هذا المقال هو شرح مُفصل للحلقة الثانية من بودكاست السكة | خميس العهد وسكة الصليب.
كلامنا النهاردة عن خميس العهد، واللي بيرجع بينا لأحداث الاحتفال بالفصح الأخير بين الرب يسوع المسيح وبين تلاميذه في الليلة الأخيرة قبل جمعة الصلب والفداء، اللي فيها يسوع المسيح يقدم نفسه باعتباره الذبيحة الحقيقة اللي كان الفصح قبل كده صورة أولية ونموذج له، بكلمات الرسول بولس:”…لأَنَّ فِصْحَنَا أَيْضاً ٱلْمَسِيحَ قَدْ ذُبِحَ لأَجْلِنَا.” (١كو٧:٥)
سياق حديث الرب يسوع الأخير أخد تقريبًا نصف محتوى الإنجيل بحسب يوحنا. ورحلة الرب الأخيرة لأورشليم أخدت تقريبًا حيز مشابه في باقي الأناجيل: متى ومرقس ولوقا.
في الأوقات الأخيرة من حياة الرب مع تلاميذه، اهتم بالكلام فيها عن وصيته الأخيرة للاثني عشر، واللي سجلها يوحنا بمقدمة توضح خصوصية اللحظة الحاسمة دي، واللي فيها يمجده الآب من خلال الصليب والقيامة للصعود مرة تانية إلى الله الآب، لاحظ تصوير يوحنا الرائع:
أَمَّا يَسُوعُ قَبْلَ عِيدِ ٱلْفِصْحِ، وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّ سَاعَتَهُ قَدْ جَاءَتْ لِيَنْتَقِلَ مِنْ هَذَا ٱلْعَالَمِ إِلَى ٱلْآبِ، إِذْ كَانَ قَدْ أَحَبَّ خَاصَّتَهُ ٱلَّذِينَ فِي ٱلْعَالَمِ، أَحَبَّهُمْ إِلَى ٱلْمُنْتَهَى... يَسُوعُ وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّ ٱلْآبَ قَدْ دَفَعَ كُلَّ شَيْئٍ إِلَى يَدَيْهِ، وَأَنـَّهُ مِنْ عِنْدِ ٱللّٰهِ خَرَجَ، وَإِلَى ٱللّٰهِ يَمْضِي. (يوحنا١:١٣، ٣)
وده يقودنا بشكل تلقائي للتفكير في أول احتفال للفصح في الكتاب المقدس، وبالتحديد في سفر الخروج أصحاح ١٢. لإن صعب جدًا نفهم دلالة الفصح الأخير قبل ما نعرف قصة الفصح نفسه في العهد القديم.
فلاشباك على ليلة الفصح والخروج من مصر
بعد تواجد شعب إسرائيل في أرض مصر وقت المجاعة اللي فيها يوسف ابن يعقوب، وبالتبعية نسل إبراهيم بارك العالم كله مش بس أرض مصر، وبنو إسرائيل لحد وقت موسي أتباركوا جدًا وأثمروا وكثروا كثيرًا جدًا، بالضبط حسب وعد ربنا (خروج٧:١؛ خروج١:١٢-٣). لكن، نقرأ عن تبدل الوضع بعد كده:
وَتَنَهَّدَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنَ ٱلْعُبُودِيَّةِ وَصَرَخُوا، فَصَعِدَ صُرَاخُهُمْ إِلَى ٱللّٰهِ مِنْ أَجْلِ ٱلْعُبُودِيَّةِ. فَسَمِعَ ٱللّٰهُ أَنِينَهُمْ، فَتَذَكَّرَ ٱللّٰهُ مِيثَاقَهُ مَعَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ. َنَظَرَ ٱللّٰهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَعَلِمَ ٱللّٰهُ. (خروج٢٣:٢)
بكل تأكيد الأسلوب الأدبي هنا واضح، أفعال ذي تذكر ميثاقه (عهده) مع إبراهيم، ونظر الله، وعلم الله هدفها تمهيد الأحداث لزمن تحقيق بنود العهد مع إبراهيم وتوريث نسله بعد ٤٠٠ سنة أرض كنعان، وده بعد العبودية في أرض مصر. وبكل تأكيد لا يعني أنه كان متناسي، أو مهمل لشعبه. حاشا! فالسياق نفسه أكبر دليل إن الرب نفسه هو اللي رتب مقابله مع موسى في الوقت اللي كان فيه هربان في أرض مديان.
