أظهر استطلاع عالمي قامت به مؤسسة Gallup في ١٣ يونيو ٢٠١٧ أنه من بين مليار موظف في ١٦٠ دولة، 85٪ منهم غير سعداء بوظائفهم. وده معناه إن منظر الموظف اللي بيروح شغله كل يوم متضرر ده ظاهرة عالمية، ومش بس في الدول الفقيرة، حتى وإن كانت الظاهرة أكتر وضوحًا.
أما عن أسبابها، فحدث ولا حرج: ضعف الرواتب، بيئة العمل غير الصحية، أو صاحب العمل والمدير نفسه. خصوصاً المدير ده، واللي كان واحد من أهم أسباب كراهية الموظفين لشغلهم حسب الاستطلاع.
عالم بيسكنه مليارات البشر، عالم مُنتج بيشتغل وبينجح ويطور من مهاراته ويرتقي في وظائفه، هو هو العالم اللي ٨٥ ٪ من موظفيه بيعلموا اللي بيعملوه من غير شعف! أكيد عندهم دوافع تانية، بعضها بديهي ومفهوم: تحقيق الذات، الاستقلالية والإحساس بالقيمة، تغطية نفقات المعيشة للأسرة والأولاد.. وأحيانًا حتى تسديد الديون. وبعضها سلبي ومزعج، ذي الخوف.. الخوف من حياة مملة بدون وظيفة، والخوف من العوز، وحتى من نظرة الناس لك باعتبارك فاشل أو عالة على غيرك، أو شخص غير مسئول، ولا يعتمد عليه.
لكن أيًا كانت الدوافع، ففي الغالب هيكون الاحتياج أو الخوف لهم الكلمة الأخيرة في نسبة الـ ٨٥٪. وفي مكان العمل، الموظف على حسب دوره بينفذ خطة الشركة وأوامر المدير أو صاحب العمل في انتظار اليوم الموعود واللي يقدر فيه يـتنقل لمرحلة “حب ما تعمل، لكي تعمل ما تحب.”
والسؤال هنا: هل ممكن الإنجيل يساعد في تغيير نظرتنا للعمل؟ هل ممكن نحب اللي بنعمله فعلًا ونتطور فيه لكن بدوافع غير الخوف؟ غير النجاح اللي مفيهوش غير “الأنا”…أنا وبس؟!
التبرير بالإيمان ونطرتنا للعمل
واحدة من العقائد المركزية اللي ركز عليها الإصلاح الإنجيلي كانت إن عمل إيدينا.. جهادنا وصلاتنا، يستحيل يضمن لنا القبول أمام الله والخلاص من الخطية والموت، لكن نعمة ربنا وحدها بالإيمان بالمسيح وحده، ولمجد الله وحده (رومية ٢١:٣-٢٦؛ أفسس ٨:٢-١٠؛ ٦:١).
الإنجيل بيعلمنا إن أعمالنا، حتى لو شكلًا صالحة، مينفعش يكون الدافع وراها مجرد الخوف من خسارة، أو فشل، أو تجنب عقاب زمني، أو أبدي. حتى الرغبة في النجاح وتحقيق إنجازات في الحياة العملية بعيدًا عن محبة الله، بتكون وثن وإله بنعبده. مستحيل تشبع قلوبنا وتدينا سلام، وحدها المحبة ينفع تكون مصدر الفرح والسلام الداخلي، والدافع للأعمال الصالحة لمجد الله وخير الغير (راجع ١كورنثوس ١٣). محبة الله ومحبة القريب (الآخر)!
وبكده يكون واحدة من أهم ثمار الإنجيل هي تغيير نظرتنا للحياة عمومًا وتغيير إدراكنا لدورنا في العالم، وأقصد بالعمل هنا: العمل الخاص أو الوظيفي في شركة أو مصنع أو جهة رسمية أيًا كانت.
حرية الإنجيل ومحبة الله والقريب هي الأساس
مع إدراكنا المتزايد إن احنا أحرار، ومش عبيد لا لخطية ولا موت ولا حتى لوصية. يترفع من على كتافنا نير وحمل العبودية، ونستبدله بنير الرب الهين الخفيف كأولاد لله في العالم، وتلاميذ للمسيح (متى٢٨:١١-٢٩).
اسمع بولس وهو بيتكلم عن ثمار الإنجيل، وإزاي الروح القدس بيخلينا “غيورين للأعمال الصالحة” (تيطس 14:2)، ومتلهفين ومستعدين لعمل الخير (تيموثاوس الثانية 21:2؛ 3: 16-17؛ تيطس 3: 1-2) ولتكريس نفسنا لأعمال تخدم مصلحة الآخرين، والكلام هنا في الغالب مش عن عمل روحي بمعني كرازة أو وعظ أو تبشير، لكن بحسب بولس نفسه ” كَيْ يَهْتَمَّ ٱلَّذِينَ آمَنُوا بِـٱللهِ أَنْ يُمَارِسُوا أَعْمَالاً حَسَنَةً. فَإِنَّ هَذِهِ ٱلْأُمُورَ هِيَ ٱلْحَسَنَةُ وَٱلنَّافِعَةُ لِلنَّاسِ.” (تيطس 3: ٨).
