لماذا يكون الوعظ التفسيري ممجدا لله بشكل خاص

هناك أربعة أجزاء العظة. أولا، سوف اتحدث عن نوع الوعظ الذي اتوق أن أرى الله يقيمه في يومنا – ذلك النوع المشكل بثقل مجد الله. ثانيا، سأحاول تصوير مجد الله الذي يؤثر على الوعظ بهذه الطريقة. ثالثا، سوف اقدم مفهومي الكتابي عن كيفية ايقاظ البشر لهذا المجد وتغييرهم به. أخيرا، سأشرح كيف أن كل هذا يدعو إلى نوع من الوعظ اسميه الابتهاج التفسيري.

تأملات في نوع الوعظ الذي ينتجه ثقل مجد الله:

آمن جورج وايتفيلد بالوعظ ووهب حياته له. بواسطة هذا الوعظ صنع الله عملا عظيم للخلاص على جانبي المحيط الأطلسي. أرّخ كاتب سيرته، أرنولد داليمور، التأثير العجيب لوعظ وايتفيلد في بريطانيا وأمريكا في القرن الثامن عشر. جاء ذلك مثل المطر على الأرض القاحلة، وجعلت الصحراء تثمر بزهور البر. رفع داليمور عينيه عن القفر المتحول في زمن وايتفيلد، وأعرب عن توقه أن يفعل الله ذلك مرة اخرى. كان يصرخ من أجل جيل جديد من الوعاظ مثل وايتفيلد. كلماته ساعدتني أن أعبر عما اتوق إليه في الأجيال القادمة من الوعاظ في أمريكا وحول العالم. قال:

نعم … سنرى الرئيس العظيم للكنيسة مرة أخرى. . . يقيم لنفسه رجال شباب معينين حيث يستخدمهم في هذه الخدمة المجيدة. وأي نوع من الرجال يكونوا عليه؟ رجال أقوياء في الكتاب المقدس، وحياتهم مسيطر عليها فكرة العظمة، عظمة وقداسة الله، وعقولهم وقلوبهم متوهجة بالحقائق العظيمة لعقيدة النعمة. سيكون رجالا تعلموا ماذا يعني أن يموتوا عن الذات، عن الأهداف البشرية والطموحات الشخصية، رجالا على استعداد أن يكونوا “جُهَّالٌ مِنْ أَجْلِ الْمَسِيحِ”، يتحملون التوبيخ والكذب، يعملون ويتألمون، وتكون رغبتهم العليا، ليس في ربح الأوسمة الأرضية، ولكن ربح استحسان السيد عندما يظهرون أمام عرش حكمه الرهيب. يكونوا رجالا يعظون بقلوب مكسورة وأعين مليئة بالدموع، وبسبب خدمتهم يمنح الله سيل غير عادي من الروح القدس، ويشهد “بآيات وعجائب تتبعهم” في تجديد جموع من الأنفس البشرية.[1]

أقوياء في الكتاب المقدس، متوهجين بالحقائق العظيمة للعقيدة نعمة، أمواتا عن الذات، على استعداد للعمل والألم، غير مبالين بمكافئات البشر، غير عاملين في الخطية، ومسيطر عليهم شعورا بالعظمة، عظمة وقداسة الله. آمن داليمور، مثل وايتفيلد، أن الوعظ هو إعلان كلمة الله من قلب كهذا النوع. الوعظ ليس حديثا. الوعظ ليس مناقشة. الوعظ ليس حديث عارضا عن أمور دينية. الوعظ ليس مجرد تعليم. الوعظ هو من التبشير برسالة تتخللها احساس بعظمة الله وجلالته وقداسته. قد يكون الموضوع أي شيء تحت الشمس، ولكن دائما يُحضر في النور اللامع لعظمة الله وجلالته في كلمته. كانت هذه هي الطريقة التي وعظ بها وايتفيلد.

في القرن الماضي لم يجسد أحد هذه الرؤية أفضل من مارتن لويد جونز، الذي خدم في كنيسة وستمنستر في لندن لمدة 30 عاما. عندما كلن جي أي باكر طالبا ذات 22 عاما، سمع لويد جونز يعظ كل مساء يوم الأحد في لندن خلال السنة الدراسية من 1948-1949. قال “إنه لم يسمع وعظا من هذا القبيل قط.” (لهذا السبب يقول كثير من الناس أشياء تافه كثيرة جدا تقلل من شأن الوعظ، لأنهم لم يسمعوا وعظا حقيقيا قط. ليست لديهم أساسا للحكم على مدى فائدة الوعظ الحقيقي). قال باكر أن الأمر جاء عليه “بقوة صدمة كهربائية، وبذلك… جالبا شعورا بالله أكثر من أي إنسان آخر” قد عرفه.[2] هذا ما قصده وايتفيلد. كم أتمنى أن يقيم الله وعاظا شبابا يتركون مع مستمعيهم شعورا روحيا للصدمة في الاحساس بالله، احساسا معينا عن الثقل الغير محدود لواقع الله.

