لا تستحي بعقيدة الخطية

يؤمن المسيحيون أن الاعتراف بالخطية هو أمر أساسي ليس فقط لنوال نعمة لكن أيضًا إدراكًا وتقديرًا لجمال ولطف مخلصنا. ومع ذلك، فنحن اليوم يتزايد استحياؤنا بأن نخبر الناس بأنهم خطاة. فتتغيّر ملامحنا عندما نسمع عظاتٍ من سفر التكوين 5، أو سفر إرميا 17: 9 في كنائسنا. ونتساءل عما يفكر فيه زائرو كنائسنا، ونتمنى ألا يكون الواعظ سلبيًا للغاية. ومنا من تخصص كنيسته وقتًا للاعتراف العام أثناء العبادة الجماعية فنتساءل عما إذا كان ذلك معوقًا لنمو الكنيسة.

ورغم أن كتاب كورنيليوس بلانتينجا عن الخطية “Not the Way It’s Supposed to Be” ليس بقديمٍ. ولكن يُعَدّ الربع قرن الأخير بين نشره والآن كافيًا لإثبات صحة اهتمام بلانتينجا بتراجع مفهوم الخطية في الوعي العام. فمن يستحي من المسيحيين من عقيدة الخطية يفقد القدرة على شرح ماذا جرى للعالم، وبالتالي ما هي الأخبار السارة التي يذيعها يسوع المسيح. فيقول بلانتينجا محذرًا، “إن تجاهل حقيقة الخطية المميتة أو تلطيفها أو إخماد صوتها، هو قطع لعصب الإنجيل” (199).

اللطف الصلاح

تظهر عواقب تهميش وتقليل النظرة الكتابية للخطية في ازدياد التشويش حول الأخلاق في داخل الكنيسة وخارجها. فالإنجيلين اليوم يتصارعون مع العديد من العقائد التاريخية، على سبيل المثال لا الحصر: حصرية الخلاص، حقيقة الجحيم، وخطية المثلية الجنسية. نحن نصارع إلى حدٍ كبير مع هذه المعتقدات الكنسية التاريخية، لأنا لم نأخذ عظمة ثقل الخطية في الاعتبار.

بدون عقيدة سليمة عن الخطية، نحن نتبنى مفهومًا للأخلاقيات يساوي اللطف بالصلاح. لذلك يشعر المسيحيون بالذهول عندما يقابلون شخصُا لطيفًا يمارس المثلية. كيف لنا أن نقول عن فلان أنه شريرًا وهو يساعد الآخرين دائمًا؟

بدون عقيدة سليمة عن الخطية، لن يتبق لنا سوى تقسيم البشر إلى صالحين وأشرار. فعندما نتجاهل الحديث عن الخطية، فأننا نقلل من قدرتنا على رؤية أن الخطاة يمكن فدائهم، ونستخف بقوة النعمة في هذا التغيير. فالبيض الفاسد فائدته الوحيدة هو التخلص منه.

خطاة غير مفديين

لا شيء يبرهن على عجز ثقافتنا عن رؤية الخطاة كمفديين مثل مجتمع الإنترنت، والذي يبدو أقل اهتمامًا بالمحاكمات العادلة عن المحاكمات الساخرة في البرامج الهزلية. على سبيل المثال، فإن صناعة روايات الشباب تأكل صغارها، إذ أن أي تصويرٍ لأي أقلية جنسية باعتبارها معيبة أخلاقيًا، يتم تفسيره على أنه تحريض على التعصب الأعمى.

إذا كنت تعتقد أن هذه مجرد مشكلة علمانية إذ ينسلخ الناس من تراثهم اليهودي المسيحي، فقط قم بإلقاء نظرةٍ سريعة على كيف يتم التعامل مع خادمًا أو قسيسًا متهمًا بفضيحةٍ ما على الإنترنت. صحيح أنه ليس كل متهمًا بريئًا، وأن التوبيخ العلني مناسب للشخصيات العامة. ولكن طريقة تعاملنا مع أولئك القادة الذين نتصور أنهم مخطئون يبدو أنها تعكس أننا، في أعماقنا، نؤمن أنه إن سقط قائدٍ أخلاقيًا فهذا يجعله غير مؤهل لا للقيادة الكنسية فقط، إنما حتى للأخوة الإنسانية. إذا كان هذا يبدو كمبالغة من جانبي، فقط اسأل أبناء أي قائدٍ سقط.

