لوقا ٢٢ :١–٦
١وَقَرُبَ عِيدُ الْفَطِيرِ، الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْفِصْحُ. ٢وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةُ يَطْلُبُونَ كَيْفَ يَقْتُلُونَهُ، لأَنَّهُمْ خَافُوا الشَّعْبَ.
٣فَدَخَلَ الشَّيْطَانُ فِي يَهُوذَا الَّذِي يُدْعَى الإِسْخَرْيُوطِيَّ، وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الاثْنَيْ عَشَرَ. ٤فَمَضَى وَتَكَلَّمَ مَعَ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَقُوَّادِ الْجُنْدِ كَيْفَ يُسَلِّمُهُ إِلَيْهِمْ. ٥فَفَرِحُوا وَعَاهَدُوهُ أَنْ يُعْطُوهُ فِضَّةً. 6فَوَاعَدَهُمْ. وَكَانَ يَطْلُبُ فُرْصَةً لِيُسَلِّمَهُ إِلَيْهِمْ خِلْوًا مِنْ جَمْعٍ.
هذه هي العظة الأخيرة في سلسلة تدعى خطايا مذهلة وغرضها العالميّ لمجد المسيح. والهدف كان إظهار أن مرارا وتكرارا في تاريخ العالم، الخطايا القرارات المصيريّة التي غيرت مجرى التاريخ لم تلغي وإنما فقط أتمت المقاصد الله العالميّة لتمجيد ابنه وخلاص شعبه.
صلاتي هي أنه، عندما تأخذ هذه المشاهد التاريخيّة العظيمة لسيادة الله على الخطية مكانها في عقلك المجدد، يكون لذلك تأثيراً عمليّاً عميقاُ في جعلك قويّا في وجه الأخزان التي تلهث الأنفاس وجعلك شجاعا للمسيح في مواجهة المعارضة الخطيرة. قوة ممجدة للمسيح في وقت الشدة وشجاعة ممجدة للمسيح في وقت الصراع. أصلي أن ينسج الرب أسلاك من الصلب والحرير في نسيج روحك.
أكثر خطية مذهلة في التاريخ: قتل المسيح
الخطيئة الأكثر إثارة التي ارتكبت من أي وقت مضى في تاريخ العالم هي القتل الوحشي ليسوع المسيح، الابن الإلهي لله والكامل من الناحية الأخلاقيّة صاحب الاستحقاق الغير حدود. وربما كان أكثر فعل خسيس في عملية القتل هذه هي خيانة المسيح من أحد أصدقائه المقربين، يهوذا الاسخريوطي.
وكان يهوذا واحد من الرسل الاثني عشر الذين قد اختارهم المسيح شخصيّا والذين كانوا مع المسيح طوال خدمته الجهاريّة. وكان يعهد إليه صندوق النقود لكل المجموعة (يوحنا ١٣: ٢٩). كان قريبا بما فيه الكفاية من المسيح في العشاء الأخير لغمس الخبز معه في نفس الصحفة (مرقس ١٤: ٢٠).
“دَخَلَ الشَّيْطَانُ فِي يَهُوذَا”:
في ليلة العشاء الأخير، يخبرنا لوقا في لوقا ٢٢: ٣-٦ أنه “دَخَلَ الشَّيْطَانُ فِي يَهُوذَا… فَمَضَى وَتَكَلَّمَ مَعَ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَقُوَّادِ الْجُنْدِ كَيْفَ يُسَلِّمُهُ [المسيح] إِلَيْهِمْ. فَفَرِحُوا وَعَاهَدُوهُ أَنْ يُعْطُوهُ فِضَّةً. فَوَاعَدَهُمْ. وَكَانَ يَطْلُبُ فُرْصَةً لِيُسَلِّمَهُ إِلَيْهِمْ خِلْوًا مِنْ جَمْعٍ.” وفي وقت لاحق قاد السلطات إلى المسيح في بستان جَثْسَيْمَانِي وباع المسيح بقبلة (لوقا ٢٢: ٤٧-٤٨). وبهذا، خُتم موت المسيح.