هذا هو توقي لأيامنا، ولك. أن يقيم الله آلافا من الوعظا منكسري القلوب، ومشبعين بالكتاب المقدس، مسيطر عليهم شعورا بعظمة واجلال، وقداسة الله، كما هو معلنا في إنجيل المسيح المصلوب والمقام والمالك بسلطان مطلقة على كل أمة وعلى كل جيش وكل دين باطل وكل إرهابي، وكل موجات المد تسونامي وعلى كل الخلايا السرطانية، وكل مجرة في الكون.

لم يعين الله صليب المسيح أو يخلق بحيرة النار[3] من أجل إعلان تفاهة واستخفاف مجده. إن موت ابن الله وادانة البشر لبغير تائبين هي أعلى الصيحات صوت تحت السماء أن الله قدوس بلا حدود، والخطية هي مهينة بلا حدود، والغضب هو عادل بشكل مطلق، والنعمة ثمينة بلا حدود، وحياتنا الوجيزة – وحياة كل شخص في كنيستك وفي مجتمعك- تقود إلى الفرح الأبدي أو العذاب الأبدي. إن لم يحمل وعظنا ثقل هذه الأشياء لشعبنا، فماذا سيحمل؟ حكايات الخضروات؟ الراديو؟ التلفزيون؟ المناقشة الجماعات؟ المحادثات طارئة؟

خطط الله لابنه أن يُصلب (رؤيا ١٣: ٨؛ ٢ تيموثاوس ١: ٩) وللجحيم أن تكون رهيبة (متى ٢٥: ٤١)، لكي يكون لدينا أوضح الشهود الممكنة لما هو على المحك عندما نعظ. ما يعطي الوعظ جديته هو أن عباءة الواعظ منقوعة في دم المسيح ومشاطة بنار جهنم. هذا عباءة تحول المتحدثين العاديين إلى وعاظا. إلا أنه وبشكل مأساوي بعض الأصوات الإنجيلية البارزة اليوم يضعفون من فظاعة الصليب، ورعب الجحيم، الأول تم تجريده من قوته لتحمل عقوبتنا، والآخر تم وضعه في شكل طبيعي نحو تجريد الذات والآلام الاجتماعية لهذا العالم.[4]

كم أتمنى أن ترى الأجيال الناشئة أن العالم لم يجتاحه شعورا جادا عن الله. لا يوجد فائض في الكنيسة عن الشعور بمجد الله. لا يوجد فائض من الجدية في الكنيسة عن السماء والجحيم والخطية والخلاص. وبالتالي فإن فرح العديد من المسيحيين هو ورقة رقيقة. يسلى الناس أنفسهم بالملايين حتى الموت بأقراص فيديو رقمية، وشاشات التلفزيون ذات ١٠٧ بوصة، وألعاب على الهواتف المحمولة الخاصة بهم، والعبادة كوميديا ​​تهريجية، في حين أن الناطقين باسم ديانة عالمية ضخمة يكتبون رسائل للغرب في منشورات رئيسية قائلين “إن أول شيء نحن ندعوكم له هو الإسلام… إنه دين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باللسان واليد والقلب. بل هو دين الجهاد في سبيل الله إلى أن تحكم كلمة الله ودين الله باليد العليا”.[5] ثم يباركون هؤلاء المتحدثين علنا ​​المفجرين الانتحاريين الذين يفجرون الأطفال أمام محلات الفلافل ويدعون ذلك الطريق الى الجنة. هذا هو العالم الذي نعظ فيه.

