إن عنوان هذا المقال كافٍ ليجعلك تنتفض للدفاع عن موقفك الشخصيّ بخصوص استمرارية أو عدم استمرارية موهبة من مواهب الروح القدس. قد تتساءل: نجو أي جهة سيميل هذا المقال. في الواقع، إن الغرض ليس الدفاع عن موقفٍ ما، حيث أنه هناك مقالات أخرى تُناقش هذه القضيَّة، وتوجد أيضًا مقالات تتعامل مع نقاط الاتفاق بين الموقف الداعي لتوقف أو استمرارية بعض مواهب الروح القدس.
فالغرض من هذا المقال ليس اقناعك باختيار موقف ما، بل تقديم قائمة بالخصائص التي يَصفها الكتاب المُقدَّس بخصوص موهبة الألسنة في السياقات المُختلفة التي ظهرت فيها في العهد الجديد.
موهبة الألسنة في مرقس وأعمال الرسل
- وعدَ المسيحُ أن الذين سيؤمنون به سيقومون بآيات مثل “التكلم بألسنة جديدة” (مرقس ١٦: ١٧). بخصوص مصداقيَّة وأصالة هذا النص، يُمكنك أن تَقرأ شرحًا هنا.
- وَرَدتْ موهبة الألسنة أربع مرات في أعمال الرسل: يوم الخمسين (٢: ٣، ٤، ١١)؛ وزيارة بطرس ويوحنا للمُهتدين السامريين (٨: ١٥-١٨)؛ ومُقابلة كرنيليوس وأصدقائه (١٠: ٤٦)؛ وزيارة بولس لتلاميذ يوحنا المعمدان في أفسس (١٩: ٦).
- يُسجِّل لوقا أنه في يوم الخمسين، ومع حلول الروح القُدس ظهرت للمؤمنين “أَلْسِنَةٌ مُنْقَسِمَةٌ كَأَنَّهَا مِنْ نَارٍ” (أعمال الرسل ٢: ٣). ينبغي عدم خَلط هذه الألسنة مع الألسنة أو اللغات المذكورة في أعمال الرسل ٢: ٤.
- عندما حلَّ الروح القُدس، تَكلَّم المؤمنون باللغات التي كان يتحدث بها يهود الشتات خارج إسرائيل، والذين كانوا في أورشليم من أجل عيد الحصاد (أعمال الرسل ٢: ٤).
- إن موهبة الألسنة في أعمال الرسل ٢ هي القُدرة التي يَمنحها الروح القُدس والتي تَنطوي على التكلُّم بلُغة أخرى، بدون دراسة سابقة، لتوصيل رسالة الله بلُغة أخرى تَحدَّث بها يهود الشتات الذين كانوا في أورشليم (أعمال الرسل ٢: ٤).
- بالرغم من أن النص لا يَصِف ذلك في هذه المُناسبة، إلا أن الروح القُدس استطاع مَنح المؤمنين القُدرة على التكلُّم بأكثر من لُغة واحدة، مثل بولس (١ كورنثوس ١٤: ١٨).
- لقد صرَّحَ مواطنو البلاد الأخرى بأنهم فهموا “الجليليين” لأن الجليليين تَحدَّثوا بلُغات المواطنين الأصليَّة وتَعجبَّوا من كيف أمكنَ حدوث ذلك (أعمال الرسل ٢: ٧، ٨).
- أكَّدَ هؤلاء المواطنون الذين أتوا من مناطق مُختلفة على أنهم سمعوا رسالة “عظائم الله” بلُغاتهم (أعمال الرسل ٢: ١١). لذلك، لا يَتعلَّق الأمر بلُغات غير بشريَّة، أو ثرثرة، أو عبارات مُكرَّرة بلا معنى وغير مفهومة.
- بينما اندهش البعض من هذا الإظهار، إلا أن آخرين سخروا من المؤمنين قائلين إنهم كانوا سُكارَى (أعمال الرسل ٢: ١٢، ١٣). كان من المُمكن حدوث ذلك لأنهم لم يعرفوا اللُغات الأخرى التي كان يَتحدَّث بها التلاميذ، وسمعوا أصواتًا لم يستطيعوا فهما.
