سُكنى ومعموديّة الروح القدس

التعريف

إن معمودية وسكنى الروح القدس هي نعمة العهد الجديد لحضور الروح القدس وعمله في حياة المؤمن.

الملخص

إتمامًا لوعود الأنبياء لشعب العهد الجديد، نالت الكنيسة سكيب الروح القدس بقوة قيامة يسوع المسيح من الأموات. فالروح القدس الآن يُدخِل المؤمنين في شركة مع الآب والابن من خلال الولادة الجديدة، ويملأهم بمحبة الله، ويقدس حياتهم، ويقنعهم بالحق الكتابي لرسالة الإنجيل. لذا، يجب الآن على جميع المؤمنين أن يسعوا للامتلاء بالروح القدس باستمرار لكي تمتلئ قلوبهم بمحبة للأخرين بالقول وبالفعل، ساعين بذلك إلى بناء الكنيسة بالمواهب التي يمنحها يسوع إلى الكنيسة من خلال الروح القدس.


الله الروح القدس هو الأقنوم الثالث في الثالوث. إنه شخص وليس مجرد قوة تأثير؛ إنه الله بالكامل، تمامًا كما أن الله الآب هو الله الكامل والله الابن هو الله الكامل. إنه أبدي. يسكن في شركة كاملة مع الله الآب والله الابن. فنحن نقر بذلك في قانون إيمان الرسل، “أؤمن بالله الآب … أؤمن بيسوع المسيح … أؤمن بالروح القدس …”

في هذه المقالة سنركز على كيفية وأسباب عمل الروح القدس في البشر. ستنقسم دراستنا إلى أربعة أجزاء. أولًا، سننظر في الوعد بالروح القدس في العهد القديم. ثانيًا، سنتأمل في عظمة يسوع، إنسان الروح. ثالثًا، سنبحث فيما يعلمه الكتاب المقدس عن يسوع باعتباره الشخص الذي يُعمد بالروح. وأخيرًا، سننظر إلى العناصر الرئيسية لعمل الروح القدس في حياة المؤمن المسيحي.

الوعد بالروح القدس في العهد القديم

أُعطى شعب الله في العهد القديم الناموس، كبركة عظيمة. هذا الناموس هو التعبير الحكيم، والثمين، والمثالي عن طبيعة إله العهد الذي خلصهم من العبودية في أرض مصر (كما في تثنية 8-5:4؛ انظر أيضًا رومية 12:7). كان ختان الذكور العلامة الخارجية للناموس؛ صاحبه ورافقه وصايا متكررة لـ”ختان القلب” (كما في تثنية 16:10). كان الشعب في أشد الاحتياج إلى ناموس صالح وكامل يُكتب على قلوبهم، حتى يختاروا أن يتمموه ويحافظوا عليه بحق. ولكنهم، تمامًا مثل كافة البشر بطبيعتهم، فشلوا في القيام به. هذا هو “ما كانَ النّاموسُ عاجِزًا عنهُ، في ما كانَ ضَعيفًا بالجَسَدِ” (رومية 3:8).

وهكذا، وبشكل متكرر في الكتاب المقدس، أولًا في الناموس (كما في تثنية 6:30) ثم في أسفار الأنبياء، أُعطى الوعد بأن الناموس سيُكتب على قلوب شعب الله تحت عهد جديد. “أجعَلُ شَريعَتي في داخِلِهِمْ وأكتُبُها علَى قُلوبهِمْ” (إرميا 33:31). وستكون كتابة ناموس الله على القلب الإنسان هي بعمل الروح القدس. “وأُعطيكُمْ قَلبًا جديدًا، وأجعَلُ روحًا جديدَةً في داخِلِكُمْ، وأنزِعُ قَلبَ الحَجَرِ مِنْ لَحمِكُمْ وأُعطيكُمْ قَلبَ لَحمٍ وأجعَلُ روحي في داخِلِكُمْ، وأجعَلُكُمْ تسلُكونَ في فرائضي، وتَحفَظونَ أحكامي وتَعمَلونَ بها” (حزقيال 27-26:36). كما وعد أيضًا الله بإعطاء روحه لكل شعبه (يؤيل 28-29:2).

إذا، فإن الوعد هو أن يسكن الله في قلب شعبه بروحه ليدخِل قداسة شريعته الكاملة إلى قلوبهم.

