التعريف
برُّ الله هو الصفة الإلهيَّة التي تصف الله بأنه يعمل دائمًا بالتوافُق مع طبيعته.
المُوجَز
تستعرض هذه المقالة أبعاد برِّ الله المختلفة، في علاقته بالله نفسه، ومطالبه، وعلاقاته بمخلوقاته. فإن الله بارٌّ في ذاته، ويطالب بالبرِّ، ويمنح البر، ويكافئ على البرِّ الذي يمنحه.
فَهم البرِّ الإلهي
يقول كاتب المزمور إن “العدل” (أو “البرَّ”، tsedek) و”الحق” (أو “العدل”، mishpat) هما قاعدة كرسي الله. يعني ذلك أن الله نفسه بارٌّ، وعادلٌ، وحقٌّ. فالبرُّ هو جوهر كينونته نفسها، الذي يميِّز كلَّ ما يفعله. فإن الله بارٌّ أدبيًّا وأخلاقيًّا، ولا يعمل إلا ما يتوافق مع البر والعدل. وهذه الفكرة شائعةٌ في الكتاب المقدَّس: “أَدَيَّانُ كُلِّ ٱلْأَرْضِ لَا يَصْنَعُ عَدْلًا [“صوابًا” أو “برًّا”]؟” (تكوين 18: 25). فإنه هو “ٱلرَّبُّ ٱلدَّيَّانُ ٱلْعَادِلُ [“البار”]” (2تيموثاوس 4: 8).
لكن، كيف ينبغي أن نفهم صفة البرِّ هذه التي تميِّز الله؟ الكلمتان الرئيسيتان اللتان يستخدمهما كُتَّاب الأسفار الكتابية (tsedek، و dikaiosune) تشيران، بالمعنى المادي، إلى “أن يكون المرء مستقيم القامة”، وبالمعنى الأخلاقي، إلى “أن يكون أحدهم على حقٍّ”، وبالتالي إلى “استيفاء أحدهم معيارًا أخلاقيًّا أو أدبيًّا معيَّنًا”،[1] أو إلى أن يكون أحدهم مستقيمًا، وأن يفعل الصواب. فالشخص البار “يسلك بمقتضى” الالتزامات المتوقَّعة منه، أي بمقتضى ما يجب أن يُعمَل. وهو الذي يكون على حق، ويفعل ما هو لائق، ويحافظ على “علاقة سليمة مع”[2] ما هو متوقَّع منه.
لهذا السبب، وصف علماء اللاهوت بر الله بأنه البعد الأخلاقي لقداسته، أو “قداسته القابلة للمُشاركة مع البشر”،[3] أو بأنه “شكل” من أشكال قداسته.[4] وهذا الجانب من قداسته هو الذي يميِّزه بصفته متسقًا مع معاييره الأخلاقية.
يجب ألا نسيء فهم ذلك. فليس المقصود هنا هو أن الله مُلزَم بقانون مجرَّد يقع خارجه، لأن هذا سيوحي ضمنًا بأنه ثمة معيار معيَّن يعلو فوق الله نفسه، أي قاعدة فائقة معينة على الله أن يستوفيها أو يشاكلها. قطعًا، لا يمكن أن يكون هناك أي معيار يعلو فوق الله. لكن معيار البر الذي يستوفيه الله هو الله ذاته. فإن طبيعة الله ومشيئته هما اللتان تحدِّدان الصواب والخطأ. وعندما يؤكد الكتاب المقدَّس أن الله بار، هو يؤكد لنا بهذا أن الله متسق دائمًا مع ذاته، وملتزمٌ بأمانة تجاه كمالاته، وأنه يتصرف فقط ودائمًا وفقًا للمبدأ الأسمى للعدل، الذي هو الله ذاته.
