الدخول الانتصاري قبل المسيح

في يوم أحد السَّعَف من كل عام، يدخل الأطفال خدمة العبادة بسعف النخيل في أيديهم، وهم يلوِّحون بسرور إلى شعب الكنيسة (أو يضربون بها بعضهم بعضًا بشدة) احتفالًا بدخول المسيح إلى أورشليم. يعرف الكثيرون قصة دخول الرب يسوع إلى أورشليم راكبًا على حمار وسط هتاف الحشود.

ولكن لا يعلم الجميع أنه قبل دخول المسيح إلى أورشليم راكبًا على حمار بمدة طويلة — قبل مئات السنين من ولادته — رجلٌ آخر ركب حمارًا ودخل به أورشليم. وفي هذا الدخول الانتصاري الأول، نكتشف حقيقة ثمينة عن الدخول الثاني.

ملكٌ يشعر بالبرودة، وأمير متآمر، وشراكة قاسية:

تبدأ قصتنا في سفر الملوك الأول. حيث نرى الملك داود — الصبيّ الذي هزم عمالقة وهو طفل والذي قهر جيوشًا وهو شاب — رجلًا عجوزًا مريضًا جدًّا وغير قادرٍ على تدفئة نفسه (١: ١-٤). من الواضح للجميع أن حياة داود أوشكت على الانتهاء. وقريبًا سيتولّى الحُكم ملكٌ جديد.

صرّح أدونيا، أحد أبناء داود، برغبته في أن يصير ملكًا (١: ٥-١٠). وبدأ بتشكيل علاقتين استراتيجيتين — الأولى مع رئيس الجيش، يوآب، والأخرى مع رئيس الكهنة، أبياثار. ثم اجتمع معهم لإقامة حفل تتويج خاص.

يعرف القارئ المُنتَبِه أن داود قد عيّن سليمان بالفعل ليكون ملِكًا من بعده (١ أخبار الأيام ٢٣: ١؛ ٢٩: ٢٢). من ثمَّ فإنّ انقلاب أدونيا على السُلطة كان استيلاءً عدائيًا وتهديدًا بالقتل لمنافسيه — أي شقيقه الملك، سليمان، وأمه الملكة، بثشبع. ولكن أكثر من ذلك، لقد كان تهديدًا لوعود الله. لقد وعد الرب بأن يكون لداود سُلالة ملكية مستمرّة (٢ صموئيل ٧: ١٢-١٣)، وتحديدًا من خلال سليمان (١ أخبار الأيام ٢٢: ٩-١٠).

تُشكّل هذه الأزمة العائلية صراع حياة أو موت بالنسبة لملكوت الله.

امرأة شجاعة، نبي مُخلِص، ملك شرعيّ:

انضمت بثشبع إلى أحداث القصة لتُنبّه الملك داود الذي لم يكن لديه أي فكرة عمّا يحدث في مملكته (١ ملوك ١: ١١-٢٧). قام كل من بثشبع وناثان النبيّ بتذكرة داود بالقَسّم الذي نطق به استجابةً لوعود عهد الله (في الواقع يعني اسم بثشبع “ابنة القَسَم”).

أكّد داود عزمه على أن يُتوَّج سليمان على العرش (١: ٢٨-٣١) وسعى لإتمام ذلك (١: ٣٢-٣٧). فستدعى ناثان وصادوق وبناياهو — نبيًّا تقيًّا، كاهنًا ورِعًا، ومستشارًا حكيمًا لدى الملك.

منح داود بغلَته الملكية (التي تُعتبَر كطائرة الرئيس في الوقت الحالي) لسليمان ليسير في موكبٍ إلى أورشليم من ينبوع جيحون عبر وادي قدرون. لقد مُسِح سليمان وتُوِّج ملكًا علانيةً وسط احتفال انتصاريّ. لم يكُن هذا تمجيدًا ذاتيًّا سريًا مثل حفل تتويج أدونيا السريّ، لكن احتفل شعب الله علانية بالملك الذي مسَحه الله وهتف بصوت عالٍ (١: ٣٨-٤٠). وانحلّ حفل أدونيا السرّي وتلاشى بينما كانت الهتافات لأجل سليمان مدوّية، فطَغَت على التتويج المزيَّف (١: ٤١-٤٩).

الدخول الانتصاري الأول يشير إلى الدخول الثاني:

إنّ دخول سليمان إلى أورشليم راكبًا على حمار عبر وادي قدرون ونهر جيحون (١: ٣٣، ٣٨) صرّح رسميًّا أنه الملك الحقيقي. وأعلن أن أبياثار الكاهن — وجميع القادة الدينيين الذين يتبعونه — هم مزّيفون. كما أعلن أن يوآب رئيس الجيش — وجميع قواه العسكرية — ليسوا متحكِّمين في مجريات الأمور. إنّ هذا الملك الراكب على حمار، هو الابن الحقيقي لداود.

