قُبيل ختام رواية سي. إس لويس الخيالية برلاندرا، شهد البطل الدكتور إلوين رانسوم مشهدًا مهيبًا يتجلّى فيه حارسا الكوكبين العظيمين: المريخ والزهرة.
كان “مالاكاندرا” [المريخ] كالإيقاع، وكانت “برلاندرا” [الزهرة] كاللحن… وكان الأول ممسكًا بيده شيئًا أشبه بالرمح، أما يدا الثانية فكانتا منبسطتين… وما أبصره رانسوم في تلك اللحظة كان هو المعنى الحقيقي للجنس [النوع].
كثيرون في زماننا ينفرون من الوصف ذي النزعة الأفلاطونية المحدثة (النيوبلاتونية) الذي قدّمه لويس عن المثال الأعلى للذكورة والأنوثة. غير أنّ أنصار مبدأ التكامل بين الجنسين (Complementarians) ينبغي لهم أن يتفقوا – على الأقل – مع افتراض لويس أنّ الرجولة والأنوثة ليستا مفاهيم مادية جسدية فحسب. فالهوية الجندرية تنشأ بدايةً من أجسادنا المخلوقة ذكرًا وأنثى، لكنها لا تقف عند هذا الحدّ. بل الواجب علينا أن نغرس في أنفسنا وفي أولادنا الإقرار بأنّ الرجولة والأنوثة، وإن كان ضبط معناهما أحيانًا عسيرًا، هما حقيقتان أعظم وأوسع: حقائق ذات غاية ومرامٍ (تليولوجية أي: متجهة نحو مقصد إلهي وغرض سامٍ).
تصميم هادف
في علم اللاهوت، يُقصد بمصطلح التليولوجيا (الغائية) النظر في طبيعة أعمال الله المخلوقة لاكتشاف الغاية الكامنة في تصميمه. وكما تقول الباحثة الكاثوليكية أبيغيل فافال: “إنّ ماهيّة الشيء، أي هويته الجوهرية، مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بغاية وجوده.” وعلى هذا المنوال، ينظر أنصار مبدأ التكامل بين الجنسين إلى الجنس البيولوجي (ذكورةً وأنوثةً) وإلى الجندر (البعد النفسي-الاجتماعي للجنس) من خلال عدسة غائية. فنحن نؤمن أنّ هنالك رابطًا قصديًا إلهيًا بين كون الإنسان مخلوقًا ذكرًا أو أنثى، وبين الأدوار التي دعا الله كلًّا منهما ليقوم بها رجلًا أو امرأة.
في كلٍّ من بيان دانفرز الصادر عن مجلس الرجولة والأنوثة الكتابية سنة 1988 (البندين الأول والثاني)، والوثائق التأسيسيّة لهيئة ائتلاف الإنجيل، اعترفنا وأقررنا ليس فقط بأنّ الله خلق والدينا الأولين ذكرًا وأنثى، متساويين في الكرامة والقيمة، بل وأيضًا بأنّ الله، بعد أن خلقهما، أوكل إليهما مباشرةً رسالة وعملاً يقومان به (تكوين 1: 26–27). وبصفتنا مؤمنين بمبدأ التكامل بين الجنسين، نعتقد أنّ هناك ارتباطًا قصديًا وهادفًا بين الطريقة التي خلقنا الله بها، وبين الغاية التي خلقنا من أجلها.
لقد استدلّ أنصار مبدأ التكامل بين الجنسين من سفر التكوين (الأصحاحين 1–2) على أنّه بحسب قصد الله، فإنّ جوهر جنسنا البيولوجي مرتبط ارتباطًا وثيقًا بـ الأدوار الجندرية التي نعيشها في أسرنا وجماعاتنا الكنسية. وكما كتبت كندرا داهل: “كل واحد منّا يولد ومعه رغبة جوهرية في أن يعرف الغاية التي خُلق من أجلها، إذ يرى بحق أنّ هناك خطًا مستقيمًا يصل بين كينونته (being) وبين ممارسته العملية (doing).”
ومع أنّ أنصار التكامل بين الجنسين يجمعون بين الجوهر (الكينونة) والوظيفة (الأداء) في مقاصد الله، إلا أنّهم كثيرًا ما وقعوا في تجربة التركيز على أحد الجانبين أكثر من الآخر.