ومع ذلك وبشكل لا يمكن فهمه، في هذا العصر الذي يقلل من المسيح، ويدمر النفس، تعكف الكتب والندوات وكليات اللاهوت والمتخصصين في نمو الكنيسة على القول للقساوسة الصغار “امرحوا”. “كونوا مرحين” “اصنعوا شيئا مسل.” ولهذا أنا أسأل، أين هي روح المسيح؟ “إِن أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي، فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا، وَمَنْ يُهْلِكُ نَفْسَهُ مِنْ أَجْلِي يَجِدُهَا.” (متى ١٦: ٢٤-٢٥). “فَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ الْيُمْنَى تُعْثِرُكَ فَاقْلَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ، لأَنَّهُ خَيْرٌ لَكَ أَنْ يَهْلِكَ أَحَدُ أَعْضَائِكَ وَلاَ يُلْقَى جَسَدُكَ كُلُّهُ فِي  جَهَنَّمَ.” (متى ٥: ٢٩). “فَكَذلِكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ لاَ يَتْرُكُ جَمِيعَ أَمْوَالِهِ، لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذًا.” (لوقا ١٤: ٣٣). “إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَيَّ وَلاَ يُبْغِضُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَامْرَأَتَهُ وَأَوْلاَدَهُ وَإِخْوَتَهُ وَأَخَوَاتِهِ، حَتَّى نَفْسَهُ أَيْضًا، فَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذًا.” (لوقا ١٤: ٢٦). “اتْبَعْنِي، وَدَعِ الْمَوْتَى يَدْفِنُونَ مَوْتَاهُمْ.” (متى ٨: ٢٢). “وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَصِيرَ فِيكُمْ أَوَّلاً، يَكُونُ لِلْجَمِيعِ عَبْدًا.” (مرقس ١٠: ٤٤). “وَلاَ تَخَافُوا مِنَ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ الْجَسَدَ وَلكِنَّ النَّفْسَ لاَ يَقْدِرُونَ أَنْ يَقْتُلُوهَا، بَلْ خَافُوا بِالْحَرِيِّ مِنَ الَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يُهْلِكَ   النَّفْسَ وَالْجَسَدَ كِلَيْهِمَا فِي جَهَنَّمَ.” (متى ١٠: ٢٨). “يَقْتُلُونَ مِنْكُمْ… وَلكِنَّ شَعْرَةً مِنْ رُؤُوسِكُمْ لاَ تَهْلِكُ. بِصَبْرِكُمُ اقْتَنُوا أَنْفُسَكُمْ.” (لوقا ٢١: ١٦-١٩).

هل يمكن أن تكون مشورة نمو الكنيسة للمسيح هي “امرح، يا يسوع. افعل شيئا مسليا” وإلى القس الشاب: “مهما فعلت، أيها القس الشاب، لا تكون مثل مسيح الأناجيل، بل امرح.” من وجهة نظري، والتي تشعر بأنها قريبة جدا من الأبدية في هذه الأيام، هذه الرسالة إلى الرعاة تبدو مجنونا على نحو متزايد.

تصوير مجد الله:

ما تؤمن به بشأن ضرورة الوعظ وطبيعة الوعظ يخضع لشعورك بعظمة ومجد الله، وكيف تظن أن الناس توقظ إلى هذا المجد ويعيشوا لهذا المجد. لذلك فإن هذا المقطع التالي يمثل صورة من مجد الله، والثالث سوف يتعامل مع كيفية ايقاظ البشر إلى هذا المجد وتغييرهم من قبله.

من البداية إلى النهاية لا شيء في الكتاب المقدس جوهري أكثر في عقل وقلب الله من مجد الله، جمال الله، واشراق كمالاته المتعددة. في كل نقطة في عمل الله المعلن، أينما يوضح الهدف النهائي من هذا العمل، يكون الهدف دائما هو نفسه: أن يدعم ويستعرض مجده.

  • هو عيننا لمجده (أفسس ١: ٦).
  • هو خلقنا لمجده (إشعياء ٤٣: ٧).
  • هو اختار إسرائيل لمجده (إرميا ١٣: ١١).
  • هو خلص شعبه من مصر لمجده (مزمور ١٠٦: ٨).
  • هو أنقذهم من السبي لمجده (إشعياء ٤٨: ٩-١١).
  • هو أرسل المسيح إلى العالم حتى يحمد الأمم الله لمجده (رومية ١٥: ٩).
  • هو يأمر شعبه، سواء كانوا يكلون أو يشربون، أن يفعلوا كل شيء لمجده (١ كورنثوس ١٠: ٣١).
  • هو سوف يرسل المسيح للمرة الثانية حتى يتسنى لجميع المفديين أن يتعجبوا في مجده (٢ تسالونيكي ١: ٩-١٠).

ولذلك فإن إرسالية الكنيسة هي: “حَدِّثُوا بَيْنَ الأُمَمِ بِمَجْدِهِ، بَيْنَ جَمِيعِ الشُّعُوبِ بِعَجَائِبِهِ” (مزمور ٩٦: ٣).

