حتمًا الحرب ليست هي الموضوع الذي يستعذب الآباء الحديث عنه مع أطفالهم. لكن بعد مرور عدة أشهر على اندلاع الحرب الحالية في أوكرانيا، والتي تحظى بتغطية إعلامية واسعة في عالمنا العربي، لما لها من تأثير اقتصادي وسياسي واجتماعي يصعب تجاهله.
لكن، وبالإضافة للتغطية الإعلامية الواسعة، هناك علة أخرى تفرض علينا ضرورة التوعية بمفهوم الحرب عمومًا، ليس في أوكرانيا فحسب، بل في كل العالم، ولاسيما وشرقنا الأوسط منذ مهده وحتى اليوم نادرًا ما نعم بالسلام والاستقرار. والسبب هو ضرورة تربية أبنائنا على أسس مسيحية كتابية، بكيفية لا تتجاهل واقعية وجودنا في عالم ساقط مكسور منذ عرفت الخطية طريقها إليه بتمرد الإنسان على خالقه وتعديه على وصيته في تكوين ٣، ليتطور التمرد من البُعد العائلي في تكوين ٣-٤، إلى بعد مجتمعي استوجب الطوفان في تكوين ٦، حتى اتخذ التمرد بُعده الكوني في تمرد برج بابل في تكوين ١١. فهو عالم عرفت الحروب طريقها إليه إذاً منذ فجر التاريخ ونشأة الحضارات.
فإن كنا جادين في تعليم أبناءنا كلمة الله، وهو ما افترضه في قارئ هذا المقال، فلن نستطيع أن نتجنب فكرة الحرب وويلاتها، فحتى قبل انخراط شعب إسرائيل في حروب أرض الموعد بوقتٍ طويل، لم تخل حياة أبينا إبراهيم من حرب اضطر خوض غمارها دفاعًا عن ابن أخيه لوط فيما يعرف بمعركة كَدَرْلَعَوْمَرَ في الأصحاح الرابع عشر من سفر التكوين.
لذلك، قد يختلف تقديرنا للمرحلة العمرية التي يتعين علينا الحديث فيها عن تفاصيلها نظرًا لتفاوت الإدراك والاستعداد النفسي حتى بين الأطفال في نفس الفئة العمرية. لكن، تظل القراءة المنتظمة للكتاب المقدس، وتشجيع أطفالنا على ضرورة الاهتمام الإيجابي بالعالم الذي خلقه الله وكان حسنً جدًا، لكنه الآن يئن في انتظار مجيء المسيح ثانيةً، بمثابة حجة كافية تهون علينا مشقة الحديث عن موضوع مُزعج كالحرب. فإن لم نقم نحن بواجبنا، فإن العالم سيتكفل لاحقًا بالقيام بما تقاعسنا نحن عن تأديته. لكنه سيفعل ذلك دون أن يتطرق للشخص الوحيد القادر على بث الرجاء والطمأنينة في قلب كل نفس متألمة بسبب الحرب، وهو شخص ربنا يسوع المسيح الذي افتدانا من هذا العالم الشرير، ليقوم ظافرًا من بين الأموات، واعدًا مؤمنيه بسماء جديدة وأرض جديدة يسكن فيها البر، وقتها ستعتق الخليقة من عبودية الفساد والحروب إلى حرية مجد أولاد الله (رومية ٢١:٨).
والآن، إلى بعض النقاط العملية من حديث أجريته بالفعل مع ولداي الأكبر سناً (ملاحظة: لم أتحدث مع طفلي الأصغر سناً). فبحكم عملي كمحامِ، لا أعتبر نفسي خبيرًا في شئون الحرب السياسية، وكأب أتخبط في هذا الأمر كأي أب، لكن ما أرجوه هو أن تساعد النقاط التالية أولادنا على التفكير بشكل كتابي حول الحرب الدائرة في أوكرانيا، ومنطق الحرب في العموم أيًا كانت الدول المتحاربة.
