إن سِفر أخنوخ، والمعروف أيضًا باسم سِفر أخنوخ الأول أو سِفر أخنوخ الإثيوبي، هو مجموعة من الكُتُب الأبوكريفيَّة أو الكتابات التي كُتِبتْ في مراحل مختلفة في فترة ما بين العهدين وتم تحريرها أو تجميعها في الفترة ما بين القرن الثاني ق.م. والقرن الأول الميلادي. تَشرح هذه السِمات تأكيد الباحث أليخاندرو دِييس ماتشو:
في الواقع، وباستخدام صيغة الجَمع، كما يَفعل چوسيف تاديوس مِيليك،[1] ينبغي قَوْل ‘أسفار أخنوخ’ حيث أنه لا يوجد مجرد وثيقة لسِفر أخنوخ بجانب أسفار مُختلفة (أخنوخ الإثيوبي، واليوناني، والسلاڤي، والعبري، والقصاصات القبطيَّة، وسِفر العمالقة)، بل يتكوَّن سِفر أخنوخ الإثيوبي نفسه أو أخنوخ الأول من خمسة كُتب أخرى.[2]
وفقًا لأغلب الباحثين، يُشير الاسم الذي يُطلَق على هذا السِفر إلى شخصيَّة أخنوخ الذي من الأباء، لا ابن قايين، أبو عِيراد (تكوين ٤: ١٧)، بل ابن يارد، وأبو متوشالح، والرجُل السابع من نَسل آدم.
وَعَاشَ يَارَدُ مِئَةً وَاثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ سَنَةً، وَوَلَدَ أَخْنُوخَ. وَعَاشَ يَارَدُ بَعْدَ مَا وَلَدَ أَخْنُوخَ ثَمَانِيَ مِئَةِ سَنَةٍ، وَوَلَدَ بَنِينَ وَبَنَاتٍ. فَكَانَتْ كُلُّ أَيَّامِ يَارَدَ تِسْعَ مِئَةٍ وَاثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ سَنَةً، وَمَاتَ. وَعَاشَ أَخْنُوخُ خَمْسًا وَسِتِّينَ سَنَةً، وَوَلَدَ مَتُوشَالَحَ. وَسَارَ أَخْنُوخُ مَعَ اللهِ بَعْدَ مَا وَلَدَ مَتُوشَالَحَ ثَلاَثَ مِئَةِ سَنَةٍ، وَوَلَدَ بَنِينَ وَبَنَاتٍ. فَكَانَتْ كُلُّ أَيَّامِ أَخْنُوخَ ثَلاَثَ مِئَةٍ وَخَمْسًا وَسِتِّينَ سَنَةً. وَسَارَ أَخْنُوخُ مَعَ اللهِ، وَلَمْ يُوجَدْ لأَنَّ اللهَ أَخَذَهُ. (تكوين ٥: ١٨-٢٤؛ قارن مع ١ أخبار ١: ٣؛ يهوذا ١٤، ١٥).
كما هو مُعتاد في كُتب الأبوكريفا، سعى المُنقِّح والناشر إلى دَعم كتاباته عن طريق نَسْبها إلى شخصيَّة كتابيَّة معروفة. وفقًا للخُبراء، ساهمت العبارة الكتابيَّة “وَسَارَ أَخْنُوخُ مَعَ اللهِ، وَلَمْ يُوجَدْ لأَنَّ اللهَ أَخَذَهُ” في ظهور العديد من الأساطير حول أخنوخ، والذي يُعتَقد أنه كان يَتمتع بإمكانيَّة الوصول إلى الأسرار الإلهيَّة والتي استقى منها الوحي ليَكتُب السِفر الذي يَحمل اسمه.
يُعتبر سِفر أخنوخ سِفرًا واسعًا إذ يَتكوَّن من خمسة أسفار، في ١٠٨ أصحاح، و١٠٤٨ عدد (وهو رقم يَتغيَّر باختلاف النُسخة). وهذا هو تقسيم السِفر:
- كتاب الساهرين (أصحاحات ١-٣٦).
- كتاب أمثال أخنوخ (أصحاحات ٣٧-٧١).
- الكتاب الفَلكي (أصحاحات ٧٢-٨٢).