في الوقت ده كلف الرب موسى تكليف بإخراج شعب إسرائيل من أرض مصر لأرض كنعان (خروج٣:٣-٨)، وبعد تسع ضربات بتمثل دينونة على آلهة المصريين وكل اللي وثق في قوتها (خروج ١٤:٧–٢٩:١٠)، بنوصل للضربة العاشرة والقاضية – إن جاز التعبير – اللي ضرب فيها الرب كل بكر فاتح رحم من البشر والحيوانات، حتى في بيت فرعون مصر نفسه. وده كل عقاب للفرعون وإظهار لمجده من خلال الدينونة على أرض مصر، واللي تزامنت مع خلاص الشعب وخروجه من نبير عبودية فرعون.
لكن السؤال هنا، لو الدينونة جاية على كل أرض مصر، فعلى أي أساس الله يستثني شعبه؟
الحقيقة إن الرب رتب فدية من خلال ذبح حمل لكل أسرة من شعب إسرائيل، واللي طلب الرب منهم إعلان إيمانهم وطاعة لأمره، إنهم يرشو الدم على القائمتين والعتبة العليا لكل بيت، وقالهم وأنتم بتاكلوا الفصح على استعجال، استعدوا للرحيل، لإن الرب من خلال الملاك المُهلك هيضرب كل بكر في أرض مصر، إلا البيوت اللي أطاعت أمر الرب.. الملاك ينظر للدم ويعبر عليه من غير قتل البكر.
وبكده يفدى الرب شعب إسرائيل وكل مصري يحتمي في إله إسرائيل، الإله الحقيقي وحده، حتى لو مكانش من نسل إبراهيم وإسحق ويعقوب، اللي بنقرا عنهم في (خروج ٣٨:١٢ مع لاويين ١٠:٢٤؛ عدد ٤:١١) وبيسميهم سفر الخروج “اللفيف”. باختصار، الله يخلص كل من يؤمن به من كل قبيلة وأمة وشعب ولسان، سواء في العهد القديم أو الجديد، ولنهاية الأيام!
أكيد صعب أو حتى مستحيل يكون الحمل فدية مكافئة للإنسان، لكنه صورة رمزية لفداء شعب إسرائيل من خلال موت وفدية الرب يسوع المسيح. عشان كده أول ما شافه يوحنا المعمدان مقترب إليه قال: “هُوَذَا حَمَلُ ٱللّٰهِ ٱلَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ ٱلْعَالَمِ” (يوحنا ٢٩:١). وتذكرة من خلالها كل شعب إسرائيل في كل احتفال فصح، يفتكر إنه الله خلصه وأحبه وهو ميختلفش كتير عن باقي الشعوب في أخلاقه، بل كتير ما شهد الرب على لسان موسى:
لَيْسَ مِنْ كَوْنِكُمْ أَكْثَرَ مِنْ سَائِرِ ٱلشُّعُوبِ، ٱلْتَصَقَ ٱلرَّبُّ بِكُمْ وَٱخْتَارَكُمْ، لأَنَّكُمْ أَقَلُّ مِنْ سَائِرِ ٱلشُّعُوبِ. بَلْ مِنْ مَحَبَّةِ ٱلرَّبِّ إِيَّاكُمْ، وَحِفْظِهِ ٱلْقَسَمَ ٱلَّذِي أَقْسَمَ لآبَائِكُمْ. (تثنية ٧:٧-٨؛ راجع تكوين١:١٢-٣ مع ١٢:١٥-٢١)
عشان كده في كل مرة من وقت الخروج، وفي كل عيد فصح كلف الرب كل رب أسرة بإنه يفكر البيت كله بالكلام ده:
وَيَكُونُ حِينَ يَقُولُ لَكُمْ أَوْلاَدُكُمْ: مَا هٰذِهِ ٱلْخِدْمَةُ لَكُمْ؟ أَنَّكُمْ تَقُولُونَ: هِيَ ذَبِيحَةُ فِصْحٍ لِلرَّبِّ ٱلَّذِي عَبَرَ عَنْ بُيُوتِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي مِصْرَ لَمَّا ضَرَبَ ٱلْمِصْرِيِّينَ وَخَلَّصَ بُيُوتَنَا. (خروج ٢٦:١٢-٢٧أ)
الخلاص والدينونة
الفصح كان أكبر إعلان عن محبة الله واختياره غير المرتبط بحالة الإنسان وهو ينتشله من الخطية والعبادة الوثنية. وفي نفس الوقت بيُظهر مجده من خلال الآيات والعجائب والضربات اللي أظهرت عجز وزيف آلهة المصريين عن حمايتها، ودينونة الله للأشرار اللي ارتضوها كآلهة. وأعلنت عن تحجر قلب الإنسان وعجرفته في شخص الفرعون المتكبر اللي ضلل شعب مصر وقتها وتمرد على الله وقاد الشعب للإيمان بآلهة مزيفة آمن بيها الأغلبية. وانتهى بيه الحال للهلاك هو والمصريين اللي صدقوه في بحر سوف لما حاول بعد الضربة العاشرة إنه يتعقب شعب إسرائيل ويرجعه للعبودية في أرض مصر، حتى بعد كل اللي شافه (خروج ١٥).
