4 أشياء نتعلّمها من مزامير النقمة

لقد أمضينا أنا وزوجي أوَّل 15 عامًا من حياتنا معًا في كنيسة كانت تُرَنِّم المزامير في العبادة الجماعيَّة، وكانت هذه المزامير تُلَحَّن بألحان تسابيح وأناشيد قديمة، بِلُغَةٍ تُشبِه سونيتة وتُرَنَّم بدون مصاحبة الآلات الموسيقيَّة، فَكُنَّا نفتح كُتُب الترانيم ذات اللون العُنَّابِيّ، وننتظر أربع نغمات تُنفَخ في آلة تحديد طبقة الصوت، ثُمَّ ننطلق في تناغم ونُرَنِّم لله من أعماق قلوبنا.

لقد كانت تجربة جميلة، ولكن بين الحين والآخر كُنَّا نأتي إلى أحد مزامير اللعنة أو النِّقْمَة، ولم أستطع النُّطْق بالكلمات. لقد شعرتُ أنَّ ترنيم مزمور 137 مَثَلًا مُسِيء وغير ضروري، فيسوع غير حاضر صراحةً في المزمور، فلماذا نُرَنِّم وكأنَّه لم يأت ويُخَلِّصنا؟

لماذا توجد مزامير اللعنة أو النِّقْمَة؟ لماذا يوجد مزمور 137؟ ماذا تُخبِرنا هذه المزامير؟

1. تُذَكِّرنا هذه المزامير بيأسنا

أعترف بِتَجَنُّب هذه الترانيم لأنَّها تصطدم بالطريقة التي أرغب بها في التفكير في الله، لكنِّي أعترف أيضًا بأنِّي أشعر بالغَيْظ عندما تُضفِي الروايات الفقيرة من ناحية الكتابة طابعًا رومانسيًّا على استدراج الأطفال والافتراس الجنسي والاعتداء الجنسي، ثُمَّ تُخَلَّد هذه الروايات بعد ذلك على الشاشة الكبيرة من أجل رِبْحٍ كبير. عندما تحكم المحكمة العُليَا الكَنَدِيَّة بالإجماع بدعم حق المريض في الانتحار، فإنِّي أصرخ من أجل العدالة. عندما يُذبَح 21 شخصًا من شعب (رَعايا) الصليب على شواطئ طرابلس، أريد مَنْ يدفع الثمن.

وفي حين أنِّي لستُ مُتَأَكِّدة من نوع العدالة التي أريدها، فأنا أعلم أنِّي لا أريد العدالة المذكورة في (مزمور 137: 9): “طُوبَى لِمَنْ يُمْسِكُ أَطْفَالَكِ وَيَضْرِبُ بِهِمُ ٱلصَّخْرَةَ!”. إنَّ شَقَّ رؤوس أبناء أعدائنا على أساسات مدينة خَرِبَة أمرٌ لا يمكن وصفه. لا يُعجِبني هذا الأمر، وأريد محوه من الكتاب الذي أُحِبُّه وأتَّكِل عليه.

ولكن ماذا لو كان هذا هو المقصود؟

ماذا لو كان هذا المزمور وغيره من المزامير المشابهة تُذَكِّرنا بأنَّنا في مشكلة؟ هل يمكن أن تساعدنا هذه المزامير على التَّحَرُّك نحو الانكسار أمام الله؟ بقراءة هذا المزمور ندخل عالمًا مختلفًا تمامًا عن مجتمعاتنا الآمنة التي نَخزُن فيها معرفة الكتاب المقدس ونَكنِز فيها مَحَبَّة المؤمنين وصداقتهم. تُكشَف قلوبنا المُخَدَّرة حتَّى نختبر الحالة اليائسة للجنس البشري وهذا العالم الساقط. ماذا لو كان ترنيم هذه المزامير يُذَكِّرنا بـ “مَا هُوَ صَالِحٌ، وَمَاذَا يَطْلُبُهُ مِنَّا ٱلرَّبُّ”؟ ماذا لو كان ترنيم هذه الترانيم يَحفِزنا على أن “نَصْنَعَ ٱلْحَقَّ وَنُحِبَّ ٱلرَّحْمَةَ، وَنَسْلُكَ مُتَوَاضِعِين مَعَ إِلَهِنَا” (ميخا 6: 8) أمام عَالَمٍ يائسٍ مُتَأَلِّمٍ مُرَاقِبٍ؟

2. تُذَكِّرنا هذه المزامير بِمَنْ هو قدوس ومَنْ ليس كذلك

عندما نُرَنِّم مزامير الغضب والدينونة هذه، نكون مُجبَرين على طرح أسئلة قد نختبئ منها في ظروف مغايرة: كيف يمكنك ذلك يا الله؟ كيف يمكنك أن تكون غير رحيم إلى هذا الحَدِّ؟ كيف يمكنك أن تكون مليئًا بالكراهية إلى هذا الحَدِّ؟

لكن هنا، في هذه الأسئلة، نَجِد أنفسنا مباشرةً أمام إله لانِهَائِيّ غير مُحْتَوًى غير مُقَيَّد غير مُطالَب بتبرير أفعاله لنا، فنحن أمام ملك السماء والأرض وتحت سلطانه، الصخر “ٱلْكَامِلُ صَنِيعُهُ. إِنَّ جَمِيعَ سُبُلِهِ عَدْلٌ. إِلَهُ أَمَانَةٍ لَا جَوْرَ فِيهِ. صِدِّيقٌ وَعَادِلٌ هُوَ” (تثنية 32: 4).

