عن الوعظ والكليشيه Cliché
“المتألم مش محتاج وعظ، أيًا كان نوع الألم أو سببه: مرض نفسي أو جسدي، وفاة قريب أو احتياج مادي. في كل الحالات دي، الناس شبعت كلام، ومش محتاجة وعظ!المتألم محتاج لشخص يحتويه، يسمعه ويحس بيه، يبكي معاه ويسنده، مش يوعظه بكلام!”
كلامنا النهاردة عن واحدة من التطويبات المعاصرة: “وفي مجلس المتألمين لم يعظ!” والحقيقة في كل مرة بسمعها بيخطر على بالي سؤال محدد: “إيه المقصود بالوعظ في السياق ده؟”، وإيه الصورة اللي بتترسم في أذهاننا، واللي ورا رفضنا للي بنسميه “وعظ!”، وعلى أساسها بنرفضه؟
باختصار، لو اللي في أذهاننا هي صورة الإنسان اللي مش شاعر باللي بتمر بيه، ولا حتى بيكلف خاطره إنه يعمل “مجهود الانصات”-واللي من خلاله يقدر يقرب لك مسافة كافية، عشان يشوف المشكلة بعينيك ويحس بألمك. وفي نفس الوقت مش بيبطل يشاركك بآيات من الكتاب المقدس، واحدة ورا التانية، وقصص واختبارات بعيدة عنك، فطبيعي جدًا إننا نرفض ده، لأنه حقيقي أمر جدير بالرفض!
لكن الحقيقة ده لا يمكن يكون وعظ! أفضل توصيف له هو كليشيه Cliché، أو كلام فقد معناه من كتر الاستخدام، أو خلينا نقول: “سوء الاستخدام“. والكتاب المقدس نفسه هو أول من ينتقد سوء استخدام كلماته وابتذال معانيها، للدرجة اللي فيها الشيطان نفسه استخدم كلمات الكتاب المقدس ضد المسيح “ابن الله” في التجربة في البرية (متى 4: 6)، واستخدمه الأنبياء الكذبة مع شعب الله قديمًا في صورة وعود بالحماية والبركة، في وقت كانوا محتاجين فيه يفتكروا ويلات كسر العهد مع الله، ويقبلوا تأديبه باتضاع ويرجعوا له بالتوبة (تثنية ٢٦-٢٨).
إيه خطورة خلط الكليشيه Cliché بالوعظ؟
في مثل قديم، بيقول: Don’t throw the baby out with the bathwater، واللي معناه: “ماترميش الطفل الرضيع مع مياه الاستحمام!” وده بيقابله المثل العربي: “لا تخلط الحابل بالنابل.”
قصة المثل ده بترجع لسنة ١٥١٢، واللي ظهر من خلال نقش خشبي عليه الصورة دي. الصورة بتصور أم بترمي رضيعها بغباء منقطع النظير وهي بتتخلص من مياه الاستحمام اللي استخدمتها في تنضيف الطفل. من وقتها والمثل بيستخدم لتوضيح خطورة التخلص من شيء جيد وقيم (اللي بيمثله الطفل الرضيع) بدون وعي كافي عند محاولة التخلص من شيء سيء (مياه الاستحمام).
تطبيق المثل ده على كلامنا عن خطورة الخلط بين الوعظ والكليشيه Cliché واضح جدًا ومش محتاج عبقرية. مأساة لو إننا في رفضنا للصورة النمطية السلبية عن إساءة استخدام الوعود والآيات الكتابية، رفضنا معاها مبدأ احتياجنا لكلمة حية من الله في كل وقت، وبالأخص وقت الألم والضيق اللي بيمر فيه أغلب العالم (بما فيهم الكنيسة والمؤمنين باعتبارهم جزء من العالم المكسور). لتجنب الخلط ده، محتاجين نرجع لقلب ومركز الرسالة المسيحية، الإنجيل اللي بنكرز بيه، واللي المفروض يشكل طريقة فهمنا لله، ونظرتنا لنفسنا وللعالم المتألم اللي عايشين فيه.
