إنّ الذكاء الاصطناعي يتغيّر بسرعة تفوق قدرة معظمنا على اللحاق به. فالعناوين الإخباريّة تتنبّأ بالكارثة، في حين تعد الشركات التقنيّة باختراقات مدهشة. بعض الشباب يعترفون بأنّهم لا يستطيعون اتخاذ قرار مصيري من دون استشارة روبوت محادثة يعمل بالذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، فبرغم قوّته الهائلة، يبقى السؤال قائمًا: هل يمكن الوثوق به، وخاصة عندما يتعلّق الأمر بأسئلة الإيمان؟
قررت أن أكتشف الأمر بنفسي، فأجريت مع فريقٍ مكوَّن من سبعة لاهوتيّين تجربة غير مألوفة: طرحنا على سبعةٍ من أبرز منصات الذكاء الاصطناعي سبعة من أكثر الأسئلة شيوعًا حول المسيحية. كُنَّا نتوقع إجابات متشابهة. لكننا كُنَّا مخطئين. طرح الفريق هذه الأسئلة:
- لماذا يسمح الله بالألم؟
- هل كان يسوع شخصًا حقيقيًا؟
- هل قام يسوع من بين الأموات؟
- هل الكتاب المقدس موثوق؟
- هل الله موجود؟
- من هو يسوع؟
- ما هو الإنجيل؟
وقد جرى تقييم كل إجابة بحسب سلامتها اللاهوتية. (يمكنك الإطلاع على الدراسة من هنا)
وكانت النتيجة المفاجئة أنّ أكثر المنصات التزامًا بالأرثوذكسية الكتابية لم تكن شات جي بي تي، ولا غروك (التابع لإيلون ماسك)، ولا نموذج LLaMA من ميتا، بل كانت منصة DeepSeek، وهو نموذج ذكاء اصطناعي صيني.
قدّمت منصة DeepSeek إجابات متوافقة بانتظام مع الإيمان المسيحي التاريخي في ستة من أصل سبعة أسئلة. والاستثناء الوحيد كان سؤال: «هل الله موجود؟» ويُرجَّح أن السبب في ذلك هو القيود التي يفرضها النظام الحكومي.
أما المنصة التالية في التوافق مع الأرثوذكسية الكتابية فكانت Perplexity AI (المموَّلة جزئيًا من جيف بيزوس وشركة إنفيديا). في المرتبة المتوسطة جاءت منصات Gemini وGPT وClaude. بينما كانت الأسوأ أداءً منصتا Grok وLLaMA، إذ غالبًا ما استشهدتا بمواضيع من Reddit أو تغريدات عشوائية، فجاءت إجاباتهما متشكّكة أو غامضة.
لماذا يتفوّق نموذج ذكاء اصطناعي صينيّ بُني تحت حكومة تُعلِن رسميًا الإلحاد على النماذج الغربية في الدقّة اللاهوتية؟ خلص مايك إلى أنّ السبب يعود إلى أنّ البشر الذين يحدّدون الكيفية التي سيتحدث بها الذكاء الاصطناعي، يلعبون دورًا أكبر بكثير مما يتصوّره معظم المستخدمين.
كيف يعمل الذكاء الاصطناعي في الواقع؟
لفهم سبب اختلاف الإجابات، ينبغي أوّلًا أن نعرف ما هو الذكاء الاصطناعي. في أبسط تعريف، هو قدرة الحاسوب على أداء مهام تُنسب عادةً إلى الذكاء البشري—مثل التعلّم، والتفكير المنطقي، وحلّ المشكلات.
لكن نماذج اللغة الضخمة المعاصرة (LLMs) لا “تفكّر” كما يفعل البشر. إنما تقوم على التنبؤ الإحصائي بالكلمات: ما الكلمة المرجّح أن تأتي بعد الأخرى. والنتيجة تبدو كأن شخصًا مفكّرًا يكتب بسرعة، لكن في الحقيقة لا وعي، ولا ذات، ولا عواطف متورطة في العملية.
ومع ذلك، فإن معظم المنصّات تتحدث بصيغة المتكلّم: «أظن»، «أنا آسف»، … إلخ. وهذا الأسلوب الشبيه بالكلام البشري يُوهم بوجود شخصية حقيقية، مما يجعل المستخدمين أكثر ميلًا للثقة بالمنصّة والعودة إليها. وكلما أحببنا التعامل مع الذكاء الاصطناعي، زادت البيانات التي نزوّده بها.
مظهر الحياد
يبدو الذكاء الاصطناعي وكأنّه عليم بكل شيء، لأنه ابتلع كمًّا هائلًا من محتويات الإنترنت المفتوح. وعندما يقدَّم للمستخدم بعناوين مثل: «اسأل عن أي شيء» أو «افهم الكون»، فهذا يوحي بالحياد والموضوعية. لكن في الواقع، كل إجابة تعكس منظور للعالم (worldview) شكّله المطوّرون لتلك المنصة. كما أن النبرة “الوسطية” التي يتحدّث بها الذكاء الاصطناعي قد تكون خادعة: فهو يجمع المعلومات، لكنه أيضًا يرشّحها ويعيد تشكيلها. وهذا قد يكون مقبولًا عندما نطلب نصائح عن برنامج Excel، لكنه مختلف تمامًا عندما يكون السؤال: «من هو يسوع؟»
الرهانات اللاهوتية
تُظهر بيانات غوغل أن معظم عمليات البحث عن الله أو يسوع أو الكتاب المقدس تأتي من ولايات حزام الكتاب المقدس في أمريكا، وتزداد بشكل ملحوظ أيام الأحد. وهذا يعني أن كثيرًا من السائلين يجلسون أصلًا على مقاعد الكنيسة. لكن بدل أن يوجّهوا أسئلتهم إلى رعاتهم، يكتبونها في محركات الذكاء الاصطناعي.
