يتابع جميعنا بألم ما وقع يوم 7 أكتوبر 2023 في إسرائيل، وما تلاه من حرب دامية بين إسرائيل والفصائل الإسلاميّة المتطرفة في قطاع غزة. وكالكثير من الصراعات من حولنا، ارتدى هذا الصراع أيضًا ثوب الجهاد والحروب الدينية. وبدأ الناس يطرحون الأسئلة ليس فقط حول الجهاد الإسلاميّ وحروب العهد القديم، إنما السؤال الأكبر هو: “هل الدين هو المشكلة؟ ألا نجد الدين واقف خلف كل الحروب والدماء؟”
في الواقع، يمكن أن تُسبِّب الاختلافات الدينيَّة -وقد تسبَّبت بالفعل– في كلِّ أنواع الصراع والعنف والشرِّ بين البشر على كلِّ المستويات. ومع ذلك، فإنَّ هذا في حدِّ ذاته يثبت القليل جدًّا عن صواب أو خطأ المعتقد الدينيِّ بشكل عامٍّ أو عن المسيحيَّة بشكل خاصٍّ. ففي نهاية المطاف، كثيرًا ما تخوض البلدان حروب باسم العدالة والشرف؛ لكنَّ هذا لا يعني أنَّ العدالة والشرف أفكار سيِّئة. كما إنَّه من الممكن أن يرتكب البعض جريمة قتل باسم الحبِّ؛ لكنَّ هذا لا يعني أنَّنا يجب أن نتخلَّى عن فكرة الحبِّ.
في الواقع، يخبرنا الصراع الدينيُّ القليل عن الدين والكثير عن الطبيعة البشريَّة. فالبشر قادرون على الانقلاب بعضهم على بعض لمختلف الأسباب: التاريخيَّة والعرقيَّة والثقافيَّة والشخصيَّة، وكذلك الدينيَّة. في الواقع، تمَّ ارتكاب بعض أسوأ الفظائع التي ارتكبت خلال القرن الماضي في ظلِّ أنظمة معادية للدين باسم الاشتراكيَّة والشيوعيَّة والقوميَّة. وبشكل عامٍّ، سوف يتقاتل البشر بشأن أيِّ شيء يشعرون به أو يريدونه بقوَّة، من السياسة إلى أماكن وقوف السيَّارات. ويوفِّر الدين ببساطة مكانًا جيِّدًا لبدء القتال لأنَّه يعتمد كثيرًا على الشيء الصحيح.
السؤال الصحيح إذًا ليس، “هل الدين هو المشكلة او أساس الصراع؟”، بل بالأحرى، “هل يمكن فعل أيِّ شيء بشأن الصراع البشريِّ؟” وهنا نجد الإجابة في كلمة الله–الكتاب المقدَّس.
1. غالبًا ما يتقاتل البشر لأنَّهم لا يثقون بالله.
في صميم كثير من أعمال العنف والانتقام البشريِّ، توجد قناعة بأنَّ الأمر متروك لنا لفرض طريقتنا وما نظنه عدلًا من منظورنا الخاص. ومن خلال رفضنا لله ومحاولتنا للعيش وفق طريقتنا الخاصَّة، أصبحنا في الواقع آلهة لأنفسنا. المشكلة هي أنَّنا يجب أن نتنافس الآن مع كلِّ شخص آخر يحاول أيضًا أن يكون إلهًا. وبينما نحن نتقاتل ونصبح أكثر ضعف، يحاول كلٌّ منَّا أن يؤسِّس وجهة نظره بشأن الصواب والخطأ وأن يدافع عن قضيَّته في هذا العالم. إنَّنا نحوِّل العدالة إلى انتقام ونفقد كلَّ إحساس بالمشاركة. يمكن العثور على المثال الأوَّل لهذا في الكتاب المقدَّس في تفاخر لامك (حفيد قايين) الذي أعلن أنَّ عدله –إذ قتل رجلاً قام بإيذائه- أفضل سبعين مرَّة من العدل الذي وعد به الله جدَّه قايين!
