التَعْرِيف
التَّجَلِّي الإِلَهِيُّ (ثيوفانيس)، هو ظُهُور للهِ، واستعلانٌ قَوِيٌّ لحضورِهِ مصحوبٌ بِمَشْهَدٍ بَصَرِيٍ فَائِقٍ.
المُوجز
التَّجَلِّي الإِلَهِيُّ، هو ظُهُور للهِ، أمر ثانوي يرتبط بموضوع رئيس يعرَفُ باسم “الحضورِ الإلهيِّ”. التَّجَلِّي هو اسْتِعْلانٌ قَوِيٌّ لحضور الله مصحوب بِمَشْهَدٍ بَصَرِيٍ فَائِقٍ. عَبْرَ العَهْدِ القَدِيمِ، أَعْلَنَ اللهُ عن حضورِهِ لِشَعْبِهِ بِطُرُقٍ مُخْتَلِفَةٍ كعَاصِفَةٍ رَعْدِيَّةٍ، مَلِكٍ مُتَوَّجٍ، مُحارِبٍ، إنسانٍ، أما يَسُوع المَسِيح فيُمَثِّلُ ذُرْوَةَ التَّجَلِّي الإِلَهِيِّ فِي التَّارِيخِ: فقد صار الله إنسانًا. بوسْعِنا أَنْ نَفْهَمَ كَيْفَ يُمْكِنُ لِلهِ أَنْ يُقَدِّمَ نَفْسَهُ لِشَعْبِهِ كَرَسُولٍ أَوْ مَلاكٍ، لأَنَّ المَسِيحَ جَاءَ كمرسَلٍ من اللهِ، على الرُّغم من أنه كامِلُ الألوهية. فِي هَذَا السِّرِّ الثالوثيِّ، نَبْدَأُ رؤيتنا للطُّرُقِ الَّتِي بِهَا جَعَلَ اللهُ نَفْسَهُ حَاضِرًا مَعَ شَعْبِهِ عَبْرَ التَّارِيخِ.
التَّجَلِّي الإِلَهِيُّ، هو ظُهُور للهِ، بتعبيرٍ آخر، يمكِنُنا القولُ بأنه اسْتِعْلانٌ قَوِيٌّ لحضورِ الله مصحوبٌ بِمَشْهَدٍ بَصَرِيٍ فَائِقٍ.
أَمْثِلَةٌ عَلَى التَّجَلِّي الإِلَهِيِّ
ظُهُورُ اللهِ على جَبَلِ سِينَاء فِي السَّحَابِ وَالبرقِ وَالرَّعْدِ (الخُرُوج 19) من أَعْظَمِ وَأَكْثَرِ التَّجَلِّيَّاتِ الإِلَهِيَّة التي يذكرُها العَهْدُ القَدِيمُ. هُنَاكَ تَجَلِّيَّاتٌ إِلَهِيَّة أُخْرَى رائعةٌ. لقد تراءَى الرَبُّ للنَّبِيِّ إشَعْيَاء: “جَالِسًا عَلَى كُرْسِيٍّ عَالٍ وَمُرْتَفِعٍ وَأَذْيَالُهُ تَمْلَأُ الْهَيْكَلَ” (إِشَعْيَاءُ 1:6)، وتراءى للنَّبِيِّ حِزْقِيَال وَسْطَ مَخْلُوقَاتٍ حَيَّةٍ غَامِضَةٍ، عُرِفَتْ لاحِقًا باسْم “الكَرُوبِيم” (حِزْقِيَال 1؛ 10). كما رآه النَّبِيُّ دانيآل في حُلْمٍ بِلَقَبِ: “القَدِيم الأَيَّامِ” (دَانيآل 1:7، 9-10).