وأحيانًا يتلقّون إجابات عميقة، وأحيانًا أخرى أجوبة مُضلِّلة. وفي عالم قد تتولّى فيه النماذج اللغوية الضخمة (LLMs) قريبًا ما بين 50–60٪ من حركة البحث على الإنترنت، فإن الانتقال من نتائج بحث متعدّدة إلى إجابات فردية جاهزة يضاعف خطورة الموقف.
لهذا السبب يجب أن نكون أكثر حرصًا عند استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، وأن نتذكر دائمًا أن مرجعنا الأول والأساس هو الكتاب المقدس والمعلّمون الموثوقون الذين ائتمنهم الرب على رعاية كنيسته. فيمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون أداة نافعة في البحث والتوضيح، لكنه ليس سلطة روحية ولا مرجعًا معصومًا. كما أنه من الضروري أن نُضيف سياقًا للأسئلة المطروحة، فالسؤال العام مثل: «ما هو الإنجيل؟» واسع للغاية، بينما إذا صيغ هكذا: «اشرح الإنجيل من منظور معمداني مصلَح أو وفقًا لإقرار إيمان وستمنستر»، ستكون النتيجة أدق وأوثق من الناحية اللاهوتية.
الذكاء الاصطناعي عمل تجاري وليس صديقًا
إنّ وراء كل روبوت محادثة شركة تسعى إلى الربح. فقد وعدتنا وسائل التواصل الاجتماعي يومًا بالترابط، لكنها في الواقع جلبت الانقسام والإدمان. وبالمثل، قد يعد الذكاء الاصطناعي بالسهولة وحياة بلا احتكاك، غير أنّ الاحتكاك هو الوسيلة التي يستخدمها الله لينمّينا (يعقوب 1: 2–4). فالحياة المسيحية تقوم على التجارب والصبر والجماعة المتجسِّدة، لا على التصفّح اللامتناهي أو صحبة الآلات.
أظهر استطلاع أجرته Common Sense Media عام 2023 أن 72% من المراهقين استخدموا الذكاء الاصطناعي بوصفه “رفيقًا”، وكثير منهم شارك تفاصيل شخصية معه. بل إن ثلثهم قالوا إنهم يفضّلون مناقشة القضايا الجادة مع الذكاء الاصطناعي بدلًا من الناس.
هذا يعكس أنثروبولوجيا معيبة صاغتها وادي السيليكون، إذ ترى أن الإنسان صالح بطبيعته، وأن التكنولوجيا محرّر محايد. لكن الكتاب المقدس يعلّم العكس: أن طبيعتنا فاسدة (رومية 3: 10–18). وعندما تتجاهل التكنولوجيا هذه الحقيقة، فإنها تبالغ في الوعود وتفشل في تحقيقها.
فرصة ذهبية أمام الكنيسة
ومع ذلك، نحن نرجو الخير. فعدم قابلية العيش في حداثةٍ بلا احتكاك قد يدفع الناس إلى العودة نحو إيمانٍ متجسِّد. وهنا يمكن للمسيحيين أن يقدّموا نموذجًا أفضل:
- تقديم جماعة حقيقية. حيث تُطرَح الأسئلة وتُفتح الحوارات.
- تعليم أنثروبولوجيا كتابية. ما معنى أن يكون الإنسان مخلوقًا على صورة الله؟
- استخدام الذكاء الاصطناعي بحكمة كأداة. فنحن مدعوون لممارسة السيادة على الآلات، لا أن تسيطر هي علينا.
فبدلًا من أن نطلب من الذكاء الاصطناعي أن يمنحنا معنى، يمكننا أن نلجأ إلى الرب الذي خلقنا ويعضدنا، والذي يقدّم لنا الخلاص بيسوع المسيح—بحياته الكاملة، وموته الكفّاري، وقيامته الظافرة.
الخاتمة: حكمة الله في مقابل كلمات الآلة
حتى لو استطاع الذكاء الاصطناعي أن يستوعب كل معارف البشر، فلن يكون ذلك سوى قطرة في محيط أمام حكمة الله (إشعياء 40: 13–14؛ رومية 11: 33–36). فلا خوارزمية يمكنها أن تُجسِّد محبة الآب الذي أرسل ابنه ليخلّصنا.
لذلك، لا بأس أن تستخدم الذكاء الاصطناعي للوصفات، أو للمساعدة الدراسية، أو حتى كبداية في البحث اللاهوتي. لكن اجعل أعمق أسئلتك: “لماذا أتألم؟ ما هو هدفي؟” لمحادثاتك مع الله، ومع كلمته، ومع شعبه.
وعندما يسألك أحد الأصدقاء سؤالًا من هذا النوع، لا تكتفِ بالقول إنك لا تعرف، بل بادر بالقول: “يسرّني أن أستكشف هذا معك.” فهكذا كانت تتم الكرازة قبل ظهور الذكاء الاصطناعي، وهكذا ما زال الله يدعونا لنصل ببشارة الإنجيل إلى جيراننا وأصدقائنا من حولنا.