“اُقتُل ابنك لأجلي”: الفضيحة الرائعة لذبيحة إبراهيم

بينما نقرأ قصَّة إبراهيم، في اللحظة التي يرفع فيها السكِّين ليذبح ابنه إسحاق، نشعر أنَّنا نودُّ أن نمسك بمِقَصٍّ (ولو مجرَّد تخيُّل)، وننتزع تلك القصَّة من كُتُبنا المقدَّسة كما كان يفعل الرئيس الأمريكيّ الأسبق توماس جيفرسون مع أي جزء لا بروق له من الكتاب المقدس!

في تكوين 22، يأمر الله إبراهيم بأن يُقدِّم ابنه حبيبه ذبيحةً. يرى كثيرون أنَّ هذه القصَّة بلا شك تُسبِّب حَرَجًا للمشاعر الإنسانيَّة، بل هي إهانة لإنسانيَّتنا. هذه القصَّة تُمثِّل عائقًا لا يمكن تخطِّيه أمام كلِّ إنسان عاقل. أليس كذلك؟

يحكي المغنِّي الأمريكيُّ بوب ديلان قصَّة إبراهيم من وجهة نظره بهذه الطريقة:

قال الله لإبراهيم: “اُقْتُلْ ابنًا لأجلي!”[1]

فقال له إبراهيم: “بل ضعني أنا بدلاً منه”.

أجابه الله: “لا”، فقال إبراهيم: “ماذا!”

لم يكن جواب إبراهيم على الله في الكتاب المقدَّس “ماذا!” لكن المغنِّي بوب ديلان أراد أن يُنبِّهنا لبشاعة الأمر، فجاوب على لسان إبراهيم: “بل ضعني أنا بدلاً منه”. كيف يمكن تقديم طفل كذبيحة؟ وفي كتابٍ مقدَّسٍ؟ ما المفترض أن نفعله حيال هذه القصَّة؟

أنا أحبُّ تكوين 22، وبالنسبة لي، ربَّما هو أفضل أصحاح في كلِّ الكتاب المقدَّس. فأنا لست مثل كثيرين يودُّون استخدام مِقَصَّاتهم لاِنتزاع هذه القصَّة، لكن أودُّ استخدام عدسة مكبِّرة، لأنَّنا لو درَّبنا عيوننا على قراءة وفهم مغزاها، لن نراها كعثرة في طريق الإيمان، بل حافزًا رائعًا على الإيمان.

لكنَّنا بحاجة إلى أن نبدأ ببعض الأُسس:

ما هو الكتاب المقدَّس؟

أحيانًا يكون المسيحيُّون هم أسوأ من يُجيب عن هذا السؤال، البعض سيقولون: “هو مثل دليل الاِستخدام الذي صمَّمه الصانع”، يقول آخرون: “هو خريطة الطريق إلى الله”، يخبرنا آخرون بإجابات مبتكرة، فيضعون تعريفًا مأخوذًا من الأحرف الأولى لكلمة BIBLE، أي الكتاب المقدَّس، مثل: Basic Instructions Before Leaving Earth، أي “المبادئ الأساسيَّة قبل الرحيل من هذا العالم”. في الأغلب، يرى كثيرون سواء كانوا مؤمنين أو غير مؤمنين، أنَّ الكتاب المقدَّس بالأساس مجرَّد دليل أخلاقيٍّ.

لكن إذا قرأنا تكوين 22 من نفس المُنطلق –أي أنَّ الكتاب المقدَّس مجرَّد دليل للأخلاق والمبادئ- سنُصدَم بشدَّة. فعندما يقول الله: “قدِّم ابنك ذبيحةً”، فماذا يُفترض بنا أن نفعل؟ هل نذهب ونفعل كذلك؟ بالطبع لا. إذا نفَّذنا أو طبَّقنا كلَّ ممارسة أو فعل في الكتاب المقدَّس حرفيًّا، سنكون في ورطة! (ولست بحاجة إلى أن أخبركم بأنَّها ربَّما تقودنا إلى السجن).