الآيات دي بتوضح إزاي الخلاص والدينونة متشابكين مع بعض:
فَخَلَّصَ ٱلرَّبُّ فِي ذلِكَ ٱلْيَوْمِ إِسْرَائِيلَ مِنْ يَدِ ٱلْمِصْرِيِّينَ. وَنَظَرَ إِسْرَائِيلُ ٱلْمِصْرِيِّينَ أَمْوَاتًا عَلَى شَاطِئِ ٱلْبَحْرِ. وَرَأَى إِسْرَائِيلُ ٱلْفَعْلَ ٱلْعَظِيمَ ٱلَّذِي صَنَعَهُ ٱلرَّبُّ بِالْمِصْرِيِّينَ، فَخَافَ ٱلشَّعْبُ ٱلرَّبَّ وَآمَنُوا بِالرَّبِّ وَبِعَبْدِهِ مُوسَى. (خروج٣٠:١٤-٣١)
الخروج الأخير والعودة من السبي
موسى تنبأ عن إنه في نهاية الأيام الشعب هيختبر البركات وقت الطاعة، واللعنات للعصيان، وفي النهاية هايطرد ويتشتت بين كل الأمم. لكنه شاور على الرجاء اللي هيحصل في النهاية لما الرب يختن قلوبهم، بمعنى إنه ينزع طبع القساوة والتمرد، ويشفيهم من العمى الروحي، فيرجعوا بالتوبة يسمعوا لصوت الرب ويعملوا بجميع وصاياه لما يتعلموا يحبوه من كل قلبهم.
وَمَتَى أَتَتْ عَلَيْكَ كُلُّ هٰذِهِ ٱلْأُمُورِ، ٱلْبَرَكَةُ وَٱللَّعْنَةُ، ٱللَّتَانِ جَعَلْتُهُمَا قُدَّامَكَ، فَإِنْ رَدَدْتَ فِي قَلْبِكَ بَيْنَ جَمِيعِ ٱلْأُمَمِ ٱلَّذِينَ طَرَدَكَ ٱلرَّبُّ إِلهُكَ إِلَيْهِمْ، وَرَجَعْتَ إِلَى ٱلرَّبِّ إِلهِكَ، وَسَمِعْتَ لِصَوْتِهِ حَسَبَ كُلِّ مَا أَنَا أُوصِيكَ بِهِ ٱلْيَوْمَ، أَنْتَ وَبَنُوكَ، بِكُلِّ قَلْبِكَ وَبِكُلِّ نَفْسِكَ …وَيَخْتِنُ ٱلرَّبُّ إِلهُكَ قَلْبَكَ وَقَلْبَ نَسْلِكَ، لِكَيْ تُحِبَّ ٱلرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ لِتَحْيَا. (تثنية ١:٣٠-٦)
ولذلك، فِضِل الأنبياء وقت السبي، وبالذات أرميا وحزقيال اللي عاصروا السبي، متمسكين بالرجاء ده، لكنهم أدركوا إن ختان القلب ده عمل الرب نفسه، من خلال نسل إبراهيم اللي هيكون ملك من نسل داود، ويملك ويبارك كل العالم. لأنه هيقطع عهد جديد مختلف في جوهره عن العهد اللي قطعه الرب في جبل سيناء، عهد الناموس.
اقرا معايا على التوازي..
