يُعتبر الميلاد العذراوي ليسوع المسيح أحد أعظم المعجزات في التاريخ الكِتابيّ. فالكتاب الُقدّس يُعلّمنا أن يسوع وُلِد مِن عذراء اسمها مريم، وأنه حُبل به بقوَّة الروح القدس (متى 1: 18-20؛ لوقا 1: 34-35). ولكن حتى هذا التعليم البسيط لم يَسلم من هجمات المُشككين عبر تاريخ الكَنيسة.
فمن ناحية، في القرون الأولى للمسيحيّة، أنكرت الغنوسيّة الميلاد العذراوي كجزء من إنكارها لاتخاذ المسيح جسدًا حقيقيًا عند تجسده. وبسبب إنكار التيارات الليبراليّة لكل ما هو معجزيّ وخارق للطبيعة، رفضت الميلاد العذراوي تحت ادعاء بأنه ليس ضروريًا للإيمان المسيحيّ.
ولكن في الحقيقّة يُعَد إنكار الميلاد العذراوي أمر خطير للغاية. لذا، دعونا نسرد في عُجالة 4 أسباب رئيسيّة عن أهمية هذه العقيدة الهامة للمسيحييّن:
- إذا ما أنكرنا الميلاد العذراوي ليسوع، كيف يمكننا تصديق كافة الأمور الأخرى التي يُعلنها لنا الكتاب المُقدّس؟ فما هو معيار القبول والرفض هنا؟ وهل سيقودنا ذلك إلى رفض سائر الأمور الإعجازية الأخرى في حياة المسيح وتعاليمه وعمله من أجلنا؟ في الأغلب الأعم، من لا يؤمن بالميلاد العذراوي ليسوع المسيح، لا يؤمن بشكلٍ عام بأن يسوع هو ابن الله الحقيقي. وبالتالي، فالميلاد العذراوي هو بمثابة عقيدة كاشفة وحاسمة تفصل بين مستقيمي الإيمان من المسيحيين ومن لا يؤمن بالقيامة والكفارة.
- إن الميلاد العذراوي ضروري لفَهم من هو يسوع. فهذه العقيدة تؤكّد على حقيقتين: أن يسوع لكونه مولود من امرأة، هو إنسان كامل؛ وهذا يمكنه من أن يفدينا ويُمثلنا أمام الله الآب (رومية 5: 19؛ العبرانيين 4: 15). وفي نفس الوقت، تُعلِن هذه العقيدة بقوة عن ألوهيَّة الرب يسوع. لذلك، فرفض الميلاد العذراوي يفتح الباب أمام إنكار ألوهيَّة المسيح وقدرته على أن يُخلصنا.
- ساعدت هذه العقيدة الكثير مِن اللاهوتيّين عبر تاريخ الكنيسة على فَهم حقيقة كون يسوع معصوم مِن الخطأ، أي أنه لم يعرف خطية (كورنثوس الثانية 5: 21)، ولم يفعل خطية (بطرس الأولى 2: 22)، وليس فيه خطية (يوحنا الأولى 3: 5). فإذا كان يسوع قد وُلِدَ مِن أبوين بشريّين خاطئين، فكم سيكون ذلك بالأمر العسير علينا أن نتصوّر أنه ولد وعاش بدون خطية؛ الأمر الذي يُعد حتميًا لأجل خلاصنا (كورنثوس الثانية 5: 21).
- وأخيرًا، تقودنا هذه العقيدة إلى حقيقة أن خلاصنا يتُّم بالنّعمة وحدها. فالأمر برمته لم يكن طفرة جينيّة أو مجرّد علاقة جنسيّة بين طرفين، وإنما كان الله الآب هو صاحب المُبادرة ليهب لنا الخلاص من خلال ابنه المتجسد بعمل الروح القدس (تيموثاوس الأولى 2: 5). حتى أن العذراء مريم أقرت بأنها كانت مجرّد أداة مُختارة في عمل الله الفدائيّ (لوقا 1: 38).
لقد وُلِدَ يسوع ليموت مِن أجلنا، حاملًا عنّا عقوبة خطايانا بعد أن أتم الناموس عنّا، حتى نتمكن من أن نُخَلَص به مِن خلال الإيمان وحده (رومية 3: 24-26؛ 5: 1). وهذا كله ما هو إلا عمل نعمة الله بشكل كامل مِن أجلنا. الأمر الذي يجب أن يدفعنا إلى العيش باتضاع وامتنان للرَب. له وحده كل المجد مِن أجل خلاصنا.