اليوم يوم الأحد–أحد الشعانين، أحد الأيام التي لا تُنسى في أسبوع الآلام. أحد الشعانين هو بالطبع اليوم الذي فيه نحتفل تقليديًا بالدخول الانتصاري ليسوع إلى أورشليم. فالمغزى الأساسي لهذا اليوم –وأريد لهذا الأمر أن يكون واضحًا–أن هذا هو اليوم الذي أعلن فيه يسوع بأوضح وأجرأ طريقة أنه الملك، وبأنه المسيّا، وبأنه هو الله. وهو بالطبع الأمر الذي أدلا لقتله بعد أيام قليلة.
الكشف المحتجب
فحتى ذلك الوقت، كان يسوع يتصرف من خلال ما نسميه “الكشف المحتجب”. فقد كان يكشف من هو، ولكن بطريقة محتجبة. ربما تذكر المرات التي فيها شفى أناس، وأخرج شياطين، وأجرى معجزات، ولكنه كان يتبع ذلك بقوله: اذهبوا الآن، ولكن لا تقولوا لأحد (متى 4:8؛ 30:9؛ 16:12؛ 9:17؛ مرقس 34:1؛ 43:5؛ 36:7). كان يكشف عن هويته بطريقة محتجبة. لأنه كان يعلم أنه ما إن عرفوا ما يقوله عن نقسه سيُقتل!
ولم يكن الأمر وكأن يسوع كان خائفًا من أن يعرف الناس فيقتلوه. كان يعرف يسوع أن هناك وقتًا محددًا لذلك. فكان كشفه محتجبًا حتى ذلك اليوم. كان يسوع قد أجرى للتو أحد أشهر معجزاته. إذ أقام لعازر من الأموات (يوحنا 11–12). وكانت هذه هي المرة الأولى التي يُظهر فيها نفسه منذ حدوث هذه المعجزة. وها هو يدخل إلى أورشليم بطريقة ملكيّة.
الدخول الملكيّ: الإشارات الكتابيّة والتاريخيّة
ولنتوقف عند القول: “بطريقة ملكيّة”. لأنني في المرات القليلة الأولى التي قرأت فيها هذا، لا أتذكر بأني رأيت أية ملكيّة! رأيت الناس مبتهجين، ويسوع راكب حمارًا، ويضعون سعف النخيل أمامه. فما من شيء–بعيدًا عن الهتاف–كان يبدوا ملكيًا بالنسبة لي. لأنني أمريكيّ من القرن الحادي والعشرين، ولا أفهم بوضوح الكثير مما فهمه الجمهور الأصليّ–الذين شاهدوا يسوع يفعل هذا.
أول هذه الأشياء هي النبوة الواضحة في سفر زكريا 9 عمّا سيفعله المسيّا عند مجيئه. يقول سفر زكريا 9:
اِبْتَهِجِي جِدًّا يَا ابْنَةَ صِهْيَوْنَ، اهْتِفِي يَا بِنْتَ أُورُشَلِيمَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ. هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ وَدِيعٌ، وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ. (زكريا 9:9؛ راجع أيضًا متى 5:21؛ يوحنا 15:12)
فهم قد رأوا وفهموا إشارات العهد القديم عندما دخل يسوع أورشليم على ظهر حمار. ليس هذا بالضرورة ما كنت اتصوره. كنت احلم لو كان قد ركب على فيل أو أسد، أو شيء من هذا القبيل. لكن يسوع دخل على حمار، لأنه كان حيوان يُستخدم في أوقات السِلم لا الحرب. والسلام هو ما أتى به يسوع.
هذا هو الشق الأول، أما الشق الثاني فهو ان الشعب كان في ذاكرته شخص عاش قبل حوالي 150 عام (حوالي عام 164 ق.م.) وهو يهوذا المكابي. الذي قاد ثورة نجحت في الإطاحة بالرومان لفترة وجيزة عن أورشليم. وبعد أن أتم ذلك، دخل مدينة أورشليم واستقبلوه بسعف النخل. فالشعب كان يفهم التلميحات الكتابيّة، وكذلك الثقافية لسعف النخل. كما فهموا أن هناك ادعاء كبير يحاول يسوع هنا أن يُصرّح به.
موقف الجموع والفريسيون من يسوع
لكن تكمن المشكلة في أنه لم يفهم الجميع حقًا الإعلان الذي أعلنه يسوع. لم يدركوا حقًا “الملكيّة” التي كان يصف بها يسوع نفسه بأنه ملك. فلدينا هنا مجموعتان أو أكثر مختلفتان من الشعب. لدينا أولئك الذين يهتفون. المتحمسون برؤية دخول يسوع، ويرون أن هذا أشبه إلى حد كبير مجيء ثان ليهوذا المكابيّ. كشخص آت ليُسقِط المحتل الروماني، ويُعيد إسرائيل إلى مكانها الصحيح في العالم.