“فَإِنِّي قَتَلْتُ رَجُلاً لِجُرْحِي، وَفَتىً لِشَدْخِي. إِنَّهُ يُنْتَقَمُ لِقَايِينَ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ، وَأَمَّا لِلاَمَكَ فَسَبْعَةً وَسَبْعِينَ”. (تكوين 4: 23-24)
2. الدين السيِّئ يمكن أن يؤذي، الإيمان المسيحيُّ يمكن أن يساعد.
يمكن لبعض الأديان والحركات الثقافيَّة أن تتماشى مع هذا الاتِّجاه الإنسانيِّ؛ خاصَّةً تلك التي تقسم العالم إلى أناس طيِّبين (الذين في جانبنا) وأشخاص سيِّئين أو أغبياء (الذين ضدَّنا). إنَّ القبليَّة أمر طبيعيٌّ. فنحن جميعًا، كأفراد وجماعات، نحبُّ أن نبني أنفسنا من خلال الحكم على الآخرين. حتَّى نحن الذين نسمِّي أنفسنا مؤمنين، فإنَّنا بعيدون كلّ البعد عن الحصانة.
لكنَّ المسيحيَّة الحقيقيَّة تصرُّ على أنَّه مهما فعل الناس لنا، فإنَّنا جميعًا في نفس القارب (عندما يتعلَّق الأمر بالله): فنحن جميعًا خطاة؛ كلُّنا منافقون، وكلٌّ منَّا يستحقُّ الإدانة. كلُّنا بحاجة إلى الرحمة. لهذا السبب، يُشبِّه يسوع حكمنا بعضنا على بعض بشخص لديه خشبة في عينه ويشير إلى شخص آخر لديه قذى في عينه (متَّى 7: 3-5). وكما قال في مناسبة أخرى، فإنَّه يقارنه بشخص غُفر له دين بالملايين لكنَّه يهاجم شخصًا مدينًا له ببضعة قروش (متَّى 18: 21-35).
3. مغفرة الله تجلب السلام بين الناس.
يخبرنا الإنجيل المسيحيُّ أن نركِّز أعيننا على يسوع ونجد طريقة أخرى كي لا ندين الآخرين أو أن ندان منهم، وهي أن نعترف بخطيَّتنا ونحصل على الغفران من خلال موت ابن الله. يقول الكتاب المقدَّس إنَّنا إن فهمنا هذا حقًّا، فإنَّ ذلك سيبدأ في القضاء على جذور العنف، ممَّا يجعلنا:
- على استعداد أن نسامح الآخرين كما سامحنا الله (أفسس 4: 32)؛
- قادرين على انتظار عدل الله عندما لا نستطيع الحصول عليه في هذا العالم (1 بطرس 2: 21-22)؛
- واثقين من أنَّ الله سوف يعتني بنا، حتَّى عندما يسيء الناس إلينا (رومية 8: 31-39)؛
- مدركين أنَّ هويَّتنا ليست في عرقنا أو ثقافتنا أو تاريخنا بل في المسيح (أفسس 2: 12-16)؛
- صابرين مع المعارضين لنا، عالمين أنَّ أيَّ امتياز لنا قد حصلنا عليه فقط من خلال رحمة الله…
“لأَنَّنَا كُنَّا نَحْنُ أَيْضًا قَبْلاً أَغْبِيَاءَ، غَيْرَ طَائِعِينَ، ضَالِّينَ، مُسْتَعْبَدِينَ لِشَهَوَاتٍ وَلَذَّاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، عَائِشِينَ فِي الْخُبْثِ وَالْحَسَدِ، مَمْقُوتِينَ، مُبْغِضِينَ بَعْضُنَا بَعْضًا. وَلكِنْ حِينَ ظَهَرَ لُطْفُ مُخَلِّصِنَا اللهِ وَإِحْسَانُهُ- لاَ بِأَعْمَال فِي بِرّ عَمِلْنَاهَا نَحْنُ، بَلْ بِمُقْتَضَى رَحْمَتِهِ خَلَّصَنَا بِغُسْلِ الْمِيلاَدِ الثَّانِي وَتَجْدِيدِ الرُّوحِ الْقُدُسِ” (تيطس 3: 3-5)
تم نشر هذا المقال أولًا على موقع ائتلاف الإنجيل: النسخة الأسترالية