كان وباء ڤيروس كورونا بمثابة تحديًا حقيقيًا للكنائس في جميع أنحاء العالم، خاصة بسبب ما واجهه المؤمنون من صعوبة الاجتماع والتغذي معًا بكلمة الله. بدأت أشعر حينها بأننا كما لو أننا انحرفنا عن المسار، بسبب عدم القدرة على الاجتماع مع أعضاء كنيستي. وكنت أعجز عن الرد حين كان يسألني أحدهم قائلًا: “كيف حال كنيستك؟”
في تلك الأثناء، كنت أقوم بافتقاد الأعضاء عبر المكالمات الهاتفية والرسائل النصيّة، لكنني لم أستطع الإلمام بوضع جسد المؤمنين بشكلٍ كاملٍ. وبدا وكأن كل بضعة أفرادٍ أصبحوا بمثابة جزر منعزلة بعضهم عن بعض.
كان شيوخ الكنيسة قلقون بشأن الوضع الروحيّ للأعضاء الأضعف روحيًا الذين يُصارعون مع إغراءات معينة. كنا قلقين بشأن أولئك الذين بدا وكأنهم ينجرفون روحيًا، ومن كان يعرج بين الفرقتين، أصبح اليوم معرضًا للخروج إلى غير رجعة من جرّاء وباء ڤيروس كورونا.
ولكن عدم الاجتماع معًا كان مؤثرًا على الجميع—على الناضجين وغير الناضجين روحيًا على حدٍ سواء. فكل شخص منّا بحاجة أن يتقابل ويستمع ويتشارك مع المؤمنين الآخرين، وإلا لأصبحت النماذج التي نحذو حذها هم زملاء العمل أو الدراسة ونجوم التليفزيون.
ما الذي نفتقده هنا؟
ما أن اندلع الوباء، حتى سارعت العديد من الكنائس ببث خدماتها على الهواء مباشرة عبر الفضائيات أو وسائل التواصل الاجتماعيّ، وارتفعت أصوات تمتدح قيمة الكنائس الافتراضيّة وأن أهميتها تجتاز حدود ذلك الظرف الاستثنائيّ. ونظر البعض الآخر نظرة تفاؤل معتبرين ذلك تطورًا رائعًا لتحقيق الإرساليّة العظمى.
ورغم ذلك، علينا أن نسأل: ما الذي ينقصنا عندما ينحصر اختبارنا وعلاقتنا بالكنيسة على مجرّد بث مباشر أسبوعيّ؟ بالنسبة للمؤمنين المبتدئين، فإن الأمر يبدو مناسبًا جدًا، فهم ليسوا بحاجة فيما بعد إلى الاحتكاك بالمؤمنين الآخرين، أو البقاء تحت دائرة المساءلة، والتشجيع، والرعاية الكنسيّة.
بالطبع، علينا أن نشكر الرب على إتاحة تحميل الحقائق الكتابيّة عبر الإنترنت. ولكن دعونا نشكر الرب أيضًا على أن الحياة المسيحيّة أكثر من مجرّد نقل للمعلومات. عندما تكون الكنيسة مجرّد اجتماع على التليفزيون أو الإنترنت، لا يمكننا أن نشعر، ونختبر، بل ونشهد أن هذه الحقائق الكتابيّة متجسدة في عائلة الله، الأمر الذي يقويّ إيماننا ويعزز من رُبُط المحبة بين الإخوة والأخوات. فالحديث عن كنيسة افتراضية، لهو أمر شديد التناقض؛ فكيف للكنيسة (أو لاجتماع المؤمنين) أن يكون افتراضيًا (أي بلا اجتماع للمؤمنين)؟!
الفوضى المُباركة
فكر في هذه الأمثلة: ربما تُصارع مع خِصام دفين تجاه أحد الإخوة طوال الأسبوع. ولكن قد يقودك وجوده أمامك على مائدة الرب إلى الإقرار بذنبك وتوبتك عنه. وربما تُبطن بعض الظنون تجاه آخر. ولكن ربما يشفي قلبك رؤيته أمامك وهو يعبد الرب ويشاركك التسبيح. وربما أنت شخص ثوريّ على مواقع التواصل الاجتماعي ومستعد خسارة الأخرين لأجل آراءك السياسيّة. ولكن في الكنيسة، قد تستمع إلى صيحات اليقين أن المسيح ملك منتصر، فتتذكّر أنك تنتمي إلى جموع المواطنين السماويين الذين يربطهم ذلك الرجاء الذي في المسيح. أو ربما تكون قد استسلمت لإبقاء صراعاتك الروحيّة في الظلام. ولكن قد يكون سؤال أحد خُدام الكنيسة عن حالك حقًا سببًا في أن يجتذبك ذلك مرة أخرى إلى دائرة النور.
