ما المقصود بأن السبت جُعِل لأجل الإنسان؟

بنسمع ناس كتير بتقتبس كلام الرب يسوع لما قال: “ٱلسَّبْتُ إِنـَّمَا جُعِلَ لأَجْلِ ٱلْإِنـْسَانِ، لاَ ٱلْإِنـْسَانُ لأَجْلِ ٱلسَّبْتِ”، واللي قاله ردًا على اعتراض الفريسيين، اللي اتهموا تلاميذه بأنهم كانوا بيخالفوا السبت لما كانوا في أحد الحقول وقطفوا من السنابل لما جاعوا في يوم السبت (مرقس ٢: ٢٣-٢٨؛ متى ١٢: ١-٨؛ لوقا ٦: 1-5).

واهتمامنا في المقال ده بيدور حوالين شرعية استخدام الاقتباس ده في تبرير أي موقف لصالح الإنسان، حتى لو فيه تعدي على تعليم واضح في الكتاب المقدس، بحجة إن الرب يسوع نفسه عمل كده على اعتبار إن الإنسان أهم من الشريعة (السبت). تعالوا هنرجع تاني للنص نفسه ونحاول نفهمه في سياقه في الإنجيل، وفي ضوء مفهوم السبت في اللاهوت الكتابي.

ابن الإنسان هو رب السبت

أولًا: هنبدأ كلامنا عن التعليل المباشر اللي قدمه الرب بعد احتكامه لقصة داود لما أكل هو ورجاله من خبز التقدمة، وتحديدًا لما قال أخطر تصريح عن نفسه في علاقته بالشريعة: “إِذاً ٱبْنُ ٱلْإِنـْسَانِ هُوَ رَبُّ ٱلسَّبْتِ أَيْضاً.” (مرقس ٢٨:٢)

معنى إن الرب يسوع هو رب السبت، إنه هو المسؤول عن السبت. هو الله اللي له الحق في شرح هدف وتطبيق التشريع الخاص بالسبت، باعتبار إن هدف التشريع ده هو الإشارة ليه؛ لإنه هو راحتنا الحقيقية، لأنه قام بكل اللازم لخلاصنا من أتقل حِمل في الحياة: حِمل الخطية (راجع عبرانيين ٤). وعشان كده في يوم نادى وقال: “تعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ ٱلْمُتْعَبِينَ وَٱلثَّقِيلِي ٱلْأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ.” (متى ٢٨:١١).

الرب يسوع هو اللي تمم كل الوعود الموجودة في الناموس والأنبياء عن الخلاص والراحة لشعب الرب (متى ١٧:٥). وبالتالي هو نفسه هدف وغاية الناموس لكل من يؤمن (رومية ٤:١٠). في المسيح نتمتع بالراحة من دينونة الخطية وسلطانها. وده الأمر اللي الشريعة نفسها مقدرتش تحققه، بسبب ضعف الطبيعة البشرية اللي سببته الخطية (رومية١:٨-٤). وده اللي خلى الرسول بولس يقول بكل الوضوح إن المسيحي تحرر من الالتزام بطاعة تشريعات السبت والأعياد والطقوس، لأن كلها تمت في المسيح (كولوسي ١٦:٢).

يوم السبت في اللاهوت الكتابيّ

وفي بداية الأصحاح الـ١٢ من إنجيل متى، على طول بعد تصريح الرب عن نفسه كونه مصدر الراحة، بنلاقي نفسنا كقراء قصاد مجموعة من المواقف اللي بتدور في يوم السبت: يوم العبادة ويوم الراحة اللي حدده الله في العهد القديم لشعبه، بارتباطه بالخليقة الجميلة الرائعة اللي أكمل خلقها في اليوم السادس. وأعلن الله في اليوم السابع (السبت) رضاه وارتياحه عن كل اللي خلقه. وبالتالي خصص الله في شريعة موسى يوم السبت عشان يكون يوم العبادة والراحة لما يفتكر الإنسان إن راحته الحقيقية في الله وفي عبادته والانسجام مع مشيئته.

كمان يوم السبت بيفكر الإنسان إن حياته مش هتفضل تدور في دواير ملهاش نهاية للأبد. التعب والمشقة الباطلة والفارغة هيجيلها يوم تنتهي بنهاية الخطية وانتهاء اللعنة من العالم.

صحيح إن الأرض اتلعنت بسبب خطية الإنسان، واتحولت لمكان التعب والضيق يوم ما قال الله لآدم: “مَلْعُونَةٌ ٱلْأَرْضُ بِسَبَبِكَ. بِالتَّعَبِ تَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ. ‎وَشَوْكًا وَحَسَكًا تُنْبِتُ لَكَ، وَتَأْكُلُ عُشْبَ ٱلْحَقْلِ. ‎بِعَرَقِ وَجْهِكَ تَأْكُلُ خُبْزًا حَتَّى تَعُودَ إِلَى ٱلْأَرْضِ ٱلَّتِي أُخِذْتَ مِنْهَا. لأَنَّكَ تُرَابٌ، وَإِلَى تُرَابٍ تَعُودُ” (تكوين١٧:٣-١٩). لكن الله وعد الإنسان في الشريعة براحة روحية ومصالحة وسلام في الوقت اللي فيه هيعالج الله مشكلة الشر والخطية.

وعشان كده كان اليوم السابع (السبت) هو علامة العهد كع موسى، واللي كان بيجسد ويصور فكرة الرجوع للحالة المثالية اللي خلق الله فيها الإنسان والأرض وقت ما أعلن رضاه عن خليقته البكر قبل لعنة الخطية (خروج ٣١:١٣-٣٢).