- لم يَصمُت بطرس بل شرحَ أن إظهار الروح القُدس في تلك الألسنة كان تتميمًا لكلمات النبي (يوئيل ٢: ٢٨-٣٢؛ أعمال الرسل ٢: ١٧-٢١). لم يَذكُر النبي يوئيل أو بُطرس موهبة الألسنة؛ إنها فقط مُتضمَّنة في الإظهارات الأخرى لانسكاب الروح القُدس في يوم الخمسين، حيث يُذكَر أن الجميع سيتمتَّعون بحضور الروح القُدس وسيتنبأون، أي سيتكلَّمون باسم الله.
- عندما وعظ بطرس بالرسالة إلى الأمم في بيت قائد المئة، حلَّ الروح القُدس على المؤمنين وتكلَّموا بألسنة وعظَّموا الله (أعمال الرسل ١٠: ٣٤-٣٦). قارَنَ بطرسُ هذه الخبرة بما عاشه اليهود في أورشليم في يوم الخمسين (أعمال الرسل ١١: ١٥).
- شرحَ بولس للتلاميذ في أفسس الفرقَ بين معموديَّة يوحنا ومعموديَّة الروح القُدس. “وَلَمَّا وَضَعَ بُولُسُ يَدَيْهِ عَلَيْهِمْ حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْهِمْ، فَطَفِقُوا يَتَكَلَّمُونَ بِلُغَاتٍ وَيَتَنَبَّأُونَ” (أعمال الرسل ١٩: ٦).
موهبة الألسنة في رسالة كورنثوس الأولى
لم يرغب بولس في أن يَتجاهل المؤمنين النقاط الهامة بخصوص المواهب الروحيَّة، ومن بينها موهبة الألسنة (١ كورنثوس ١٢-١٤). في الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس، شرح بولس مُنعطفًا هامًا، أو مبدأً جديدًا بخصوص الهدف من موهبة الألسنة في الكنيسة وبشكل غير مُباشر أكَّد على أن إظهار تلك الموهبة في يوم الخمسين لم يَعُد له نفس الهدف إذا أُظهرتْ في كنيسة كورنثوس (١ كورنثوس ١٤: ٢).
- ذُكرتْ موهبة الألسنة بجانب موهبة ترجمة الألسنة. “إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَتَكَلَّمُ بِلِسَانٍ… وَلكِنْ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَرْجِمٌ فَلْيَصْمُتْ فِي الْكَنِيسَةِ، وَلْيُكَلِّمْ نَفْسَهُ وَاللهَ” (١ كورنثوس ١٢: ١٠؛ ١٤: ٢٧، ٢٨). من الواضح أن الصلاحيَّة العَلَنيَّة لمُمارسة الموهبة سيكون مُمكن فقط إذا تم ترجمتها أمام كل الجماعة.
- إن كان سيتَكلَّم البعض بالألسنة، عليهم أن يَفعلوا ذلك بالترتيب وفي وجود مُترجم؛ إذا لم يَكُن هناك من يُترجم، ينبغي أن يصمتوا (١ كورنثوس ١٤: ٢٧، ٢٨). مرة أخرى، لم يُقصَد لموهبة الألسنة أن تكون مُجرد خبرة فرديَّة بها نشوة، بل مُمارسة مُنظَّمة لموهبةٍ ما من أجل بناء الجسد كله.
- لقد أُتيحتْ فرصة التكلم بالألسنة في الكنيسة، لكن في نفس الوقت –عن طريق السؤال الاستنكاري “أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ؟”– يؤكِّد بولس على أن الجميع لا يَتكلَّمون بالألسنة أو يُمارسون نفس الموهبة (١ كورنثوس ١٢: ٢٧-٣٠). أشار الرسول بولس بوضوح إلى أن الروح القُدس يُعطي المواهب بشكل سيادي، وأن ليس للجميع نفس الموهبة. لذلك لا يُمكن استخدام هذه الموهبة “لقياس” نُضج المؤمنين أو لإثبات حضور الروح القُدس بداخلهم.