من المثير للاهتمام أن أفلاطون صارع عن غير دراية إلى حد كبير مع هذه المسألة. ففي حواره مع يوثيفرو، بدا محبطًا من عجزه عن التوصُّل إلى أيِّ استنتاج يقيني بشأن “ما إذا كان الخير محبوبًا من الآلهة لأنه خيرٌ في طبيعته، أم إنه خيرٌ لأنه محبوبٌ من الآلهة”. وبالنسبة لأفلاطون، كانت الإجابة مضلِّلة. “فبشكل أو بآخر، إن حُججنا، بغض النظر عن الأساس الذي نبنيها عليه، يبدو أنها تتحول مبتعدة عنا”.[5] في ضوء تقلب آلهة أفلاطون الكثيرة، وتناقضاتها، والخلافات بينها،[6] وفي ضوء مرجعيته غير الكتابيَّة، نستطيع أن نتفهَّم إحباطه هذا. لكن بالنظر إلى هذا السؤال من منظور الإيمان الكتابي بوجود الله، لن تكون الإجابة تكهُّنية على الإطلاق: فإن الله كليُّ السيادة، وبالتالي، فإن طبيعته ومشيئته هما اللتان تشكِّلان جوهر البرِّ نفسه. وبكلمات ماستريكت (Mastrict): “الله هو نموذج البر، بل في حقيقة الأمر هو البر ذاته”.[7] فالله، في كماله، هو جوهر ومعيار الصواب.
عبر جون بايبر جيدًا عن ذلك عندما قال إن بولس “فهم برَّ الله بمعنى أمانته الثابتة دائمًا والتي لا تلين تجاه الحفاظ على مجد اسمه وإظهاره”.[8] فالله مهتم دائمًا بأن يمجد ذاته في كلِّ ما يفعله، و”برُّه” يخبرنا بذلك تمامًا. ولهذا السبب، يوصَف “إثم” (adikia، رومية 1: 18) الإنسان بأنه “عدم تمجيد الله كإلهٍ” (رومية 1: 21). فالبرُّ يتمثل فيما لا يقلُّ عن تمجيد الله. والناموس الملزِم للبشر هو ناموس الله؛ وهو ليس ناموسًا “يعلو فوق الله”، لكنه ناموس “في الله”.[9] وهذا المعيار، الذي لا يتعدَّى كونه طبيعة الله ومشيئته، هو المعيار الذي ألزم به الله الثابت نفسه؛ فهو يعمل دائمًا بالاتساق مع كماله.
هذا حقٌّ عن الله نُسَرُّ بأن نعرفه. فإن معرفتنا بأن الله كليُّ السيادة، وأنه يحكم الكون حسب مشيئته، هو أمر ليس أكثر أهمية من معرفتنا بأنه يحكم بالبرِّ والعدل. فأمام كل غياب للمساواة في هذه الحياة، وكل الإحسانات التي يظهرها الله في طول أناته وإمهاله تجاه الأشرار، وكل المحن التي تصيب الأبرار، ثمة ضرورة في حقيقة الأمر أن نعلم أن الله عادل، وأنه سيعمل الصواب دائمًا، مهما بدا صعبًا علينا أن نرى ذلك في وقت معين. كذلك، إن معرفتنا بأن الله هو ديَّان كل الأرض مختلفة تمامًا، بل وأدنى قيمة، من معرفتنا بأنه يدين بحسب الصواب والبر، وبما يتوافق مع ذاته، وبأنه لن يذنب البريء أو يبرئ المذنب. فعلى النقيض من “آلهة” الوثنيين، ليس الله الحقيقي إلهًا متقلبًا أو خبيثًا، لكنه إله بارٌّ، على نحو ثابت لا يتغير. “فإن ديان كل الأرض يصنع عدلًا” (تكوين 18: 25)؛ و”اَلرَّبُّ عَادِلٌ فِي وَسَطِهَا لَا يَفْعَلُ ظُلْمًا” (صفنيا 3: 5).
