لقد قضيت آخر سبعة عشر عامًا في العمل كمُرشِدة للمراهقين في إحدى المدارس فيما يتعلَّق بالأزمات التي يمرّون بها. تشمل صراعات طُلّابي جميع مشاكل المراهقين المعتادة (مثل: القلق، والضغوط الاجتماعية، والصراعات مع الوالدين، وأسئلة عن الُهوية والانتماء) والعديد من المشاكل الأكثر جديَّة (مثل: سوء المعاملة أو الاستغلال، وإيذاء النفس، والمرض العقلي، والتنمُّر). لكن أحد الموضوعات الرئيسيَّة الهامة التي إمّا تساعد المراهقين بشكلٍ كبير أو تفعل العكس تمامًا، هو إدراكهم للحبِّ والدعم من والديهم. تُمَثِّل هذه المبادئ الستَّة دروسًا تعلَّمتها في مسيرة حياتي:
1. لتكن لكم علاقات قوية معهم
لقد خلقنا الله ككائنات اجتماعية، مما يعني، أنه بغض النظر عن طبع أو مزاج أبنائكم، إلاّ إنهم يُريدونكم أن تعرفوهم. حيث يَرغب بشدة جميع الطلاب الذين نصحتهم كمُرشِدة، في إقامة علاقة صِحِيَّة وصحيحة مع والديهم. لكن سنوات المراهقة صعبة.
خلال المرحلة الثانويّة، ينتقل الطلاب من مرحلة الطفولة إلى مرحلة البلوغ. في الوقت نفسه، تشتعل الهرمونات هائجة، وتتقلب، ولا تزال “قشرة الفص الجبهي للدماغ” (المسؤولة عن إدارة الوقت، والحكم الجيِّد، والتنظيم، والسيطرة على الدوافع، وتحديد الأهداف، وفهم العواقب طويلة المدى) في طور النمو. بالإضافة إلى ذلك، يُبْحِر كلّ من الوالدين والمراهقين في نفس الوقت، في مياهٍ جديدة وأدوارٍ جديدة.
لذا فأنا أدعوكم إلى إضافة مبادئ المشورة الأساسيّة إلى تربيتكم لأبنائكم خلال سنوات المراهقة. اطرحوا عليهم الكثير من الأسئلة كمحاولة لفهمهم أكثر، ولكن ادرسوا أيضًا لُغة الجسد والمزاج (تذكَّروا الهرمونات الهائجة). واعلموا أنه في بعض الأحيان تكون أُذْنَكم المستمعة لهم ووجودكم بجانهم، هما بالتحديد ما يحتاجه أبنائكم في هذا الوقت.
انتبهوا جيدًا للتوقيتات التي يحب المراهق أن يتحدَّث كثيرًا أثنائها، ولاحظوا الأنماط وكذا أخلقوا مساحة لتلك الأوقات إذا كان ذلك ممكنًا. على سبيل المثال، إذا كان ابنكم يتحدَّث ليلًا أكثر من التحدُّث عند الاستيقاظ، فلتجعلوا من وقت المساء وقتًا مخصصُا للحديث معه.
في سنوات المراهقة، يحتاج أبنائكم إليكم أكثر من أي وقت مضى، حتّى لو لم يقولوا ذلك. وكذا سيحتاجونكم أن تكونوا هناك بجوارهم عندما يكونون مستعدِّين للتحدُّث. عندما يفتحون قلوبهم إليكم، تأكَّدوا من الاستماع والمراقبة والانتظار. إنهم لا يريدونكم أن تُعاملوهم كأفضل صديق لهم؛ بل يحتاجون منكم أن تكونوا والديهم.
وهم بحاجة إلى نوعٍ مختلفٍ من الوالدين عما كانوا عليّه عندما كانوا في العاشرة من عمرهم. لذا ابحثوا عن النعمة في حياتهم وابتهجوا بها، وتأكَّدوا من أنكم تُشجعُّون أبنائكم وتُعزِّزونهم أكثر بكثير من مُجرَّد التذمُّر عليهم. باختصار، صلّوا باستمرار للحصول على الحكمة، بشأن الأوقات التي ستسمحون لأبنائكم فيها بالفشل، أو التي ستتركون مشاكلهم دون حل، أو الأوقات التي ستحتاجون أن تواجهونهم فيها، أو التي ستُصلّون فيها بصبرٍ وأنتم تُجهزّونهم ببطء لمغادرة العش، أي لمغادرة حياة الطفولة.
