“الذي حُبِل به بالروح القدس، وولِد مِن مريَم العذراء.” (قانون إيمان الرسل)
إن أحد أكثر الأمور المُثيرة للإنتباه في قانون إيمان الرسل، هو ذِكرِه لاسم فتاة شابة من القرن الأول. بالطبع، تكمُن أهميّة هذه المرأة في أنها هي مريم، أُم يسوع. ولكن بالنسبة لمن نشأ في سياق بروتستنتي مثلي، غالبًا ما يرتبط اسم مريم ارتباطًا وثيقًا بالكاثوليكيّة الرومانيّة. لذا، فمن الهام أن نتذكّر أهميّة مريم. إحدى صديقاتي تُحِب أن تتوجه دائمًا بالسؤال للرجال المسيحيين عن أكثر شخصيّة نسائيّة في الكتاب المُقدّس تجذب أنظارهم أكثر من غيرها. غالبًا ما تأت الإجابات بعد ترددٍ يعكس النظرة الأُحاديّة في قراءتهم للكتاب المُقدّس.
هناك العديد من النِساء اللواتي يُمكِن أن يندرجن ضمن هذه القائمة، ولكني اعتقد أن لدى مريم ما يجعلها على رأس هذه القائمة. فقد كان ردّها على خبر حَبلُها المعجزيّ: “هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ” (لوقا 1: 38) نموذج يُحتذى به في التلمذة المسيحيّة. ولكن طوال التاريخ الكنسيّ، كانت أكثر النِقاشات هي حول أهميّة الولادة من عذراء. في هذا المقال، أريد استعراض مسارين من التاريخ الكنسيّ حول مريم والميلاد العذراويّ.
المسار الخاطئ
اعتقَد البعض أنه كان ينبغي أن تكون مريم عذراء للحفاظ على طبيعة بيسوع خالية من الخطيّة، كما لو أن الخطيّة تنتقل عبر الحِمض النووي الذكريّ. لا يوجد دليل كتابيّ على ذلك. كما أنه لا يوجد أي دليل على التعليم الكاثوليكيّ القائل بأن مريم نفسها كانت خالية من الخطيّة منذ لحظة الحَبَل بها في بطن أمها (عقيدة الحَبَل بلا دَنَس)، والتي تقول: “أن كلية الطوبى مريم، حفظت معصومة من كل دنس الخطيئة الأصلية، منذ أول لحظة من الحبل بها، بنعمة خاصة وامتياز من الله القدير، ونظرا إلى استحقاقات يسوع المسيح فادي الجنس البشري.”[1]
في الواقع أن كلا هاتين الفكرتين لهما فَهم بيولوجي وليس روحيّ لمفهوم الخطيّة. تؤكّد أسفار الكتاب المُقدّس على أن يسوع كان لا خطيّة (عبرانيين 4: 15) دون ذكر تفاصيل حول العلاقة بين كون المسيح بلا خطيّة وسر التجسد (تيموثاوس الأولى 3: 16).
المسار الصحيح
يؤّكد لنا لوقا في الأصحاح الأول من بشارته على حقيقة أن مريم كانت عذراء عند ولادة يسوع. فعندما قال لها الملاك بأنها سَتَلد ابنًا يجلس على “كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ”، أجابت: “كَيْفَ يَكُونُ هذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلاً؟” (لوقا 1: 34) لم تكن مريم هنا تتشكك في كلام الملاك مثلما فعل زكريا الكاهن قبلًا في ذات الأصحاح عندما سأل الملاك: “كَيْفَ لِي أنْ أتَيَقَّنَ مِنْ هَذَا الكَلَامِ؟” (لوقا 1: 18، الترجمة العربيّة المُشتركة). بل ببساطةٍ، كانت مريم مرتبكة فكيف لها أن تُنجِب طفلًا وهي لم تعرف يوسف بعد. فجاء جواب الملاك لها:
اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ. (لوقا 1: 35)
أي أن الحَبَل بالطفل يسوع ليس نتاج حملٍ طبيعيّ، وإنما هو عَمَل الروح القدس.