أربعة جوانب من البر الإلهي
هذه الفكرة القائلة إن الله يعمل دائمًا بما يتوافق مع بره تتجلَّى في أبعاد مختلفة. وقد مال علماء اللاهوت (ولا سيما الأقدم) إلى تصنيف بر الله في أربع فئات عل الأقل:
البر الحاكم
إن بر الله “الحاكم” هو ذلك الجانب من طبيعة الله الذي يطالب كلَّ مخلوقاته بالبرِّ. ربما كانت هذه هي أول فكرة تتبادر إلى أذهاننا بالطبيعة عندما نتحدث عن بر الله. فالبرُّ متَّصل بفرض القوانين والمعايير. وهو “النزاهة التي يظهرها الله، بصفته حاكم كلٍّ من الخير والشر. وبفضل ذلك، هو يؤسس حُكمًا أخلاقيًّا في العالم، ويفرض قانونًا عادلًا على الإنسان، واعدًا من يطيع بالمكافأة، ومهدِّدًا من يعصى بالعقوبة”.[10] فببساطة، لأن الله نفسه بارٌّ، فإنه يطالب بالشيء نفسه في كلِّ مخلوقاته. وصف توماس مانتون (Thomas Manton)، القس البيوريتاني، ذلك البرَّ بأنه برُّ الله “التشريعي”، أي إنه وصف الله بأنه المشرِّع.[11] فالله هو الذي يفرض القوانين، ويحدِّد الصواب من الخطأ، ويشرِّع ويضع القوانين بموجب ذلك (مزمور 99: 4). وأيُّ وسيلة غرضها تعزيز الإنصاف في العمل – مثل المكاييل، والموازين – هي من الله (أمثال 11: 1؛ 16: 11). كذلك، يبغض الله كلَّ من قد “يبرئ المذنب ويذنب البريء” (أمثال 17: 15). فهو يحتقر الذين يسرقون، أو يخدعون الآخرين، ليس لأن هذا انتهاك لمعيار مجرَّد معيَّن، بل لأنه مخالف ومسيء لله نفسه، الذي تطالب طبيعته نفسها بما هو حق وصواب.
علاوة على ذلك، كل المتطلبات التي يفرضها الله علينا هي نفسها عادلة (مزمور 119: 144). فهي ليست جائرة، لكنها صائبة وضرورية، بصفتها تعبيرًا عن جوهره وكينونته.
البر العقابي
بر الله “العقابي” هو ذلك الجانب من طبيعته الذي يُنزِل العقوبة على كلِّ إثمٍ في مخلوقاته. وهو يسمَّى أيضًا “العدل القصاصي”، أو “العدل الانتقامي”. وهو متصل بإنزال عقوبات على عدم مشاكلة برِّ الله. تجلَّى هذا الجانب من بر الله للمرة الأولى في جنة عدن: “لِأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتًا تَمُوتُ” (تكوين 2: 17؛ راجع تثنية 27: 26؛ مزمور 96: 13؛ حزقيال 18: 4؛ رومية 6: 23؛ 12: 19؛ عبرانيين 12: 29). وهذه الفكرة المتعلِّقة بالقصاص الإلهي على الذين يتعدُّون على مطالب الله البارة هي فكرة مألوفة لدى كلِّ من يقرأ الكتاب المقدَّس. وهذا ليس مجرد تهديد: فمن جنة عدن، إلى الطوفان، إلى بابل، إلى سدوم وعمورة، إلى مصر، إلى الكنعانيين، إلى السبي، إلى حنانيا وسفيرة، أثبت هذا التهديد أنه حقيقيٌّ (راجع رومية 1: 18). ويتجلَّى التعبير النهائي عن بر الله العقابي في العقوبة الأبديَّة التي سيقاسيها الأشرار في الجحيم.