2. اخبروهم بأنكم مستمتعون بهم
نعلم جميعًا التناقض الرهيب بين ما نعمله من منطلق الواجب وما نفعله ونحن مستمتعون. عادةً يعرف المراهقون في أعماقهم أنكم تُحبّوهم؛ ولكن عليكم أن تؤكدوا لهم بأنكم تستمتعون بهم أيضًا. سواء كنتم ذاهبين إلى متجر البقالة أو تتناولون العشاء، أخبروهم عن مدى استمتاعكم بوجودهم معكم.
إحدى الطرق الأساسية لتوصيل هذه الرسالة هي عبر التداخل بشكلٍ كامل في هواياتهم واهتماماتهم ومُتَعَهم. سواء تعلَّق الأمر بالتصوير الفوتوغرافي أو الألعاب أو ركوب الخيل أو صُنع الخبز، كُونوا مفتونين بما يحبّونه. حيث تتطوَّر أفضل العلاقات وتزدَهِر من خلال الأنشطة التي يتمتع بها الطرفان معًا. لذا تعلَّموا واستمتعوا معَّهم. وقد يُفاجئكم ما سينتج عن ذلك من وقت ثمين وروابط قويَّة.
3. تَعرَّفوا على التغيُّرات التكنولوجيّة
الآباء والأمهات الذين لديهم ذكريات جميلة من المدرسة الثانويّة يُريدون بطبيعة الحال لأبنائهم نفس التجارب الرائعة. لكن ذكرياتكم بخصوص الرياضة، أو الكشافة، أو بخصوص ألعاب كرة القدم أقل تشابهًا مع ذكريات أبنائكم مما قد تتخيلوا.
الحقيقة الُمجردَّة هي أن الهواتف الذكية، والبريد الإلكتروني، والإنترنت لم تكن موجودة خلال طفولتكم، وهذه الأمور تُغيِّر الأشياء بشكلٍ جذري. عندما كان يُريد أحد أصدقائي التحدُّث إليَّ، كان عليه أن يتصل بمنزلي على الخط الأرضي. وحينها كان يُمكن لوالديَّ أن يلتقطا الهاتف في أي وقت ويستمعا إلينا. بخلاف التفاعُل في الُمقَابَلات الشخصيَّة والرسائل المكتوبة بخط اليد، حيث كانت هذه هي الطُرق الوحيدة للتفاعل معَّ الأصدقاء الُمقرَّبين.
لكن قد تغيرت الأمور الآن، فقد حَدَث تقدُّم كبير في يومنا هذا، حيث يُمكن للمراهقين التفاعُل على الشاشات في ” غُرَف نومهم ليلًا بخصوصية تامة” أثناء نوم والديهم. فكِّروا في الكيفيَّة التي غيَّرت بها التكنولوجيا عَالَم ابنكم الُمراهق. حيث يصعُب على الابن أن يتحدَّث إلى الوالدين بخصوص إرسال صور أو رسائل جنسيّة صريحة، وكذا بخصوص رسائل التهديد عبر الإنترنت، إذا لم يكن لدى الوالدين على الأقلّ الفهم الأساسي البسيط لكيفيّة عمل التكنولوجيا. لذا اسعوا لتعلُّم وفهم التكنولوجيا التي يستخدمها أبنائكم وجبال الإغراء العملاقة التي يواجهها أبنائكم وأصدقائهم المُقرَّبين أيضًا.
من ناحية أخرى، يُمكنكم البدء في مساعدتهم على تعلُّم إدارة وقتهم واهتمامهم بشكل صحِّي وصحيح كوكلاء عليه، الأمر الذي قد يُساعدهم كثيرًا خلال مرحلة الجامعة وما بعدها. سواء بتحديد وقت ليلي مُعيَّن ينبغي على ابنكم فيه أن يتوقَّف عن استخدام الإلكترونيّات، أو عن طريق مُراقبة استخدامه للهاتف من خلال بعض برامج الُمسَاءلة الوقائيّة، يحتاج المراهقون إلى مساعدتكم لتبحروا بهم وتتغلبوا معهم على التحديّات التي تواجهَهُم بسبب التكنولوجيا، لا سيما في التَّعَفُّفِ وضبطِ النفس (تذكَّروا ما ذكرته سلفًا بخصوص “قشرة الفص الجبهي للدماغ” غير الُمطوّرة لديهم).