أَهَمِّيَّةُ التَّجَلِّيَّاتِ الإلَهِيَّةِ
التَّجَلِّيَّاتُ الإلَهِيَّةُ هي تَعْبِيرَاتٌ قُوِّيَّةٌ ترتبط بمَوْضُوعٍ أوْسَع يُعْرَفُ باسْمِ “حُضُور الله”. يمكِنُ لله أَنْ يُعْلِنَ حُضُورَهُ للقضَاءِ على أَعْدَائِهِ كَمَا فِي حَالَة تُمَرِّد قُورِح (العَدَد 19:16، 30-35)، أو للدَّيْنونَةِ الأَخِيرَة عَلَى العَرْشِ الأَبْيَض العَظِيم (الرُّؤْيَا 11:20-15). لَكِنَّ فِي مُعْظَم الحَالَات يَتراءى الله بِشَكْل رَئِيس لِيُعَبِّرَ عَنْ بَرَكَته العَهْدِيَّة: “أَكُونُ لَهُمْ إِلَهًا، وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْبًا” (إِرْمِيَا 33:31). التَّجَلِّيَّاتُ الإلَهِيَّةُ تحديدًا هي تَعْبِيرَاتٌ قُوِّيَّة وَمُذْهِلَة ترتبط بمَوْضُوعٍ لَاَهُوتِيٍّ أوْسَع، وهُوَ أَنَّ الله ملتزمٌ بِالحُضُور مَعَ شَعْبِهِ. وهو حاضِرٌ بالبَرَكَةِ لِأَنَّ حَاجِز الخَطِيَة وَالذَّنْب قَدْ دُمِّرَ بِذَبِيحَةِ المَسِيحِ.
فِي العَهْد القَدِيم، حُضُورُ الله وسْطَ شَعْبِهِ نبوَّةٌ عن ذُّرْوَة حُضُورِهِ عِنْدَمَا جاء المَسِيح إِلَى الأَرَض: “اللهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيماً، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُقٍ كَثِيرَةٍ، كَلَّمَنَا فِي هَذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ، الَّذِي جَعَلَهُ وَارِثًا لِكُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي بِهِ أَيْضًا عَمِلَ الْعَالَمِينَ” (العِبْرانِيِّين 1:1-2). تُطْلِقُ نُبُوَّةُ النَّبِّيِّ إِشَعْيَاء عَلَى المَسِيح لَقَبَ “عِمَّانُوئِيل”، الَّذِي يَعْنِي “الله مَعَنَا” (مَتَّى 23:1؛ مع إِشَعْيَاء 14:7).
يُمْكِننَا القَوْل إِذَنْ بأنَّ المَسِيح هُوَ التَّجَلِّي الإلَهِيُّ الأَخِير، ذُرْوَة ظهور الله. وترتَبِطُ ذروةُ التَّجَلِّي بالمَجِيء الأَوَّل وَالثَّانِي للمَسِيح. في مَجِيئِهِ الأَوَّل هو بالفِعْل “عِمَّانُوئِيل” (مَتَّى 23:1). فِي مَجِيئه الثَّانِي “سَتَنْظُرُهُ كُلُّ عَيْنٍ” (الرُّؤْيَا 7:1). وَلِأَنَّ المَسِيح هُوَ الإله المُتَجَسِّد، فعِنْدَمَا يَرَاه النَّاس يَرَوْن الله (يُوحَنَّا 9:14). أَمَّا البَرَكَة الأَخِيرَة لِلْقِدِّيسِينَ فَهِي رؤية الله: “هُمْ سَيَنْظُرُونَ وَجْهَهُ، وَاسْمُهُ عَلَى جِبَاهِهِم” (الرُّؤْيَا 4:22).
لَكِنَّ ينبغي الانتباه إلى أَنَّ تَجَسُّد المَسِيح مخْتَلِفٌ عَنْ أَمْثَلَة التَّجَلِّي الإلَهِيِّ فِي العَهْد القَدِيم. إن التَّجَلِّيَّاتِ الإلَهِيَّةِ في العَهْدِ القَدِيمِ تَمْهِيدِيَّةٌ تُنْذِرُ بِمَجِيء المَسِيح مُتَجَسِّدًا، بتعبيرٍ آخر، مَجِيءُ المَسِيحِ تتميمٌ يُمِثِّلُ ذروتَها (مَتَّى 17:5). إضَافَةً إِلَى ذَلِكَ، تَجَسُّدُ المَسِيح دَائِمٌ، أما التَّجَلِّيَّاتُ الإلَهِيَّةُ في العَهْدِ القَدِيمِ فهي مؤقَّتَة. وَقَدْ حَرِص الله عَلَى أَنَّ تَحْمِلَ تجَلِّيَّاتُ العَهْدِ القَدِيمِ في داخلها مؤشِّرًا عَلَى طَبِيعَتهَا التَّمْهِيدِيَّة. يَنْظُرُ العَهْدُ القَدِيمُ بعينِ الرَّجاءِ إِلَى العَهْدِ الجَدِيدِ لَيْسَ فَقَطُّ من باب النُّبُوَّاتِ المُبَاشِرَة بَلْ أَيْضًا عن طريقِ الرُّموز الَّتِي تُصَوِّر جوانب مسبقةً عن هُوِيَّةِ المَسِيح وَمَا سَيَفْعَلهُ لِإتْمَام الفِدَاء. وَهَكَذَا، فَإِنَّ تجَلِّيَّاتِ الله في العَهْدِ القَدِيمِ تَحْمِل بُعْدًا رَمْزيًا زاخرًا بالرَّجاءِ.