من الجدير بالذكر أيضًا أن الهدف من بر الله العقابي ليس الإصلاح أو إعادة التأهيل (مع أنه ربما يكون قد أحدث هذا التأثير في بعض الأحيان؛ انظر عزرا 9: 15؛ مراثي 1: 18)؛ بل بالأحرى، إن بر الله العقابي هو فقط عقابي أو انتقامي، كما يوحي اسمه تمامًا. فإن معاقبة الخطية هي وظيفة البر الإلهي (عاموس 5: 24)، والمعاقبة واستيفاء العدل هما الهدف. ودون معاقبة، لا يمكن الحفاظ على العدل الإلهي. ولهذا، فإن الله لا يمكن أن يبرئ إبراء (خروج 34: 7). فإنه “عَادِلٌ عِنْدَ ٱللهِ” أن يعاقب الأشرار (2تسالونيكي 1: 6). ينبغي أن تعاقَب الخطية، وأن يتزكَّى بر الله.
البر الفدائي
يترتب على كلِّ ذلك بالضرورة أنه كي يفتدي الله الخطاة، لا بد أن يفعل ذلك في عدلٍ وبرٍّ. فهو لا يستطيع أن يتغاضى عن العدل (خروج 34: 7). ليس الله ملزمًا بالتأكيد بأن يخلص أحدًا، لأنه بطبيعة الحال، لا يستحق أي خاطئ الإنقاذ. لكن إن كان الله سيخلص في رحمته، لا بد أن يكون ذلك فقط على أساس استيفاء مطالبه البارة.
تلك تحديدًا هي المعضلة التي على الإنجيل أن يحلَّها أولًا. فإن برَّ الله (الحاكم) يطالبنا بالبر، ويطالب بإنزال العقوبة على كلِّ إثمنا (البر العقابي). وإذا كانت العقوبة على الخطايا لازمة ومطلوبة، فكيف يمكن لأيِّ خاطئ أن يخلص؟
في حقيقة الأمر، يصرُّ كُتَّاب الأسفار الكتابيَّة كثيرًا على أن الله يخلِّصنا بالعدل والبر (مزمور 71: 2؛ إشعياء 45: 21؛ 51: 6؛ 54؛ 17؛ 61: 10؛ راجع مزمور 51: 14). وهذا بُعد آخر من أبعاد بر الله، وهو بره “الفدائي، أي ذلك الجانب من بر الله الذي به يمنح البرَّ لمخلوقاته الخطاة الذين أساؤوا إليه، مقدِّمًا هو نفسه الترضية اللازمة عن إثمهم. وفي حقيقة الأمر، عرَّف الرسول بولس الإنجيل بهذه الطريقة نفسها، قائلًا إن الإنجيل هو الإعلان عن برِّ الله (رومية 1: 17). صحيح أن الإنجيل هو أيضًا إعلان عن محبة الله ونعمته، لكنه بحكم الضرورة رسالة تعبِّر عن برِّه. ومن العجيب أن الله يكون بارًّا (عادلًا) في غفرانه للخطايا (1يوحنا 1: 9).
هنا قطعًا يَكمُن جمال الإنجيل. فالله لم يتنازل عن مطالب عدله، لكنه “أَرْسَلَ ٱبْنَهُ كَفَّارَةً لِخَطَايَانَا” (1يوحنا 4: 10؛ راجع رومية 3: 25؛ عبرانيين 2: 17؛ 1يوحنا 2: 2). ففي الرب يسوع، لدينا كلُّ ما يطالبنا به برُّ الله. فإنه هو الذي بلا خطية، الذي أخذ مكان الخطاة، وقدَّم نفسه ذبيحة، واحتمل اللعنة العادلة على الخطية.