ولكن لدينا أيضًا الفريسيون. وقد أدرك الفريسيون بشكلٍ أفضل نسبيًا ما كان يُعلنه يسوع عن نفسه من خلال كل ما كان يجري في هذا المشهد. لقد سمعوا هتاف: “مبارك الآتي باسم الرب!” وأدركوا أنه خاص بالمسيّا، بالملك–الملك الحقيقيّ لإسرائيل المُتنبأ عنه. فأرادوا وضع حد لذلك. فجالوا بين الشعب في محاولة لإسكات الهتاف، والذي لم ينجح. فتوجهوا إلى يسوع نفسه وقالوا ما معناه: “أوقف هذا الجنون، يا يسوع!”
فنظر إليهم يسوع وقال: “إنه إن سكت هؤلاء فالحجارة تصرخ!” فكيف كان واقع ذلك على الفريسيين؟ القصد أنه يقول بأوضح طريقة ممكنة، إنهم على دراية بما يفعلونه. إنهم يعرفون من أنا، وما جئت لأفعله. إنهم يكرمونني كما ينبغي، وأنتم لستم كذلك. وإلا لكانت الحجارة أكثر حكمة منكم. لم يكن واقع الكلام جيدًا عليهم.
عصر جديد قصير!
فالجميع كانوا في حالة ارتباك في التعامل مع هذه الادعاءات بشأن من هو يسوع. ماذا يقصد بادعائه أنه ملك؟ وما تأثير ذلك على حياتهم؟ وأعتقد أن هذا هو السؤال الذي يجب علينا أن نسأله في مثل هذا اليوم: من هو يسوع؟ ما الذي يقوله عن كونه ملك؟ وما آثار ذلك على حياتنا؟
وبعد بضعة آيات أخرى، أوضح يسوع أنه ليس ملكًا فحسب، بل أنه يُدشن هنا عصر جديد “قصير” من تاريخ الفداء، بقوله: “وَأَنَا إِنِ ارْتَفَعْتُ عَنِ الأَرْضِ أَجْذِبُ إِلَيَّ الْجَمِيعَ” (يوحنا 32:12). فما يُدشنه يسوع هنا هو ملكوت (مملكة) يتكون من شعب له سلام مع الله. وأن هذه المملكة ليست محصورة في منطقة جغرافية بعينها، أو مجموعة عرقية معينة. إنها لجميع أطياف البشر. فهذا تحرك عالميّ لأناس يُجتذبون إلى ملكوت الله، لأنه أصبح لديهم سلام مع الله من خلال يسوع المسيح.
وربما حين يسمعني البعض أقول إن يسوع قد دشن عصر جديد “قصير” من تاريخ الفداء يتعجبون: كان هذا قبل 2000 سنة، فأي قِصر تقصد؟ ولكن، ي مقياس التاريخ البشري، وبالتأكيد في مقياس الأبديّة، فإن 2000 سنة هي طرفة عين! ولكن يسوع سيعود ثانية ذات يوم. وستكون هناك نهاية لهذا العصر من تاريخ الفداء.
المجيء الأول والمجيء الثاني
وعندما يعود، لن يأتي على ظهر حمار، لكنه سيعود على فرس عظيم أبيض. ويخبرنا يوحنا في سفر الرؤيا كيف سيكون هذا. يقول يوحنا:
عَيناهُ كلهيبِ نارٍ، وعلَى رأسِهِ تيجانٌ كثيرَةٌ، ولهُ اسمٌ مَكتوبٌ ليس أحَدٌ يَعرِفُهُ إلا هو. وهو مُتَسَربِلٌ بثَوْبٍ مَغموسٍ بدَمٍ، ويُدعَى اسمُهُ “كلِمَةَ اللهِ”. والأجنادُ الّذينَ في السماءِ كانوا يتبَعونَهُ علَى خَيلٍ بيضٍ، لابِسينَ بَزًّا أبيَضَ ونَقيًّا. ومِنْ فمِهِ يَخرُجُ سيفٌ ماضٍ لكَيْ يَضرِبَ بهِ الأُمَمَ. وهو سيَرعاهُمْ بعَصًا مِنْ حَديدٍ، وهو يَدوسُ مَعصَرَةَ خمرِ سخَطِ وغَضَبِ اللهِ القادِرِ علَى كُلِّ شَيءٍ. ولهُ علَى ثَوْبِهِ وعلَى فخذِهِ اسمٌ مَكتوبٌ: “مَلِكُ المُلوكِ ورَبُّ الأربابِ” (الرؤيا 12:19-16).
هذا هام، لأن الكيفية التي سنفهم بها دخول المسيح الظافر في أحد الشعانين هذا، سيحدد كيف سندرك ونختبر مجيئه الثاني. يقول بولس أنه في ذلك اليوم “ستجثو… كل ركبةٍ” عندما يعود يسوع على الفرس الأبيض (فيلبي 10:2).
سيسجد البعض خوفًا وطلبًا لو أن الجبال تسقط عليهم وتخفيهم من هذا (لوقا 30:23؛ الرؤيا 16:6). والبعض الآخر سيسجد في لهفة ومحبة ورهبة. وكيف سنجثو في ذلك اليوم يرتبط ارتباطًا مباشرًا بكيفية فهمنا لمن هو يسوع ودخوله الانتصاري في أحد الشعانين.