4 وجهات نظر حول الطلاق والزواج الثاني (1)

هذا المقال هو الجزء الثاني من سلسلة الطلاق والزواج الثاني والتي تهدف إلى تقديم عرض مختصر لوجهات النظر الكتابية المُختَلف عليها حول تعاليم الكتاب المقدس عن الطلاق والزواج الثاني. تناولنا في المقال السابق العوامل المختلفة التي تقف وراء تباين الآراء في تلك القضية. في هذا المقال سوف نركّز على وجهة النظر الأولى، تاركين الوجهات الثلاث الأخرى للمقال القادم.

وجهة النظر الأولى

الطلاق هو انفصال/ مفارقة، والزواج الثاني غير مسموح

تنظر وجهة النظر هذه إلى الزواج باعتبار أنه عمل الله الذي يوحد فيه بين الرجل والمرأة في علاقة عهدية روحية وجسدية ليكون الاثنان جسدًا واحدًا للأبد (تكوين ٢٤:٢). عهود الزواج والتزامات كل طرف مُلزَمة، مما يجعل الإخلاص الذي يتعهد به كل طرف أولوية على الرغم من التكلفة الشخصية التي عليه دفعها.

فيما يلي مفهوم وجهة النظر الأولى للنصوص الكتابية من العهد القديم.

سفر التثنية ١:٢٤-٤

  • استلزم التراخي والتهاون المتزايد فيما يتعلق بالطلاق والزواج مرة أخرى بين العبرانيين تشريعًا ينظم الطلاق، ويحرم استعادة الزوج لزوجته حال تطليقها. من الضروري أن نلاحظ أن هذا النص لا يُقر الطلاق أو يوافق عليه باعتباره القصد الإلهي للزواج، ولكنه يعامله فقط على أنه ممارسة معروفة وقائمة بالفعل يسعى لوضع حدود لها تتمثل في حظر زواج الرجل مرة أخرى من زوجته التي طلقها بالفعل، وكذلك استعادتها إذا تزوجت من رجل آخر وبدوره طلقها (تثنية ٢:٢٤-٤).
  • من غير المُحتمل أن يكون المقصود بالعيب هو الزنا أي خيانة العهد في الآية: “فَإِنْ لَمْ تَجِدْ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْهِ لأَنَّهُ وَجَدَ فِيهَا عَيْبَ شيء، وَكَتَبَ لَهَا كِتَابَ طَلاَق وَدَفَعَهُ إِلَى يَدِهَا وَأَطْلَقَهَا مِنْ بَيْتِهِ” (تثنية ١:٢٤) لأنه كان يعاقب عليه بالإعدام رجمًا. وبالتالي يمكن تُفسَير عبارة “وجد فيها عيب شيء” على اعتبار أنها تخص فترة الخطبة – لا الزواج.
  • الإقرار الموجود عادة في كتاب الطلاق، والذي ينص على حرية المرأة المطلقة في الزواج من أي رجل آخر تمت الإشارة إليه في العهد القديم لحماية الزوجة المرفوضة من المسؤولية الإضافية تجاه زوجها ومن تدخله في زواجها اللاحق.
  • زواج المرأة الثاني ينجسها فيجعله شبيهًا بالزنى. فقد حظر الزواج مرة أخرى من المطلقة بعد زواجها الثاني هو منع جلب ذنب الخطيئة إلى أرض إسرائيل، وكان هذا يهدف إلى تثبيط عزيمة الرجل قبل الشروع في اتخاذ قرار الطلاق.