القُوَّةُ النِّسْبِيَّةُ
التَّجَلِّيَّاتُ الإلَهِيَّةُ عَلَى جَبَل سَيُنَاء، وللنَّبِيِّيْن إِشَعْيَاء، وَحِزْقِيَال مِنْ أَكْثَر أَمْثَلَة التَّجَلِّيَّاتِ رَوْعَةً فِي العَهْد القَدِيم. لَكِنَّ هُنَاكَ تَجَلِّيَّاتُ أُخْرَى. التَّجَلِّيَّاتُ الجديرةُ بالملاحَظَةِ يُمْكِن مُقَارَنتُها بِتَجَلِّيَّاتٍ أُخْرَى أَقَلُّ شُهْرَةً؛ بتعبيرٍ آخر، يُمْكِن مُقَارَنَةُ التَّجَلِّيَّات الوَاضِحَة بِأُخْرَى أَكْثَر غُمُوضًا.
عَلَى سَبِيل المِثَال، الأَوْصَاف فِي 2 صَمُوئيل 8:22-16، والمزمور 7:18-15، تحتوي على مفردات لغويَّة عَنِ الرَّعْدِ وَالبَرْقِ، وكلُّها تُذَكِّرنَا بِجَبَلِ سَيُنَاء. إِنَّهَا لُغَةٌ كاشِفةٌ عن تَجَلٍّ إلَهِيٍّ. إلا أن المَلِكَ دَاوُد قد اسْتَخْدَمهَا شِعْريًّا لِلتَّعْبِير عَنْ مدى عِنَايَة الله بِهِ فِي ضَيقَاته الأَرْضِيَّة (2 صَمُوئِيل 7:22؛ المزمور 6:18). هَلْ رَأَى دَاوُد حَرْفِيًّا عَاصِفَةً رَعْدِيَّةً عِنْدَمَا كَانَ شَاوَلُ يُطَارِدُهُ (2 صَمُوئِيل 1:22)؟ أَمْ أَنَّ هَذَا النَّصُّ هو بالأحرى تَعْبِيرٌ شِعْرِيٌّ يَصِفُ طريقَةَ حضورِ الله بِشَكْلٍ غَيْرِ مَرْئِيٍّ أثناء ضيقاتِ دَاوُد. التَّجَلِّي الإلَهِيُّ الذي يُوصَفُ بأنه مُذْهِل يَرْتَبِطُ بِحُضُورٍ إلَهِيٍّ ممتدُّ التأثيرِ. يَسْتَخْدِم الله التَّجَلِّيَّاتِ الإلَهِيَّةَ المذهلة لِإقَامة عَلَاَّقَات مَعَ شَعْبِهِ يمتدُّ تأثيرُها عَبْر التَّارِيخِ. على أنه يجبُ أن يُنْظَرَ إِلَى حُضُوره لاحِقًا عَلَى أَنَّهُ اِسْتِمْرَارُ لِحُضُورِهُ المُخْتَبَرِ بقوةٍ فِي التَّجَلِّي الإلَهِيِّ.
