حقًا قام؟ أدلَّة أم إيمان أعمى؟

عندما يتعلَّق الأمر بالنقاش عن المسيحيَّة والإلحاد، غالبًا ما يُفترَض أنَّ المسيحيَّة تقوم على الإيمان الأعمى، لكنَّ الإلحاد يقوم على الأدلَّة. المسيحيُّون يؤمنون فقط بما يقال لهم. والملحدون يتبعون الأدلَّة إلى حيث تقودهم.

يوجد عدد من الأسباب التي تجعل هذا الافتراض خاطئًا، ولكنَّ السبب الأساسيَّ هو فشله في إدراك أنَّ المسيحيَّة تستند وتعتمد على أدلَّة دامغة. يحتوي الكتاب المقدَّس نفسه على روايات شهود العيان المباشرة لإثبات الادِّعاء بأنَّ يسوع قام جسديًّا من بين الأموات. وتوجد أدلَّة أكثر صلابة على قيامة يسوع ممَّا يدركه معظم الناس.

بعض الحقائق المفتاحيَّة

لأجل السياق، من المهمِّ أن نفهم أنَّه عندما يتعلَّق الأمر بقيامة يسوع المزعومة، فإنَّه يوجد إجماع علميٌّ واسع حتَّى بين العلماء غير المسيحيِّين (مثل اليهود والملحدين، وما إلى ذلك) بخصوص بعض الحقائق المفتاحيَّة. لذلك تخيَّل أنَّك جمعت أفضل المؤرِّخين القدامى في العالم في غرفة وطرحت عليهم بعض الأسئلة:

  1. هل يسوع موجود؟ بالطبع، من دون أدنى شكٍّ.
  2. هل صلبَ الرومانُ يسوعَ ودفنوه في قبرٍ؟ بالتأكيد.
  3. هل تمَّ العثور على قبر يسوع فارغًا بعد ثلاثة أيَّام. نعم، هذا ما سيقوله الأغلبيَّة.
  4. هل ادَّعى عديد من أتباع يسوع أنَّهم رأوه حيًّا وبدأوا في نشر هذه الأخبار للآخرين؟ بالتأكيد، لا يوجد شكٌّ في ذلك.

بالطبع، لا يعني هذا أنَّ هؤلاء العلماء يعتقدون أنَّ أتباع يسوع كانوا أولئك المسيحيِّين الأوائل المحقِّين في ادِّعائهم أنَّ يسوع قام من بين الأموات؛ لكنَّهم يدركون دون شكٍّ أنَّ هذا ما ادَّعاه المسيحيُّون الأوائل.

الآن، يوجد إجماع علميٌّ واسع على هذه الحقائق. لكنَّ السؤال الرئيسيَّ هو -وهذا هو المكان الذي سيبدأ فيه الخبراء في الاختلاف- كيف تفسِّرون هذه الأحداث؟ بالطبع لا شيء من هذا يثبت القيامة. فهذه مجرَّد حقائق تاريخيَّة، ومهمَّتنا هي تجميع سبب حدوث هذه الأشياء. وتوجد بعض التفسيرات التي تُعتبَر أكثر ترجيحًا.

1. كذب أتباع يسوع

بادئ ذي بدء، يقترح بعض المؤرِّخين ببساطة أنَّ المسيحيِّين الأوائل كذبوا. وأنَّهم لم يؤمنوا أنَّ يسوع قام حقًّا من بين الأموات، بل كانوا يكذبون فقط. وكانت لديهم دوافع خفيَّة، شيء يكسبونه. ربَّما كذبوا للحصول على السلطة، أو التأثير الدينيِّ، أو الثراء. هكذا تسير النظريَّة.

لكنَّ مشكلة هذا التفسير هي أنَّ المسيحيِّين الأوائل لم يكن لديهم شيء يكسبونه عندما يكذبون بشأن قيامة يسوع. فهم لم يحصلوا على السلطة، ولم يصبحوا أثرياء. لكن في الواقع، واجه المسيحيُّون الأوائل النبذ والاضطهاد بسبب ادِّعائهم عن قيامة يسوع من بين الأموات.

فكِّر في الرسول بولس على سبيل المثال. قبل أن يظهر له يسوع المقام من الأموات (كما ادَّعى بولس)، كان شخصًا مؤثِّرًا ومحترمًا في اليهوديَّة. كانت حياته مريحة وجيِّدة. ولكن بمجرَّد أن أصبح مسيحيًّا، تعرَّض بولس للضرب والرجم والسجن مرارًا وتكرارًا، وواجه عددًا لا يحصى من المصاعب لكونه مسيحيًّا، وتمَّ إعدامه في النهاية بسبب ذلك! فلماذا إذًا يمرُّ بكلِّ ذلك لأجل ما كان يعلم أنَّه كذب؟

أو خذ الرسول بطرس، أحد تلاميذ يسوع الأوائل. صُلب بطرس رأسًا على عقب بسبب إيمانه، وهو موت مؤلم. لماذا فعل ذلك؟ ففي أيِّ نقطة، في أثناء اقتيادك للصلب، هل تعترف بأنَّ ذلك كان ادِّعاءً ملفَّقًا حتَّى تتمكَّن من تجنُّب الإعدام والاستمرار في حياتك؟

هذه ليست أمثلة معزولة. في الواقع، تمَّ إعدام أحد عشر من تلاميذ يسوع الاثني عشر الأوائل بسبب ادِّعائهم أنَّ يسوع قام من بين الأموات! لذلك فإنَّ مشكلة نظريَّة “الأكاذيب” هي أنَّها ببساطة لا تنصف الأدلَّة التاريخيَّة عمَّا نعرفه عن المسيحيَّة المبكِّرة.