“اَلْمَسِيحُ ٱفْتَدَانَا مِنْ لَعْنَةِ ٱلنَّامُوسِ، إِذْ صَارَ لَعْنَةً لِأَجْلِنَا” (غلاطية 3: 13)؛ “ٱلَّذِي حَمَلَ هُوَ نَفْسُهُ خَطَايَانَا فِي جَسَدِهِ عَلَى ٱلْخَشَبَةِ” (1بطرس 2: 24)، مستوفيًا بهذا مطالب العدل من نحونا. فإن الله “جَعَلَ ٱلَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لِأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ ٱللهِ فِيهِ” (2كورنثوس 5: 21). “فَإِنَّ ٱلْمَسِيحَ أَيْضًا تَأَلَّمَ مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ أَجْلِ ٱلْخَطَايَا، ٱلْبَارُّ مِنْ أَجْلِ ٱلْأَثَمَةِ، لِكَيْ يُقَرِّبَنَا إِلَى ٱللهِ” (1بطرس 3: 18). ففي صليب المسيح، استوفيت تمامًا مطالب بر الله الحاكم، وبره العقابي. وفي بديلنا، غُفِرت لنا خطايانا بعدلٍ وبرٍّ.
لطالما وصف علماء اللاهوت هذه العملية باسم “المبادلة” العظمى. فقد أخذ المسيح خطايانا، وأعطانا برَّه. وقد صار “خَطِيَّةً لِأَجْلِنَا” (2كورنثوس 5: 21)، و”صَارَ لَنَا … بِرًّا” (1كورنثوس 1: 30؛ راجع إرميا 23: 6؛ فيلبي 3: 9). فبالنعمة، صار سجلُّنا له، فمات تحت غضب الله البار والعادل الذي كنا نستحقه نحن. لكن بالإيمان، صار سجلُّه البار لنا، فتبرَّرنا. ولهذا نقول إن برَّ الله معلن في الإنجيل. فإنه لأمر عجيب أن الله “يُبَرِّرُ ٱلْفَاجِرَ” (رومية 4: 5). وفي الإنجيل، يكون الله “بَارًّا وَيُبَرِّرَ مَنْ هُوَ مِنَ ٱلْإِيمَانِ بِيَسُوعَ” (رومية 3: 26).
البر المكافئ
يتعلق البر المكافئ بتوزيع المكافآت بحسب العدل. فإن بر الله “المكافئ” هو ذلك الجانب من برِّه الذي به يكافئ الله مخلوقاته على البرِّ الذي عملوه. “لِأَنَّ ٱللهَ لَيْسَ بِظَالِمٍ حَتَّى يَنْسَى عَمَلَكُمْ وَتَعَبَ ٱلْمَحَبَّةِ” (عبرانيين 6: 10)؛ “عَالِمِينَ أَنْ مَهْمَا عَمِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ ٱلْخَيْرِ فَذَلِكَ يَنَالُهُ مِنَ ٱلرَّبِّ” (أفسس 6: 8؛ راجع لوقا 19: 11-27). فإن الله يكافئ البر.
إنه لأمر مثير للفضول أن تكون مكافأة الله لعبيده على خدمتهم الأمينة بالنسبة له مسألة عدل أو برٍّ. هذه ليست مجرد مسألة صلاح أو لطف، بل مسألة عدل. فإننا عندما نكون قد أطعنا الله وخدمناه، نكون فقط قد “عَمِلْنَا مَا كَانَ يَجِبُ عَلَيْنَا” (لوقا 17: 10). وكلُّ ما نحن عليه إنما هو فقط “بنعمة الله” (1كورنثوس 4: 7)، وأمانتنا تعود إلى عمله فينا (فيلبي 2: 13). يبدو أمرًا عجيبًا إذن أن ينظر الله إلى مكافآتنا على أنها تطبيقٌ لعدله.