اللي ممكن حقيقي يخليك تحب شغلك، حتى لو مرتبه غير مجزي…وبيئة العمل متعبة هو محبتك لله، وللإنسان المخلوق على صورته وده يخليك تخدمه بدافع أسمى وأرقى وأثبت، سواء كان زميلك المتعب في الشغل أو عميل مزعج، وتشوف في شغلك ووظيفتك فرصة لترجمة المحبة دي بشكل عملي.
افتكر كلام المسيح في عظة الجبل:
“لأَنـَّهُ إِنْ أَحْبَبْتُمُ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ، فَأَيُّ أَجْرٍ لَكُمْ؟ أَلَيْسَ ٱلْعَشَّارُونَ أَيْضاً يَفْعَلُونَ ذَلِكَ؟ وَإِنْ سَلَّمْتُمْ عَلَى إِخْوَتِكُمْ فَقَطْ، فَأَيَّ فَضْلٍ تَصْنَعُونَ؟ أَلَيْسَ ٱلْعَشَّارُونَ أَيْضاً يَفْعَلُونَ هَكَذَا؟” (متى ٤٦:٥).
نقطة نظام
أنا بكتب الكلام ده، وأنا عارف إن فيه وظائف غير آدمية، وبيئة عمل مؤذية بتسلب العمال والموظفين حقوقهم في حياة كريمة، وبكل تأكيد مش لازم أبدًا نكون سلبيين وواخدين دور المتفرج.
من فضل لو إنت الموظف ده، اجتهد لتحسين وظيفتك أو الحصول على وظيفة أفضل، أو حتى وطن أفضل! طور نفسك قدر الإمكان بشكل متوازن تراعي فيه حياتك الروحية وعلاقاتك بأسرتك وأصدقائك، وحتى صحتك.
ولو تقدر يكون لك دور في تحسين بيئة العمل أو رفع الأجور، وشايف إنك مؤهل للدور ده من فضلك كن إيجابي بطل الطرق الممكنة واللي متوافقة مع إيمانك المسيحي.
شهادة الإصلاح: چون كالڤن كمثال
في واحدة من عظات چون كالڤن” المصلح واللاهوتي الشهير عن (أفسس ٥:٦-٩) انتقد بشدة إساءة استخدام السلطة اللي مارسها السادة على عبيدهم، واعتبر ده شر عظيم على طول الخط، وضد النظام اللي وضعه الله في العالم واللي في نظره انحرف عن مساره بسبب خطية آدم وتأثيرها على اللي سماه “The order of nature” (تكوين٢٦:١-٢٨). والرائع إن كالڤن طالب بإصلاح بنية المجتمع نفسها وتحسين الأوضاع دي.
توصيات كالڤن مش بعيدة عن فكر الرسول بولس في توجيهاته الرسولية للعبيد: “دَّعْوَةُ ٱلَّتِي دُعِيَ فِيهَا كُلُّ وَٱحِدٍ فَلْيَلْبَثْ فِيهَا…. دُعِيتَ وَأَنـْتَ عَبْدٌ فَلاَ يَهُمَّكَ. بَلْ وَإِنِ ٱسْتَطَعْتَ أَنْ تَصِيرَ حُرّاً فَـٱسْتَعْمِلْهَا بِـٱلْحَرِيِّ.” (١كورنثوس ٢٠:٧-٢١).
بنسيب عصر بولس وزمن كالڤن، ونرجع لزماننا. مع الوضع في الاعتبار الفارق الثقافي والحضاري بين كلام بولس وكالڤن عن العبيد وبين الموظف في عصرنا. ولو إن الفارق ده يتضاءل أحيانًا لما بنشوف أحوال العمال الفقراء في دول ثرية تستغل احتياجهم المادي وتكتفهم بعقود عمل مُجحفة وكأنهم فعلًا مستعبدين للقمة العيش، حتى لو أحرار بالمعنى المتعارف عليه في عصرنا. بولس شجع العبيد على التحرر قدر المستطاع.
كلمة ختامية
أشجعك تفكر من جديد في وظيفتك وشغلك في ضوء الوصية العظمي والثمينة: “تـُحِبُّ ٱلرَّبَّ إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ. هَذِهِ هِيَ ٱلْوَصِيَّةُ ٱلْأُولَى وَٱلْعُظْمَى. وَٱلثَّانِيَةُ مِثْلُهَا: تـُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ.” (متى ٣٧:٢٢-٣٩)
صلي إن الله يسكب محبة في قلبك للي حواليك في مجال عملك، فكر في اللي بتعمله لمجد الله، وخير الناس.
ولو في مجال صعب وبيئة عمل محبطة. اجتهد تغير ده. مش عيب أبدًا إنك تطور من نفسك: اتعلم واجتهد وابتكر. لكن افتكر إنك بتعمل ده بمحبة لله أولًا ولبشر كلهم عيوب. زيي وزيك!