في يوم أحد السَّعَف، نحتفل بيسوع وهو يقتفي أثر سليمان عبر وادي قدرون ويدخل أورشليم راكبًا على ظهر حمار (متى ٢١: ١-١٠). إنها بالتأكيد تعبيرٌ عن التواضع — أن يدخل راكبًا على حمار بدلاً من خيل الحرب (زكريا ٩: ٩). ومن المؤكَّد أنه يثير تبايُنًا بين ملكوت الله ونوع الدخول الذي كان هيرودس أو بيلاطس سيتلقّاه عند دخول أحدهما المدينة ذلك الأسبوع.

ولكن باعتباره صدى لتتويج سليمان، فإن دخول يسوع الانتصاري يعلِّمنا المزيد أيضًا. فهو يشهد على أن الكتبة والفريسيين — القادة الدينيين الذين عارضوه — هم مزيّفون. مثل أبناء عالي، فهُم غير مؤهّلين أن يمثّلوا الإله الحي الحقيقي (١ صموئيل ٢: ٣١-٣٦). وأيضًا يخبر أن روما بكل قوتها العسكرية ليست متحكِّمة في مجريات الأمور. حتى الأعمى استطاع أن يرى (متى ٢٠: ٣٠-٣١) أن يسوع، هذا الملك الراكب على حمار، هو الابن الحقيقي لداود (متى ٢١: ٩، ١٥).

هنا، وفي النهاية، نجِد الملك الحقيقي.

أعظم من سليمان ههنا:

شكرًا لله، فإن مُلْك يسوع لا يُشبه مُلْك سليمان في نواحٍ كثيرة.

لم يصدّق سليمان الله ووضع ثقته في الأوثان واتَّكل عليها؛ أمّا يسوع لم يفعل ذلك أبدًا. حتى إنه بينما كان يقاسي الموت مختنِقًا على الصليب، استودع يسوع روحَه بين يدي الآب (لوقا ٢٣: ٤٦).

أخطأ سليمان واتّخذ لنفسه زوجات غريبة من أجل تثبيت وتعزيز مركزه (١ ملوك ١١: ١-٤)، لكن يسوع أسلم نفسه لأجل عَروسه، الكنيسة. إن نساء سليمان الأجنبيات قد نجَّسَنَه وجعلنَه يُخطِئ (نحميا ١٣: ٢٦)، لكن يسوع طهّر عَروسَه وقدّسها، “لِكَيْ يُحْضِرَهَا لِنَفْسِهِ كَنِيسَةً مَجِيدَةً، لاَ دَنَسَ فِيهَا وَلاَ غَضْنَ أَوْ شَيْءٌ مِنْ مِثْلِ ذلِكَ، بَلْ تَكُونُ مُقَدَّسَةً وَبِلاَ عَيْبٍ” (أفسس ٥: ٢٧).

بنى سليمان هيكلًا، لكنّه قاد شعبه إلى عبادة الأوثان الغريبة. أسَّس يسوع هيكلًا جديدًا، وصار هو مَن يقود شعبه المُجتَمِع في العبادة: “أُخْبِرْ بِاسْمِكَ إِخْوَتِي. فِي وَسَطِ الْجَمَاعَةِ أُسَبِّحُكَ” (مزمور ٢٢: ٢٢؛ عبرانيين ٢: ١٢). لقد قاد سليمان شعبَه في طريق السبي؛ بينما أصبح يسوع السبيل إلى الله — الطريق والحق والحياة (يوحنا ١٤: ٦).

لقد مات سليمان، تمامًا مثلما مات داود (١ ملوك ١١: ٤٣). لكنّ يسوع قام من بين الأموات ليعطي حياة أبدية — ليس فقط لداود وسليمان لكن لكل أبنائه وبناته الملوك (عبرانيين ٢: ١٠).

في أحد السَّعَف هذا، نحتفل بانتصار الملك الثاني الذي دخل أورشليم راكبًا على حمارٍ. الملك الذي دخل وسط هتاف الأطفال والبالغين، فاضحًا جميع مُدَّعِيي السُلطة وأزاحهم عن عرشه، مُذكِّرًا إيّانا أنه هو — وهو وحده — الملك الوحيد الذي يستحق أن نتبعه.

 
Image courtesy of Lightstock

شارك مع أصدقائك