لذلكَ اذكُروا أنَّكُمْ أنتُمُ الأُمَمُ قَبلًا في الجَسَدِ… كنتُم في ذلكَ الوقتِ بدونِ مَسيحٍ، أجنَبيّينَ عن رَعَويَّةِ إسرائيلَ، وغُرَباءَ عن عُهودِ المَوْعِدِ، لا رَجاءَ لكُمْ (أفسس 11:2-12).
مفيش أجمل من صديق مُمتن، يقدر قيمة المعروف ويشيل الجميل ولو مر عليه زمن. حياتنا أكيد أجمل لو ده حالنا مع بعض. لكن الأعظم بما لا يقاس هو الامتنان والشكر لعمل نعمة ربنا ومخلصنا يسوع المسيح. يا ترى شكل عبادتنا هيكون إيه لو دايمًا رسالة الإنجيل حاضره في أذهاننا وإحنا بنفكر في شكل مصيرنا من غير المسيح وصليبه اللي أزال بيه العداوة مع الله وصالحنا معاه، ودعانا نعيش المصالحة دي ونعبد الآب بالروح؟
النص الكتابي اللي المقال ده بيتأمل فيه هو واحد من نصوص كتير في العهدين القديم والجديد بيدعونا نفتكر إحسان الرب اللي انتشلنا به من قبضة الشيطان وميزنا عن العالم، وحررنا من الخطية ومن ذواتنا فغير حاضرنا ومستقبلنا. لكن ضروري يكون حاضر في أذهاننا الفرق بين مصيرنا قبل الإيمان بالمسيح وبعده عشان تقديرنا للنعمة يكون في محله. وده بالضبط موضوع المقال. نبدأ بالسياق والتفسير وبعدين التطبيق عن الآية ١٢ من أفسس ٢، واللي فكرة المقال الأساسية بتدور حواليها.
أولاً: السياق والتفسير
في الأصحاح الثاني من رسالة أفسس والأعداد ١١-١٣ يتكلم بولس الرسول عن المصالحة وزوال العداوة الأفقية، ومقصود بيها السلام بين اليهود والأمم في الكنيسة، باعتبارهم خليقة جديدة مدعوة للعبادة في روح واحد لله الآب في المسيح (أفسس ١٨:٢). كنتيجة لنهاية وزوال العداوة الرأسية بين الله والمؤمنين بسبب صليب المسيح اللي أزال بيه العداوة وآمن بيه شعب العهد الجديد (أفسس ١:٢-١٠)، واللي دعاهم، سواء كانوا يهود أو أمم، واللي في نظر الرسول كيهودي هما كل العالم، برغم إنه عارف كويس بالطبع إن تحت الأمم فيه تنويعات كتير: يونانيين ورومان وإنجليز وفرنساويين وأسبان وعرب وأحباش…إلى آخره. لكن كل الشعوب دي على تنوعها في نظر الله إجمالاً في النص ده اسمها “أمم”.
في الآية اللي جاية بيشرح الرسول الفرق الكبير بين ماضيهم وحاضرهم. في الماضي كانوا… “بِدُونِ مَسِيحٍ، أَجْنَبِيِّينَ عَنْ رَعَوِيَّةِ إِسْرَائِيلَ، وَغُرَبَاءَ عَنْ عُهُودِ ٱلْمَوْعِدِ، لاَ رَجَاءَ لَكُمْ وَبِلاَ إِلَهٍ فِي ٱلْعَالَمِ” (أفسس١٢:٢). يمكن تقول: “الآية بديهية”، لكن الصورة القاتمة دي لما تفكر فيها يمكن تستفاد.
(١) بدون مسيح
كلمة “مسيح” أو “مسيا” معناها الملك الممسوح من الله من نسل داود النبي والملك، واللي الله وعده بنسل يملك إلى الأبد على شعب إسرائيل والعالم. والوعد ده يتحقق بشكل كامل في المسيح يسوع، واللي الأناجيل كلها وبالذات “إنجيل متى” مهتمة إنها تركز على الجانب ده في شخصية وعمل المسيح.
برغم إن بولس بيكلم الأمم في الرسالة لأفسس، إلا أنه مستحيل يتجاهل حقيقة إن الله ميز اليهود بأن الملك المخلص من نسل داود هيكون يهودي من نسل إبراهيم حسب الجسد. أول آية وأول وصف في العهد الجديد للمسيح بتقول عنه “.. ابن داود، ابن إبراهيم” (إنجيل متى١:١) وبدأت بداود الأول. مش مصادفة، ومش ادعاء يهودي. ده كلام الله نفسه وتمييز هو اللي صنعه هو بنفسه.
(٢) أجنبيين عن رعوية إسرائيل وغرباء عن عهود الموعد
العهود اللي قطعها الله مع إبراهيم ومع نسله إسحق ويعقوب الأب لأسباط شعب إسرائيل الـ ١٢ واللي بسبها أعطى الله لهم أرض الموعد كانت مختصة بنسل إبراهيم وحده. حقيقي إن الله من خلاله كان هدفه كسر اللعنة اللي حلت على العالم من خلال نسله بحسب كلامه في تكوين ١٢ من ١-٣.