هذه الأماكن وغير بأكثر 100 مرة تدفعنا إلى دعم ولاء الله الجوهري. لا شيء يؤثر على الوعظ بشكل أكثر عمقا من أن يكون مصدوما لدرجة عدم القدرة على الكلام تقريبا، تقريبا، من شهوة الله لمجد الله. ما هو واضح من المجموعة الكاملة للإعلان الكتابي هو أن ولاء الله النهائي هو أن يعرف نفسه تماما، وأن يحب نفسه بلا حدود، وأن يشارك بهذه التجربة، بقدر ما يمكن أن يكون، مع شعبه. فوق كل فعل من أفعال الله يُرفع الشعار: “مِنْ أَجْلِ نَفْسِي، مِنْ أَجْلِ نَفْسِي أَفْعَلُ. لأَنَّهُ كَيْفَ يُدَنَّسُ اسْمِي؟ وَكَرَامَتِي لاَ أُعْطِيهَا لآخَرَ.” (إشعياء ٤٨: ١١؛ راجع ٤٢: ٨).

منذ الأزل قد عرف الله الدائم الوجود، العديم التغيير، الدائم الكمال، نفسه وأحب ما يعرفه. فقد شهد منذ الأزل جماله واستمتع بما يراه. فهمه عن واقعه لا تشوبه شائبة وضخامة استمتاعه هي لانهائية. ليس لديه أي احتياج، لانه لا يوجد لديه نقائص. ليس لديه ميول إلى الشر، لأنه لا يوجد لديه أوجه قصور يمكن أن تغريه لفعل الخطأ. ولذلك فهو الكائن الأقدس والأسعد الذي يمكن تصوره. لا يمكننا أن نتصور وجود سعادة أكبر من سعادة القوة اللانهائية مبتهجة  بشلك مطلق في الجمال اللانهائي في الشركة الشخصية للثالوث.

لكي تشترك في هذا الاختبار، اختبار معرفة والاستمتاع بمجده، هو السبب في خلق الله للعالم. فهو سوف يجعلنا نعرفه ونتمتع به بالطريقة التي يعلم هو بها نفسه والطريقة التي يتمتع بها بنفسه. في الواقع هدفه هو أن ذات المعرفة التي لديه عن نفسه، وذات الفرح الذي لديه في نفسه يكون معرفتنا واستمتاعنا، لكي نعرفه بعلمه الخاص ونتمتع به بفرحه الخاص. هذا هو المعنى الأساسي لصلاة المسيح في يوحنا ١٧: ٢٦ حيث سأل أبيه “لِيَكُونَ فِيهِمُ الْحُبُّ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي بِهِ، وَأَكُونَ أَنَا فِيهِمْ.” ستكون معرفة الآب وابتهاجه في “ضياء مجده”، الذي اسمه يسوع المسيح (عبرانيين ١: ٣)، فينا لأن المسيح فينا.

وإذا كنت تسأل، كيف يتعلق هدف الله أن يشارك بهذا الاختبار (معرفة نفسه والتمتع بنفسه) بمحبة الله، فإن الجواب هو: هدفه للمشاركة بهذا الاختبار هو محبة الله. فإن محبة الله هي حرصه على مشاركة معرفة واستمتاع مجده معنا. عندما قال يوحنا إن الله محبة (١ يوحنا ٤: ٨، ١٦)، كان يقصد إنها من طبيعة الله المشاركة بالتمتع بمجده، حتى لو كلفه ذلك حياة ابنه.

وهذا يعني أن هدف الله لإعلان مجده وسعادتنا في هذا المجد هم في وئام تام. فأنت لا تكرم تماما ما لا تتمتع به. الله لا يُمجد بشكل كامل في مجرد كونه معروفا، لكنه يُمجد من كونه معروفا ومُستمتع به بعمق بحيث تصبح حياتنا إعلانا لاستحقاقه.

قال يسوع أمرين التأكيد على دوره في منحنا معرفة وفرح الله. قال: “لاَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الآبَ إِلاَّ الابْنُ وَمَنْ أَرَادَ الابْنُ أَنْ يُعْلِنَ لَهُ” (متى ١١: ٢٧). وقال: “كَلَّمْتُكُمْ بِهذَا لِكَيْ يَثْبُتَ فَرَحِي فِيكُمْ وَيُكْمَلَ فَرَحُكُمْ” (يوحنا ١٥: ١١). وبعبارة أخرى، نحن نعرف الآب بمعرفة الابن، ونحن نتمتع بالآب بفرح الابن. جعلنا المسيح شركاء في معرفته لله ومتعته الخاصة بالله.