يسوع المسيح، إنسان الروح

عندما أخذ ابن الله الأزلي الطبيعة البشرية الكاملة في التجسد، كان الروح القدس رفيقه الدائم والمُقرَب. كان الحبل به ناسوتيًا في بطن مريم من عمل الروح القدس (لوقا 35:1). وعند معموديته على يد يوحنا المعمدان، ظهر الروح القدس عليه بقوة لتجهيزه لبداية خدمته العلنية (كما في لوقا 22:3؛ يوحنا 33-32:1). كما قاوم المسيح التجربة على الجبل أيضًا بالروح القدس (لوقا 13-1:4)؛ وخدم خدمته العلنية وصنع معجزات بقوة الروح القدس (كما في لوقا 14:4؛ أعمال الرسل 38:10). فبالروح القدس استطاع يسوع أن “يتَكلَّمُ بكلامِ اللهِ. لأنَّهُ ليس بكَيلٍ يُعطي اللهُ الرّوحَ [أي، للمسيح].” (يوحنا 34:3)

يسوع هو إنسان الروح تمامًا وبشكل كامل، لدرجة أن الروح القدس أيضًا يُدعى “روح يسوع” أو “روح المسيح” (على سبيل المثال فيلبي 19:1).

يسوع المسيح، المعمِّد بالروح

في كل نصوص الأناجيل الأربعة يقارن يوحنا المعمدان معموديته بالماء (التي كانت معمودية خارجية ترمُز للتوبة) بعمل يسوع العظيم في القلوب، الذي يسميه المعمودية بالروح القدس (متى 11:3؛ مرقس 8:1؛ لوقا 16:3؛ يوحنا 33:1 وقارن أيضًا أعمال الرسل 16:11). سيكون ذلك أخيرًا تحقيقًا لوعود العهد القديم، بأن روح الله القدوس سيسكن في قلوب شعبه.

لكن –وهذا مهم – لن يحدث ذلك السكيب إلا بعد أن يدفع ابن الله ثمن عقوبة الخطاة على الصليب. تحدث يسوع مرارًا وتكرارًا عن الروح القدس باستخدام صورة الماء الحي (كما في يوحنا 15-10:4؛ يوحنا 37:7، 38). يوضح يوحنا أن الروح هو “الّذي كانَ المؤمِنونَ بهِ [بيسوع] مُزمِعينَ أنْ يَقبَلوهُ، لأنَّ الرّوحَ القُدُسَ لَمْ يَكُنْ قد أُعطيَ بَعدُ، لأنَّ يَسوعَ لَمْ يَكُنْ قد مُجِّدَ بَعدُ” (يوحنا 39:7). وهذا “المجد” أو “الارتفاع” في إنجيل يوحنا يشير بوضوح إلى الصليب (كما في يوحنا 33:12). وبذلك نرى أنه فقط عندما يتم دفع ثمن الخطايا يمكن للروح القدس أن يُسكب على كل شعب الله.

بعد الصليب والقيامة، كرر يسوع ذلك الوعد بمعمودية الروح القدس (قارن أعمال الرسل 5:1 مع يوحنا 22:20). حدثت هذه المعمودية أولًا، وبأكثر صورة ملحوظة، للتلاميذ في يوم الخمسين (أعمال الرسل 2). ومنذ ذلك الحين، أصبح سُكنى الروح القدس حق يناله كل مؤمن في بداية حياته المسيحية الحقيقية.

(يُعتقد أحيانًا أن المعمودية بالروح القدس تشير إلى حدث يتبع التوبة، وغالبًا ما يرتبط بموهبة التكلم بألسنة. لكن من خلال دراسة متأنية للنص الكتابي نكتشف أنها تشير إلى ما يحدث في لحظة التوبة. استطاع چون ستوت في كتابه “المعمودية والامتلاء” بالغوص بشكل أعمق في هذا الموضوع، وأقنع به العديد ممن يتبعوا الحركات الكاريزماتية والخمسينية بعدم استخدام مصطلح “معمودية الروح” لوصف ما يطلقوا عليه الاختبار الثاني.)

عمل الروح القدس الساكن في المؤمن

يعطي الروح القدس ولادة جديدة للمؤمن ويُدخله في شركة مع الآب والابن.

يُعطي الروح القدس ولادة جديدة، وتُسمى أيضًا الولادة من فوق، تُمنَح بها حياة روحية لأناس أموات بالذنوب والخطايا (أفسس 3-1:2؛ يوحنا 8-1:3؛ تيطس 5:3). ولا يمكن تخطيط أو تنفيذ معجزة الولادة الجديدة بأي وسيلة بشرية، سواء بالتلاعب بالمشاعر أو بإقناع العقل، لأن المولود من الجسد (الوسائل البشرية) هو جسد وليس روحًا (يوحنا 6:3). هذه الولادة من فوق هي العمل السيادي للإله الثالوث؛ تتحقق في قلب الإنسان فقط بالله الروح القدس.