يجب أن نقرأ تكوين 22 بنفس الطريقة التي يجب علينا أن نقرأ بها كلَّ الكتاب المقدَّس. بادئ ذي بدء، الكتاب المقدَّس هو سيرة ذاتيَّة (شهادة الروح القدس للابن). عندما نقرأ من هذا المُنطلق، سنرى كلَّ كلمة في الكتاب المقدَّس تركِّز على هذا الأمر.

الشهادة ليسوع

لنفهم هذا الأصحاح، يجب أن نسأل: من هو إسحاق؟ هو نسل إبراهيم. هو إتمام قريب المدى لوعود الله بخصوص كلِّ الخليقة في تكوين 12، بأنَّ نسل إبراهيم سيخلِّص ويبارك العالم (تكوين 12: 2-3، 7؛ 15: 5؛ 17: 4-8). وبمرور الوقت، سيكون نسل إبراهيم هو أمَّة إسرائيل. أمَّا على المدى البعيد، فنسل إبراهيم سيكون هو يسوع (غلاطية 3: 16). لكن على المدى القريب، أي قبل تأسيس الأمَّة الإبراهيميَّة، وقبل مجيء المسيَّا، كان لا بُدَّ أن يوجَد إسحاق.

تخيَّل معي إبراهيم وهو يحمل إسحاق بين ذراعيه، ما الذي تحمله هذا يا إبراهيم؟ تحمل رجاء العالم؟ فمن دون إسحاق لا توجد إسرائيل، ولا يوجد مسيح، ومن دون مسيح لا خلاص. إذًا مهما كان الذي تفعله يا إبراهيم، إيَّاك وأن يسقط إسحاق من بين ذراعيك.

ثمَّ نقرأ في ما بعد في تكوين 22: “خُذِ ٱبْنَكَ وَحِيدَكَ، ٱلَّذِي تُحِبُّهُ، إِسْحَاقَ، وَٱذْهَبْ إِلَى أَرْضِ ٱلْمُرِيَّا، وَأَصْعِدْهُ هُنَاكَ مُحْرَقَةً عَلَى أَحَدِ ٱلْجِبَالِ ٱلَّذِي أَقُولُ لَكَ”. أيُّ شخصٍ عاديٍّ سيُصدَم عند قراءة هذه الآية، بل إنَّ القارئ المنتبه المفكِّر، سيشعر بصدمة أكبر وليس أقل. هذا لأنَّنا نعرف من هو إسحاق، هو نسل إبراهيم، رجاء العالم. من خلال إسحاق ستُحَلُّ كلُّ بركة على الأمم، والآن يطلب الله أن يُذبَح إسحاق كمُحرقة! (أقصد ذبيحة كفَّارة، لاويين 1: 4). على ما يبدو هنا، أنَّ هذه هي الطريقة التي سيخلِّص بها الله العالم، تقديم الابن المحبوب ذبيحة على الجبل. لاحظوا أنَّ هذا الجبل يقع في منطقة المُريَّا، وجبل المُريَّا هذا سيصبح جبل الهيكل في أورشليم (2 كورنثوس 3: 1). عند نقطة معيَّنة، أحيانًا تنفتح الأذهان ونفهم القصد من وراء هذه القصَّة.

اِستوعبت المغزى!

ذات مرَّة، كنت أعلِّم هذه القصَّة لمجموعة من المراهقين، محاولاً رسم الصورة جزءًا تلو الآخر: إسحاق هو الابن الوحيد المحبوب، رجاء العالم، مصدر كلِّ البركات، حملَ الخشبة على ظهره وصعد بها أعلى الجبل (تكوين 22: 6). هل هذا يُذكِّركم بشيء؟ هذا الجبل بالقرب من أورشليم، هل في القصَّة إشارة لأيِّ شيء؟ فجأةً، حدث كما لو كان يوجد شخص صعقَ الفتاة الجالسة في أوَّل الصفِّ بالكهرباء، ثمَّ بدأت هذه الفتاة تضرب الفتاة التي بجوارها بلطف –كانت حقًّا تضربها- كان عنفًا لطيفًا نابعًا من فرحٍ بريء وصادق، صارت الفتاة تهتف: “يا إلهي يا إلهي يا إلهي، إنَّه يسوع إنَّه يسوع، بكلِّ تأكيد هو يسوع”.

