لماذا يحتوي الكتاب المقدس على آيات مزعجة؟

كثيرون يفكرون في دراسة الدفاعيات بدافع إيجاد تفسير يُرضي مشاعرهم ويُشعرهم بالراحة النفسيّة تجاه بعض الآيات أو العقائد الكتابيّة التي تُسبب إزعاج أو ربما إحراج لهم في بعض الأوساط المحيطة بهم. وهذا ليس بأمر سيء على الإطلاق، فقد خلقنا الله ككائنات عاقلة تحلل وتفحص وتُمحّص كل ما يقابلنا من أفكار وآراء. ولكن هناك عدة أمور علينا أن نضعها في الاعتبار ونحن نبحث عن إجابة للسؤال: لماذا يحوي الكتاب المقدس آيات مزعجة؟

1. يختلف الانزعاج باختلاف الثقافة

الحقيقة الأولى التي أريد مشاركتك بها هي أن ما تراه أنت آية عادية من الكتاب المقدس قد تكون بالنسبة لشخصٍ آخر في ثقافة أو زمان آخر موضع إزعاج له. فمثلًا في الثقافة الغربية، فإن أكثر الآيات المزعجة هي تلك التي تبدو أنها تصطدم مع مفهومهم للحريّة الشخصيّة. فإذا تسنى لك إدارة حوار مع مسيحيين اسميين أو ملحدين في الغرب، فستجهم يشيرون بانزعاج إلى تلك الآيات التي ترفض وتُدين العلاقات الجنسيّة خارج إطار الزواج أو المثلية الجنسية وغيرها. بينما ستجد أن ما يُزعج أناس من الخلفية القبلية التي تؤمن بالثأر أو لا تزال تقاتل بعضها بعضًا هو تلك الآيات التي تتحدث عن الغفران والصلاة لأجل الأعداء.

فتلك الآيات التي تُشعِرك بسمو المسيحيّة عن شهوتيّ النجاسة والانتقام، قد تكون بالنسبة لشخص آخر من ثقافة أخرى مصدر إزعاج أو على أقل تقدير آيات غير عمليّة بالنسبة له.

إن تلك الآيات تبدو لك مزعجة لأنها ببساطة تصطدم مع الثقافة المؤثرة عليك، فهي مزعجة لأنك تنظر إليها من خلال نظارة الثقافة التي تربيت فيها. رغم أننا مُطالبون ألا نحكم على الكتاب المقدس من خلال الثقافة، بل أن نحكم على الثقافة من خلال كلمة الله.

2. يختلف الانزعاج باختلاف الشخصيّة

كما تختلف ماهيّة الآيات المُزعجة باختلاف شخصياتنا ومع ما نجتاز فيه ونتصارع معه. فبالنسبة لمن يتصارعون مع الطمع، فستكون أكثر ما يُزعجهم هو تلك الآيات التي تُحذر من محبة المال وتَعظم المعيشة أو تأمر بألا يكون لنا سيديّن، وبالأخص كلمات يسوع في أكثر من موضع: “بِيعُوا مَا لَكُمْ وَأَعْطُوا صَدَقَةً” (قارن لوقا 12: 33؛ لوقا 18: 22). أما من يُصارعون مع الذات وخطايا التعالي والكبرياء، فستكون الآيات الأكثر ازعاجًا لهم هي تلك التي تأمرهم أن ينكروا أنفسهم (متى 16: 24)، والتي تُحذرهم بأن “اللهَ يُقَاوِمُ الْمُسْتَكْبِرِينَ” (يعقوب 4: 6؛ بطرس الأولى 5: 5).

يقول المسيح في لوقا 14: 26: “إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَيَّ وَلاَ يُبْغِضُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَامْرَأَتَهُ وَأَوْلاَدَهُ وَإِخْوَتَهُ وَأَخَوَاتِهِ، حَتَّى نَفْسَهُ أَيْضًا، فَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذًا.” قارن وقع تلك الآية على مسامع شخص يعاني من نفورٍ طبيعي من عائلته، وآخر تربطه محبة وعلاقة شديدة القوة بأسرته. في الأغلب سيكون واقع تلك الآية أكثر إزعاجًا للشخص الأخير أكثر من الأول.