مَلَاكُ الرَّبِّ
لنَتَأَمَّلْ، عَلَى سَبِيلِ المِثَالِ، خبرةُ مَنُوح وامْرَأتِهِ المدوَّنَة فِي القُضَاة 13. يَبْدَأ جَوْهَر القِصَّة عِنْدَمَا يَظْهَر “مَلَاكُ الرَّبِّ” لِزَوْجَة مَنُوح (عَدَد 3). مِنْ هُوَ “مَلَاكُ الرَّبِّ” هَذَا؟ إن لفظةَ “مَلَاك”، والَّتِي تأتي فِي مُعْظَم التَّرْجَمَات الإنجليزية، ربما تَدْفَعُ النَّاس إِلَى الاِعْتِقَاد بِأَنَّهُ لَا بَدَّ وأَنْ يَكُونَ مَا نَطلِقُ عليه فِي وقتنا الراهن “مَلَاَكًا” هو كَائِنٌ رُوحِيٌّ مَخْلُوقٌ يُخدمُ الله. ويأتي المِثَالُ على نوعِيَّة هذا الملاكِ فِي لَوِقَا 1 حَيْثُ يَلْتَقِي زَكَرِيَّا بِالمَلَاك جِبْرائِيل (لُوقَا 11:1، 19). إن كَانَ ملاكُ القُضَاة 13 يَنْتَمِي إِلَى نَفْسِ الفِئَة، يَأْتِي المَلَاَك بِتَكْليفٍ مِنَ الله نَفْسِهِ. من هنا، وعلى نحوٍ غير مُبَاشِر، يُشِير حُضُورُهُ وَرِسَالَتُهُ إِلَى حُضُورِ الله. وَمَعَ ذَلِكَ يَبْقَى المَلَاكُ مَلَاَكًا، وَلَيْسَ الله نَفْسَه.
وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ الوَضْع أَكْثَر تَعْقِيدًا. فِي القُضَاة 3:13، اللفظة العَبْرِيَّة الأَصْلِيَّةُ هي “مَلْئَاخْ”، وتَعْنِي “رَسُولاً”. تَصِفُ هذه اللفظةُ وَظِيفَةَ الشَّخْصِ، لَا مَكَانَتَه كَإلَهٍ أَوْ مَخْلُوقٍ. عَلَى سَبِيل المِثَال، النَّبِيُّ حَجَّي هو “رَسُولُ الرَّبِّ” (حَجَّي 13:1). في هذا الموضع يَسْتَخْدِمُ النَّصُّ نفسَ اللفظة العَبْرِيَّة مَلْئاخْ. وَكَذَلِكَ وُصِفَ الكَاهِنُ بأنه “رَسُولُ رَبِّ الْجُنُودِ” (مَلَاخِي 7:2). وَهكذا، يُطْلِق عَلَى المَلَاَئِكَةُ المَخْلُوقَةُ لَقَبُ “رُسُل” عِنْدَمَا يَحْمِلُون رِسَالَةَ الرَّبِّ.
إذن، مِنْ هو الشَّخْص الذي ظَهَرَ لِامْرَأة مَنُوح فِي القُضَاة 13؟ وَصْفَتْه المَرْأَةُ بِأَنَّهُ “رَجُلُ اللَّهِ” (عَدَد 6). هَلْ كانَتْ تَظُنُّ أَنَّهُ مُجَرَّدُ رَسُول بَشَرِيٍّ، لِأَنَّهُ جَاء فِي هَيْئَة بَشَرِيَّة؟ تَقَولُ: “مَنْظَرُهُ كَمَنْظَرِ مَلاَكِ اللَّهِ, مُرْهِبٌ جِدًّا” (عَدَد 6). لقد شَعَرَت بأَنَّهُ كَائِنٌ خَارِقٌ لِلطَّبِيعَةِ.
لاحِقًا، التَقَى مَنُوح بِنَفسُهُ بِهَذِهِ الشَّخْصِيَّة. وَسَأَله: مَا اسْمُكَ؟ (عَدَد 17). أَجَاب الرَّسُول بِإِجَابَة محيِّرَةٍ لِلَغَاِيَّة: لِمَاذَا تَسْأَلُ عَنِ اسْمِي وَهُوَ عَجِيبٌ؟ (عَدَد 18). يَبْدُو أَنَّ اسْمَهُ إلهيًّا، الَّذِي يَفُوقُ الإدراك. بَعْدَ ذَلِكَ، انتهى مَنُوح إلى القولِ: “نَمُوتُ مَوْتًا لأَنَّنَا قَدْ رَأَيْنَا اللَّهَ” (عَدَد 22). لكن من بَابِ الرَّحْمَةِ الإلهيَّةِ، لم يَمُتْ مَنُوحُ وَلا ماتتْ امْرَأَتُهُ، إلا أن رَدَّ فِعْلِ مَنُوح يُقَدِّمُ دَلِيلاً عَلَى أَنَ ذلك الرّسُولَ نفسَهُ كَانَ رَسُولاً لا يخدم كممثِّلٍ للرَّبِّ فقط بَلْ هُوَ الله بذاتِهِ.