التركيز على الوظيفة كرد فعلٍ للحركة النسوية
لقد صاغ واضعو بيان دانفرز كلماتهم لمواجهة “موجة متصاعدة من الفكر النسوي” كانوا يرونها قد تسللت إلى التيار الإنجيلي. وقد رفض البيان الافتراض النسوي القائل إنّ المجتمع الذكوري هو الذي فرض الأعراف الجندرية التقليدية على النساء، كما أكّد في المقابل قيمة الأمومة، وإدارة شؤون البيت، والمهن التي مارستها النساء تاريخيًا.
وفي ردّهم على النسوية الإنجيلية ومبدأ المساواة التامة (Egalitarianism)، شدّد واضعو البيان على ما يعنيه أن يتعامل الرجال والنساء معًا في بُعدهم الوظيفي، أي من حيث الأدوار العملية التي يقوم بها كلٌّ منهم.
في النص المؤسِّس لحركة التكامل بين الجنسين، وهو كتاب استعادة الرجولة والأنوثة الكتابية، جرى تعريف الرجولة الناضجة بأنها: “المسؤولية الخيّرة في القيادة، والإعالة، وحماية المرأة”، سواء في البيت، أو في الكنيسة، أو في المجتمع. كما عرّف الأنوثة الناضجة بأنها: “الميول المتحررة التي تجعل المرأة تؤكد، وتستقبل، وتغذّي القوة والقيادة الصادرة من رجال أمناء ومستحقين.” وقد مثّل هذا التركيز على الفروق الاجتماعية-العملية بين الرجال والنساء السمة الأكثر ثباتًا في فكر التكاملية، وغالبًا ما كان مصدر قوة عظيمة لها.
لكن كما كتب غريغ ر. أليسون: “إنّ كتاب استعادة الرجولة والأنوثة الكتابية، مع أنّه كان حسن المقصد بالنظر إلى السياق الذي عالجه، لم يتوغّل إلى ما تحت السطح ليعرّف الرجولة والأنوثة من حيث الطبيعة أو الجوهر.” ونتيجةً لذلك، ترك فراغات وثغرات في مجال التطبيق العملي.
لقد جعل كتاب استعادة الرجولة والأنوثة الكتابية الأدوار الزوجية (بين الزوج والزوجة) والكنسية (بين الشيوخ والأعضاء) نموذجًا يُحتذى به في جميع العلاقات بين الرجل والمرأة. ويصف الكتاب المقدس هذه الأدوار بمصطلحات الرئاسة الباذلة/السلطان والخضوع (أفسس 5: 22–24؛ عبرانيين 13: 17). غير أنّ الطريقة الغالبة التي يتحدث بها الكتاب المقدس عن علاقة الرجال والنساء داخل الكنيسة، كما يلاحظ باتريك شراينر، هي من خلال صورة الإخوة والأخوات. ففي علاقات الأخوّة لا يظهر مفهوم الرئاسة والخضوع. وهنا يُطرح السؤال: كيف تبدو الرجولة والأنوثة في مثل هذه السياقات؟ وكيف تُعبَّر عنهما في علاقات الإخوة والأخوات والأصدقاء؟ إنّ تكاملية أكثر رسوخًا ونضجًا هي تلك التي تكون مستعدة للإجابة عن مثل هذه التساؤلات.
خطر المبالغة في التركيز على الوظيفة: إذا تجاوزنا الجوهر وقفزنا مباشرةً إلى الوظيفة، وأفرطنا في التشديد على الأدوار المقرَّرة كتابيًا، فقد نُعطي الانطباع بأنّ الرجولة والأنوثة ليستا عطايا إلهية نُؤتَمن على رعايتها بحسب قصد الله، بل أهدافًا حياتية ينبغي السعي لتحقيقها. وبهذا نترك الباب مفتوحًا أمام التقليديين المتشدّدين ليدسّوا روح التشريع البشري (الناموسية) في تعليم التكاملية. وقد تبدو هذه الروح في عبارات مثل: “لستَ رجلًا حقيقيًا حتى تحصل على وظيفة وتُعيل أسرتك”، أو: “لستِ امرأة حقيقية ما لم تُنشئي بيتًا وتعيشي كزوجة وأم تقليدية.” إن مثل هذه الأقوال تُقدّم الفعل على الوجود، وتخلط بين الأصل والثمر؛ إذ تجعل الأداء معيار الهوية بدل أن يكون ثمرةً للجوهر.