هذه الطريقة تصبح مرئية في العالم ليست بالدرجة الأولى من خلال الأعمال العاطفية من العبادة الجماعية في صباح يوم الأحد، مع إن هذه اللحظات ثمينة، ولكن من خلال التغييرات التي تنتجها في حياتنا. قال المسيح: “فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ” (متى ٥: ١٦). النور الذي يضيء من خلال أفعالنا ويجعل الناس ترى الله، وليس نحن، هو الاستحقاق الكلي الشبع من مجده.

الأمر يعمل شيئا من هذا القبيل: عندما يكون مجد الله هو كنز حياتنا، فلن نكنز لنا كنوزا على الأرض، لكن نصرفها لانتشار مجده. لن نشتهي، بل نفيض بالسخاء. لن نشته ثناء البشر، ولكن ننسى أنفسنا في مدح الله. لن تتسلط عليها ملذات آثمة حسية، ولكن نقطع جذورها بقوة وعد أعظم. لن نطعم الأنا الجريحة أو نعتز بالضغينة أو نغذي روح الانتقام، ولكن سنسلم قضيتنا إلى الله ونبارك أولئك الذين يكرهوننا. كل خطية تنبع من الفشل في الاعتزاز بمجد الله فوق كل شيء. ولذلك فإن واحدة من الطرق الهامة والمرئية لاستعراض حقيقة وقيمة مجد الله هو من خلال حياة التواضع المضحي من الخدمة التي تنبع فقط من ينبوع مجد الله الكلي الشبع.

كيف يوقظ الناس إلى هذا المجد ويتغيروا به:

ننتقل الآن إلى مسألة كيفية ايقاظ الناس لمجد الله، وتغييرهم به. جزء أساسيا من الإجابة مقدمة من قبل الرسول بولس في ٢ كورنثوس ٣: ١٨ – ٤: ٦. يقول: “وَنَحْنُ جَمِيعًا نَاظِرِينَ مَجْدَ الرَّبِّ بِوَجْهٍ مَكْشُوفٍ، كَمَا في مِرْآةٍ، نَتَغَيَّرُ إِلَى تِلْكَ الصُّورَةِ عَيْنِهَا، مِنْ مَجْدٍ إِلَى مَجْدٍ، كَمَا مِنَ الرَّبِّ الرُّوحِ.” ناظرين مجد الرب، نتغير من مجد إلى مجد. هذا هو طريق الله لتغيير الناس إلى صورة ابنه، لكي يعكسوا مجد الرب. أن تتغير بالطريقة التي تمجد الله، فنحن نثبت انظارنا على مجد الرب.[6]

كيف يحدث هذا؟ (وهنا نحن نتحرك بالقرب جدا من الآثار المترتبة على الوعظ.) يشرح بولس في ٢ كورنثوس ٤: ٣-٤ كيف يمكننا أن ننظر إلى مجد الرب.

وَلكِنْ إِنْ كَانَ إِنْجِيلُنَا مَكْتُومًا، فَإِنَّمَا هُوَ مَكْتُومٌ فِي الْهَالِكِينَ، الَّذِينَ فِيهِمْ إِلهُ هذَا الدَّهْرِ قَدْ أَعْمَى أَذْهَانَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، لِئَلاَّ تُضِيءَ لَهُمْ [هنا تحقيق ٢ كورنثوس ٣: ١٨] إِنَارَةُ إِنْجِيلِ مَجْدِ الْمَسِيحِ، الَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ.

نحن نرى مجد الرب بكل وضوح، وبشكل حاسم في الإنجيل. لدرجة أن بول يسميه “إنجيل مجد المسيح.” وهو ما يعني، وهذا له آثار هائلة على الوعظ، أنه في هذا العصر عندما لا نستطيع أن نرى مجد الرب مباشرة كما سنفعل عندما يعود في السحاب، سنراه أكثر وضوحا من خلال كلمته. فالإنجيل هو رسالة في كلمات. ومن المفارقات أن تُسمع الكلمات ويُرى المجد. لذلك، يقول بولس أننا نرى مجد المسيح ليس فقط بعيوننا ولكن من خلال آذاننا. “إِذًا الإِيمَانُ بِالْخَبَرِ، وَالْخَبَرُ بِكَلِمَةِ اللهِ” (رومية ١٠: ١٧)، وذلك لأن رؤية مجد المسيح تأتي عن طريق الخبر والخبر بإنجيل المسيح.