1. السلام ليس هو القاعدة، بل الاستثناء
القراءة الأمينة للكتاب المقدس وللتاريخ على السواء تعلمنا أن السلام هو الوضع الاستثنائي والنادر. لا يتفاجأ الله عندما تغضب الأمم (أعمال الرسل 4 :25؛ قارن مزمور 2). وعلينا ألا نتعجب الأمر رغم قسوته. فعلى الرغم من كون البشر مخلوقين على صورة الله، إلا أن جميع البشر ساقطون وقادرون على ارتكاب شرورًا مروّعة. وللأسف، فإن التقدم بكل أبعاده ومرور الزمن لم يغيرا هذه الحقيقية؛ القادة عبر التاريخ البشري فاسدون، متعطشون للسلطة، وعنفهم في الوقت الحالي ربما تخطى أي وقت مضى. من الأفضل أن نتذكر هذا في أوقات السلام النسبي التي ينعم علينا الله بها من حين لآخر وتمتلأ قلوبنا بالشكر والعرفان عندما يكبح الله شرور القادة الفاسدين.
2. لكن السلام يستحق القتال من أجله!
أسأل أولادي مرارًا وتكرارًا، “متى يتوجب علينا المشاركة في الحرب، والتي يُسمح لنا فيها بالقتال؟” ودائمًا ما تكون الإجابة: “عندما يكون الهدف هو حماية شخصًا آخر.” لأبادر بالرد قائلاً: “نعم، لقد سقطنا، لكننا خُلقنا من أجل السلام. لكن لكوننا مخلوقين على صورة الله ومثاله، فلا يمكن أن نقف مكتوفي الأيدي عندما يتعلق الأمر بحماية الضعفاء، فالسلام القائم على العدل والإنصاف للمظلومين يستحق القتال من أجله. في الواقع، هذا هو السبب الوحيد الذي يجب أن نقاتل لأجله. لأن الله يحب الأبرياء ويحميهم (تثنية 19 :10)، فلم نخلق لنكون سلبيين في مواجهة الشر المحتوم – بدلاً من ذلك، يجب أن نكون أمناء.
3. الشر حقيقة وواقع مزعج، لكن علينا ألا نخافه
قلت لأبنائي: “الشر أمر سيء جدًا، لكن لا داعي للخوف”. يجب أن تكون استجابتنا للشر هي الشجاعة، لا الدهشة والصدمة. يمكننا أن نكون شجعان بشكل فريد لأننا نعلم أن ربنا يسوع المسيح قد غلب العالم (يوحنا 16 :33). لا يجب أن يخشى المسيحي الجاد من الموت والمعاناة. فعندما نواجه الشر، فنحن نجابهه أحرارًا لنفعل ما يمجد الله، وليس فقط ما يجلب لنا الأمان في هذا العالم. علينا أن نستخدم الأزمات العالمية لتذكير أولادنا بأن الموقف المسيحي في مواجهة الشر هو الشجاعة وليس السلبية أو الخوف.
4. من الصواب أن نحزن بسبب العنف ونرثى لحال ضحايا الحروب
ليس الخوف هو ردة الفعل الصحيحة. في المقابل، فمن اللائق جدًا أن نحزن ونرثي. فالعنف دائمًا ما يستحق النوح لأجله. ليس من العدل أن يُداس الفقراء ويموت الأبرياء لأجل حفنة من الأشرار تحتكر السلطة (مرقس١٠ :٤٥). نعم، يعلمنا الكتاب المقدس أن الأشرار الذين يفعلون ذلك يحزنون قلب الله، الذي ينصف المظلومين، ويجري نقمة على الشرير إن عاجلًا أم آجلًا، فمن اللائق أن تتناغم قلوبنا مع قلب الله (انظر مزمور 73، على سبيل المثال). من اللائق أيضًا أن نسمح لأولادنا برؤيتنا ونحن نختبر هذه المشاعر. يجب أن نسمح لهم برؤيتنا مكسورين بسبب الشر والمعاناة، حتى يعلموا أن هناك طرقًا أخرى غير القبول السلبي الذي يعكس حال قلب الإنسان القاسي الذي اعتاد تجاهل صراخ المظلوم. يمكننا أن نبكي على الشر وأن نكون شجعان في نفس الوقت. في الواقع، في بعض الأحيان يكون هذا أشجع شيء يمكننا القيام به.
5. لتتعزى قلوبنا؛ فإلهنا بار في كُل طرقه، وديان عادل
لا يحظى الحديث عن الدينونة بإعجاب الكثيرين، هذا في الغالب لأننا لا نتفهم الشر ولا نستوعب قُبحه كما ينظر إليه الله ديان الأحياء والأموات. ففي كثير من الأحيان، عندما يطل الشر بوجهه القبيح، نتمنى أن يأتي ذلك الفارس القوي على ظهر جواده ليضع نهاية للشر، ويجعل كل شيء على ما يرام. حسنًا، هناك شخص قادم بالفعل، وهو وحده جدير بهذا الدور، واسمه يسوع المسيح، هو من سيدين العالم.