عندما يقول لنا لوقا في الآية ٣ أنه “دَخَلَ الشَّيْطَانُ فِي يَهُوذَا”، تأتي العديد من الأسئلة إلى أذهاننا. ١) أولا هو ما إذا كان الشيطان مجرد أنه تسيّد على يهوذا الصالح أم ما إذا كان يهوذا يسير بالفعل في خط الشيطان والشيطان ببساطة قرر أنه الآن هو الوقت المناسب. ٢) سؤال أخر هو، لماذا يفعل الشيطان ذلك حيث أن موت وقيامة المسيح من شأنه أن يؤدي إلى هزيمة الشيطان النهائيّة، وهناك سبب وجيه للاعتقاد بأن الشيطان كان يعلم ذلك. ٣) والسؤال الثالث والأهم هو: أين كان الله عندما حدث هذا؟ ماذا كان دوره أو عدم دوره في أكثر خطية مذهلة حدثت من أي وقت مضى؟ لذلك دعونا نجيب على هذه الأسئلة على حدى.
١) قوة الشيطان في انفعالات يهوذا الخاطئة:
عندما يقول في لوقا ٢٢: ٣ أنه “دَخَلَ الشَّيْطَانُ فِي يَهُوذَا،” كيف لنا أن نفكر في إرادة يهوذا وقوة الشيطان؟ لم يكن يهوذا متفرّجا عندما دخل الشيطان فيه. يخبرنا يوحنا الرسول في يوحنا ١٢: ٦أنه كان سارقا. عندما اشتكى يهوذا أن مريم قد ضيعت المال في دهن المسيح، علّق يوحنا قائلا “قَالَ هذَا لَيْسَ لأَنَّهُ كَانَ يُبَالِي بِالْفُقَرَاءِ، بَلْ لأَنَّهُ كَانَ سَارِقًا، وَكَانَ الصُّنْدُوقُ عِنْدَهُ، وَكَانَ يَحْمِلُ مَا يُلْقَى فِيهِ.”
إذا كان هذا يبدوا وكأنه لا يصدق، فقط فكّر في السلوك الفاضح لمن يدعون قادة مسيحيين اليوم الذين يستخدمون عطايا الخدمة لشراء ما قيمته ٣٩٠٠٠ دولار من الملابس من متجر واحد في السنة، ويرسلون أبنائهم في رحلة باشتراك ٢٩٠٠٠ دولار إلى جزر البهاما، ويقودون سيارات لكزس بيضاء ومرسيدس حمراء. عندما كان يجلس يهوذا بوجهه التقي المتدين بجوار المسيح ويذهب ليخرج الشياطين في اسم المسيح، فإنه لم يكن محبا بارا للمسيح. بل كان يحب المال. كان يحب السلطة والملذات التي يمكن أن يشتريها المال.
يخبرنا بولس كيف يعمل ذلك جنبا إلى جنب مع قوة الشيطان. استمع إلى أفسس ٢: ١-٣ “وَأَنْتُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَمْوَاتًا بِالذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا، الَّتِي سَلَكْتُمْ فِيهَا قَبْلاً حَسَبَ دَهْرِ هذَا الْعَالَمِ، حَسَبَ رَئِيسِ سُلْطَانِ الْهَوَاءِ [لاحظ الربط: أموات بالخطايا، حسب الشيطان]، الرُّوحِ الَّذِي يَعْمَلُ الآنَ فِي أَبْنَاءِ الْمَعْصِيَةِ، الَّذِينَ نَحْنُ أَيْضًا جَمِيعًا تَصَرَّفْنَا قَبْلاً بَيْنَهُمْ فِي شَهَوَاتِ جَسَدِنَا، عَامِلِينَ مَشِيئَاتِ الْجَسَدِ وَالأَفْكَارِ، وَكُنَّا بِالطَّبِيعَةِ أَبْنَاءَ الْغَضَبِ كَالْبَاقِينَ أَيْضًا.” أموات بخطايانا، سالكين في شهوات الجسد، عَامِلِينَ مَشِيئَاتِ الْجَسَدِ وَالأَفْكَارِ، وبالتالي حسب رَئِيسِ سُلْطَانِ الْهَوَاءِ.
