اِفرَحوا في الرَّبِّ كُلَّ حينٍ، وأقولُ أيضًا: افرَحوا.
ليَكُنْ حِلمُكُمْ مَعروفًا عِندَ جميعِ النّاسِ. الرَّبُّ قريبٌ.
لا تهتَمّوا بشَيءٍ، بل في كُلِّ شَيءٍ بالصَّلاةِ والدُّعاءِ مع الشُّكرِ، لتُعلَمْ طِلباتُكُمْ لَدَى اللهِ.
وسَلامُ اللهِ الّذي يَفوقُ كُلَّ عَقلٍ، يَحفَظُ قُلوبَكُمْ وأفكارَكُمْ في المَسيحِ يَسوعَ.
أخيرًا أيُّها الإخوَةُ، كُلُّ ما هو حَقٌّ، كُلُّ ما هو جَليلٌ، كُلُّ ما هو عادِلٌ، كُلُّ ما هو طاهِرٌ،
كُلُّ ما هو مُسِرٌّ، كُلُّ ما صيتُهُ حَسَنٌ، إنْ كانتْ فضيلَةٌ وإنْ كانَ مَدحٌ، ففي هذِهِ افتَكِروا.
(فيلبي ٤:٤-٨)
صارعت مع صيغة الأمر في الآية دي أكتر من مرة. هو حقيقي ممكن حد يفرح لإن فيه أمر يقول له “افرح!”؟ كانت فكرتي ببساطة إن الفرح شعور وإحساس تلقائي بنسبة كبيرة، مش دايمًا نقدر نفسر سببه ولا ضمان استمراريته ساعة واحدة.
حتى الصلاة في كل حين كان أسهل تقبل صيغة الأمر فيها لما الرب قال: “اِسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلاَّ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ.” (مرقس٣٨:١٤) ونفس الكلام عن ارتباطها بالاستمرارية في: “…يَنْبَغِي أَنْ يُصَلَّى كُلَّ حِينٍ وَلاَ يُمَلَّ” (لوقا١:١٨). خصوصًا لأني أقدر أتفهم حقيقة إن الإنسان يقدر يبادر بالكلام مع الله في صلاة. وطبيعي إن صيغة الأمر تظهر في الحالة دي.
لكن الآيات اللي بتتكلم عن الفرح في سياق رسالة فيلبي مش بتحكي عن فرح نابع من تفاؤل على طريقة “كن إيحابيًا… انظر لنصف الكوب الممتلئ.” أو توقع لحدوث الأفضل في المستقبل بدون أي ضمانات. لكنه ثمرة أو نتيجة للتفكير في حقيقة الإنجيل بأبعادها المختلفة في الماضي والحاضر والمستقبل، وفي شخصية وطبيعة الله أبونا وأمانته لنا. وده حقيقي تفكير يفرح حتى مع ضعفنا البشري ومعرفتنا إننا في عالم مكسور بسبب الخطية.
افرحوا في الرب
تعبير “في الرب” بتفكرنا دايمًا إن سر فرحنا الحقيقي مش في ذواتنا ولا إيه اللي أنجزناه في الماضي أو اللي ممكن نحققه في المستقبل. لكن فرحنا في اللي حققه الله لما أرسل ابنه واتحد ببشريتنا ومات وقام عشان يكون رئيس كهنتنا وشفيعنا للأبد. اللي بنفرح بسببه مش مجرد تفكير متفاءل على أساس احتمالات، أبدًا! لإن اللي عمله المسيح لأجلنا كمؤمنين حقيقة. إيماننا بيها وتفكيرنا فيها قادر دائمًا إنه يفرحنا.
حتى في وقت الخطية، علينا بكل تأكيد نحزن على خطايانا. لكن عمل المسيح هو اللي ينقذنا من اليأس وفقدان الرجاء والأمل في استرداد شركتنا مع الله أو إننا ممكن نتغير في يوم من الأيام. خصوصًا مع خطايانا اللي ليها طابع التكرار ومرتبطة بضعفات واضحة، وتحتاج وقت ومثابرة. فرح الغفران بيتخلل حياتنا في وقت الحزن المصاحب للتوبة، وبيرسم ابتسامة رجاء في الغفران والتغيير.
لخص الرسول بولس الحقائق دي في الأصحاح الأول من فيلبي عن سر فرحه هو كرسول:
أشْكُرُ إِلَهِي عِنْدَ كُلِّ ذِكْرِي إِيَّاكُمْ دَائِماً فِي كُلِّ أَدْعِيَتِي، مُقَدِّماً ٱلطِّلْبَةَ لأَجْلِ جَمِيعِكُمْ بِفَرَحٍ، لِسَبَبِ مُشَارَكَتِكُمْ فِي ٱلْإِنـْجِيلِ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ إِلَى ٱلْآنَ. وَٱثِقاً بِهَذَا عَيْنِهِ أَنَّ ٱلَّذِي ٱبْتَدَأَ فِيكُمْ عَمَلاً صَالِحاً يُكَمِّلُ إِلَى يَوْمِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ.” (فيلبي ٤:١-٦)
فرح الرسول بولس مرتبط بثقته وهو بيصلي لأهل فيلبي إن الله اللي بدأ عمله فيهم هيكمله إلى يوم مجي المسيح (وده سبب مُضاف للفرح).