في الواقع، إن أكثر الآيات ازعاجُا لك هي أكثر ما تُصارع معه! فهي مزعجة لأنها تتحداك! كما أنها تُزعجك، لأنك تشعر أمامها أنك لست حرًا لتفعل ما تقرره وتراه مريحًا ومناسبًا لك. وهذا ضد الطبيعة البشرية التي تسعى باستمرار للاستقلال عن الله عبر محاولات ومناورات حثيثة لإخضاع الله لما نريده ونستحسنه.

3. يختلف الانزعاج باختلاف المعتقد

فكِر في شخص نشأ في ظل خلفيّة إسلامية، فإن أكثر الآيات التي ستزعجه هي تلك التي تتحدث عن كون الله ثالوث، وتنازل ابن الله وتأنسه وصلبه. بينما من نشأ في بيئة علميّة علمانيّة تؤمن بأن قوانين الطبيعة هي التي تُسيّر وتتحكم في كل حركة الكون ولا مجال لأي استثناءات خارقة ناتجة عن تدخل أي قوة إلهيّة خارقة، فسيكون أكثر ما يُزعجه وينفّره هو تلك الآيات التي تتحدث عن معجزات الله في الخلق والخليقة، وتدخله في مراحل كثيرة في الزمن لتغيير قوانين الطبيعة كيفما يشاء.

ما أهمية ذلك؟

إن فهمنا لهذه الأمور لهو أمر هام للغاية ونحن نسعى في رحلة بحث عن معنى آية أو عقيدة صعبة في الكتاب المقدس. ولأن ردود فعل البشر تجاه كلمة الله هي ردود مختلفة على اختلافهم، فلا يجب أن يكون المقياس هو ما يُزعجهم أو يُريحهم ويرضيهم.

لقد قصد الله أن يكون الكتاب المقدّس كتابًا عالميًا لكل البشر من جميع الخلفيات الثقافية. لذلك، سيختلف استقبال الأشخاص لآيات الكتاب المقدس وردود أفعالهم من نحوها باختلاف ثقافاتهم، وشخصياتهم ومعتقداتهم. وأي محاولة للقيام بعمليات تجميل لتزيين الآيات حتى تبدوا أقل إزعاجًا، فسيؤل بنا الحال إلى تقديم ما هو مقبول وليس ما هو مكتوب! وحينها لن يكون هناك معنى واضح لما قاله الله في كتابه، بل معان متغيرة بتغيّر الأمزجة والرغبات.

وسرعان ما سنكتشف، إن كنا لا نزال أمناء من نحو جلوسنا أمام كلمة الله وخضوعنا لها لتفحصنا، أننا تحوّلنا عن دورنا الرئيسي في أن نكون مرشدين للآخرين لطريق المسيح الضيق (متى 7:4)، إلى مهندسين هدفهم الوحيد هو توسيع الطريق الضيق، أو تصميم طريقًا رحبًا خاصًا حسب الطلب لكل شخص.

شارك مع أصدقائك

مينا م. يوسف

يدرس حاليًا درجة الدكتوراة (Ph.D) في الإرساليات والأديان المقارنة في الكليّة المعمدانيّة الجنوبيّة، بولاية كنتاكي الأمريكيّة. كما حصل على درجة الماجستير (M.A) في الدراسات الإسلاميّة من جامعة كولومبيا الدوليّة، بولاية ساوث كارولاينا الأمريكيّة. ويعمل كمدير مشروعات الشرق الأوسط في خدمات الألفيّة الثالثة، وكمساعد أستاذ للدراسات العربيّة والإسلامية بالكليّة المعمدانية الجنوبية. كما شارك في تأليف كتاب Medieval Encounters باللغة الإنجليزيّة.