الشيطان لا يأسر الناس الأبرياء. لا يوجد أناس أبرياء. الشيطان لديه قوة حين تسطو العواطف والانفعالات الخاطئة. وكان يهوذا محبا للمال، وكان يخفي ذلك في العلاقة الزائفة الخارجيّة مع المسيح. ثم باعه بثلاثين قطعة من الفضة. كم من عشيرته مازال موجودا اليوم! لا تكن واحدا منهم. ولا تنخدع بواحد منهم.
٢) دور الشيطان في تدميره الخاص:
السؤال الثاني هو لماذا من شأنه الشيطان أن يقود يهوذا إلى خيانة المسيح. ألا يعلم أن موت وقيامة المسيح من شأنه أن يؤدي إلى هزيمة الشيطان النهائيّة (كولوسي ٢: ١٣-١٥؛ رؤيا ١٢: ١١)؟ هناك سبب وجيه للاعتقاد بأن الشيطان كان يعلم ذلك.
عندما بدأ يسوع خدمته في طريقه إلى الصليب حاول الشيطان أن يحوّله بعيدا عن طريق الآلم والتضحية. في البرية، جرّبه أن يحوّل الحجارة إلى خبز، وأن يقفز من الهيكل، وأن يحصل على حكم العالم عن طريق عبادته (متى ٤: ١-١١). والفكرة من وراء كل هذه التجارب هي: لا تسير في طريق الآلم والتضحية والموت. استخدم قوتك للهروب من الآلم. إن كنت ابن الله، أظهر حقك في الملك. ويمكنني مساعدتك في القيام بذلك. مهما فعلت، لا تذهب إلى الصليب.
ثم هل تتذكر الوقت الذي تنبأ فيه المسيح أنه سيتألم كثيرا من شيوخ ورؤساء الكهنة ويقتل وانتهره بطرس، وقال “حَاشَاك يَارَبُّ! لاَ يَكُونُ لَكَ هذَا!” (متى ١٦: ٢٢). وبعبارة أخرى، أنا لن أسمح لك أن تقتل بهذه الطريقة. لم يثني المسيح عليه. بل قال: “اذْهَب عَنِّي يَاشَيْطَانُ! أَنْتَ مَعْثَرَةٌ لِي، لأَنَّكَ لاَ تَهْتَمُّ بِمَا للهِ لكِنْ بِمَا لِلنَّاسِ” (متى ١٦: ٢٣). إعاقة المسيح من الذهاب إلى الصليب كان من عمل الشيطان. فالشيطان لم يكن يريد أن المسيح يُصلب. فسيكون خرابه.
ولكن هنا في لوقا ٢٢: ٣ يدخل في يهوذا ويقوده إلى خيانة الرب ويأتي به إلى الصليب. لماذا التراجع؟ لماذا محاولة صرفه عن الصليب، ثم أخذ زمام المبادرة لإحضاره إلى الصليب؟ لا نعرف الإجابة. هنا محاولتي للإجابة: رأى الشيطان جهوده لتحويل المسيح عن الصليب فاشلة. مرة بعد مرة، أصرّ المسيح على الطريق للصليب. كان وجهه ثابتا مثل الصوان أن يموت، واستنتج الشيطان أنه لا يمكن منعه. لذلك قرر بما إنه لا يستطيع منعه، أن يجعله على الأقل قبيحا ومؤلما ومفجعا بقدر الإمكان. ليس الموت فقط، ولكن الموت على يد الخيانة. الموت بالتخلي عنه. الموت بالإنكار (راجع لوقا ٢٢: ٣١-٣٢). إذا كان لا يمكن منعه، فسيجر الآخرين إليها، ويلحق ضررا بقدر ما يستطيع. لقد كانت سلسلة من الخطايا المذهلة التي جلبت المسيح إلى الصليب.