التركيز على الجوهر في مواجهة التحوّل الجنسيّ
فإذا كان كتاب استعادة الرجولة والأنوثة الكتابية قد ركّز على الأدوار في مواجهة الفكر النسوي، فإنّ الإنجيليين المحافظين خلال العقد الأخير بدأوا يشدّدون على الاختلاف الجوهري والجميل بين الرجل والمرأة في مواجهة أفكار التحوّل الجنسيّ وتغيير الهويّة الجندريّة. لقد أبرزنا حقيقة أنّ الذكورة أو الأنوثة مطبوعة في جسد الإنسان قبل أن تتجلّى في الفوارق الإنجابية، أو التطورية، أو العلائقية. وكما يجادل أليسون، فإنّ جميع الإنجيليين المحافظين – سواء الذين يتبنّون مبدأ التكاملية أو الذين يميلون إلى المساواة التامة – يمكنهم أن يقرّوا بأنّه: “بحسب التصميم الإلهي، هناك اختلاف جوهري عميق بين الرجال والنساء”.
ومع انخراط الإنجيليين في مواجهة أفكار تغيير الهويّة الجندريّة، أعلنوا بوضوح حقيقتين أساسيتين: أولًا، أنّ الرجال والنساء متميزون بيولوجيًا تمايزًا جوهريًا. ثانيًا، أنّ الكتاب المقدس يحرِّم التعمّد في تجاهل الجنس البيولوجي للشخص، في محاولةٍ لأن يُنظَر إليه أو يُعرَّف على أنّه من الجنس الآخر (تثنية 22: 5).
لقد كان الإنجيليون المحافظون واضحين في تأكيد الاختلاف الجوهري بين الجنسين، وبين كثير من أنصار التكاملية استمرّ التركيز على الوظيفة، ولا سيما ما يتعلّق بالأدوار داخل الكنيسة. غير أنّه، في الوقت نفسه، تبقى أوصاف التعبير الجندري اليومي والأدوار العملية المرتبطة به غامضة في كثير من الأحيان.
إنّ باحثين مثل غراسيلن هانسون يقرّون بأنّ “مختلف مجالات العلم والفلسفة قد اعترفت بأنّ الرجال والنساء يفكرون ويتصرّفون بطرق مختلفة في العموم.” غير أنّه، وبسبب رغبتنا في التأكيد على الكرامة المشتركة بين الرجل والمرأة وتجنّب الوقوع في تكرار الصور النمطية التقليدية، فإنّ بعض أنصار التكاملية في أيامنا صاروا يتجنّبون الحديث عن كيفية عمل الرجولة والأنوثة الكتابية في بُعدها الاجتماعي. لقد كنا واضحين في إعلان أنّ أيديولوجيا الترانسجندر غير كتابية، ولكن هل هذا كل ما يمكننا قوله عن التعبير الجندري؟ أليس هناك أيضًا جانب إيجابي يمكننا أن نعلنه عن الرجولة والأنوثة المعيشة في الواقع اليومي؟
خطر الاكتفاء بالتشديد على الجوهر: إنّ كلًا من أنصار التكاملية (Complementarians) والمساواتية (Egalitarians) يمكنهم أن يركّزوا على حقيقة الخلق المشترك للرجل والمرأة على صورة الله، وعلى كرامتهما المتساوية، وعلى قدرتهما المتساوية في تجسيد الفضائل الإنسانية. وكلاهما يستطيع أن يقرّ بالثنائية البيولوجية للجنسين (ذكر وأنثى)، وباعتماد كلٍّ منهما على الآخر، أي بالحقيقة القائلة إنّنا نحتاج بعضنا بعضًا لنتمّم وصية الخلق ونعمل بموجب الإرسالية العظمى. لكن، إذا اكتفى أنصار التكاملية بفهم الرجل والمرأة من جهة الجوهر وحده، من غير أن يربّوا الناس على كيفية التعامل مع تفاصيل التعبير الجندري والوظيفة العملية، فإنّهم بذلك يتخلّون بصمت عن الأسس التي يقوم عليها فكرهم. والأسوأ من ذلك، أنهم يتركون أعضاء الكنيسة وأولادهم من غير إدراك واضح لكيفية ارتباط ذكورتهم وأنوثتهم بالطريقة التي يعيشون بها حياتهم اليومية.
