه فهم لنفسه يتجاوز مجرد كونه معلمًا بشريًا أو نبيًا. إن الفئات البشرية ليست كبيرة بما يكفي لاحتواء هوية يسوع ورسالته. إنه ابن الله، مساوٍ لله، الله المُتجسِّد، الذي يدشن ملكوت الله في حياته وموته وقيامته. هذا يسوع إذًا هو مانح الحياة الأبدية على حساب حياته الخاصة فدية للكثيرين ويستحق كل التكريس، والولاء، والتضحية، والعبادة.

يحمل هذا الفهم للتقييم الذاتي ليسوع التبعات التالية على الكنيسة اليوم:

أولًا، يمكننا التأكد من أنَّ فهم الكنيسة المشترك لهوية يسوع هو فهم نتشاركه مع يسوع ذاته. ليس يسوع فكرة مجيدة أو عابرة للكنيسة الأولى، ونحن بطريقة ما لا نزال مؤمنين بها اليوم. يمكن دعم مصداقية وأصالة ألوهية يسوع التي ادَّعاها عن ذاته وسلطانه وهويته المسيانية، وهذا يعني أنه يمكن تأمين أساس إيماننا من خلال ادِّعاءات وأعمال يسوع، الذي هو حجر الزاوية في الكنيسة.

ثانيًا، علينا أن نأخذ أقوال يسوع وأفعاله على محمل الجد. إذا لم يكن يسوع، كما يقول عن نفسه، بل كان مجرد رجل صادف أنْ عظَّمه وعبده أتباعه الذين شرعوا في إنشاء حركة دينية، فإن كلمات يسوع تكون في أحسن الأحوال مجرد كلمات لإنسان حكيم. لا يمكن أن تكون كلماته خلاصية. لكن، إنْ كان الفهم الدقيق ليسوع، المبني على مصدر الكتاب المقدس الجدير بالثقة، أنه أدرك تمامًا هويته ورسالته على الأرض باعتباره ابن الله الذي يحمل في نفسه مصدر الحياة الأبدية، إذًا يجب أن نعود وننظر بصدق في كل الكلمات التي قالها ونحفظها في أعماقنا. من هذا المُنطلَق، لا يمكن أن تكون كلمات يسوع مجرد كلمات للمشورة الحسنة أو تعديل السلوك، بل للخلاص والرجاء الأبدي للمذنبين.


[1] D.A. Carson, “How Do We Know Jesus Is the Messiah?” Desiring God (December 2018).

[2] Richard Bauckham, Jesus and the Eyewitnesses: The Gospels as Eyewitness Testimony (Grand Rapids: Eerdmans, 2008).

[3] Ben Witherington, The Christology of Jesus (Minneapolis: Fortress Press, 1990), 65.

شارك مع أصدقائك

حاصل على درجة الماجستير في اللاهوت من كلية جوردون-كونويل للاهوت، وهو الراعي الرئيسي لكنيسة سيتي لايف المشيخية في بوسطن.