لاَ تَهْتَمُّوا بشيء …كَيْفَ لاَ يَهَبُنَا أَيْضاً مَعَهُ كُلَّ شيء؟ (فيلبي ٦:٢ مع رومية ٣٢:٨)
أما بالنسبة لأمور حياتنا الزمنية، يفكرنا الرسول إن دورنا مع الاجتهاد اليومي هو الصلاة والشكر بدون هم: “لاَ تَهْتَمُّوا بشيء، بَلْ فِي كُلِّ شَيْئٍ بِـٱلصَّلاَةِ وَٱلدُّعَاءِ مَعَ ٱلشُّكْرِ، لِتُعْلَمْ طِلْبَاتـُكُمْ لَدَى ٱللّٰهِ” (فيلبي ٦:٢).
الحقيقة البسيطة واللي بتغيب عن عنينا إن الفرح والسلام المبني على ثقتنا في الله وأمانته كأب مهتم باحتياجاتنا الروحية والزمنية أساسي لاجتهادنا. الجهاد والسعي الروحي والزمني بيتناسب طرديًا مع السلام والفرح الحقيقي. في المقابل وبحسب كلام المسيح نفسه في الموعظة على الجبل: “وَمَنْ مِنْكُمْ إِذَا ٱهْتَمَّ يَقْدِرُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى قَامَتِهِ ذِرَاعاً وَٱحِدَةً؟” (متى٢٧:٦). الهم بيحني الإنسان، وملهوش أي نتيجة إيجابية…الخوف بيشل خطواتنا ويمنع عنا حياة الفرح. باختصار الهم والخوف لصوص الفرح.
الفرح ثمر لطريقة تفكير
القراءة المتأنية بتوضح – على حد شراح الكتاب المقدس في العموم – إن رسالة فيلبي اللي اتكتبت في السجن وبتتكلم كتير عن الفرح المسيحي هي في المقام الأول رسالة تتكرر فيها مفرادت التفكير: فليكن فيكم هذا الفكر…افتكروا…إلخ هي رسالة الفكر المسيحي بامتياز!
صحيح في بداية المقال تكلمنا عن إحساس شائع إن الفرح تلقائي في طبيعته. لكن الحقيقة إن الفرح المسيحي ثمر لفكر منضبط ومغروس في كلمة الله. صحيح معندناش قدرة على التحكم في كثير من الأحداث المزعجة. لكن الكتاب بيعلمنا: “فَوْقَ كُلِّ تَحَفُّظٍ ٱحْفَظْ قَلْبَكَ، لأَنَّ مِنْهُ مَخَارِجَ ٱلْحَيَاةِ.” (أمثال ٢٣:٤). تقدر تحارب لأجل الحفاظ على نعمة الفرح لما تغذي قكرك وقلبك وتحفظ اللي داخل عليه. آذاننا مش متروكة لأي كلام…عينينا مش صح تسرح وتتركز على أي صورة..
أخيرًا… في هَذِهِ ٱفْتَكِرُوا
حقيقي إن القلب اللي الله خلقه بالروح القدس نعمة…هو معجزة النعمة مش إنجاز شخصي (حزقيال ٢٦:٣٦-٢٧). لكن الامتنان والشكر للعطية دي يخلينا نخصصها للي هي اتخلقت ليه.
صحيح في أوقات التشويش على أذهاننا يحجب عن عينينا وضوح أفكارنا، وقتها تقدر تصلي مع المرنم: “ٱخْتَبِرْنِي يَا اَللّٰهُ وَٱعْرِفْ قَلْبِي. ٱمْتَحِنِّي وَٱعْرِفْ أَفْكَارِي. وَٱنْظُرْ إِنْ كَانَ فِيَّ طَرِيقٌ بَاطِلٌ، وَٱهْدِنِي طَرِيقًا أَبَدِيًّا.” (مزمور ٢٣:١٣٩-٢٤).
بوضوح، ذهنك وقلبك كله مخصص للدور اللي الله خلقك عشانه. وبنعمة الله ضروري تراجع أفكارك…تقدر بنعمة الله تتجاوب مع نعمة الله، وإلا مكانش الرسول استخدم صيغة الأمر. تقدر تفكر في الأمور المفُرحة الطاهرة النقية العادلة:
كُلُّ مَا هُوَ حَقٌّ، كُلُّ مَا هُوَ جَلِيلٌ، كُلُّ مَا هُوَ عَادِلٌ، كُلُّ مَا هُوَ طَاهِرٌ، كُلُّ مَا هُوَ مُسِرٌّ، كُلُّ مَا صِيتُهُ حَسَنٌ — إِنْ كَانَتْ فَضِيلَةٌ وَإِنْ كَانَ مَدْحٌ، فَفِي هَذِهِ ٱفْتَكِرُوا.” (فيلبي ٨:٤).