٣) دور الله في قتل ابنه:
وهو ما يقودنا الآن إلى السؤال الثالث والأخير والأهم: أين كان الله عندما حدث هذا؟ أو بتعبير أدق: ما هو دور الله أو عدم دوره في الخطية الأكثر إثارة التي حدث على الإطلاق، قتل يسوع المسيح؟
للإجابة على سؤال من هذا القبيل ينبغي لنا أن نضع أيدينا على أفواهنا ونُصمت أي تكهنات فلسفيّة. آرائنا لا يُعتد بها هنا. كل ما يهم هو ما أظهره الله نفسه لنا في كلمته. وأول ما يُظهره لنا هو أن التفاصيل المحيطة بموت المسيح قد تم التنبأ بها في كلمة الله قبل حدوثها بمئات السنين.
تنبّأ الكتاب المقدّس أن أشرارا سيرفضون المسيح عندما يأتي.
متى ٢١: ٤٢ “قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ (نقلا عن مزمور ١١٨: ٢٢): «أَمَا قَرَأْتُمْ قَطُّ فِي الْكُتُبِ: الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ هُوَ قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ؟ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ كَانَ هذَا وَهُوَ عَجِيبٌ فِي أَعْيُنِنَا!”
تنبّأ الكتاب المقدّس أم المسيح لابد وأن يُبغض.
في يوحنا ١٥: ٢٥ اقتبس المسيح من مزمور ٣٥: ١٩ وقال “لِكَيْ تَتِمَّ الْكَلِمَةُ الْمَكْتُوبَةُ فِي نَامُوسِهِمْ: إِنَّهُمْ أَبْغَضُونِي بِلاَ سَبَبٍ.”
تنبّأ الكتاب المقدّس أن التلاميذ سيتخلوا عن المسيح.
في متى ٢٦: ٣١ يقتبس زكريا ١٣: ٧ “كُلُّكُمْ تَشُكُّونَ فِىَّ فِي هذِهِ اللَّيْلَةِ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنِّي أَضْرِبُ الرَّاعِيَ فَتَتَبَدَّدُ خِرَافُ الرَّعِيَّةِ.”
تنبّأ الكتاب المقدّس أن المسيح سيُطعن ولكن لن يُكسر أي من عظامه.
يقتبس يوحنا من مزمور ٣٤: ٢٠ و زكريا ١٢: ١٠ ويقول: “وَاحِدًا مِنَ الْعَسْكَرِ طَعَنَ جَنْبَهُ بِحَرْبَةٍ… لأَنَّ هذَا كَانَ لِيَتِمَّ الْكِتَابُ الْقَائِلُ: «عَظْمٌ لاَ يُكْسَرُ مِنْهُ». وَأَيْضًا يَقُولُ كِتَابٌ آخَرُ: «سَيَنْظُرُونَ إِلَى الَّذِي طَعَنُوهُ».” (يوحنا ١٩: ٣٤-٣٧).
تنبّأ الكتاب المقدّس أن صديق المسيح المقرب سيبيعه بثلاثين قطعة من الفضة.
في يوحنا ١٣: ١٨، يستشهد المسيح بمزمور ٤١: ٩ قائلا: “لَسْتُ أَقُولُ عَنْ جَمِيعِكُمْ. أَنَا أَعْلَمُ الَّذِينَ اخْتَرْتُهُمْ. لكِنْ لِيَتِمَّ الْكِتَابُ: اَلَّذِي يَأْكُلُ مَعِي الْخُبْزَ رَفَعَ عَلَيَّ عَقِبَهُ.”
وفي متى ٢٦: ٢٤ يقول المسيح: “إِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ مَاضٍ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنْهُ، وَلكِنْ وَيْلٌ لِذلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي بِهِ يُسَلَّمُ ابْنُ الإِنْسَانِ. كَانَ خَيْرًا لِذلِكَ الرَّجُلِ لَوْ لَمْ يُولَدْ!”
وفي متى ٢٧: ٩-١٠ يقول: “حِينَئِذٍ تَمَّ مَا قِيلَ بِإِرْمِيَا النَّبِيِّ الْقَائِلِ: «وَأَخَذُوا الثَّلاَثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ، ثَمَنَ الْمُثَمَّنِ الَّذِي ثَمَّنُوهُ مِنْ بَني إِسْرَائِيلَ، وَأَعْطَوْهَا عَنْ حَقْلِ الْفَخَّارِيِّ، كَمَا أَمَرَنِي الرَّبُّ».” (إرميا ١٩: ١-١٣؛ زكريا ١١: ١٢-١٣).