قبل أن يترك يسوع تلاميذه ليذهب إلى الصليب من أجل الخطاة، وعدهم بأنه سيعود إليهم. وبالفعل حقق ذلك الوعد، بشكل مؤقت، لبضعة أسابيع، في جسده المُقام. لكنه أوفى بذلك بشكل أبدي من خلال شخص الروح القدس. فقد صارت بعمل الروح القدس قلوب كل من ولدوا ثانيةً موطنًا لله الآب والله الابن (يوحنا 24-15:14). إنه فقط بسُكنى الروح القدس يتمتع المؤمنون بشركة مع الآب والابن (كما في يوحنا الأولى 3:1).

يسكُب الروح القدس محبة الله على قلب المؤمن

فيما يتعلق بالضيقات والمُثابرة والتزكية والرجاء، يكتب بولس بالروح القدس “والرَّجاءُ لا يُخزي، لأنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قد انسَكَبَتْ في قُلوبنا بالرّوحِ القُدُسِ المُعطَى لنا.” (رومية 5:5).  قد تعني عبارة “محبة الله” المحبة التي يُظهرها الله لنا، أو المحبة التي نظهرها لله، أو كليهما. على الأرجح هو في الأساس الحب الذي يُظهره الله لنا، مع أنه على الأرجح يتضمن محبتنا المتجاوبة مع الله. بإدخالنا في شركة مع الله الثالوث، يؤكد لنا الروح القدس المحبة الأبدية التي يتمتع بها الله الآب، الله الابن، وبالتأكيد، الله الروح القدس، لشعبه منذ الأزل وإلى الأبد.

يُقدس الروح القدس حياة المؤمن

الروح القدس كلى القداسة. إنه ممتلئ بقداسة الله الثالوث النارية. عندما تحدث عن معمودية الروح القدس، كرز يوحنا المعمدان بأن يسوع ” سيُعَمِّدُكُمْ بالرّوحِ القُدُسِ ونارٍ” (لوقا 16:3). يُعتبر ذلك استعارة تسمى “التفسير المعطوف”، فيها يتم شرح حقيقة واحدة بطريقتين: الروح القدس هو النار التي تحرق قشور الخطية. ولكن فقط بسبب صليب المسيح، لا تهلك تلك النار المقدسة المؤمن، بل تطهره.

إن إحدى أعمق وأروع أعمال الروح القدس، بعد توبة الإنسان، هي تعضيده لخوض حرب مدى الحياة ضد الخطية الساكنة في قلبه. تشرح رسالة غلاطية 16:5-26 ذلك الأمر بكل وضوح. نحن مدعوون أن “نسلك بالروح” بالرغم من أن “شهوات الجسد” (طبيعتنا الساقطة) لا تزال تصارع لتنتصر في داخلنا. يتجلى إثبات معمودية وسكنى الروح القدس في المؤمنين من خلال حياتهم التي تزداد دائمًا بثمار الروح “مَحَبَّةٌ، فرَحٌ، سلامٌ، طولُ أناةٍ، لُطفٌ، صَلاحٌ، إيمانٌ، وداعَةٌ، تعَفُّفٌ”.

يُقنع الروح القدس الإنسان بأن يسوع هو الحق ويقوده للسير في ذلك الحق

في يوحنا 31:13 (بعدما غادر يهوذا الإسخريوطي) وحتى يوحنا 33:16 يتحدث يسوع مع التلاميذ. وكل ما يقوله ينطبق مباشرة على الرسل. على سبيل المثال، في يوحنا 26:14 يعد يسوع تلاميذه أن الروح القدس سيذكرهم بكل ما قاله لهم وسيمكنهم من فهمه. يمكنه تذكيرهم لأنهم سمعوا الكلام من قبل؛ لكنه لا يستطيع أن يذكرنا بنفس الطريقة.

ومع ذلك، هناك امتداد من الأحد عشر رسولًا إلى كنيسة المسيح الرسولية اليوم. لأنهم كانوا تلك الكنيسة الرسولية في مرحلة تكونها الباكر كالجنين. لذلك يحق لنا الآن، وإن كان بحذر شديد، تطبيق هذه الفصول على أنفسنا. في يوحنا 5:16-15 يتحدث يسوع عن عمل الروح القدس أولًا في العالم (الآيات 8-11) ثم إلى الكنيسة الرسولية (الآيات 12-15).