لكن النسل الجسدي والحدود الجغرافية والشريعة وتفاصيل العبادة اللي الله أعطاها لموسى النبي على جبل سيناء (سفر الخروج ١٩-٢٤) كانت تصميم إلهي مش أوهام وأحلام تصورها اليهود. من ضمن العهود كان العهد الداودي واللي ركز على “المسيا” المخلص…في كلامه مع المرأة السامرية واللي تواصل معاها في إنجيل يوحنا الأصحاح الرابع عشان يدعوها لعبادة الله بالروح والحق واتعامل معاها بكل احترام، قال المسيح عن السامريين في عدد ٢٢: “أَنـْتُمْ تَسْجُدُونَ لِمَا لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ، أَمَّا نَحْنُ فَنَسْجُدُ لِمَا نَعْلَمُ — لأَنَّ ٱلْخلاَصَ هُوَ مِنَ ٱلْيَهُودِ.”
الاحترام والمحبة ممنعوش المسيح يسوع إنه يواجه المرأة السامرية بانحراف عبادة شعبها وبالتالي عبادتها هي نفسها. برغم إن السامرييين في أصلهم هم الأسباط العشرة اللي سكنوا شمال مملكة يهوذا وانحرفوا في عبادتهم بعد انفصالهم بعد سليمان الملك، وصنع لهم ملكهم يربعام هيكل في السامرة. المسيح يسوع قال عن عبادتهم إنها موجهة لإله هما مش عارفينوا…والسبب إن الخلاص والمسيا الموعود ملك ومخلص من اليهود…يعني من نسل ومملكة يهوذا الجنوبية.
بوضوح شديد، لو العبادة مش مركزها الله وخلاصه في المسيا، فهي عبادة مش مقبولة! للأسف، نادرًا ما نسمع في وعظات وشروحات عدد ٢٢، وكإن كل حديث المسيح المشجع افتقر للمواجهة بالحقيقة.
(٣) نتيجة لـ (١) و (٢) قال بولس الرسول للأمم قبل الإيمان بالمسيح، كنتم: “لاَ رَجَاءَ لَكُمْ وَبِلاَ إِلَهٍ فِي ٱلْعَالَمِ”
لا رجاء لكم.
الرجاء هنا مقصود به رجاء في الخلاص والحالة الأبدية. اللي بيقول الكلام ده الرسول بولس اللي كان مثقف ودارس فلسفات وشعر وتاريخ الأمم. وأكيد كان عنده الحد الأدنى من المعرفة بتاريخهم وفلسفاتهم واللي من خلاله أتكلم لهم في أثينا في وعظته في أعمال ١٧. وارد جدًا إنه في الملحمات التاريخية كان فيه قصص بطولة وتضحيات وأخلاقيات عالية. مع ذلك رأي بولس عن الأمم هو هو: “بلا رجاء!”
بلا إله.
دي غريبة لما نقراها لأول وهلة… بلا إله؟ طيب كل الآلهة اللي شافها في أثينا. والإله المجهول اللي أتكلم عنه ده كان إيه. واضح إن بولس كان مدرك إن الصور المشوهة عن الله غير كافية، وبالتالي يقدر يقول بوضوح إنه في المطلق هم بـلا إله يعني بلا إله حقيقي.
ثانيًا: التطبيق
فكرة إن فيه خلاص بدون إيمان شخصي بالمسيح دي فكرة مستحيل استنتاجها من العهد الجديد، سواء الأناجيل أو الرسائل. بولس مش بيتكلم إن المسيح بمجيئه غير مصير الأمم بصرف النظر عن إيمانهم به من عدمه. القراية الأمينة للنص في سياقه عكس الفكرة دي على طول الخط. الإيمان والنعمة بالخلاص اللي صنعه الله في المسيح وصليبه اللي قتل بيه العداوة ذي ما قال في (أفسس ٨:٢-١٠) هو السبب الوحيد اللي على أساسه المؤمنين بيقتربوا لله الآب في عبادة بروح واحد مبنيين على أساس الرسل والأنبياء اللي مركز رسالتهم عن المسيح حجر الزاوية هي مصدر السلام (أفسس ٢٠:٢).
المحبة الحقيقية للجميع هي محبة في الحق. تشجعنا نبشرهم بالمسيح اللي من غيره هم بلا رجاء حتى بعد مجيء المسيح للعالم.
في عبادتنا محتاجين دايمًا نفتكر حالنا قبل المسيح وبعد الإيمان به. مش ضروري يكون فيه اختبار تحول درامي اتغيرنا فيه من إدمانات سلوكية أو غيره عشان ندرك التغيير ده. خلينا فاكريين إن أول شخصية المسيح اتقابل معاها بشكل شخصي في إنجيل يوحنا كان شيخ ومعلم لليهود.. مع ذلك قال المسيح له مرتين في (يوحنا ٣:٣): “ٱلْحَقَّ ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ ٱللّٰهِ”، وبعدها في (يوحنا ٥:٣): “إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ ٱلْمَاءِ وَٱلرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ ٱللّٰهِ.”
في الختام بصلي إن إدراكنا للتغيير اللي بيعمله الإيمان بالمسيح يكون حي في حياتنا ويغير عبادتنا لما نتملي بالعرفان والامتنان لله ولمسيحه.