في واحدة من أصعب عبارات التأنيب اللي قالها الرب لشعبه على لسان النبي إرميا، وقارن فيها بين التزام الأمم بآلهتها الوثنية، وبين شعبه اللي بدل مجده وعبادته للرب بآلهة لا تنفع. للدرجة اللي بيها الرب بيدعي السما والأرض – بتعبير أدبي إنساني – واللي كانوا شهود على عهده مع إسرائيل إنهم يشاركوه حيرته من حماقة الشعب:
هَلْ بَدَلَتْ أُمّةٌ آلِهَةً، وَهِيَ لَيْسَتْ آلِهَةً؟ أَمَّا شَعْبِي فَقَدْ بَدَلَ مَجْدَهُ بِمَا لاَ يَنْفَعُ! اِبْهَتِي أَيَّتُهَا ٱلسَّمَاوَاتُ مِنْ هٰذَا، وَٱقْشَعِرِّي وَتَحَيَّرِي جِدًّا، يَقُولُ ٱلرَّبُّ. اِبْهَتِي أَيَّتُهَا ٱلسَّمَاوَاتُ مِنْ هٰذَا، وَٱقْشَعِرِّي وَتَحَيَّرِي جِدًّا، يَقُولُ ٱلرَّبُّ. (إرميا ١١:٢-١٢)
استخدام غير المؤمنين لتوبيخ المؤمنين
الحقيقة إن دي مش المرة الوحيدة في الكتاب المقدس اللي بيلعب فيها غير المؤمنين بشكل مباشر أو غير مباشر دور مهم في توبيخ شعب الرب وتعليمه دروس لإيمانه، والأمثلة كتيرة:
- مرتين في سفر التكوين يخفي إبراهيم نصف الحقيقة في علاقته بسارة زوجته خوفًا على حياته هو. المرة الأولى مع فرعون، والمرة الثانية مع أبيمالك (تكوين ١٠:١٢-١٩؛ ١:٢٠-١٣). في المرة الثانية تحديدًا، يسجل الكتاب المقدس حوار دار بين الرب وبين أبيمالك، وهو حوار كاشف لأعماق أبيمالك اللي بسلامة قلبه كان ناوي يتخذها زوجة له. الرب نفسه شهد لأبيمالك عن سلامة قلبه في الأمر ده (تكوين ٦:٢٠). الحوار بين إبراهيم وأبيمالك من عدد ٨-١٣، وتصرف أبيمالك الكريم بعده بيوضح إن تفكير إبراهيم إن مفيش خوف للرب في أرض أبيمالك كان غير مبرر (تكوين١١:٢٠).
- في الأصحاح الأول من سفر يونان يحكي الكتاب المقدس عن فكر الملاحين ورئيس النوتية في السفينة اللي ركبها يونان عشان يهرب من وجه الرب، واللي كان عندهم رجاء في استجابة الآلهة الوثنية أفضل من رجاء يونان في رحمة إلهه الحقيقي الوحيد. العجيب إنه في نفس المشهد يونان بيطلب منهم يطرحوه في البحر عشان يسكن عنهم الريح في عدد ١٢، لكن في العددين اللي بعد كده بيشهد الكتاب عن خوفهم من إنه يجعل عليهم عقاب بسبب دم برئ.
- وأخيرًا، مش محتاج أفكرك إن الشعب في مجمل تاريخه سفك دم الأنبياء والصديقين وعلى رأسهم الرب يسوع نفسه. العجيب إن أكثر شخصيات ترددت في صلب المسيح هي شخصية بيلاطس ومراته الوثنيين. مراته تحديدًا حذرته من سفك دم المسيح! “إِيَّاكَ وَذَلِكَ ٱلْبَارَّ، لأَنِّي تَأَلَّمْتُ ٱلْيَوْمَ كَثِيراً فِي حُلْمٍ مِنْ أَجْلِهِ.” في المقابل، قادة الشعب هيجوهم، وكان صراخ الشعب بيزيد وهما بيقولوا:”ليصلب!، دمه علينا وعلى أولادنا” (راجع متى ٣٥:٢٣؛ ٤:٢٧، ١٩، ٢١-٢٦).