- كتاب أحلام أخنوخ الرؤيويَّة (أصحاحات ٨٣-٩٠).
- رسالة أخنوخ (أصحاحات ٩١- ١٠٨).
بينما نغوص في دراسة سِفر أخنوخ الأول، نستطيع أن نَجِد أن تأثيره على الأدب اللاحق كان كبيرًا. على سبيل المِثال، اقتبسَ يهوذا من أخنوخ الأول ١: ٩ (يهوذا ١٤، ١٥). اقترحَ بعض الباحثين أن هناك بعض التداخلات بين أسفار مُختلفة في العهد الجديد مع سِفر أخنوخ. مع ذلك، عندما تُقارن أقوال الكتاب المُقدَّس مع أقوال سِفر أخنوخ، يُصبح من المُمكن رؤية أن هذه هي توافقات في مُصطلحات ذات محتوى لاهوتي مُتشابه بسبب للفترة التي كُتبتْ فيها والنوايا الواضحة للكُتَّاب (كتابات مزعومة).
فيما يَلي بعض الأسباب المُحدَّدة لعدم ضَم سِفر أخنوخ إلى قانونيَّة الكتاب المُقدَّس:
- رُغم أن يهوذا اقتبسَ من سِفر أبوكريفي، إلا أنه لا يَترُك أي دليل على أنه اعتبره جزءًا من النصوص المُقدَّسة. إذا انزعجتَ بسبب ذلك، انظر إلى النُقطة التالية.
- يَتمتَّع الروح القُدس بحُريَّة أن يَستخدم كلمات مُستعارة وأن يَجعلها جزءًا من كلمة الله. مثل الرسالة التي قالها نبوخذ نصر وأرسلها إلى كل بابل، والتي كُتبتْ بالأراميَّة وتم إدراجها في دانيال ٤. يوجد مِثال آخر في أعمال الرسل ١٧: ٢٨.
- لم يَستند يهوذا إلى النصوص المُقدَّسة وأغفلَ صيغةَ “كما هو مكتوب” المُعتادة والتي استخدمها كُتَّاب آخرون للعهد الجديد.
- إن الوقت المُقدَّر لزمن كتابة أو تنقيح سِفر أخنوخ الأول هو في عصرٍ للكُتب الأبوكريفيَّة وهو غير معروف بالنسبة لقانونيَّة الكتاب المُقدَّس. إن إحدى المُتطلبات الضروريَّة لقبول سِفر في القانونيَّة كان أن يكون وقت كتابته مُتزامنًا مع حياة وخدمة الكاتب الذي نُسِب إليه السِفر، وهو الأمر الذي يَستحيل إثباته في حالة سِفر أخنوخ الأول.
يحتوي سِفر أخنوخ على العديد من الموضوعات اللاهوتيَّة التي تَشرح نَسخًا مُطوَّلة لقصصٍ كتابيَّة، مثل بنو الله وبنات الناس في تكوين ٦، (١ أخنوخ ٧: ١-٦)؛ وما فَعله أخنوخ بعدما أخذه اللهُ (١ أخنوخ ١: ١-٨)؛ ووجود ملائكة بأسماء مُعيَّنة مثل أورئيل ورفائيل (١ أخنوخ ٩: ١-١١)؛ وموضوعات أخرى تُقدِّم صعوبات لاهوتيَّة والتي تقود إلى ادعاءات مُناقِضة للكتاب المُقدَّس.
على أي حال، إن محتوى (١ أخنوخ ١: ٩) –العدد الذي اقتبسه يهوذا– لا يُضيف معلومات هامة بخصوص عقائد أساسيَّة إلى الإعلان الإلهي الذي أعطاه الله في ٦٦ سفرًا قانونيًا. ينبغي أن يَمنحنا هذا سلامًا ويقينًا في أن الله تركَ لنا معلومات كافيةً في الأسفار الموحَى بها.
[1] JT Milik, The Books 1 Enoch. Aramaic Fragments, 01 Qumran Cave 4 (Oxford, 1976).
[2] Alejandro Díez Macho, Apocrypha of the Old Testament, volume I (Madrid: Ediciones Cristianidad, 1984) p. 224.