وليس فقط الكتاب المقدّس، ولكن المسيح نفسه تنبّأ، بأدق التفاصيل، عن كيفيّة موته.
في مرقس ١٠: ٣٣-٣٤ يقول: “هَا نَحْنُ صَاعِدُونَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَابْنُ الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، فَيَحْكُمُونَ عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ، وَيُسَلِّمُونَهُ إِلَى الأُمَمِ، فَيَهْزَأُونَ بِهِ وَيَجْلِدُونَهُ وَيَتْفُلُونَ عَلَيْهِ وَيَقْتُلُونَهُ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ.”
وفي تلك الليلة الأخيرة، نظر المسيح إلى بطرس وقال: “الْحَق أَقُولُ لَكَ: إِنَّكَ فِي هذِهِ اللَّيْلَةِ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ دِيكٌ تُنْكِرُني ثَلاَثَ مَرَّاتٍ.” (متى ٢٦: ٣٤).
وفقا لمشيئته السياديّة:
من كل هذه النبوءات، نعلم أن الله توقّع، ولم يمنع، ولذلك شمل في خطته أن ابنه يُرفض، ويّكره، ويُترك، ويُخان، ويّنكر، ويُدان، ويبصقون عليه، ويُجلد، ويُسخر منه، ويُطعن، ويُقتل. كل هذه الامور كانت في فكر الله بوضوح قبل وقوعها لأنه كان قد خطط لها أنها ستحدث للمسيح. هذه الاشياء لم تحدث بشكل عفويّ. وإنما تم التنبأ بها في كلمة الله. علم الله أنها ستحدث وكان في إمكانه أن يخطط لمنعها، ولكنه لم يفعل ذلك. لذلك فقد حدثت وفق إرادته ذات السيادة.
وكانوا جميعهم شرا. كانوا خطية. فإنه خطية أن ترفض، وتكره، وتترك، وتخون، وتنكر، وتدين، وتبصق علي، وتجلد، وتسخر من، وتطعن، وتقتل ابن الله الكامل أخلاقيّا، صاحب الاستحقاق بلا حدود. ومع ذلك فإن الكتاب المقدس واضح وصريح أن الله نفسه قد خطط لهذه الأشياء. الأمر واضح ليس فقط في كل النصوص النبويّة التي شهدناها، ولكن أيضا في النصوص التي تقول بوضوح أكثر أن الله جعل هذه الأشياء تتحقق.
الله جاء بها:
على سبيل المثال، في إشعياء ٥٣: ٦ و١٠ يقول: “كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ، وَالرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا. أَمَّا الرَّبُّ فَسُرَّ بِأَنْ يَسْحَقَهُ بِالْحَزَنِ.” وهكذا غوراء البصق والجلد والاستهزاء والطعن كانت يد الله الخفيّة وخطته.
وأنا أقول ذلك بعناية وارتجاف. فهذه الحقيقة هي كبيرة جدا وثقيلة جدا وصادمة جدا لتؤخذ بسطحيّة أو بمغرور. أنا اخترت أن أقول إن يد الله الخفيّة وخطته هي وراء هذه الخطايا الأكثر إثارة في كل الكون، أكثر اذهالا وحزنا من سقوط الشيطان أو أي خطايا أخرى. السبب من استخدامي لهذه الكلمات ذاتها هي لأن الكتاب المقدّس يقول عنها بهذه الكلمات ذاتها.
يد وخطة الله:
في أعمال 4: 27-28، لدينا التصريح الأوضح، والأكثر صراحة بشأن يد الله وخطته وراء الصلب المروّع لابنه. “لأَنَّهُ بِالْحَقِيقَةِ اجْتَمَعَ عَلَى فَتَاكَ الْقُدُّوسِ يَسُوعَ، الَّذِي مَسَحْتَهُ، هِيرُودُسُ وَبِيلاَطُسُ الْبُنْطِيُّ مَعَ أُمَمٍ وَشُعُوبِ إِسْرَائِيلَ، لِيَفْعَلُوا كُلَّ مَا سَبَقَتْ فَعَيَّنَتْ يَدُكَ (cheir) وَمَشُورَتُكَ (boule) أَنْ يَكُونَ.” هذه هي الكلمتان التي استخدامها: يد الله ومشورة أو خطة الله.