مقاطع أخرى عن الطلاق في العهد القديم

  • لا يُسمح للكاهن أن تتزوج من امرأة مطلقة (لاويين 21: 7) مما يشير إلى وجود قدر من الدنس الأخلاقي في هذه العلاقة أو المرتبط بالزواج من مطلقة، على اعتبار ديمومة العلاقة العهدية الزيجية الأولى.
  • في النص الشهير في سفر عزرا، الأصحاح العاشر 10 والذي يقضي بالانفصال عن الزوجات الأمميات، يمكن أن تعني كلمة “التخلي” مجرد فصل قانوني، ولا يسمح في ذاته بالزواج ثانية. لا ينبغي أن نفترض أن زوجات الأمم غير المتزوجات تزوجن مرة أخرى أو أن الرجال اليهود تزوجوا مرة أخرى. في كلتا الحالتين، لم يتم تصميم هذا المقطع لتزويدنا بتفاصيل كتابية عن الطلاق والزواج مرة أخرى. لا يمكننا أن نستنتج أنه لا بأس من تطليق الزوج غير المؤمن لأن هذا يتعارض مع كورنثوس الأولى١٢:٧-١٣.
  • يكره الله الطلاق لأي سبب، وفي العموم: “لأَنَّهُ يَكْرَهُ ٱلطَّلاَقَ، قَالَ ٱلرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ، وَأَنْ يُغَطِّيَ أَحَدٌ ٱلظُّلْمَ بِثَوْبِهِ، قَالَ رَبُّ ٱلْجُنُودِ. فَاحْذَرُوا لِرُوحِكُمْ لِئَلاَّ تَغْدُرُوا.” (ملاخي١٦:٢)، لأن الطلاق ناتج عن غدر بالنساء ومخالفة للعهود ويجعل تربية أسرة تقية أمرًا بالغ الصعوبة.

تعاليم الرب يسوع

  • لم يكن قصد الرب يسوع الاتفاق أو الاختلاف مع التعاليم الرابية المنشرة في عصره: تعليم مدرسة هاليل، وهي وجهة النظر الأكثر ليبرالية في تفسير عبارة “وَجَدَ فِيهَا عَيْبَ شيء” في سفر التثنية 24، والتي تساهلت إلى حد تفسير العيب بأنه طبخ وجبة غير شهية. وكذلك مدرسة الرابي شمعي، والتي فسرت نفس العبارة باعتبارها الوقوع في خطية الزنا.
  • على أساس احتمال كون عبارة “وَجَدَ فِيهَا عَيْبَ شيء” في (تثنية ١:٢٤) تخص عدم الإخلاص في فترة الخطوبة لا الزواج، نتفهم رغبة يوسف خطيب العذراء المطوبة مريم في تخليتها عندما علم بحملها، وذلك قبل أن يظهر له ملاك الرب في حلم ويفسر الميلاد العذراوي (متى١٩:١-٢٠). ما يعزز هذه الاحتمالية هو ورود العبارة الشهيرة: “وَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ طَلَّقَ ٱمْرَأَتَهُ إِلاَّ بِسَبَبِ ٱلزِّنَا وَتَزَوَّجَ بِأُخْرَى يَزْنِي، والذي يَتَزَوَّجُ بِمُطَلَّقَةٍ يَزْنِي»” (متى٩:١٩)، وهو نفس الإنجيل الذي تحدث عن رغبة يوسف في تخلية مريم العذراء قبل أن يجتمعا، أي في نهاية فترة الخطوبة، وقبل إتمام الزيجة.
  • أشار السيد المسيح إلى قصد الله الأصلي في سفر التكوين والذي يقضي بالاتحاد مدي الحياة بين الزوج والزوجة، واعتبار التشريع الذي سمح به موسى للإسرائيليين مجرد إذن/ استثناء بسبب قلوبهم القاسية، لكنه ليس القصد الأساسي الذي رسمه الله منذ البدء: “قَالَ لَهُمْ: «إِنَّ مُوسَى مِنْ أَجْلِ قَسَاوَةِ قُلُوبِكُمْ أَذِنَ لَكُمْ أَنْ تـُطَلِّقُوا نِسَاءَكُمْ. وَلَكِنْ مِنَ ٱلْبَدْءِ لَمْ يَكُنْ هَكَذَا.” (متى٨:١٩).
  • ولذلك اعتبر الرب يسوع أن كل من تزوج بمطلقة يزني: “وَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ طَلَّقَ ٱمْرَأَتَهُ إِلاَّ بِسَبَبِ ٱلزِّنَا وَتَزَوَّجَ بِأُخْرَى يَزْنِي، وَٱلَّذِي يَتَزَوَّجُ بِمُطَلَّقَةٍ يَزْنِي”، لأن الزواج الأول ساري المفعول في نظر الله.
  • يعد ذلك أفضل تفسير لتعليق التلاميذ على تعليم الرب يسوع المسيح، وتعقيبه على تعليقهم:”‏قَالَ لَهُ تَلاَمِيذُهُ: «إِنْ كَانَ هَكَذَا أَمْرُ ٱلرَّجُلِ مَعَ ٱلْمَرْأَةِ فَلاَ يُوافِقُ أَنْ يَتَزَوَّجَ!» فَقَالَ لَهُمْ: «لَيْسَ ٱلْجَمِيعُ يَقْبَلُونَ هَذَا ٱلْكَلاَمَ بَلِ ٱلَّذِينَ أُعْطِيَ لَهُم، لأَنـَّهُ يُوجَدُ خِصْيَانٌ وُلِدُوا هَكَذَا مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ، وَيُوجَدُ خِصْيَانٌ خَصَاهُمُ ٱلنَّاسُ، وَيُوجَدُ خِصْيَانٌ خَصَوْا أَنـْفُسَهُمْ لأَجْلِ مَلَكُوتِ ٱلسَّمَاوَاتِ. مَنِ ٱسْتَطَاعَ أَنْ يَقْبَلَ فَلْيَقْبَلْ” (متى١٠:١٩-١٢)