يُخبرنا متى بالفكرة ذاتها في إنجيله في قوله إنها “وُجِدَتْ حُبْلَى مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ” (متى 1: 18). فعندما قرر يوسف أن يُطلقها بهدوء، طمأنه الملاك قائلًا: “يَا يُوسُفُ ابْنَ دَاوُدَ، لاَ تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ مَرْيَمَ امْرَأَتَكَ. لأَنَّ الَّذِي حُبِلَ بِهِ فِيهَا هُوَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ” (متى 1: 21). ثم أكمَل الملاك حديثه قائلًا:
فَسَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ. لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ. وَهذَا كُلُّهُ كَانَ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِيِّ الْقَائِلِ: “هُوَذَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا، وَيَدْعُونَ اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ” (الَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللهُ مَعَنَا).
لقد رأى متى في ولادة يسوع من عذراء تتميم لكلمات إشعياء 7: 14. في هذا الأصحاح، وصف إشعياء كيف ضَغَط كلٍ من رصين ملك آرام وفقح بن رمليا ملك إسرائيل على آحاز، ملك يهوذا، لعقد تحالف معهم لمواجهة آشور. وحين رفض آحاز، سعى رصين وفقح إلى الإطاحة به وتنصيب ملك آخر يكون على استعداد لينضم إليهم ضد آشور. في هذا السياق، أعلن الله أنه على مستعد أن يُعطي آحاز آية أو علامة ليطمئنه ألا يخاف هذين الملكين. ولكن آحاز رفض لذلك:
ثُمَّ عَادَ الرَّبُّ فَكَلَّمَ آحَازَ قَائِلاً: “اُطْلُبْ لِنَفْسِكَ آيَةً مِنَ الرَّبِّ إِلهِكَ. عَمِّقْ طَلَبَكَ أَوْ رَفِّعْهُ إِلَى فَوْق.” فَقَالَ آحَازُ: “لاَ أَطْلُبُ وَلاَ أُجَرِّبُ الرَّبَّ.” فَقَالَ: «اسْمَعُوا يَا بَيْتَ دَاوُدَ! هَلْ هُوَ قَلِيلٌ عَلَيْكُمْ أَنْ تُضْجِرُوا النَّاسَ حَتَّى تُضْجِرُوا إِلهِي أَيْضًا؟ وَلكِنْ يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً… (إشعياء 7: 10)
فقد إعطاء الله العلامة بأن عذراء تلد ابنًا. كانت هذه هي العلامة على هزيمة فقح ورصين. ويبدو في المقام الأول أن هذه العلامة قد تحققت تحقيقًا مبدئيًا في (إشعياء 8: 3) بولادة ابن إشعياء “مَهَيْرَ شَلاَلَ حَاشَ بَزَ”. ولكنّ متّى فَهِم أن هذه الولادة هي نموذج، أو ظِل، أو مِثال، أو تحقيق نهائيّ لولادة يسوع المُعجزيّة.
ما أهميّة الميلاد العذراويّ بالنسبة لكلٍ من متّى ولوقا؟ بالنسبة لهما، لا يتعلّق الأمر بكون يسوع بلا خطيّة، وإنما بحقيقة أن ولادته تُمثّل تدخُلًا إلهيًّا كاملًا في التاريخ البشريّ. فيسوع ليس بطلًا خارقًا خرافيًا ارتفع من صفوف البشر إلى مرتبة الآلهة، ولكنه هو الله الذي تنازل “اَللهُ مَعَنَا”. فهو إنسان حقيقيّ وُلِد من امرأة، ولكنه أيضًا إله حقيقيّ وُلِدَ بطريقةٍ مُعجزيّة تمامًا.
فالخلاص لم يأت من وسط صفوف البشر، بل من الله نفسه.
لذلك، فإن ذِكر اسم مريم بانتظام في قانون الإيمان هو تذكير رائع لنا باستجابتها لخلاص الله- ذلك الخلاص الذي كله وبرُمته هو عمل إلهيّ بامتياز.
[1] Catechism #491 citing Pope Pius IX in 1854.