إنها لطريقة غريبة القول بأن يد الله ومشورته قد عيّنت كل ما يحدث. فالإنسان لا يفكر عادة أن “يد” الله تعيّن. كيف يمكن لليد أن تعيّن؟ هذا ما أعتقد أنه المقصود: إن يد الله تشير عادة إلى ممارسة قوة الله، وليس القوة بصورة مجردة، ولكن أرضيّة، الجهود الفعّالة للقوة. والفكرة من وراء ذكرها جنبا إلى جنب مع “المشورة” هو القول إنها ليست مجرد خطة أو مشورة نظريّة، بل هي مشورة سيتم تنفيذها بيد الله نفسه.
هذا ما يفسر إشعياء ٥٣: ١٠ “أَمَّا الرَّبُّ فَسُرَّ بِأَنْ يَسْحَقَهُ بِالْحَزَنِ.” الرب سحقه. فوراء هيرودس وبيلاطس والأمم وشعب إسرائيل كان أب المسيح نفسه الذي أحبه بمحبة بلا حدود.
الإنجيل: الله يعمل في الموت:
لماذا ينبغي أن يعنيك هذا الأمر؟ ينبغي يعنيك هذا الأمر لأنه إن لم يكن الله هو الفاعل الرئيسيّ في موت المسيح، إذا فلن يستطيع موت المسيح أن يخلصنا من خطايانا، وسنهلك في جهنم إلى الأبد. سبب أن موت المسيح هو قلب الإنجيل، قلب الأخبار السارة، هو أن الله كان الفاعل لذلك. رومية ٥: ٨ “وَلكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا.” إن انتزعت دور الله في موت المسيح، فستفقد الإنجيل. كان هذا فعل الله. إنها أعلى وأعمق مستوى من محبته للخطاة. محبته لك.
رومية ٨: ٣ “فَاللهُ إِذْ أَرْسَلَ ابْنَهُ فِي شِبْهِ جَسَدِ الْخَطِيَّةِ، وَلأَجْلِ الْخَطِيَّةِ، دَانَ الْخَطِيَّةَ فِي الْجَسَدِ.” دان الله الخطية في جسد المسيح مع دينونتنا. لذلك نحن أحرار.
غلاطية ٣: ١٣ “اَلْمَسِيحُ افْتَدَانَا مِنْ لَعْنَةِ النَّامُوسِ، إِذْ صَارَ لَعْنَةً لأَجْلِنَا.” لعن الله المسيح باللعنة التي كانت لنا. لذلك نحن أحرار.
٢ كورنثوس ٥: ٢١ “لأَنَّهُ [الله] جَعَلَ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اللهِ فِيهِ.” نسب الله خطيتنا إليه، والآن نحن أحرار في بر الله.
إشعياء ٥٣ :٥ “وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا.” جرحه الله. وسحقه الله. لأجلك ولأجلي. لذلك نحن أحرار.
صليب المسيح: عمل ومحبة الله:
السبب أن هذه السلسلة من العظات مهمة هو هذا. إن قبلت الحق الكتابيّ (وأصلي أن تقبله) أن الله قد عيّن خطايا مذهلة للمجد العالمي لابنه، بدون أن يصبح بأية حال غير قدوس أو غير بار أو خاطئ في هذا الفعل، فإنك لن تتراجع عن صليب المسيح كعمل الله. لن تكون من بين عدد من الذين يدعون أعظم فعل للمحبة كان في أي وقت مضى “الإساءة للطفل الإلهي.” سوف تأتي إلى الصليب، وتخر على وجهك. وتقول: هذه ليست مجرد مؤامرة بشريّة. إنه عمل الله ومحبة الله. سوف تحصل عليه كهدية عظمى. وسوف تخلص. وسيتمجّد المسيح. ولن أكون قد وعظت من دون جدوى.