انظر كيف تم التعبير عن هذا في حياة النبي صموئيل. في أيام صموئيل لم يكن هناك رؤية متكررة من الرب (١ صموئيل ٣: ١)، تماما مثل اليوم حيث هناك مجاعة في الرؤية والتلذذ بمجد الله. ولكن بعد ذلك أقام الله نبيا جديدا. وكيف ظهر الله له؟ بنفس الطريقة التي سوف يظهر بها لك وشعبك. صموئيل الأول ٣: ٢١ “وَعَادَ الرَّبُّ يَتَرَاءَى فِي شِيلُوهَ، لأَنَّ الرَّبَّ اسْتَعْلَنَ لِصَمُوئِيلَ فِي شِيلُوهَ بِكَلِمَةِ الرَّبِّ.” أعلن عن نفسه من خلال الكلمة. هكذا سينظر شعبنا مجد الرب، ويتغيروا إلى هذا النوع من البشر الذي يجعل مجده معروفا. ويقول لنا بولس الآن أن الكلمة التي تعلن مجد الله بشكل أكثر وضوحا ومركزيا هي الإنجيل (٢ كورنثوس ٤: ٤).

الدعوة الضمنية للابتهاج التفسيري:

هذا يقودني إلى النقطة النهاية الختامية عن الوعظ كالابتهاج التفسيري. إن كان هذا هو غرض الله أن نستعرض مجده في العالم، وإن كنا نعرضه لأننا قد تغيرنا من خلال معرفته والاستمتاع به، وإن كنا نعرفه ونستمتع به من حلتل رؤية مجد الرب، وإن كنا نرى هذا المجد أكثر وضوحا ومركزيا في إنجيل مجد المسيح، وإن كان الإنجيل هو رسالة مقدمة في كلمات إلى العالم، إذن ما يلي هو أن الله يعتزم للوعاظ أن يوضحوا هذه الكلمات ويتهللوا بها، وهو ما أسميه الابتهاج التفسيري.

كل كلمة هامة. هو تفسيري لأنه هناك الكثير عن الإنجيل يصرخ أن يُفسر (يُفتح، يُكشف، يُوضح، يُشرح، يُفسر، يُعرض). نحن نرى هذا عندما نركز على خمسة أبعاد أساسية لرسالة الإنجيل.

  • الإنجيل هو رسالة عن أحداث تاريخية: حياة وموت وقيامة المسيح، تستدعينا أن نستعرضها بتفسير شامل للنصوص.
  • الإنجيل هو رسالة عما حققته تلك الأحداث قبل أن نختبرها أو حتى نُوجد: الانتهاء من كمال الطاعة، دفع ثمن خطايانا، وإزالة غضب الله، وتنصيب المسيح باعتباره المسيا المصلوب والقائم وملك الكون، وتجريد سلاح الرياسات والسلاطين، وابادة الموت، كل هذا يستدعينا أن نستعرضها بتفسير شامل للنصوص.
  • الإنجيل هو رسالة عن نقل هذه الإنجازات من المسيح لأشخاص معينين من خلال اتحادنا بالمسيح بالايمان وحده، بدون الأعمال، وهو ما يستدعينا أن نستعرض لشعبنا طبيعة وديناميات الإيمان من خلال تفسير عشرات النصوص.
  • الإنجيل هو رسالة عن الأشياء الجيدة التي هي الآن حقيقية عنا حيث يطبع ما انجزه الصليب علينا في المسيح: إن الله رحيم بنا فقط الآن بدلا من كونه غاضب (الكفارة)، وأننا نحتسب أبرارا في المسيح الآن (التبرير)، وأننا أحرار الآن من الإثم وقوة الخطية (الفداء)، وأننا مقدسين مكانا وبشكل تدريجي (التقديس)، كل هذا يستدعينا أن نستعرض هذه الحقائق المجيدة لشعبنا أسبوعا بعد أسبوع من خلال تفسير شامل للنصوص.
  • وأخيرا الإنجيل هو رسالة عن الله نفسه المجيد ككنزنا الأبدي، النهائي، كلي الشبع. “نَفْتَخِرُ أَيْضًا بِاللهِ، بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي نِلْنَا بِهِ الآنَ الْمُصَالَحَةَ” (رومية ٥: ١١). الإنجيل الذي نبشر به هو “إنجيل مجد المسيح الذي هو صورة الله“. إن انتُقص إنجيلنا من هذا الهدف، أي التمتع بالله نفسه، وليس فقط بعطاياه من الغفران والإنقاذ من الجحيم والحياة الأبدية، إذن فنحن لا نعظ “إنجيل مجد الله في وجه المسيح” (٢ كورنثوس ٤: ٦ والتمتع بها. هذا هو ما يعنيه بالنسبة له أن يحبنا. هذا ما اقتنى الصليب أساسا لنا. وهذا أيضا، من قبل كل نص في الكتاب المقدس، كله بوحي من الله لإيقاظ الرجاء في مجده،[7] يدعو إلى تفسير غني لكي يُطعم شعبنا أفضل وأعلى طعاما من السماء.