“تغزو التكنولوجيا عالم ابنكم المراهق عند كلّ منعطف يمر به”. وإزالة أو منع استخدام التكنولوجيا ليس خيارًا طويل المدى. بدلاً من ذلك، تعلَّموها وساعدوا ابنكم المراهق على بناء أساس لاستخدام التكنولوجيا من أجل الخير وليس للشر.
4. توقَّعوا الفشل جنبًا إلى جنبٍ معّ النجاح
يُريِد المراهقون مَعرِفة أنك أكبر مُعجب بهم، وكذا يُريدون مَعرِفة أنك تؤمن بإمكانيّة وصولهم إلى النجوم. ولكن من المهم بنفس القدر أن تراهم كما هم: كأُناسٍ يعيشون في عالمٍ ساقط، مثلكم تمامًا. وبالتأكيد، نحن نأمل أن يتركوا العالم مكانًا أفضل، لكنهم سيتخذون أيضًا بعض القرارات السيِّئة.
دَعوهم يفشلون. توقَّعوا ذلك. تجنبوا عقليّة الآباء والأمهات الذين يُركِّزون بشكلٍ مُفرط على أبنائهم، كالشُرطيّ الذي يَنْقض دائمًا لإنقاذ الموقف. لأنّ أي نجاح هو غالبًا نتيجة التعلُّم من أخطاء الماضي.
لا تُبرِّروا الخطيَّة، لكن على الصعيد الآخر لا تتصرَّفوا كأنها صدمتكم. لأنّ أكبر عائق أمام رغبة المراهق في مُشاركة صراعاته معَّ والديه، هو تصرُّف الوالد بعدم الارتياح أو الذعر من تلك الحقائق. ادعُوا أبنائكم المراهقين إلى عالم الصراعات التي تخوضونها، وعرِّفوهم لماذا تُريدوهم بشدة أن يتجنبوا الخطيَّة؛ لأنّكم تَعْلَمُون أنها ستقضي عليهم في النهاية. دعوهم يعرفون أنكم تفهمون مدى صعوبة الأمر، وأنكم موجودون كلّ يوم بجوارهم في القتال، عرِّفوهم أنكم في صفهم وليس ضدهم.
5. اهتموا بهم بشدة
يحتاج المراهقون أن يعرفوا أن شخصًا ما سيكون هناك من أجلهم، بغض النظر عن السبب، ومهما تكلّف الأمر. فعندما يعلم المراهقون أن والديهم سيخرجون من اجتماعٍ هام في العمل، أو سيلغون ليلة سعيدة مع الأصدقاء لأنّ أبنائهم بحاجة إلى شيء ما، عِندَئِذٍ سيشعر المراهقون بالحب والأمان.
أصبح أبناؤكم المراهقين أكثر استقلاليّة الآن، وهم يعرفون “متى تهتمون بهم بشكلٍ كافٍ”. يمكنهم معرفة ما إذا كان هناك شيء آخر يُغذِّي الإثارة والإبداع والهدف في حياتكم بعيدًا عنهم -مما يُزيد عيوبهم ونواقصهم ويجلب ضغوطًا وهمومًا عليهم.
اكتشفوا المشاعر التي أعطاها لكم الله، واعتنوا بسعادتكم، واطلبوا الرب لمن تخدموهم، ولكن كونوا دائمًا على استعداد بالتخلي عن أي شيء من أجل أبنائكم.
6. ثِقْوا بأن خطةَ اللهُ تفوق أحلامكم
أعلمُ أنكم تُحبّون أبنائكم أكثر من أي شيء آخر في العالم، للدرجة التي ستضحون فيها بحياتكم من أجلهم. ومع ذلك، فإن الأب الجيد والأم الجيدة لا يتساو معّ الأبناء الجيدين. فعلى الرغم من كل ما تبذلونه وتعملونه لأجل أبنائكم، قد يستمرون في الابتعاد أكثر. ومع ذلك، واظبوا على المحبّة، والصلاة، والثقة في أن الله يحبّهم أكثر منكم.
كما كان يقول راعي كنيستي السابق: “حيثما توجد حياة، يوجد أمل”. قد يتخرَّجون من المرحلة الثانويّة وهم محاصرون في الخطيَّةِ، لكن قصتهم لم تنته بعد. كونوا مخلصين لهم عن طريق محبّتهم ورعايتهم اليوم، وثِقْوا بأن الله في نهاية المطاف سيكتب لأبنائكم قصة أفضل مما تتخيلوا.