أرميا ٣١:٣١-٣٣ | حزقيال ٢٥:٣٦-٢٩ |
هَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، وَأَقْطَعُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَمَعَ بَيْتِ يَهُوذَا عَهْدًا جَدِيدًا. لَيْسَ كَالْعَهْدِ ٱلَّذِي قَطَعْتُهُ مَعَ آبَائِهِمْ يَوْمَ أَمْسَكْتُهُمْ بِيَدِهِمْ لأُخْرِجَهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، حِينَ نَقَضُوا عَهْدِي فَرَفَضْتُهُمْ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ. بَلْ هٰذَا هُوَ ٱلْعَهْدُ ٱلَّذِي أَقْطَعُهُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ بَعْدَ تِلْكَ ٱلْأَيَّامِ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ: أَجْعَلُ شَرِيعَتِي فِي دَاخِلِهِمْ وَأَكْتُبُهَا عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَأَكُونُ لَهُمْ إِلهًا وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْبًا. | وَأَرُشُّ عَلَيْكُمْ مَاءً طَاهِرًا فَتُطَهَّرُونَ. مِنْ كُلِّ نَجَاسَتِكُمْ وَمِنْ كُلِّ أَصْنَامِكُمْ أُطَهِّرُكُمْ. وَأُعْطِيكُمْ قَلْبًا جَدِيدًا، وَأَجْعَلُ رُوحًا جَدِيدَةً فِي دَاخِلِكُمْ، وَأَنْزِعُ قَلْبَ ٱلْحَجَرِ مِنْ لَحْمِكُمْ وَأُعْطِيكُمْ قَلْبَ لَحْمٍ. وَأَجْعَلُ رُوحِي فِي دَاخِلِكُمْ، وَأَجْعَلُكُمْ تَسْلُكُونَ فِي فَرَائِضِي، وَتَحْفَظُونَ أَحْكَامِي وَتَعْمَلُونَ بِهَا. وَتَسْكُنُونَ ٱلْأَرْضَ ٱلَّتِي أَعْطَيْتُ آبَاءَكُمْ إِيَّاهَا، وَتَكُونُونَ لِي شَعْبًا وَأَنَا أَكُونُ لَكُمْ إِلهًا. وَأُخَلِّصُكُمْ مِنْ كُلِّ نَجَاسَاتِكُمْ. وَأَدْعُو ٱلْحِنْطَةَ وَأُكَثِّرُهَا وَلاَ أَضَعُ عَلَيْكُمْ جُوعًا. |
قطع العهد الجديد بدم المسيح
في ليلة الاحتفال بالفصح الأخير مع التلاميذ قطع الرب يسوع مع التلاميذ عهد جديد، وحقق به كل اللي تنبأ عنه موسى وكرره حزقيال وإرميا عن الاحتياج لعهد جديد، يرفع فيه اللعنة اللي حلت على شعب إسرائيل لما كسر وصايا الله.
لكن مش بس شعب إسرائيل! بولس علمنا إن العالم كله يهود وأمم صاروا تحت قصاص ولعنة بسبب الخطية اللي هي التعدي على الله ووصايا وبالتالي إهانته وعبادة آلهة أخرى…. الجميع زاغوا وفسدوا، والفرائض والوصايا مش بتصلح القلب وتطهره من الداخل من عبادته للأوثان. (راجع رومية ٩:٣-٢٠).
ممكن تكون فاكر إن عبادة الأوثان ذي اللي كان بيحصل في الشعوب القديمة انتهت من عالمنا النهاردة. لكن الأخطر من الشكل النمطي لعبادة الأوثان هو محبة الإنسان لذاته ولتمجيدها؛ خضوعه لرغباتها على حساب وصايا الله، والتمرد والطمع اللي سماه بولس الرسول عبادة الأوثان (كولوسي ٥:٣)، محبة العالم وشهواته اللي يعقوب قال في رسالته عداوة لله (يعقوب ٤:٤)، وكرر يوحنا الحبيب وقال: “لاَ تُحِبُّوا الْعَالَمَ وَلاَ الأَشْيَاءَ الَّتِي فِي الْعَالَمِ. إِنْ أَحَبَّ أَحَدٌ الْعَالَمَ فَلَيْسَتْ فِيهِ مَحَبَّةُ الآبِ” (يوحنا الأولي١٥:٢).