بالنسبة لأولئك الذين في العالم، فإن العمل الوحيد الذي يقوم به الروح القدس في العهد الجديد هو التبكيت. إنه يقنع العالم أجمع بخطاياه، وببر المسيح، وبالدينونة. وهو يفعل ذلك في بداية الحياة المسيحية، في وقت التوبة؛ ويستمر في القيام بهذا العمل في قلب المؤمن الذي لا يزال يُصارع فيه شيئًا من “العالم”.

وعد يسوع رسله عن روح الحق قائلًا: ” يُرشِدُكُمْ إلَى جميعِ الحَقِّ.” هذا يعني تعليمهم معنى جميع الأشياء المُختصة بيسوع. إنه يكشف لهم، إن جاز التعبير، كل إعلانات الآب التي رأوها في يسوع. ولذلك، فإن تعاليمهم سُجلت لنا بالوحي في العهد الجديد (الذي كتبه إما رُسل أو أخرين ممن كانوا يسجلون تعاليم الرسل).

لا يقودنا الروح القدس إلى حق جديد؛ إنما، يفتح لنا آفاق تعليم الكنيسة الرسولية، التي هي الإعلان الكامل عن الله الآب في يسوع الذي يشهد عنه العهد الجديد. لذلك لنا أن نصلي من أجل الروح القدس ونتوقع أن يمنحنا المعونة والقدرة على فهم الحقائق الكتابية المتعلقة بيسوع ويعطينا النعمة لنسير في هذا الحق (انظر كريستوفر آش، رؤية الروح).

يجب أن نمتلئ بالروح القدس مرارًا وتكرارًا حتى يغير أقوالنا وأعمالنا

باستخدامه لفعل أمر مضارع ليوضح حقيقة الملء المستمر والمتكرر، يكتب بولس، “امتَلِئوا بالرّوحِ” ويستمر في توضيح ما يجب أن يعنيه ذلك بذكره لسلسلة متتالية من الممارسات. فالكنيسة الممتلئة بالروح القدس ستكلم بعضها البعض “بمَزاميرَ وتَسابيحَ وأغانيَّ روحيَّةٍ” (تشير جميعها بشكل أساسي إلى المزامير الكتابية)؛ سنفعل ذلك بكل قلوبنا، لأنه سيكون تسبيح حقيقي ومُغير للقلب؛ ستكون قلوبنا مملؤة امتنان لله الآب باسم يسوع المسيح. وسنعيش ذلك من خلال خضوع بعضنا البعض، كما في علاقات الخضوع التي يواصل بولس تعليمها: ستُظهر الزوجات المسيحيات خضوعًا وقورًا وتقيًا لأزواجهن؛ سيطيع الأبناء المسيحيون والديهم؛ سيختار العبيد المسيحيون خدمة أسيادهم بأمانة. كل هذا هو نتاج الامتلاء بالروح القدس.

يعطي المسيح المقام مواهب الروح القدس لبناء الكنيسة

مُقتبسًا من المزمور 68، يقول بولس بالوحي في أفسس 7:4-16 أن المسيح المُقام والمنتصر سوف يعطي مواهب لشعبه. يتحدث في هذا المقطع عن المواهب التأسيسية للرسل والأنبياء (والتي نعرف أنهم أساس الكنيسة من أفسس 20:2)، وأيضًا مواهب المبشرين والرعاة والمعلمين المستمرة.

هذه المواهب وغيرها يقدمها المسيح إلى كنيسته من خلال عمل الروح القدس. ومن المقاطع الأخرى التي تشير إلى هذه المواهب الروحية: كورنثوس الأولى 11-4:12، كورنثوس الأولى 14، ورومية 8-3:12. فلم يتفق المسيحيون حتى الأن على ما تعنيه كل هذه المواهب أو ما إذا كان ينبغي لنا أن نتوقع أن تكون موهبة معينة حاضرة أو يسهل ملاحظتها في كنيسة المسيح أم لا.

الروح القدس واشتياقنا وصلواتنا 

وفي النهاية، من المهم أن نحتفظ بالحقائق المركزية للروح القدس في قلب أفكارنا وصلواتنا. إنه يسكن في قلوبنا حتى نسير في حياتنا مع المسيح والآب في قداسة ومحبة. لنصلِّ لكي تمتلئ كنيسة المسيح من جديد في كل جيل بروح القداسة الذي هو روح المسيح.


تم نشر هذا المقال على موقع The Gospel Coalition: U.S Edition

شارك مع أصدقائك

كريستوفر آش

كاتب مقيم في تيندال هاوس، في كابيردج، إنجلترا.