الإله المصلوب وشعب العهد الجديد
الإنجيل هو خبر عن إله لم يفصل نفسه عن ألمنا وأرسل ابنه اللي صار إنسان تحت الآلام واجتاز الموت لأجلنا (عبرانيين 2: 14-16). هو نفسه الإله اللي قام منتصر ووعد كنيسته بعالم أفضل: سماء جديدة وأرض جديدة بيقول عنها كاتب العبرانيين: “المدينةَ الّتي لها الأساساتُ، الّتي صانِعُها وبارِئُها اللهُ.” (عبرانيين 11: 10) وفي انتظارنا للمدينة دي المسيح موعدناش بحياة خالية من الألم ولا علّمنا في حياتنا نهرب من مشاكل العالم. لكن بحياة نواجه فيها مشاكل العالم وتحدياته ومصدر التشجيع الأساسي هو الوعظ بكلمة الله الحية، للدرجة اللي فيها بيعلمنا كاتب العبرانيين إننا نوعظ بعضنا البعض كشعب الكنيسة، نشجع بعضنا في كل يوم بنقرب فيه من النهاية ويشتد فيه الألم: “غَيرَ تارِكينَ اجتِماعَنا كما لقَوْمٍ عادَةٌ، بل واعِظينَ بَعضُنا بَعضًا، وبالأكثَرِ علَى قدرِ ما ترَوْنَ اليومَ يَقرُبُ.” (عبرانيين 10: 25)
نظرة بسيطة لأغلب كتابات العهد الجديد كافية إنها تنسف فكرة إن المتألم مش محتاج وعظ من أساسها! لإن ببساطة مؤمني العهد الجديد عايشين في نفس العالم المكسور والمتألم، بالإضافة لتحملهم آلام اختيارية مرتبطة بتبعية المسيح المرفوض من العالم!
أخيرًا: بكي يسوع، لكنه علم ووعظ أيضًا!
في الختام، كبديل للصورة النمطية السلبية لواعظ “الكليشيه”، محتاجين نستحضر لنفسنا صورة المسيح المُعلم، واللي وعظ: شجع، وبخ، وعزى. شجع شعبه المتألم بكلمات حية مؤثرة في مشهد الموعظة على الجبل. وفي مشهد تاني عند قبر لعازر، بكي يسوع، “انزَعَجَ بالرّوحِ واضطَرَبَ” (يوحنا 11: 33-35). لكنه وقبل إقامة لعازر، اهتم يعلم مرثا عن نفسه، وعن الرجاء المرتبط بالإيمان باعتبار كونه هو القيامة والحياة: “قَالَ لَهَا يَسُوعُ: أنا هو القيامَةُ والحياةُ. مَنْ آمَنَ بي ولَوْ ماتَ فسيَحيا، وكُلُّ مَنْ كانَ حَيًّا وآمَنَ بي فلن يَموتَ إلَى الأبدِ. أتؤمِنينَ بهذا؟” (يوحنا 11: 25-26)
كلمات الرب يسوع كانت صحيح مش طويلة، ومناسبة جدًا لحالة الحزن والأسى النفسي اللي مرت به مرثا.
كانت كلماته بحق: “تُفّاحٌ مِنْ ذَهَبٍ في مَصوغٍ مِنْ فِضَّةٍ، كلِمَةٌ مَقولَةٌ في مَحَلِّها.” (أمثال 25: 11)
عمر المشكلة ما كانت الوعظ في حد ذاته، المشكلة في محتوى الوعظ اللي أوقات كتير بيتحول لكليشيه Cliché مفتقد لقوة الروح القدس، والعمق المرتبط بحياة مقدسة دافعها محبة الله والقريب.
والتحدي اللي علينا، نتمسك بقوة الوعظ بكلمة الله، منرميهاش مع مياه الاستحمام!