تفسير النصوص هو أمر ضروري لأن الإنجيل هو رسالة تأتي لنا في كلمات والله قد عين أن يرى الناس مجد المسيح “غنى المسيح الَّذِي لاَ يُسْتَقْصَى (أفسس ٣: ٨)، في كلمات الإنجيل هذه. هذه هي دعوتنا: أن نستعرض كلمات وجمل وفقرات من الكتاب المقدس، ونعرض “مجد المسيح الذي هو صورة الله”.

وهو ما يقودنا في النهاية إلى الكلمة الثانية في العبارة الابتهاج التفسيري. الويل لنا إن كنا نفسر مثل هذا الإنجيل بدون أن نبتهج، أي، بدون الابتهاج بسبب الحق الذي نعرضه. عندما يقول بولس في ٢ كورنثوس ٤: ٥ “فَإِنَّنَا لَسْنَا نَكْرِزُ بِأَنْفُسِنَا، بَلْ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبًّا،” الكلمة المستخدمة “نكرز” هي kerussomen، نحن نصرخ بالمسيح ربا، نحن نعلن المسيح ربا. و kerux، المعلن، والـ”كارز” (١ تيموثاوس ٢: ٧؛ ٢ تيموثاوس ١: ١١)، قد يضطر إلى شرح ما يقوله إن كان الناس لا يفهمون (هكذا قد يكون للتعليم دور في ذلك). لكن ما يميز المعلن عن الفيلسوف والكاتب والمعلم هو أنه معلنا عن أخبار، وفي حالتنا هي أخبار سارة بلا حدود. أخبار قيمة بلا حدود. أعظم خبر في كل العالم.

أعلن خالق الكون، الذي هو مجيدا أكثر ومرغوبا فيه أكثر من أي كنز على الأرض، عن نفسه في يسوع المسيح ليكون معروفا ويُتمتع به إلى الأبد من قبل أي شخص في العالم يلقي سلاح التمرد، ويأخذ الصفح الذي اشتراه دمه، ويقبل ابنه مخلصا، وربا، وكنزا في حياته.

أيها الأخوة، لا تكذبوا بشأن قيمة الإنجيل من خلال بلادة سلوككم. تفسير أعظم واقع مجيد هو واقع مجيد. إن لم يكن تفسيرا مبيتهجا، أصيلا من القلب، فشيء باطل يُقال عن قيمة الإنجيل. لا تقول بوجهك أو بصوتك أو بحياتك أن الإنجيل ليس هو إنجيل مجد المسيح كلي الشبع. إنه كذلك. وليقم الله من بينكم جيلا من الوعاظ الذي يكون تفسيره جديرا بحق الله، ويكون ابتهاجه جديرا بمجد الله.

 

[1] Arnold Dallimore, George Whitefield, Vol. 1 (London: Banner of Truth Trust, 1970), p. 16.

[2] Christopher Catherwood, Five Evangelical Leaders (Wheaton: Harold Shaw Publishers, 1985), p. 170.

[3]  قال المسيح في لوقا ٢٢: ٢٢ أن الصليب “مَحْتُومٌ [horismenon]” من قبل الله، وفي متى ٢٥: ٤١ أن نيران الجحيم معدة من قبل الله. “ثُمَّ يَقُولُ أَيْضًا لِلَّذِينَ عَنِ الْيَسَارِ: اذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ الْمُعَدَّةِ لإِبْلِيسَ وَمَلاَئِكَتِهِ.”