ما يقودنا إلى الثقة في إله لا يمكننا فهمه هو عملٌ إيمانيٌّ لا يُصَدَّق مولودٌ من خلال النعمة، فنحن لا نعرف طُرُقه ونَتَعَجَّب منها، لكنَّنا نذكر أنَّه قدوس ونحن لسنا كذلك، أنَّه لانِهَائِيّ ونحن لسنا كذلك، أنَّه الرحمة ذاتها ونحن لسنا كذلك.

3. تُذَكِّرنا هذه المزامير بأنَّنا نستطيع إخبار الله بأفكارنا القبيحة

يمكن القول إنَّ مزمور 137 كُتِب على يد يهوذا، وهي جماعة من الناس كانت قد شَهِدَت واختبرت الحرب والسبي البابلي لمدة 70 عامًا، وتَعَرَّضت كذلك للنهب من قِبَل الْأَشُّورِيِّينَ قبل ذلك بسنوات. كانوا قد أصبحوا غاضبين ويائسين، معتقدين أنَّ الطريق الوحيد للسلام، الطريق الوحيد للعودة إلى الوطن، هو من خلال الهلاك (الخراب) المادي النهائي لكل أعدائهم، الحاضرين والمستقبليِّين.

لا أفهم هذا المنظور لأنِّي كَنَدِيَّة وأعيش في سلام غير مُستَحَقٍّ دون أي خوف من أعداء للوطن، فلم يسبق لي أن رأيت حربًا على أرض الوطن، ولم يسبق لي أن وَدَّعت أحبَّاء للذهاب إلى الحرب، ولم يسبق لي أن كُنْتُ غنيمة حرب.

لكنَّ مزمور 137 كَتَبَه أُناس ذاقوا أهوال الحرب لأجيال. بينما يشعرون بالضَّجَر ويتساءلون عمَّا إذا كانت السعادة ستعرف الطريق لقلوبهم مرَّة أخرى أو إذا كانت ترنيمتهم ستظلُّ دائمًا نَاضِبَةً وعالقةً في حُلُوقهم، يَحلُمون بالعَيْش داخل حدود وطنهم الآمنة، بالاحتفال بالشَّبَات (السَّبْت) حول المائدة، بزراعة أرضهم، بالضحك مع جيرانهم.

ماذا لو كان كاتب المزمور لا يعكس قلب الله إلى الله مرَّةً أخرى، وإنَّما يُعَبِّر عن مشاعره ورغباته المُعَقَّدة لله؟

إنَّ هذا الكاتب وشعبه يعرفون فقط بعض المعرفة وينظرون فقط في لُغْزٍ، فَهُمْ يعتقدون أنَّ الرجاء هو انسكاب نِقْمَة الله على الأعداء الأرضيِّين. إنَّ أفكارهم عن الخلاص مغمورة بالدماء، ومن ناحيةٍ ما، كانوا قريبين من الحقيقة.

4. تُذَكِّرنا هذه المزامير بأنَّ المسيح قد جاء ليُنقِذنا

إنَّ قِصَّة حياة يسوع وموته وقيامته موجودة في كل أنحاء الكتاب المقدس، سواءٌ الأجزاء القديمة منه أو تلك المكتوبة بعد موت يسوع بوقت قصير. في (لوقا 24: 27) نَجِد المسيح نفسه “ٱبْتَدَأَ مِنْ مُوسَى وَمِنْ جَمِيعِ ٱلْأَنْبِيَاءِ يُفَسِّرُ لَهُمَا ٱلْأُمُورَ ٱلْمُخْتَصَّةَ بِهِ فِي جَمِيعِ ٱلْكُتُبِ”. أريد قراءة الكتاب المقدس بمنهج تفسيري يفهم أنَّ هذا الكتاب يدور حول إرسال الآب شخصًا ليُنقِذنا، فأنا أُصَلِّي قائلة: يسوع هنا في هذا الجزء، ساعدني أن أراه.

يجب أن نبحث عنه في مواضع بعيدة الاحتمال بل ومُرعِبَة مثل مزمور 137.

نشعر بالضَّجَر من الحرب والظلم والغضب الذي يُوَلِّد اللامبالاة والعنف، لكن انْظُروا كيف جَنَيْنَا حياة السلام عندما انسكب عنف غضب الآب على ابنه الوحيد، يسوع. لقد شَنَّ الآب حربًا، مُطفِئًا نور ذُرِّيَّته، لنعيش نحن في سلامٍ وندعو إليه. يُهزَم الشَّرُّ في النهاية، ويأتي الهلاك (الخراب) في النهاية، ونحن نَخلُص.

الخلاص مغمور بدماء ابن الآب الحبيب: “طُوبَى لِمَنْ يُمْسِكُ أَطْفَالَكِ وَيَضْرِبُ بِهِمُ ٱلصَّخْرَةَ!”.

يرتدي إله السماء والأرض غير المحدود عَبَاءة الجسد البشري التالفة في يسوع؛ لكي يُضرَب بصخور الهلاك (الخراب) حتَّى لا يتعرَّض أطفاله لذلك أبدًا.

شارك مع أصدقائك