في مقالة سابقة على موقعنا العربي “ائتلاف الإنجيل” بعنوان “هل يُحِبُّ اللهُ الجميعَ؟”، أجاب اللاهوتي والقس الأمريكي “كيڤين ديونج” على هذه السؤال بـ: نعم، ولا! وبرغم التناقض الظاهري الذي قد يتصوره القارئ عند قراءته لإجابة كهذه، فإن التناقض الظاهري يزول عند مراجعة شرح “ديونج” لضرورة عدم حصر “محبة الله” في معنى واحد. ولاسيما عند احتكامه لخمسة معان عن “محبة الله” شرحها دونالد كارسون في كتابه “عقيدة محبة الله الصعبة“.
أود أن أسلك مسلك مشابه لـ “كيڤين ديونج” في إجابتي على سؤال: “هل يحب الله الخاطئ ويكره الخطية؟” كذلك بـ “نعم ولا!”. وأرجو من القارئ مواصلة القراءة حتى النهاية لحساسية الموضوع وتأثيراته النفسية على الكثيرين، ولاسيما وأن الكثير يستخدم عبارة “يحب الله الخاطئ ويكره الخطية” كافتراض مُسلم به، غير قابل للنقاش.
أين المشكلة في عبارة “يحب الله الخاطئ ويكره الخطية”؟
أولاً: هي عبارة مضللة، تفترض استحالة أن يحب الله الخاطئ بمعنى ما، ويكرهه بمعنى آخر. كما أنها تتجاهل نصوص كتابية واضحة تذكر بنص صريح كراهية الله للشر. على سبيل المثال:
- “لأَنَّكَ أَنْتَ لَسْتَ إِلهًا يُسَرُّ بِالشَّرِّ، لاَ يُسَاكِنُكَ ٱلشِّرِّيرُ. لاَ يَقِفُ ٱلْمُفْتَخِرُونَ قُدَّامَ عَيْنَيْكَ. أَبْغَضْتَ كُلَّ فَاعِلِي ٱلْإِثْمِ.” (مزمور ٤:٥-٥)
- “ٱلرَّبُّ يَمْتَحِنُ ٱلْصِّدِّيقَ، أَمَّا ٱلشِّرِّيرُ وَمُحِبُّ ٱلظُّلْمِ فَتُبْغِضُهُ نَفْسُه.” (مزمور٥:١١)
ثانيًا: ليس من الصحيح إعطاء الانطباع بأن الله لا يكره الخطأة بالقول إنه يحب الخاطئ ويكره الخطيئة. لذلك، يذكرنا اللاهوتي آر. سي. سبرول أن الله في يوم الدينونة سيلقي بالأشرار في الجحيم، في ذات الوقت الذي سيبيد الشر تمامًا.
المعاني الكتابية لمحبة الله للخاطئ وكراهيته له
الله كُلي الصلاح، وفي صلاحه يعلن محبته وبغضته بمعاني مقدسة أسمى من محبة البشر وكراهيتهم، والتي كثيرًا ما تكون عشوائية وبلا أسباب منطقية مقدسة. في الكتاب المقدس الكراهية والمحبة من جانب الله لهما معنيان. فعندما يتحدث عن كراهية الله للخاطئ، فغالبًا ما يشرح السياق الكتابي كراهيته كالتالي:
- لا يُسر الله بالشركة مع الخاطئ لقلبه المتفاخر، وفكره المناقض لطبيعة الله القدوس. والواقع أن أيًا منا لا يمكن أن يتصور مسرة الله برغبات قلب متفاخر وشرير.
- كذلك، فإن الله القدوس لا يمكن ألا يكون رد فعله على هذا الإنسان غير التائب الذي لا يتوب، بل في قساوة قلبه يذخر لنفسه غضبًا في يوم الغضب (رومية ٥:٢). وسيصل هذا الغضب لذروته في يوم الدينونة الأخير.
أما عن محبة الله للخاطئ، فيشرحها كما يلي:
1. محبة العناية الإلهية بكل خليقته.
يوضح الرب يسوع في الموعظة على الجبل كيف أن الله يحب الخاطئ الشرير بهذا المعنى. لنقرأ: “سَمِعْتُمْ أَنـَّهُ قِيلَ: تـُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتـُبْغِضُ عَدُوَّكَ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ ٱلَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ ،لِكَيْ تَكُونـُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ، فَإِنـَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى ٱلْأَشْرَارِ وَٱلصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى ٱلْأَبْرَارِ وَٱلظَّالِمِينَ.” (متى٤٣:٥-٤٥). ومن اللافت حقًا أن محبة الله وردت في هذا السياق، لا غير؛ أي سياق محبة العناية الإلهية والإحسان مقابل الإساءة. وهي محبة تختلف في جوهرها عن محبة المسيح لكنيسته وارتباطه الروحي بها بعمل الروح القدس.
2. موقف الله الخلاصي تُجاه عالم ساقط.
يعلن الله لكل من يسمع أن للخطية علاج وغفران مقدم للجميع إن تابوا وآمنوا. وبغض النظر عن إيماني بعقيدة الاختيار الكتابية، فإن الاختيار لا ينفي أن إتاحة الخلاص وإعلان بشارة الإنجيل للجميع فيما يعرف بالدعوة العامة هو في حد ذاته توجه إلهي يتسم بالنعمة والرحمة تجاه العالم الساقط.
أهمية هذا التمييز الكتابي
يساعدنا هذا التمييز لفهم المقصود بمعنى المحبة والبغضة في كل آية في قرينتها الكتابية على فهم شخصية الله وصفاته وأعماله كما أعلن عن نفسه هو في الكتاب المقدس، ما يؤثر حتما على تقديرنا للخلاص المقدم لنا بمحبة أسمى من محبة العناية الإلهية العامة للخليقة ككل. يؤثر ذلك أيضًا على مردود علاقتنا به وعبادتنا له كوننا نحن المؤمنين شعبه وتلاميذ مسيحه. وعلى تمييزنا لمحبتنا لإخوتنا في الكنيسة عن محبتنا للعالم ككل.