2. هلوسة أتباع يسوع

يستنتج بعض العلماء أنَّ هؤلاء المسيحيِّين الأوائل لم يكونوا يكذبون: لقد أصابتهم الهلوسة ببساطة. ووفقًا لهذا التفسير، أصيب بطرس وأتباع يسوع الآخرون بالحزن بعد موته. لقد كانوا مليئين بالعاطفة، وكانوا في حالة ذهول، وكانت لديهم هلاوس حيَّة إذ اعتقدوا أنَّهم يرون يسوع قائمًا من بين الأموات.

بالطبع، هذا تفسير أفضل بكثير من التفسير السابق، لأنَّه يفسِّر حقيقة أنَّ المسيحيِّين كانوا على استعداد للموت من أجل ما يؤمنون به. ويوجد عدد كبير من المؤرِّخين يعتقدون في ذلك لهذا السبب.

ولكن يوجد بعض العيوب القاتلة في هذا التفسير أيضًا. أوَّلاً، من الناحية الطبِّيَّة، لا تحدث الهلوسة بشكل جماعيٍّ أو مشترك. كما يقول عالم النفس جاري كولينز Gary Collins: “الهلاوس أحداث فرديَّة. وحسب طبيعتها يمكن لشخص واحد فقط رؤية الهلوسة في كلِّ مرَّة”.

إذًا كيف يمكن أن يحدث ذلك، بينما تخبرنا كورنثوس الأولى 15 (وهي رسالة يُرجع المؤرِّخون تاريخها إلى نحو عام 55 م)، أنَّ يسوع ظهر لأكثر من 500 شخص في وقت واحد؟ وكيف يمكن أنَّ كلاًّ من بطرس وبولس وجميع الرسل الآخرين، وجميع الأشخاص الذين يزيد مجموع أعمارهم عن 500 سنة، والنساء اللائي شهدن أنَّ يسوع قام من الأموات لأوَّل مرَّة، تصادف أنَّ كلَّ هؤلاء الناس أصيبوا بهلوسات متطابقة على مدى أربعين يومًا؟ الحقيقة هي أنَّ ذلك ليس له معنى. إنَّه ليس تفسيرًا جيِّدًا للحقائق التاريخيَّة الأربع التي نظرنا إليها أعلاه. لذلك تمَّ طرح تفسير آخر.

3. قام يسوع من بين الأموات

نظرًا لأنَّ القيامة لا يمكن أن تكون أكاذيب، وليس من المنطقيِّ أن تكون هلوسة، فيوجد تفسير آخر للأدلَّة المقدَّمة هو أنَّ يسوع في الواقع قام من بين الأموات جسديًّا، تمامًا كما ادَّعى أتباعه.

هذا ما يفسِّر القبر الفارغ. إنَّه يفسِّر لماذا ادَّعى كثير من الناس رؤيته بعد وفاته. إنَّه يفسِّر لماذا أناس ممَّن كانوا معادين له في السابق -مثل بولس– تحوَّلوا فجأة وصاروا مسيحيِّين، على الرغم من أنَّ ذلك يعني المعاناة. وكما ترى، فإنَّ التفسير الذي يفسِّر أفضل دليل تاريخيٍّ هو أنَّ يسوع قام بالفعل من بين الأموات.

ولكن توجد مشكلة واحدة في هذا التفسير أيضًا. وهي كبيرة. هل تعلم ما هي؟ المشكلة هي أنَّ الموتى يبقون أمواتًا! ولا يعودون إلى الحياة بعد ثلاثة أيَّام! وهذه مشكلة كبيرة. لأنَّه إن لم يوجد تفسير طبيعيٌّ لكيفيَّة قيام شخص ما من الموت، فلا بُدَّ أن يوجد تفسير خارق للطبيعة. يجب أن يكون هناك بشكلٍ ما إله. وهذا يعني أنَّ علينا أن نحسب حسابًا للادِّعاءات الكبيرة التي أدلى بها يسوع عن نفسه.

وهذا ما يجعل هذا التفسير صعبًا للغاية. فإن كان يسوع قد قام بالفعل من بين الأموات، فسيكون لذلك تداعيات هائلة وصادمة. ولهذا السبب فقط يختار عديد من المؤرِّخين تفسيرًا مختلفًا.

الأكاذيب؟ الهلاوس؟ سارقو القبور؟ بالتأكيد، يجب أن يكون أيٌّ من هؤلاء قد فعل ذلك! لأنَّه حتَّى لو كانت هذه الأسباب ضعيفة من حيث المنظور التاريخيِّ، وحتَّى لو لم تتناسب مع الأدلَّة، فسيظلُّ كثير من الناس يختارون أيًّا من هذه الخيارات لأنَّها تتناسب بشكل أفضل مع معتقداتهم.

لكن هل ترى المشكلة هنا؟ ماذا حدث لكونك منطقيًّا، تتبع الأدلَّة أينما تذهب؟ لا تأخذ كلماتي على محمل الجدِّ. هذه مجرَّد مقالة مختصرة. اقرأ أكثر وبشكل أعمق. استمع إلى الأصوات من وجهتي النظر، لكن لا تكتفِ بما قيل لك من قبل أو ما يناسب معتقداتك بشكل مريح. تحقَّق بنفسك. قد تتفاجأ فقط أين تقودك الأدلَّة.

شارك مع أصدقائك

يعمل في جامعة أستراليا الغربية وهو خا\م في كنيسة سان ماثيو الأنجليكانية في شينتون بارك، أستراليا.