الأمثلة دي هدفها إيه في الكتاب المقدس؟
أولًا: الفساد الكلي لا الفساد المطلق
في الأمثلة دي بنشوف لقطات إيجابية في حياة غير المؤمنين، بتشهد عن قانون أخلاقي بيوجه ضمائرهم، وخصوصًا لما الله بيتداخل بشكل معجزي لتأييد الحكم الصحيح للضمير (حلم أبيمالك وحلم زوجة بيلاطس). صورة الله لم تختف بشكل كامل من الإنسان. صحيح الإنسان فسد، لكن من وقت للتاني بحسب نعمة الله الشر بيتحجم وبيظهر الجانب الأخلاقي الإيجابي في حياة البشر. لولا تدخل الله كانت الأرض تحولت حرفيًا لجحيم!
الإحساس بالإلهيات ده هو علة الدينونة على غير المؤمنين. القصص المقتبسة في المقال ده بتوضح إن الإنسان عارف الشر من الخير لدرجة كافية إنه يدرك إن فيه حاجة غلط جواه وحواليه. لكنه في فساده بيميل في مجمل حياته للشر. ولو الله مغيرش قلبه بشكل معجزي هيهلك! عشان كده عرف يوحنا الدينونة إنها تفوق محبة الظلمة أكثر من النور:
“وَهَذِهِ هِيَ ٱلدَّيْنُونَةُ: إِنَّ ٱلنُّورَ قَدْ جَاءَ إِلَى ٱلْعَالَمِ، وَأَحَبَّ ٱلنَّاسُ ٱلظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ ٱلنُّورِ، لأَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَانَتْ شِرِّيرَةً” (يوحنا١٩:٣).
ثانيًا: أين الافتخار؟
مرتين في كتاباته، بيوضح الرسول بولس إن مفيش مجال للافتخار في حياة المؤمنين. لأن الإيمان ذاته اللي بيُنال من خلاله عطية الخلاص على أساس النعمة هو في حد ذاته عطية من الله: “لأَنـَّكُمْ بِـٱلنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِـٱلإِيمَانِ، وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ ٱَللّٰهِ. لَيْسَ مِنْ أَعْمَالٍ كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ” (أفسس٨:٢-٩). المرة الثانية في رسالة رومية لما بيسأل القارئ، ويجاوب: “فَأَيْنَ ٱلْافْتِخَارُ؟ قَدِ ٱنـْتَفَى! بِأَيِّ نَامُوسٍ؟ أَبِنَامُوسِ ٱلْأَعْمَالِ؟ كَلاَّ! بَلْ بِنَامُوسِ ٱلْإِيمَانِ. إِذاً نَحْسِبُ أَنَّ ٱلْإِنـْسَانَ يَتَبَرَّرُ بِـٱلإِيمَانِ بِدُونِ أَعْمَالِ ٱلنَّامُوسِ. أَمِ ٱللّٰهُ لِلْيَهُودِ فَقَطْ؟ أَلَيْسَ لِلأُمَمِ أَيْضاً؟ بَلَى لِلأُمَمِ أَيْضاً” (رومية ٢٧:٣-٢٩).
الوجه الآخر للإيمان، وهو التوبة نفس الشيء، هو عطية الله: “فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ سَكَتُوا، وَكَانـُوا يُمَجِّدُونَ ٱللّٰهَ قَائِلِينَ: “إِذاً أَعْطَى ٱللّٰهُ ٱلْأُمَمَ أَيْضاً ٱلتَّوْبَةَ لِلْحَيَاةِ!” (أعمال الرسل ١٨:١١).
الخلاصة
في عبادتنا لله، علينا دايمًا نفتكر فضل نعمته ورحمته من غيرهم كان مصيرنا الهلاك. وفي علاقتنا بغير المؤمنين من أي خلفية دينية أو مذهبية مش مسموح بالتعالي، ولا لينا عذر لو أصدرنا أحكام بالدينونة على غير المؤمنين. إحنا مش أفضل، ولا أكثر برًا، ولا أحكم!
والأهم، إحنا منقدرش نعرف إيه اللي بيدور في عقل وقلب غير المؤمن، واللي ممكن يقوده للتوبة والإيمان بنعمة الله وحده، ولمجده وحده!
صلي لأجل الجميع، ومتستبعدش عمل الله المعجزي لأنه وحده يقدر يغير القلوب، بصرف النظر عن تقييمنا لهم.