تعريفات أوضح
قالت إليزابيث إليوت ذات يوم: “لا أستطيع أن أُحدِّد [الرجولة والأنوثة] مرةً واحدةً وإلى الأبد، ولا أن أُفصِّل جميع لوازمها، ولا أن أفرض الكيفية التي ينبغي أن تبدو عليها في أمريكا أواخر القرن العشرين. إنهما، أعترف، رموز عصيّة المنال.” وأنا أتفهّم ما تعنيه. فكما كانت رؤيا “رانسوم” السماوية غامضة الأبعاد، قد يكون من العسير تتبّع تعريف دقيق للرجولة والأنوثة. لكن، وكما كانت إليوت تدرك، فإنّ صعوبة التعريف لا ينبغي أن تمنعنا من المحاولة.
في عام 2020، قدّم شراينر هذه التعريفات العملية للرجولة والأنوثة:
- المعنى الجوهري للرجولة هو البنوة (أنه ابن)، ومحبّة الإخوة، والاستعداد الكامن نحو الأبوة.
- المعنى الجوهري للأنوثة هو البنوة (أنها ابنة)، ومحبّة الأخوات، والاستعداد الكامن نحو الأمومة.
وعلى خلاف أوائل أنصار التكاملية، لا يجعل شراينر أدوار الجنسين في الزواج أو في قيادة الكنيسة النموذج المعياري لتعريف الرجولة والأنوثة. بل إنه يرفض بحقّ أن يُقحم مفهومي السلطان والخضوع في كل علاقة جندرية. ومع ذلك، يوضّح شراينر أنّ الأجساد المخلوقة ذكرًا وأنثى يجب أن ترسم المسار الذي يتحدد على أساسه التعبير الجندري.
اجعلوا الغائية جزءًا من التربية الروحية
اقتداءً بتوجّه شراينر، ينبغي للوالدين وقادة الكنيسة أن يجعلوا الرجوع إلى تصميم الله القصدي جزءًا من عملية التلمذة والتعليم. وكما كتبتُ من قبل: يجب علينا أن نعلّم الأولاد والشباب ما معنى أن يكونوا “ابنًا أو ابنة تقيّة، أخًا أو أختًا أمينين، زوجًا أو زوجة بحسب مشيئة الله، أبًا أو أمًا على مثال دعوته الإلهية.”
إنّ أبناءنا ذكور، وإذا نما نموًا طبيعيًا، فسوف يصيرون رجالًا بالغين يتمتّعون بقوة البنية العضلية والهيكلية للرجل. وبالنظر إلى هذا التصميم الإلهي، وإلى أدوارهم المحتملة كأزواج وآباء، ينبغي أن ندرّب الفتيان على المبادرة الباذلة، وبذل الجهد في العمل، وحماية الآخرين.
وبالمثل، فإنّ بناتنا إناث، وإذا نما نموهن طبيعيًا، فسوف يصِرن نساءً بالغات بأجساد مهيّأة لاحتضان حياة الطفل منذ الحَمل وحتى مرحلة الطفولة المبكّرة. وبالنظر إلى هذا التصميم الإلهي، وإلى أدوارهن المحتملة كزوجات وأمهات، ينبغي أن ندرّب الفتيات على أن يكنّ مُعينات مؤثّرات، ينسجن الهياكل العلائقية اللازمة لرعاية الآخرين وتنميتهم.
لستُ أقصد بهذا الكلام أنّ الرجال لا يساهمون في بناء الهياكل العلائقية في المجتمع؛ فالأب لا ينبغي أن يكون صاحب سلطان فقط بلا حنوّ ورعاية. كما لا أعني أنّ النساء لا يجوز لهنّ أن يوفّرن أو يحمين أسرهنّ ومجتمعاتهنّ؛ فالأمثلة الكتابية المناقضة لذلك كثيرة، مثل المرأة الحكيمة في أمثال 31. لكن، وكما يلاحظ جوردان ستيفانياك، فمع أنّ “البشر، من كلا الجنسين، يمكنهم أن يمارسوا كل فضيلة من الفضائل دون استثناء… إلا أنّ تكويننا البيولوجي يحدّد أنّ للرجال مستويات مختلفة من القُدرات مقارنةً بالنساء (والعكس صحيح) في إظهار فضائل معينة.”