لا يمكن اختبار أي من هذه الأشياء عبر ما يُسمّى بالكنيسة الافتراضية (أي عبر اليوتيوب أو الاجتماعات المُذاعة على الفضائيات). لقد خلقنا الله ككائنات اجتماعيّة عاقلة. لذا، فالحياة المسيحيّة والكنسيّة لا يمكن اختزالها في فيديوهات تم تنزيلها عبر الإنترنت. إنما هي حياة يجب أن نتبعها، ونفحصها، وننصت إليها. كان تيموثاوس بحاجة إلى أن يُلاحظ نفسه والتعليم، لأن كليهما هام للغاية لخلاص نفسه ومستمعيه (تيموثاوس الأولى 4: 16).
فلا عجب أن تزداد شعبيّة الاجتماعات المُذاعة عبر الكنائس الافتراضية. فهي أمر مُريح وسهل للغاية، يسمح لك بتجنب الكثير من العلاقات المُعقدة والفوضويّة. فأنا أفهم وأقدر مثل هذا الإغراء القويّ.
عندما كنت لا أزال شابًا، انتقلت للعيش في مدينة أخرى لم أكن أعرف فيها أحد. وبعد أيام قليلة من وصولي، بدأت تطاردني فكرة الخروج والقيام بكل ما أريد. فلا أحد هنا ليرى، أو يسمع، أو يسأل. ولكني ممتن لأجل توبيخ الروح القدس لي على الفور: “لا تتبع هذه الأفكار، فأنت تعرف مصدرها.”
يا لها من نعمة! فأنا ممتن لأن الروح القدس قد فحص قلبي في ذلك اليوم. ولكني أدعوك أن تتعلّم معي ذات الدرس: عادة ما يقصد الله أن يستخدم إخوة وأخوات في الكنيسة لمساعدتنا في حربنا ضد التجربة واندفاعاتنا الحمقاء.
نعم، قد يكون الاجتماع مع الكنيسة أمرًا مزعجًا، ولكن ينطبق الأمر ذاته على المحبة. وعلاقاتنا مع البعض قد تكون مزعجة، ولكن ينطبق الأمر ذاته على الخروج خارج أنفسنا.
لسنا كائنات منعزلة مستقلة
أخشى أن يدفعنا بريق الكنيسة الافتراضيّة نحو المسيحيّة الفرديّة. بالطبع يمكنني فَهم أهميّة استخدام وسيلة كهذه لفترة محدودة في ظل حالات طارئة كالأوبئة والحروب.
ولكن تشجيع أو تقديم الكنائس الافتراضيّة على أنها خيار دائم، يضر بالتلمذة المسيحيّة حتى وإن كان نابعًا من نوايا حسنة. إنه يدفع المؤمنين الحقيقيين إلى التعامل والتفكير في إيمانهم على أنه أمر مستقل–خاص بهم وحدهم. إنه يُعلّمهم أنه يمكنهم تبعية المسيح وأن يكونوا أعضاء في “عائلة الله”، دون أن يعلمهم أن يكونوا جزءًا من هذه العائلة وأن يضحوا من أجلها.
في هذا الإطار، يجب على الرعاة والقادة تشجيع الناس بقدر الإمكان على الابتعاد عن الكنائس الافتراضيّة. علينا أن نُذكر أعضاء كنائسنا أن البث المباشر ليس جيدًا لهم، ولا لتلمذتهم، ولا لنمو إيمانهم. يجب أن يكون هذا واضحًا لهم، لئلا يُصابوا بالاكتفاء وألا يسعوا باجتهاد لأجل الاجتماع معًا، عندما تكون لديهم القدرة على فعل ذلك.
ليس القصد من وصايا الكتاب المقدس لنا بالاجتماع معًا ككنيسة أن يكون هذا أمرًا ثقيلًا علينا (عبرانيين 10: 25؛ يوحنا الأولى 5: 3)، وإنما قد أعطاه الرب لنا لأجل خيرنا، ولننمو في الإيمان، والمحبة والفرح.