وفي الواقع تعد الدينونة العادلة التي ننتظرها جزء رئيسي من رسالة الإنجيل الذي نؤمن به. فمن جهة، نعلم جيدًا أننا لسنا أفضل من أشر الخطاة الذين يستحقون الدينونة، فتمتلئ قلوبنا بالشكر لله الآب والامتنان لذاك الابن الفادي الذي احتمل الدينونة عنا غافرًا خطايا كُل من يؤمن به مصالحًا إياه بدم صليبه (رومية ٢٣:٣-٢٦).
مع ذلك، علينا أن نُذكر أنفسنا وأولادنا أن الله يسمع صوت الدماء البريئة الصارخة من الأرض (تكوين 4 :10)، وأبدًا لن يترك سافك الدماء يمر دون عقاب. قد لا يفوز الخير في حياتنا، لكن للشر نهاية تقترب يومًا فيومًا، فلتتعزى قلوبنا، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: “لِيَ النَّقْمَةُ أَنَا أُجَازِي يَقُولُ الرَّبُّ.” (رو 12: 19).
6. علينا أن نصلي
الصلاة من أكثر الأعمال المسيحية تأثيرًا وفاعلية في مواجهة الشر. ليس من الضروري أن تكون الصلاة طويلة أو معقدة. يكفي أن نصلي مع أولادنا صلوات بسيطة من أجل الرحمة والمعونة لأجل ضحايا الحرب الأوكرانية، وإحلال السالم العادل. لنصلي للرب أن يجري حكمه في الأرض حتى يسود الخير. فالرب طويل الروح وكثير الرحمة. فلتلمس منه حماية الأبرياء سالمين. علمنا الرسول بولس أن أولئك الذين يلبسون سلاح الله “يصلّون دائمًا” (أف. 6 :18). لم تكن نقطتي الرئيسية في التحدث مع أبنائي التعقيدات السياسية المرتبطة بالحرب والدول المتورطة فيها من قريب أو بعيد، فالصلاة هي ما أفضل ما يمكن للمسيحيين فعله، وأكثر ما يحتاجه العالم، وهي وراء كل تحرك إيجابي مؤثر لنصرة المظلومين.
7. علينا أن نتعلم كيف نفرح ونلعب مع أولادنا!
نعم، هذا أيضًا رد فعل شجاع في مواجهة الشر. يجب ألا ننسى أن هذا حديث نجريه مع الأطفال الأكبر سنًا. ولكن، حتى الأطفال الأكبر سنًا ما زالوا أطفالًا! واحدة من أفضل الهدايا التي يمكن أن تذكرهم بها هي الحقيقة الكتابية أن العالم، في النهاية، سيكون على ما يرام (يوحنا 16 :33). فلنتذكر أن الله الذي يرى كل شر العالم، لا يفقد سلامه…ففي المزمور الثاني يعلمنا المرنم كيف ينظر ساكن السماوات من يظنون أن في يدهم مقاليد الأمور ويَسْتَهْزِئُ بِهِمْ (مزمور ٤:٢).
فلا ينبغي أن نتوقف عن اللعب مع صغارنا، لنفكر في ذلك من منطلق كونه تجسيدًا حيًا لرجاء الإنجيل في عالم قادم أفضل…سماء جديدة وأرض جديدة. علينا ألا نسمح لأنفسنا بأن نبتلع في متابعة تفاصيل الحروب والشرور للحد الذي نقع فيه فريسة للغضب والتوتر الدائم، ونفقد تأثيرنا الإيجابي وحضورنا الفاعل نحو أسرنا.
الآباء هم وكلاء من الله على أولادهم، وعليهم بزل قصارى جهدهم لتوفير بيئة آمنة لهم ليكون البيت مكانًا للخيال واللعب. أقول لكل أب ولكل أم. كن شجاعاً، كوني شجاعة – وليقضي كل منا وقتًا في اللعب واللهو مع صغارنا!
انطلق وقم بهذا الدور! أطفالنا في أمس الحاجة إلينا في هذه الأوقات الصعبة.