التوجيه والتعقُّل
لهذا السبب، أرى أنّه من الضروري أن نُعلِّم الأولاد والشباب كيف يحسنون رعاية القوى المميِّزة التي وهبنا الله إيّاها عندما خلقنا ذكرًا وأنثى، وذلك بروح من شخصية المسيح. إنّ مثل هذا التعليم الغائي (التليولوجي) يُعِدّ الجيل الناشئ ليعبّر عن رجولته وأنوثته تعبيرًا صحيًا، حتى وإن لم يتزوّجوا يومًا أو يصيروا آباءً وأمهات. وكما كتبت ويندي ألسوب: “سواء أنجب الأفراد أولادًا جسديين أم لم يُنجبوا، فإنّ كلا الجنسين شريكان أساسيان في حمل وتنمية أولاد روحيين.” إنّ أهمية كل جنس قد تضيع إذا فشلنا في الاحتفاء بالعطايا المميّزة التي يقدّمها كلٌّ منهما للبيت، وللكنيسة، وللعالم.
ومع ذلك، لا أظن أنّ رجوعنا إلى تصميم الله يجب أن يكون دائمًا إلزاميًا وصارمًا في طبيعته. بل، وكما لاحظ ألاستير روبرتس مؤخرًا، يمكن أن يكون أيضًا “توجيهيًا قائمًا على الحكمة العملية.” فلستُ أنوي أن أُملِي على بناتي مسارات مهنية بعينها، لكن حين نتحدث عن التخصّصات الجامعية والوظائف التي يفكّرن فيها، لا أتردّد في طرح أسئلة مثل: “كيف يتوافق هذا الخيار مع كونك أنثى؟ وكيف قد يؤثّر سلوك هذا الطريق عليكِ إن رغبتِ بعد بضع سنوات في الزواج والإنجاب؟”
“ليس عبثًا أن سُمّيتَ بهذا الاسم”
يختتم لويس روايته برلاندرا برؤيا حيّة يراها رانسوم عن الرجولة والأنوثة، لكنّ تأملاته في تصميم الله لا تبدأ من هناك. بل إنّ موضوعات تكوين 1–3 تُعطي الشكل العام لأحداث الرواية بأسرها. وعند نقطة التحوّل، يواجه رانسوم مخلوقًا شيطانيًا متجسّدًا يُدعى الرجل غير الإنسان (Un-man)، الذي يشبه الحيّة الكتابية، إذ يحاول إغراء السيدة الأولى لكوكب الزهرة بأن تتجاوز الشريعة الواحدة التي أوصاها الله بها.
وعلى خلاف رواية تكوين 3، فإنّ قصة التجربة في برلاندرا تمتد عبر عدة فصول. وفي خضم هذا الحوار الطويل، جعل الله كلًّا من الرجل غير الإنسان والسيدة الأولى في سبات، تاركًا رانسوم ليتأمّل في سبب وجوده على هذا الكوكب.
بدأ رانسوم يتساءل: ما الدور الذي سيؤدّيه وجوده على الزهرة في قصد الله من أجل هذا الكوكب؟ ولم يكن هناك غاية معقولة سوى واحدة: عليه أن يوقف الرجل غير الإنسان. لكنه تساءل: كيف له، وهو رجل لا يتمتّع بسمات الرجولة النمطية، بل مجرد عالِم ساكن، ضعيف البصر، يحمل جرحًا سيئًا من الحرب الماضية، أن يهزم عدوًا خالدًا؟ عندئذٍ سمع صوت الله يقول: «ليس عبثًا أن سُمّيتَ فداءً (Ransom-رانسوم)». في تلك اللحظة أدرك هذا العالم في منتصف العمر أنّه حتى لو وصل الأمر إلى العنف، فسوف يقاتل من أجل السيدة—أخته في الإنسانية. وما سيفعله، وكيف سيتصرّف، لن يخرج عن المسار الذي رسمه الله له في قصته الأزلية.
إنّ لله مقاصد محدَّدة لنا، تمامًا كما كان له قصد من وجود رانسوم. وليس عبثًا أن دُعينا رجلًا وامرأة. لذلك، حين نعرّف الرجولة والأنوثة الكتابية، وحين نعلّم أبناءنا معنى الذكورة والأنوثة، فلنحرص ألّا نفوّت قصده الإلهي. فلنسر على وفق نسيج الواقع كما خطّه الله، متتبعين مسار تصميمه من الجوهر إلى الوظيفة، ولنُعِن الجيل القادم أن يسير في الطريق عينه.