[4]  من المشهد الأميركي انظر إلى هذا التعليق المروع، من قبل جويل جرين الذي يطير في مواجهة ما قد أمنت به الكنيسة على أنه أمر محوري في الإنجيل، وما يرتكز على الكتاب المقدس بشكل واضح (إشعياء ٥٣: ٤-٦، ٨-١٠؛ غلاطية ٣: ١٣؛ رومية ٨: ٣): “أيا كان معنى التكفير، سيكون من الخطأ الجسيم أن نتصور أنه يركز على تهدئة غضب الله أو كسب اهتمام الله الرحيم…. [إن الكتاب المقدس ككل لا يقدم أي أساس لصورة إله غاضب في حاجة إلى استرضائه بذبيحة كفارية…. أي شيء آخر يمكن أن يقال من فهم بولس لموت يسوع، فإن لاهوته عن الصليب يفتقر إلى أي معنى متقدم عن العقاب الإلهي.” جويل جرين، تغطية فضيحة الصليب: التكفير في العهد الجديد والسياق المعاصر (دونيرس غروف: دار النشر انترفارستي، ٢٠٠٠)، ص. ٥١ و٥٦. من المشهد البريطاني يدعو ستيف تشالك التعاليم بأن المسيح تحمل غضب الله في مكاننا “اعتداءً كونيا على الأطفال”: “إن الحقيقة هي أن الصليب ليس شكلا من الاعتداء الكوني على الأطفال – أبا منتقما، معاقبا ابنه على جريمة حتى لم يرتكبها. من المفهوم، أنه قد وجد الناس داخل وخارج الكنيسة على حد سواء هذه الصيغة الملتوية للأحداث عائق كبير للإيمان مشكوك فيه أخلاقيا. وما هو أعمق من هذا، مع ذلك، هو أن مثل هذا المفهوم يقف في تناقض كامل مع بيان “الله محبة”. إن كان الصليب هو فعل شخصي من العنف ارتكبه الله نحو البشر ولكن تحمله ابنه، إذن هذا يكون تهكما من تعاليم المسيح الخاصة أن تحبوا أعداءكم، ورفض مجاوبة الشر بالشر.” رسالة يسوع المفقودة (غراند رابيدز: شركة زونديرفان للنشر، ٢٠٠٤)، ص. ١٨٢-١٨٣. يقول إن تي رايت أن “معظم” (هل يقصد “كل”؟) الإشارات إلى الجحيم في العهد الجديد لا تتحدث عن مكان للألم الواعي الأبدي، ولكننا نحن بحاجة إلى “إعادة بناء” أو “إعادة صياغة” لعقيدة جهنم “في وقتنا الحاضر” ١) من حيث استخدام البشر لـ”عطية الحرية” لكي “يجردوا أنفسهم من إنسانيتها تماما”، و٢) من حيث الظلم الاجتماعي والبؤس: “هناك عقيدة كتابية ملائمة على قدم المساواة ومع ذلك ضرورية عن جهنم من حيث الحياة الاجتماعية والبشرية المشتركة على هذه الأرض” تبعية المسيح: تأملات كتابية عن التلمذة (غراند رابيدز: شركة ويليام ب. ايردمانز للنشر، ١٩٩٤)، ص. ٩٥-٩٦.

[5]  اقتباس من: The Islam/West Debate: Documents from a Global Debate on Terrorism, U. S. Policy and the Middle East, edited by David Blankenhorn in First Things, March 2006, #161, p. 71.

[6]  حذار من أن تقول: “هذا لا يعمل”، ومن ثم تتحول إلى تقنيات أخرى، وتترك طريق الله في تغيير الناس جانبا. قد تكون قادرا على تغيير الناس بطرق ووسائل مختلفة عن هذه العملية من رؤية مجد الرب في كلمة الله، ولكن هل سيكون ذلك تغييرا يعظم مجد المسيح؟ ليس كل تغير يكرم المسيح. يقدم بولس هذا التحذير بكلمات في بداية 2 كورنثوس 4: 3 “وَلكِنْ إِنْ كَانَ إِنْجِيلُنَا مَكْتُومًا، فَإِنَّمَا هُوَ مَكْتُومٌ فِي الْهَالِكِينَ.” وبعبارة أخرى، هو يعترف بأن إنجيله لا يغير الجميع. فـ”الهالكين” لا يرون مجد الله في الإنجيل. ولكن بولس لا يغير استراتيجيته بسبب ذلك. ولا ينبغي علينا نحن أيضا.

[7]   ٢ تيموثاوس ٣: ١٦-١٧؛ رومية ١٥: .

شارك مع أصدقائك

جون بايبر

جون بايبر (دكتوراه في اللاهوت DTheol، جامعة ميونيخ) هو مؤسس ومعلم في هيئة desiringGod.org وعميد جامعة وكلية لاهوت بيت لحم. وقد خدم لمدة ٣٣ عامًا كالراعي الرئيسي لكنيسة بيت لحم المعمدانية في مدينة مينيابوليس، بولاية مينيسوتا، وهو مؤلف لأكثر من ٥٠ كتابًا، بما في ذلك "الاشتياق إلى الله"، "لا تضيع حياتك"، "هذا الزواج السريع"، و"هل يرغب الله أن يخلص الجميع؟"