هذا هو السبب الجوهريُّ الذي لأجله كُتِبَ الكتاب المقدَّس. لقد كُتِبَ ليجعلنا نهتف مثل هذه الفتاة: “إنَّه يسوع إنَّه يسوع، بكلِّ تأكيد هو يسوع”. عندما نقرأ الكتاب المقدَّس بهذا الفكر، عندها سندرك أنَّ كلَّ ما كُتِبَ ذو معنى. وعِوَض أن يكون تكوين 22 عائقًا يصعُب تخطِّيه في قبول الإيمان، عندما يكون يسوع هو مركز تركيزنا، سيكون هذا الأصحاح حافزًا قويًّا لقبول الإيمان. تذكَّروا هذا، إنَّ التكوين سجَّل لنا هذه الحادثة قبل صلب المسيح بألفي عامٍّ، لكن منذ البداية، دائمًا ما يشهد الكتاب المقدَّس عن الحدث المركزيِّ والأهمِّ (صلب المسيح).

هو يرى وينعم

يسطع إيمان إبراهيم طوال هذا الأصحاح، إذ يعود ليؤكِّد لابنه إسحاق: “اللهُ يَرَى لَهُ الْخَرُوفَ لِلْمُحْرَقَةِ يَا ابْنِي” (الآية 8). بطريقة أو أخرى سيوجَد بديل، سيمنحنا الله كبشًا وسيكون كلُّ شيء على ما يُرام. إبراهيم يعلم تمامًا أنَّ إسحاق هو الابن الموعود، رجاء العالم، لذلك مهما حدث من أمور سيجتازها إسحاق. إبراهيم كان له هذا الإيمان بالقيامة (عبرانيِّين 11: 17-19).

في هذه الحادثة، أمدَّ الله إبراهيم بكبش، هذا يعني أنَّ الحمل ما زال في المستقبل، لذا خلاصة الأمر في هذه القصَّة هي: “فَدَعَا إِبْرَاهِيمُ اسْمَ ذلِكَ الْمَوْضِعِ «يَهْوَهْ يِرْأَهْ». حَتَّى إِنَّهُ يُقَالُ الْيَوْمَ: «فِي جَبَلِ الرَّبِّ يُرَى»”، (تكوين 22: 14). لاحظوا أنَّ مضمون الكلام في المستقبل: “يَهْوَهْ يِرْأَهْ”، ما الذي سيمنحه الله لإبراهيم؟ حَمَل الله، نسل إبراهيم، الابن المحبوب، رجاء العالم.

يومًا ما، على هذا الجبل، سيمنحنا الله الذبيحة الكفَّاريَّة النهائيَّة، وكثيرون عَرفوا ذلك، ولقرون عديدة فيما بعد، كانوا يشيرون إلى هذا الموضع ويقولون: “الذبيحة الحقيقيَّة ستأتي، وهذا هو الموضع الذي عليه ستُقدَّم الذبيحة”.

ما المغزى من كلِّ القصَّة؟

لم يطلب الله من إبراهيم أن يقدِّم ذبيحةً، ولكن في يوم جمعة حزينة، سيقدِّم الله الذبيحة بنفسه. الابن المحبوب للآب سيذهب طواعيةً إلى هذا الموضع، حاملاً الخشبة على ظهره، وهناك سيُذبَح ليخلِّص ويبارك العالم.

إذا وقعنا في فخِّ قراءة الكتاب المقدَّس ككتاب وصايا وأوامر، لن يصمد بين أيدينا، وبالمثل سنرى تكوين 22 كعثرة أمام الإيمان. لكن عندما نقرأ الكتاب المقدَّس ونفهم القصد من المكتوب، حينها سنراه كشهادة للمسيح. سنكتشف فجأةً أنَّ كلَّ الكتاب وكلَّ المؤمنين من كلِّ الأعمار مُثبَّتون على هذه الحقيقة التي تسمو فوق الجميع: “هُوَذَا حَمَلُ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ!” (يوحنَّا 1: 29).


[1] ” اُقْتُلْ ابنًا لأجلي!” هي أغنية شهيرة في الستينيَّات من ألبوم Highway 61 Revisited.

شارك مع أصدقائك

راع مرتسم في كنيسة إنجلترا، ويخدم في مجال الميديا وله العديد من المؤلفات والمنشورات الروحيّة.