فشل الفريسيين في فهم الهدف من الشريعة

بنرجع للحدث مرة تانية، لكن من إنجيل متى ١٢. في يوم سبت، كان المسيح وتلاميذه ماشيين في حقل من الحقول وقطف التلاميذ الحبوب لإشباع جوعهم (آية ١). وبالرغم إن الفريسيين اعترضوا على عمل التلاميذ، إلا إن تركيز النص هنا علي الرب يسوع، لما سأله الفريسيين عن سبب اللي عمله التلاميذ، واللي كان في نظرهم ضد شريعة السبت. وهنا بدأ الصدام!

افتكر الفريسيين في نفسهم إنهم فاهمين طرق الله أكثر من غيرهم، وبالفعل اهتموا بالتفاصيل الدقيقة لأبسط التشريعات والوصايا. لكن المصيبة إنهم فشلوا في قبول تعاليم وأعمال المسيح، اللي أعلن عن الله بالكامل، لإنه هو الله الظاهر في الجسد. وبالتالي فشلوا في قبول الشخص اللي الذبائح نفسها كانت بتشاور عليه، باعتبار إن الذبيحة بتعلن عن رحمة الله في موت الحيوان بدلًا من الإنسان مرتكب المعصية واللي مستحق الموت. تخيل المأساة إنك تغرق في تفاصيل هامشية وتنسى جوهر التعليم عن الذبيحة. وهو الرحمة والخلاص اللي جسده المسيح!

المسيح شرح الهدف من السبت من خلال تفسير الشريعة، لا تجاهلها!

احتكم المسيح في رده على اتهام الفريسيين لقصة من حياة داود. كان داود في يوم من الأيام محتاج يأكل هو ورجالته، فأكل من خبز الوجوه واللي مفترض إنه يحل أكله للكهنة بس (صموئيل الأول 21: 1-6). وبالتالي، كان مغزى القصة هو إن هدف خبز الوجوه هو خدمة مسيح الرب وقتها (داود الملك ورجاله). فبنفس المنطق، الحبوب اللي أكلها تلاميذ الرب يسوع، خدمت مسيح الرب الأكمل والعظم، زي ما حصل مع داود واللي كان مجرد صورة أولية غير كاملة لمسيح الرب.

وفي الحالتين، لا داود أخطأ، ولا تلاميذ الرب أخطأوا. القصة بتعلمنا إن الهدف من السبت هو مساعدة الناس، مش وضع عبء عليهم. والشريعة منعت العمل اليومي يوم السبت، عشان تلزم الشعب ياخد مفهوم الراحة بجدية. لكن قطف حبة من الحقل لسد الجوع، مستحيل يكون تعدي على الناموس. ده كان تفسير مالهوش أي مبرر ولا بيكسر أي مفهوم للسبت. باختصار، ده كان تربص فريسي للسيطرة على الشعب.

كلمة أخيرة

الرب يسوع اعترض على تفسير الفريسيين المتطرف واللي ملهوش أي مبرر، وعمل ده من خلال شرح التشريع الخاص بالسبت في ارتباطه بالهدف الأساسي منه؛ باعتباره المشرع الحقيقي للشريعة، واللي السبت نفسه بيشير إليه. واستخدم قصة داود ببساطة لإن داود كان إشارة ليه هو المسيا الحقيقي.

اللي عايز أوضحه هنا، هو إن مش معنى كلام المسيح إنه يدي تصريح لأي شخص إنه يتعدى على وصايا الله، لمجرّد إنه شايف إنها عبء على الإنسان؛ وينسى إن الوصايا أحيانًا بتتحدانا لصالحنا.

مش ممكن يكون الإنسان هو اللي بيحدد بضيق أفقه وفساده إيه اللي يلتزم بيه، وإيه اللي ميلتزمش بيه! مننساش كلام الرب نفسه في إنجيل يوحنا: “اَلَّذِي عِنْدَهُ وَصَايَايَ وَيَحْفَظُهَا فَهُوَ ٱلَّذِي يُحِبُّنِي، وَٱلَّذِي يُحِبُّنِي يُحِبُّهُ أَبِي، وَأَنَا أُحِبُّهُ، وَأُظْهِرُ لَهُ ذَاتِي” (يوحنا ٢١:١٤). واللي شرحه مرة تانية الرسول يوحنا في رسالته: “بِهَذَا نَعْرِفُ أَنـَّنَا نـُحِبُّ أَوْلاَدَ ٱللّٰهِ: إِذَا أَحْبَبْنَا ٱللّٰهَ وَحَفِظْنَا وَصَايَاهُ. فَإِنَّ هَذِهِ هِيَ مَحَبَّةُ ٱللّٰهِ: أَنْ نَحْفَظَ وَصَايَاهُ. وَوَصَايَاهُ لَيْسَتْ ثَقِيلَةً” (١يوحنا ٢:٥-٣).

وأخيرًا، ذي ما قال آر. سي. سبرول لو هنطيع بس الوصايا اللي تريحنا، من وجهة نظرنا، ونتجاهل الوصايا اللي بتتحدانا، هينتهي بينا الحال لطاعة أنفسنا مش طاعة الله!

لو حسيت بخطورة النتيجة دي، فإحساسك في محله، ويمكن تكون محتاج تقرأ المقال مرة كمان!

شارك مع أصدقائك

جورج بشاي

يدرس حاليًا درجة الدكتوراة في الفلسفة (.Ph.D) في العهد الجديد من كليّة موور للاهوت، بأستراليا. كما عمل في السابق كمدرس لمواد اللاهوت الكتابي والعهد الجديد في كلية اللاهوت الأسقفية بمصر.