لا يعني أي من هذا أن وجود عقيدة سليمة عن الخطية سيجعل العالم مكانًا أفضل. إنما ستُعدنا لفهم لماذا يبدو أنه لا يوجد شيء في العالم كما ينبغي أن يكون. لا يمكن تقسيم العالم إلى أبطال يقومون دائمًا بما هو صواب ولأسباب صحيحة، وأشرار يقترفون الخطأ دائمًا لأسبابٍ خاطئة. فحتى أعظم الأبطال هم في الأغلب أشرارًا.

ما هي أكبر مشكلة مع الخطية؟

لقد تنبأ كتاب بلانتينجا عما سيحدث حين تتوقف الكنيسة عن المجاهرة بعقيدة الخطية. كما أوضح الطرق المتعددة التي من خلالها تؤثر الخطيّة على حياتنا. ولكني شعرت بعد الانتهاء من قراءته كما لو أنني أكلت مجموعة رائعة من المُقبّلات، لكنني لم أتناول قط الطبق الرئيسي. فقد صور بلانتينجا ما تفعله الخطيّة بنا، لكنه لم يُشر سوى نادرًا لما تفعله الخطية بعلاقتنا مع الله.

ولكن الطريقة الوحيدة التي يمكننا من خلالها فهم الخطيّة بشكلٍ صحيح هو عندما نراها كرفضٍ لله. ربما ليست هذه هي الطريقة الأكثر سهولة في إدراك الخطية، ولكن حتى هذه الصعوبة تشير إلى الطريقة التي بها تُضعف الخطية إدراكنا. يمكن لجميع البشر الاعتراف بأن العالم ليس كما ينبغي أن يكون. ولكن ويمكن للمسيحيين فقط أن يشرحوا أن المشكلة الكامنة وراء كافة المشاكل أسوأ، بل أنها في حاجةٍ ماسة للعلاج: أي الانفصال عن الله. وحدهم المسيحيين يستطيعوا النظر إلى السماء والاعتراف: “إلَيكَ وحدَكَ أخطأتُ، والشَّرَّ قُدّامَ عَينَيكَ صَنَعتُ” (المزمور 51: 4). إن عدم انتباه كتاب بلانتينجا إلى أن جريمة الخطية الكبرى هي كونها ضد شخص الله نفسه، يَحرِم هذا الكتاب المفيد من تشخيص المشكلة المطروحة بشكلٍ صحيح. لم يُصب تعريف بلانتينجا للخطية الهدف، لأنه لم يكن تعريفًا عموديًا (عن علاقة الله مع الخطاة) بشكلٍ كافٍ.

التسلية والإيمان الفارغ

على الرغم من تعليقاتي النقدية، إلا أن هذا الكتاب يستحق القراءة والتفكير. إذ أن بلانتينجا يكتب لاهوتًا نظاميًا بشكلٍ جذابٍ.

للأسف، تمتلئ الأخبار هذه الأيام بتشويشٍ متزايدٍ متجذرٍ يستخف بالخطية. وحتى في العديد من الكنائس، فإن الرسالة الضمنية هي بالضبط ما حذر منه بلانتينجا: أن إيمانًا بعيدًا عن التوبة والندم، قادر فقط على تقديم “مهرجانات ولهو ونموًا ذاتيًا وخمس طرق لتعزيز تقدير الذات. وخاصة … التسلية” (193). يجدر بنا الاستماع إلى خواطر وأفكار بلانتينجا، كأخٍ أكبر وأكثر حكمة في هذه القضية.

في هذه الأيام، أتخيل أخونا بلانتينجا لا يقدر سوى أن يقول لنا: لقد أخبرتكم بذلك،” فالخطية تكمن خلف الباب.


تم نشر هذا المقال بتاريخ 26 يوليو 2019 على موقع The Gospel Coalition, U.S. Edition

شارك مع أصدقائك