تَظْهَرُ حَالَاتٌ مُمَاثِلَةٌ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى. فِي الخُرُوج 21:23، يُوصَفُ “المَلَاكُ” أَوْ رَسُولُ الرَّبِّ بِالقَوْلِ: “اسْمِي فِيهِ”. والاِسْم هنا هُوَ الاِسْمُ الإلَهِيُّ، الذي بذَاتِهِ إلَهِيٌّ. ولذلك، الرَّسُول نَفْسُهُ إلَهِيٌّ.
هَاجِر المِصْرِيَّة، زَوْجَة إبراهيم، الْتَقَتْ “مَلَاكَ الرَّبِّ” (التَّكْوِين 7:16-14). يَقُول النَّصُّ، “فَدَعَت اسْمَ الرَّبِّ الَّذِي تَكَلَّمَ مَعَهَا: أنْتَ إيلُ رُئِي” (13:16). يَبْدُو أَنَّ السَّرْد كَكُل يُؤكِّدُ على فَهْم هَاجِر. فَهِي لَمْ تَرّ مُجَرَّد مَلَاكٍ مَخْلُوقٍ بَلْ رأتْ الله نَفْسَهُ.
تُظْهِر هَذِهِ الأَمْثَلَة أَنَّ تعبيرَ “مَلَاك الرَّبِّ” يَصِفُ رَسُولاً للرَّبِّ لَكِنَّهُ لَا يُشِير بِحَدِّ ذَاتِه أو في ذاتِهِ إن كَانَ هذا الرَّسُول إلَهيًّا أو مَلَاَكًا مَخْلُوقًا أَوْ حَتَّى رَسُولًا بَشَرِيًّا مِثْلُ النَّبْيِّ حَجَّي. هنا، يَكُون السِّيَاقُ مِفْتَاحَ القَرَارِ.
الثَّالُوث فِي الرِّسَالَة الإلَهِيَّة
هَلْ يُمْكِن أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ رَسُولٌ إلَهِيٌّ بِذَاتُهُ؟ فالرَّسُول، بِحَسْبُ تعْرِيف اللفظة تَقْريبًا، هُوَ مَنْ يَحْمِل رِسَالَةً مِنْ شَخْص آخِر، كما يَكُون مكَلَّفًا بِتَوصيلها إليه نِيَابَةً عَن الشَّخصِ الذي أَرْسَلهُ. مَاذا نَسْتَنْتِج عِندَمَا يَكُون الرَّسُول إلَهيًّا ومن أَرْسَلهُ أيضًا إلهيًّا أي الله بذاتِهِ؟
هُنَا نَجِدُ فِي العَهْدِ القَدِيمِ إِشَارَةً مُسْبَقَةً عن تَعْلِيمِ العَهْدِ الجَدِيدِ الأَكْمَلِ عَنْ عَقِيدَةِ الثَّالُوثِ. فِي العَهْدِ الجَدِيدِ، نَرَى أَنَّ الإِلَهَ الوَاحِدَ الحَقِيقِيَّ هُوَ أَيْضًا ثَلَاثَةُ أَقَانِيمَ: الآبُ، وَالابْنُ، وَالرُّوحُ القُدُسُ. الابْنُ مُرْسَلٌ مِنْ الآبِ إِلَى العَالَمِ. الِابْن يتكلَّمُ بالكَلام الذي يُعْطِيه لَهُ الآبُ: “فَمَا أَتَكَلَّمُ أَنَا بِهِ فَكَمَا قَالَ لِي الآبُ هَكَذَا أَتَكَلَّمُ” (يُوحَنَّا 50:12؛ مع 49:12). الآب هُوَ أَصْل الرِّسَالَة وَمُرْسَلهَا ؛ وَالِابْن هُوَ الرَّسُول الَّذِي يَحْمِلهَا.
