“على الأرض السلام ومسرة لكل الناس … المجد في العلا يسوع جه للخلاص”
في كل عيد ميلاد بنسمع قرار الترنيمة الرائعة دي، وبنفرح ونمجد الله. كلمات القرار كانت تسبحة الجند السماوي اللي بشر الرعاة بميلاد المسيح في لوقا١٤:٢. لكن أفتكر ضروري نسأل نفسنا: “فين السلام اللي حل على الأرض بميلاد المسيح؟” وهل فعلًا الفرح والمسرة اختبرهم “كل الناس“؟
أكيد اللي آمنوا بالرب يسوع اختبروا السلام مع كل الشعب اللي كان منتظر خلاص الله (لوقا ٤٦:١-٥٦؛ ٢٥:٢-٣٨). لكن الكتاب المقدس علمنا إن أغلب الشعب مقبلش إنجيل السلام، ومدينة السلام اتهدمت بمن فيها:
قَائِلاً: إِنـَّكِ لَوْ عَلِمْتِ أَنـْتِ أَيْضاً، حَتَّى فِي يَوْمِكِ هَذَا، مَا هُوَ لِسَلاَمِكِ… فَإِنـَّهُ سَتَأْتِي أَيَّامٌ وَيُحِيطُ بِكِ أَعْدَاؤُكِ بِمِتْرَسَةٍ، وَيُحْدِقُونَ بِكِ وَيُحَاصِرُونَكِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، وَيَهْدِمُونَكِ وَبَنِيكِ فِيكِ، وَلاَ يَتْرُكُونَ فِيكِ حَجَراً عَلَى حَجَرٍ، لأَنـَّكِ لَمْ تَعْرِفِي زَمَانَ ٱفْتِقَادِكِ. (لوقا٤٢:١٩-٤٤)
كلمات الرب يسوع في رثاء أورشليم اللي رفضت التوبة والإيمان به بيأكد إن السلام ليس للجميع!
نص تاني مهم، علّم فيه الرب يسوع عن تمن التبعية والتلمذة، واللي أولها هو افتقاد التلاميذ والمؤمنين في أوقات كتيرة للراحة والاستقرار:
لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَماً عَلَى ٱلْأَرْضِ. مَا جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَماً، بَلْ سَيْفاً. فَإِنِّي جِئْتُ لأُفَرِّقَ ٱلْإِنـْسَانَ ضِدَّ أَبِيهِ، وَٱلْاِبْنَةَ ضِدَّ أُمِّهَا، وَٱلْكَنَّةَ ضِدَّ حَمَاتِهَا. وَأَعْدَاءُ ٱلْإِنـْسَانِ أَهْلُ بَيْتِهِ. مَنْ أَحَبَّ أَباً أَوْ أُمّاً أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي، وَمَنْ أَحَبَّ ٱبْناً أَوِ ٱبْنَةً أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي، وَمَنْ لاَ يَأْخُذُ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعُنِي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي. مَنْ وَجَدَ حَيَاتَهُ يُضِيعُهَا، وَمَنْ أَضَاعَ حَيَاتَهُ مِنْ أَجْلِي يَجِدُهَا. مَنْ يَقْبَلُكُمْ يَقْبَلُنِي، وَمَنْ يَقْبَلُنِي يَقْبَلُ ٱلَّذِي أَرْسَلَنِي. (متى ٣٤:١٠-٤٠)
كلمات المسيح لتلاميذه بكل تأكيد أسلوبها مجازي ذي ما السياق بيوضح: السيف اللي قصده مكانش سيف القتل، لأنه هو هو اللي قال لبطرس في نفس الإنجيل: “رُدَّ سَيْفَكَ إِلَى مَكَانِهِ. لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ السَّيْفَ بِالسَّيْفِ يَهْلِكُونَ!” (متى ٥٢:٢٦) وده لما تخيل بطرس بالغلط أن استخدام السيف للمقاومة المسلحة ممكن يكون هو الحل للدفاع عن معلمه.
اللي قصده المسيح أن تبعيته هتحتم على المؤمنين في أوقات تحمل الرفض والإقصاء حتى من أقرب الناس: أهل البيت نفسه، وكأن السيف بيقسم الوحدة الأسرية لما يتعرض المؤمن للفرز من عائلته ومجتمعه لإيمانه بالمسيح. واقع أليم عاشه المسيحي من القرن الأول ولحد دلوقتي. نرجع تاني لتسبحة الملائكة ونسأل:
هل بالغ جند السماء لما قالوا: على الأرض السلام؟
الحقيقة إن أغلب ترجمات العهد الجديد الإنجليزية بتترجم (لوقا ١٤:٢) كالآتي: “المجد لله في الأعالي وعلى الأرض سلام بين من يجد مسرته فيهم” (ESV, NIV, and NRSV) ودي مجرد أمثلة.[1] والأهم من الترجمة، إن الآية بالشكل ده متسقة مع الفكر الكتابيّ عن السلام واللي هنختم به المقال.