الإنسان مش بس محتاج غفران للخطايا وتبرير بدم المسيح، لكنه محتاج كمان لقلب جديد يحب يطيع وصايا الله. قلب يكره عبادة الأوثان. والسؤال: إزاي المسيح عمل كده في خميس العهد
بركات العهد الجديد
أولًا: غفران الذنوب وحمل اللعنة
في كلمات الرب اللي قطع فيها العهد الجديد يوم خميس العهد، قال في إنجيل متى أثناء تناول التلاميذ العشاء:
أَخَذَ يَسُوعُ ٱلْخُبْزَ، وَبَارَكَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَى ٱلتَّلاَمِيذَ وَقَالَ: خُذُوا كُلُوا. هَذَا هُوَ جَسَدِي». وَأَخَذَ ٱلْكَأْسَ وَشَكَرَ وَأَعْطَاهُمْ قَائِلاً: ٱشْرَبُوا مِنْهَا كُلُّكُمْ، لأَنَّ هَذَا هُوَ دَمِي ٱلَّذِي لِلْعَهْدِ ٱلْجَدِيدِ ٱلَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ لِمَغـْفِرَةِ ٱلْخَطَايَا. (متى٢٦:٢٦-٢٨)
دم المسيح اللي الكأس بيمثلها هو اللي قطع عليه العهد الجديد. العهد الجديد مقطوع بدم كريم، دم المسيح اللي سفك على الصليب لما حمل اللعنة، ورفع القصاص عن شعبه الحقيقي من كل البشرية، كل من يؤمن به. ذي ما وعد في بداية إنجيل متى: “فَسَتَلِدُ ٱبْناً وَتَدْعُو ٱسْمَهُ يَسُوعَ، لأَنـَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ” (متى ٢١:١).
ثانيًا: تغيير وتطهير القلوب
في إنجيل يوحنا على العشاء الأخير، وبرغم إنه لم يذكر كلمة عهد بحصر اللفظ، ولا كلمة غفران. لكنه استخدم كلمات توضح نفس المعنى.
بدلًا من كلمة غفران
استخدم يوحنا كلمة طاهر، وخصوصًا في استخدامه المتكرر للمياه في وقت غسل الأرجل.
- عشان كده قال المسيح لبطرس الرسول ردًا على طلبه يغسله كله عشان يكون له مع المسيح نصيب: “ٱلَّذِي قَدِ ٱغْتَسَلَ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ إِلاَّ إِلَى غَسْلِ رِجْلَيْهِ، بَلْ هُوَ طَاهِرٌ كُلُّهُ. وَأَنـْتُمْ طَاهِرُونَ، وَلَكِنْ لَيْسَ كُلُّكُمْ، لأنه عرف مسلمه (يهوذا)” (يوحنا ١٠:١٣-١١).
- باختصار، يا بطرس إنت طاهر بالفعل مع كل التلاميذ عدا يهوذا. وده لما آمن بالمسيح وأعلن إيمانه قبل كده كنائب عن التلاميذ: “وَنَحْنُ قَدْ آمَنَّا وَعَرَفْنَا أَنـَّكَ أَنـْتَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللّٰهِ ٱلْحَيِّ” (يوحنا ٦٩:٦)،
بدلًا من كلمة عهد جديد
- استخدم يوحنا كلمة وصية جديدة (يوحنا ٣٤:١٣)، واستخدم كثير من مفردات لغة العهد ذي: “إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي (يوحنا ١٥:١٤). تمام كإنه ببفكرنا بكلام الرب في شريعة العهد في سفر التثنية:” ٱلرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَٱحِدٌ. فَتُحِبُّ ٱلرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ قُوَّتِكَ. وَلْتَكُنْ هٰذِهِ ٱلْكَلِمَاتُ ٱلَّتِي أَنَا أُوصِيكَ بِهَا ٱلْيَوْمَ عَلَى قَلْبِكَ. (تثنية ٤:٦-٦)