الآب يَسْكُنُ فِي الِابْن، حتى أن كَلِمَاتِ الِابْن هِي أَيْضًا كَلِمَاتُ الآبِ. وَبِالطَّبْع هِي كَلِمَاتُ الرَّوح القُدُس السَّاكِن فِي الاِبْن. كُلُّ هَذَا محيِّرٌ لِلَغَاِيَّة لِأَنَّ الثَّالُوثَ سِرٌّ غامِضٌ.
الثَّالُوث فِي الظُّهورَات الإلَهِيَّة
بسبب عَقِيدَة الثَّالُوث فَقَطْ نَرَى كَيْفَ كَانَ مِنَ المُمْكِن لمَنوح وَهَاجَر أَنَّ يَلْتَقِيَا بالله. اللهُ هُوَ مُرْسِلُ الرَّسَالَةِ وَهُوَ حَامِلُها، كِلَاهُمَا فِي ظُهُورٍ وَاحِدٍ. هُوَ المُرْسِل، وَهُوَ الرَّسُولُ. لقد كَلِّمهُمَا الآبُ عن طريق الاِبْن بِقُوَّة الرَّوح القُدُس. تَجَلِّيَات العَهْد القَدِيم الإلَهِيَّة هي دَائِما بشكلٍ عميقٍ ذَات طَابِع ثَالُوثِيٍّ. يَظْهَرُ اللهُ بِطَرِيقَةٍ تَتَوَافَقُ كُلِيًّا مَعَ ذَاتِهِ. إِنَّهُ إلَه وَاحِدٌ فِي ثَلَاثَةِ أقَانِيمِ.
أَنَوَاع التَّجَلِّيَاتِ الإلَهِيَّة
إِلَى حَدٍّ مَا، يُمْكِننَا تَصْنِيف التَّجَلِّيَاتِ الإلَهِيَّة إِلَى أَنْوَاع مُخْتَلِفَة. هُنَاكَ تَجَلِّيَاتٌ رَعْدِيَّة مِثْلُ تَجَلِّي الرَّبِّ على جَبَلِ سَيُنَاء. وَهُنَاكَ التَّجَلِّيَاتُ المَلَكِيَّةُ يَتَراءَى فِيهَا الله جالسًا عَلَى عَرْشِهِ وَسْطَ خدَّامِهِ من المَلائِكَة (دَانيآل 9:7-10). وَهُنَاكَ تَجَلِّيَاتٌ إِنْسَانِيَّة يَتَراءَى فيها الله بصُورَةٍ بَشَرِيَّةٍ (على سَبِيلِ المِثَالِ، لِمَنُوح وَامْرَأَتِهِ). وَهُنَاكَ تَجَلِّيَاتٌ حَرْبِيَّةٌ يوصَفُ الله فيها كمُحَارِبٍ بَشَرِيٍّ (الخُرُوج 3:15؛ إِشَعْيَاء 17:49). وَهُنَاكَ تَجَلِّيَاتٌ مَرْكَبِيَّةٌ، يُوصَفُ فيها الله كمُحَارِبٍ لكنه رَاكِبٌ عَلَى مَرْكَبَةً حَرْبِيَّة (المزمور 10:18؛ أَحْيَانًا مَعَ الإشارة إلى عَجَلَاتِها كما في حِزْقِيَال 15:1-21). وَهُنَاكَ تَجَلِّيَاتٌ المَجْدِ وَالسَّحَابَةِ، حين يتراءى اللهُ فِي سَحَابَةِ “مَجْدٍ” لامعَةٍ، وأَحْيَانًا فِي سَحَابةٍ مُظْلِمَةٍ. إن الله يَعْلِنُ مَجْدَهُ فِي العَالَمِ المَخْلُوقِ، حَتَّى نَتِمّكُنَّ مِنْ أن ندركَ نوعًا من التشابه بَيْنَ الخَليقة وَالتَّجَلِّي الإلَهِيِّ (المَزْمُور 1:104-4).
إن الرَّبَّ يَسُوع المَسِيح، بِاِعْتِبَاره ذُرْوَةِ “التَّجَلِّي الإلَهِيِّ”، هُوَ تَحْقِيق لِكُلُّ أَشْكَال التَّوَاصُل الرَّمْزِيَّة المرتبطة بأشكالِ التَّجَلِّيَاتُ المَلَكِيَّةُ.