معاني السلام في الكتاب المقدس
أغلبنا يعرف أن كلمة سلام مش مجرد حالة “غياب الحرب والصراع” لكن معناها ذي أي كلمة في الكتاب المقدس يتحدد بالسياق اللي تستخدم فيه الكلمة، على سبيل المثال لا الحصر:
أولاً: السلام يعني حالة الصحة الجسدية عمومًا والسكينة الداخلية (تكوين ٢٧:٤٣)، والسؤال عن سلامة شخص يعني السؤال عن جوانب حياته ككل. مفتاح الاستمتاع بالسلام هو التناغم مع فكر الرب باعتباره خالق الكون ومصدر الشريعة: “سَلاَمَةٌ جَزِيلَةٌ لِمُحِبِّي شَرِيعَتِكَ، وَلَيْسَ لَهُمْ مَعْثَرَةٌ.” (مزمور ١٦٥:١١٩). كلمة التناغم والانسجام هي المفتاح هنا وهي أشمل بكتير من مجرد غياب الحرب والصراع. لإن غياب التوافق وتضارب المصالح هو أصلًا سبب الحروب. عشان كده الله موعدش في كلمته بأي سلام للأشرار اللي يرفضوا إعلانه عن نفسه في كلمته: “لاَ سَلاَمَ، قَالَ ٱلرَّبُّ لِلأَشْرَارِ” و “لَيْسَ سَلاَمٌ، قَالَ إِلهِي، لِلأَشْرَارِ.” (إشعياء ٢٢:٤٨؛ ٢١:٥٧).
ثانيًا: معنى تاني للسلام هو علاج النقصان والتشويش أو الفوضى في كيان محتاجة ترتيب ونظام… لما أكمل سليمان بناء الهيكل عشان يعمل بانسجام حسب الشريعة، استخدم سفر الملوك الأول الفعل المشتق من الاسم العبري لكلمة سلام “شالوم שׁלם” واللي اترجم بالعربي لـ “أكمل البيت” في (ملوك الأول ٢٥:٩).
ثالثًا: وأخيرًا لإن الانسجام والتناغم مع مقاصد الله مفقود في العالم الساقط اللي عايشين فيه، واللي أبعد ما يكون عن السلام. تنبأ العهد القديم في نصوص كتيرة عن المستقبل اللي فيه الرب نفسه هيسترد السلام والبر والعدل، واللي يستحيل يختبره كل اللي هيستمر في حالة الشر والخطية (راجع إشعياء ١٧:٣٢-١٨؛ ١٨:٤٨؛ ١٣:٥٤؛ ١٧:٦٠).
أخيرًا
في العهد الجديد، بدأ الرب يسوع تحقيق السلام ده بالمصالحة والتصحيح لأعظم فوضى سببتها الخطية، واللي كانت سبب العداوة من جانب البشر تجاه الله.
في عيد الميلاد أو المجيء الأول للمسيح بنفتكر الماضي اللي فيه تجسد ابن الله عشان يحقق المصالحة والسلام مع الله أولاً. وده بصليب ابنه اللي ابتلع به العداوة: “فَإِذْ قَدْ تَبَرَّرْنَا بِـٱلإِيمَانِ لَنَا سَلاَمٌ مَعَ ٱللّٰهِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ.. وَنَحْنُ أَعْدَاءٌ قَدْ صُولِحْنَا مَعَ اللهِ بِمَوْتِ ابْنِهِ” (رومية ١:٥، ١٠) وبين البشر وبعضهم ذي ما علم بولس أن الصليب أزال أساس العداوة بين التائبين من شعب الله القديم، والمؤمنين من الأمم الوثنية اللي كانت معادية لله وشعبه، لكن قبلت إنجيل السلام وأصبحت إنسانية جديدة في المسيح:
وَلَكِنِ ٱلْآنَ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ، أَنْتُمُ ٱلَّذِينَ كُنـْتُمْ قَبْلاً بَعِيدِينَ صِرْتـُمْ قَرِيبِينَ بِدَمِ ٱلْمَسِيحِ. لأَنـَّهُ هُوَ سَلاَمُنَا.. لِكَيْ يَخْلُقَ ٱلْاثْنَيْنِ (اليهود والأمم) فِي نَفْسِهِ إِنـْسَاناً وَٱحِداً جَدِيداً، صَانِعاً سَلاَماً، وَيُصَالِحَ ٱلْاثْنَيْنِ فِي جَسَدٍ وَٱحِدٍ مَعَ ٱَللّٰهِ بِـٱلصَّلِيبِ، قَاتِلاً ٱلْعَدَاوَةَ بِهِ. (أفسس ١٣:٢-١٦).
لكن كمان، عارفين إن العالم لسه مش خاضع كله للمسيح ملكه وده سبب افتقاده للسلام، وإن عملية إخضاع الأعداء وتحقيق السلام واسترداد التناغم مع الله للتائبين وعقاب الأشرار المصرين على شرهم هي اللي منتظرينه يحصل في المجيء الثاني (١كورنثوس ٢٥:١٥-٢٦). ولحد الوقت ده ترك لنا سلامه اللي أغلى من أي سلام يقدر العالم يضمنه، سلام من رب السلام.
[1] William D. Mounce, Basics of Biblical Greek Grammar (Third edition.; Zondervan Academic, 2009), 42.