- لكن العنصر الجديد واللي بيميز العهد الجديد عن القديم.. إنه وعد بإرسال الروح القدس المعزي اللي هيختن قلوبهم، ينزع القساوة ويمكنهم من الاستمرار في الإيمان وطاعة الوصية هما وكل المؤمنين بكلامهم: “إِنْ كُنْتُمْ تـُحِبُّونَنِي فَـٱحْفَظُوا وَصَايَايَ، وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ ٱلْآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّياً آخَرَ لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى ٱلْأَبَدِ، رُوحُ ٱلْحَقِّ ٱلَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ ٱلْعَالَمُ أَنْ يَقْبَلَهُ، لأَنـَّهُ لاَ يَرَاهُ وَلاَ يَعْرِفُهُ، وَأَمَّا أَنـْتُمْ فَتَعْرِفُونَهُ لأَنـَّهُ مَاكِثٌ مَعَكُمْ وَيَكُونُ فِيكُمْ” (يوحنا ١٥:١٤-٢١)
الروح القدس هو اللي بيمكننا من الإيمان وبيطهر قلوبنا ويمكننا من طاعة الوصية.. عشان كده بطرس فهم الدرس كويس في مجمع أورشليم لما قال عن الأمم: “وَٱللَّهُ ٱلْعَارِفُ ٱلْقُلُوبَ شَهِدَ لَهُمْ مُعْطِياً لَهُمُ ٱلرُّوحَ ٱلْقُدُسَ كَمَا لَنَا أَيْضاً. وَلَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ بِشَيْئٍ، إِذْ طَهَّرَ بِـٱلإِيمَانِ قُلُوبَهُمْ” (أعمال الرسل ٩:١٥)
الرسول بولس بيرجع ويأكد نفس البركة المزدوجة؛ رفع اللعنة في موت المسيح، وسكب الروح القدس، لما قال:
اَلْمَسِيحُ ٱفْتَدَانَا مِنْ لَعْنَةِ ٱلنَّامُوسِ، إِذْ صَارَ لَعْنَةً لأَجْلِنَا، لأَنـَّهُ مَكْتُوبٌ: «مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ عُلِّقَ عَلَى خَشَبَةٍ».لِتَصِيرَ بَرَكَةُ إِبْرَاهِيمَ لِلأُمَمِ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ، لِنَنَالَ بِـٱلإِيمَانِ مَوْعِدَ ٱلرُّوحِ.” (غلاطية ١٣:٣-١٤)
كلمة ختامية
الموت كلعنة الناموس، حملها الرب يسوع على الخشبة بحسب تعليم بولس في غلاطية ١٣:٣. لإن المُعلق على خشبة ملعون، بشهادة الناموس: “فَلاَ تَبِتْ جُثَّتُهُ عَلَى ٱلْخَشَبَةِ، بَلْ تَدْفِنُهُ فِي ذلِكَ ٱلْيَوْمِ، لأَنَّ ٱلْمُعَلَّقَ مَلْعُونٌ مِنَ ٱللّٰهِ” (راجع تثنية ٢٣:٢١). وبطرس اللي كرر نفس الفكرة في وعظته للأمم في بيت كرنيليوس بالتلميح: “وَنَحْنُ شُهُودٌ بِكُلِّ مَا فَعَلَ فِي كُورَةِ ٱلْيَهُودِيَّةِ وَفِي أُورُشَلِيمَ. ٱلَّذِي أَيْضاً قَتَلُوهُ مُعَلِّقِينَ إِيَّاهُ عَلَى خَشَبَةٍ.
لكن حمل المسيح للعنة الناموس كان هو الطريق لنوال عطية وموعد الروح القدس بالإيمان، والرائع إن بولس بيفكرنا إن ده جوهر بركة إبراهيم للأمم في غلاطية ١٤:٣، بمعنى إنها البركة اللي بيها المسيح يسوع، ابن إبراهيم، هيبارك بيها العالم كله. هل بعد كده يصح نقلل من حقيقة الموت العقابي واللعنة اللي كانت علينا، وحملها المسيح لما أخد مكاننا في الصليب؟!
رد الفعل الكتابي الصحيح روحيًا رغم صعوبة وصدمة النصوص، هو الخشوع قصاد مهابة المصلوب، الشكر والامتنان للبركة اللي صارت لنا بالنعمة بدون استحقاق، ونلناها بالإيمان. لإنها البركة اللي على أساسها صرنا أبناء لله بالتبني، ونقدر نقف في الصلاة ونهتف بروح البنوة كأبناء مباركين، برجاء لا يخزى لإن محبة الله انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا، ونزعت خوف العبودية منها:
“إِذْ لَمْ تَأْخُذُوا رُوحَ ٱلْعُبُودِيَّةِ أَيْضاً لِلْخَوْفِ، بَلْ أَخَذْتـُمْ رُوحَ ٱلتَّبَنِّي ٱلَّذِي بِهِ نَصْرُخُ: «يَا أَبَا ٱلْآبُ!».” (رومية ١٥:٨؛ راجع رومية ٤:٥).
صلاتي إن أذهاننا وقلوبنا تنشغل بنفس الشكر والامتنان، ونفرح على الرجاء مهما كانت صعوبة الأوقات اللي نمر فيها.