- عندما يُحاول المؤمن أن يستخدم موهبة الألسنة دون محبة. أي بدون مُمارستها لمُباركة باقي جسد المسيح، تُصبح بلا فائدة لأن الهدف منها لأجل البركة والبُنيان غير موجود. (١ كورنثوس ١٣: ١-٨).
- يُقدِّم بولس عبارة “وَالأَلْسِنَةُ فَسَتَنْتَهِي.” رُغم أن “متى ستنتهي” هو مَحل نقاش، إلا أن العبارة تُؤكِّد على الطبيعة المؤقَّتة للألسنة وعلى أبديَّة المحبة، والتي تُعتبر أكثر أهمية (١ كورنثوس ١٣: ٨-١٠).
- يُؤكِّد بولس على أن مَن يَتكلَّم بالألسنة في الجماعة لا يَتكلَّم إلى البشر، بل إلى الله، لأن لا أحد يَفهمه، لكنه في روحه يَتكلَّم بأسرار (١ كورنثوس ١٤: ٢). إذا لم يَكُن هناك من يُترجم، يُطلَب منه أن يصمت (١ كورنثوس ١٤: ٢٨).
- يُعبَّر بولس عن رغبته في أن يَتكلَّم الجميع بالألسنة (١ كورنثوس ١٤: ٥). لا يعني ذلك أن بولس يُؤكِّد على أن ذلك مُمكنٌ، لأنه إذا فسَّرنا ذلك بهذا المعني فسنؤكِّد على أن بولس يُناقض ما قاله في (١ كورنثوس ١٢: ٣٠). رُغم أن بولس يصيغ ذلك في شكل “رغبة”، إلا أنه يستخدم ذلك بشكل بلاغي ليُظهر أهميَّة المُشاركة برسالة الله.
- مَنْ يَتَكَلَّمُ بِلِسَانٍ يَبْنِي نَفْسَهُ، وَأَمَّا مَنْ يَتَنَبَّأُ فَيَبْنِي الْكَنِيسَةَ (١ كورنثوس ١٤: ٤).
- إن التنبؤ أعظم من التكلم بالألسنة. لذلك يُطلب من الشخص الذي يَتكلَّم بالألسنة أن يُترجم للكنيسة ما قاله لكي تُبنى الكنيسة (١ كورنثوس ١٤: ٥). نستنتج من ذلك أنه، وفقًا لبولس، استطاع بعض مؤمني كورنثوس الذين تَكلَّموا بالألسنة أن يُترجموا ما قِيل بالألسنة.
- ختمَ الرسولُ بولس تحليله للمواهب في رسالة كورنثوس الأولى بتقديم ثلاث طلبات:
- “جِدُّوا لِلتَّنَبُّؤِ…”
- “… لاَ تَمْنَعُوا التَّكَلُّمَ بِأَلْسِنَةٍ” (١ كورنثوس ١٤: ٣٩).
- “وَلْيَكُنْ كُلُّ شَيْءٍ بِلِيَاقَةٍ وَبِحَسَبِ تَرْتِيبٍ” (١ كورنثوس ١٤: ٤٠).
إن الفَرز أو التحليل اللاهوتي هو أحد أهم المبادئ الحديثة عند التعامل مع هذا النوع من القضايا العقائديَّة التي لها القُدرة على تقسيم الكنيسة. لنشكُر الله على التنوع بين الكنائس، حيث أنه حتى في اختلافاتنا نَستطيع أن نُمجِّد الرب. يُوحِّدنا المسيح لكي نشهد عن الحقائق الأبديَّة لرسالة الإنجيل ولكي نُتمم إرساليتنا المُرتبطة بتسديد الاحتياج الهائل بأن يَعرف العالمُ المُخلِّصَ.