تعاليم بولس

  • تفهم وجهة النظر هذه كلمات بولس الرسول: “وَأَمَّا ٱلْمُتَزَوِّجُونَ فَأُوصِيهِمْ، لاَ أَنَا، بَلِ ٱلرَّبُّ، أَنْ لاَ تـُفَارِقَ ٱلْمَرْأَةُ رَجُلَهَا. وَإِنْ فَارَقَتْهُ فَلْتَلْبَثْ غَيْرَ مُتَزَوِّجَةٍ، أَوْ لِتُصَالِحْ رَجُلَهَا. وَلاَ يَتْرُكِ ٱلرَّجُلُ ٱمْرَأَتَهُ.” (1كورنثوس 7: 10-11) على اعتبار تكرار بولس للرسول لتعاليم الرب يسوع بأن الطلاق غير مسموح به. فلا يجوز للمؤمن أن يطلق شريكه غير المؤمن بعد اهتدائه، ولكن إذا رفض الشريك غير المؤمن أن يعيش مع شريكه المؤمن، فهو حر من التزامات الزيجة الأولي، ولكن ليس له الحرية في الزواج مرة أخرى.
  • يسمح بالزواج من جديد فقط في حالة وفاة الشريك السابق: “أَمْ تَجْهَلُونَ أَيُّهَا ٱلْإِخْوَةُ — لأَنِّي أُكَلِّمُ ٱلْعَارِفِينَ بِـٱلنَّامُوسِ — أَنَّ ٱلنَّامُوسَ يَسُودُ عَلَى ٱلْإِنـْسَانِ مَا دَامَ حَيّاً. فَإِنَّ ٱلْمَرْأَةَ ٱلَّتِي تَحْتَ رَجُلٍ هِيَ مُرْتَبِطَةٌ بِـٱلنَّامُوسِ بِـٱلرَّجُلِ ٱلْحَيِّ. وَلَكِنْ إِنْ مَاتَ ٱلرَّجُلُ فَقَدْ تَحَرَّرَتْ مِنْ نَامُوسِ ٱلرَّجُلِ.” (رومية١:٧-٢).

في المقال التالي، سنتناول وجهات النظر الثلاث الأخرى.

شارك مع أصدقائك

جورج بشاي

يدرس حاليًا درجة الدكتوراة في الفلسفة (.Ph.D) في العهد الجديد من كليّة موور للاهوت، بأستراليا. كما عمل في السابق كمدرس لمواد اللاهوت الكتابي والعهد الجديد في كلية اللاهوت الأسقفية بمصر.