ليس المقصود هنا هو أن الله ملزم من نحونا، بل ببساطة بأنه ألزم نفسه من نحونا بالوعد (يعقوب 1: 12). “إن جزءًا من عدل الله هو أن يتمِّم كلمته. وبالوعد، جعل الله نفسه مَدينًا … وبالتالي، صار عادلًا عند الله أن يسدِّد الدين الذي عليه. فالله يدين بما وعد به. وبالتالي، فإن الإكليل الذي سيهبنا إياه الديان العادل في ذلك اليوم هو إكليل برٍّ”.[12]
مع أنه لا يوجد أي إلزام أساسي وأصلي على الخال، بأن يكافئ مخلوقًا خُلِق من لا شيء، ويحتاج باستمرار إلى دعم ومعونة في الخدمة التي يقدِّمها، لكن الله مع ذلك وضع على نفسه إلزامًا ثانويًّا ونسبيًّا. فهو يستطيع أن يعد بأن يكافئ خدمة المخلوق. وإذ ألزم نفسه بأن يكافئ الطاعة، صارت كلمته هذه نوعًا من الشرط والإلزام … وبكلمات ويتسيوس Witsius (Covenants, I. i. iv)، “الله، بوعده، جعل نفسه مدينًا للبشر”.[13]
إن بر الله المكافئ هو ذلك الجانب من بره الذي به يكافئنا على الطاعة والخدمة اللذين يطالبنا بهما في بره وعدله، واللذين يمكِّننا بنعمته من أن نقدِّمهما له. بتعبير آخر، يكافئنا الله، نحن عبيده، على الشيء نفسه الذي اشتراه وأتاحه لنا مجانًا. ولهذا، من المؤكد أن يكون هو وحده المستحق للمدح والتسبيح (رؤيا 4: 10).
إن حق بر الله هو حق مرعب ومخيف للخطاة. لكن، عندما يقترن هذا البر بنعمة الله (مزمور 85: 10)، يصير في حقيقة الأمر حقًّا سعيدًا.
[1] Harold G. Stigers, “tsadeq” in Theological Wordbook of the Old Testament, (TWOT) R. Laird Harris, ed. (Chicago: Moody Press, 1980), vol. 2, pp. 752. For discussions see TWOT, pp. 752–55; Ceslas Spicq, Theological Lexicon of the New Testament, James D. Ernest, transl. (Peabody, MA: Hendrickson Publishers, 1994), vol. 1, pp. 318-361; Johannes P. Louw and Eugene A. Nida, Greek English Lexicon of the New Testament Based on Semantic Domains, (New York: United Bible Societies, 1989), vol. 1, pp. 452-453, 744-745; Colin Brown, “Righteousness” in The New International Dictionary of New Testament Theology, Colin Brown, ed. (Grand Rapids: Regency Reference Library / Zondervan Publishing House, 1986), vol. 3, pp. 352-373.
الكلمات المتصلة بذلك في مجال دلالة الألفاظ هي “سليم”، و”بار”، و”بر”، و”مستقيم”، وعادل”، و”عدل”، و”يبرِّر”، و”تبرير”، و”دينونة”.
[2] Louw and Nida, 452.
[3] Augustus H. Strong, Systematic Theology (1907; reprint, Old Tappan, NJ: Fleming H. Revell Company, 1979), 290.
[4] William G. T. Shedd, Dogmatic Theology (1889; reprint, Minneapolis: Klock and Klock Christian Publishers, 1979), 364.
[5] Euthyphro, in The Works of Plato, Irwin Edman, ed. (reprint; New York: The Modern Library, 1956), 46, 48.
[6] وهي مشكلة أقرَّ بها أفلاطون نفسه:
Ibid., 40, 44-45, etc.
[7] Quoted in Heinrich Heppe, Reformed Dogmatics (1861; reprint, Grand Rapids: Baker Book House, 1984), 97.
[8] John Piper, The Justification of God (Grand Rapids: Baker Book House, 1993), 100.
[9] Geerhardus Vos, Biblical Theology (1948; reprint, Grand Rapids: Wm. B. Eerdmans Publishing Co., 1977), 251.
[10] Louis Berkhof, Manual of Christian Doctrine (1933; reprint, Grand Rapids: Wm. B. Eerdmans Publishing Co., 1978), 68–69.
[11] The Complete Works of Thomas Manton (reprint; London: James Nisbet and Co., 1872), 8:440.
[12] Manton, op. cit., p. 441.
[13] Shedd, op. cit., p. 368.