هل يوجد دليل على وجود السماء؟

هل الأشياء غير المرئيَّة لها وجود؟ الإجابة واضحة بمجرَّد أن تأخذ في اعتبارك الأكسجين أو الجاذبيَّة أو إشارة الواي فاي التي تستخدمها لقراءة هذه المقالة. ولكن ماذا عن الحقائق غير المرئيَّة التي لا يمكن قياسها بطريقة علميَّة؟ حسنًا، فكِّر في الحبِّ، أو الكرامة، أو العدل، أو الرجاء.

الآن، هل يمكن أن يكون هناك عالم روحيٌّ، رغم أنَّه غير مرئيٍّ، فهو حقيقيٌّ تمامًا أيضًا؟ هذا بالضبط ما يعلِّم به الكتاب المقدَّس (2 كورنثوس 4: 18). وإحدى هذه الحقائق هي السماء.

في حين أنَّه من المستحيل إثبات وجود السماء بنفس الطريقة التي تثبت بها وجود شيكاغو، إلاَّ أنَّ هذا لا يعني أنَّ هذا مكان خياليٌّ. من المؤكَّد أنَّ الإيمان بالسماء يتلخَّص في النهاية في وجود عنصر الإيمان؛ وهذا ليس إيمانًا أعمى أو غير عقلانيٍّ، ولكنَّه إيمان مع ذلك. كما يعبِّر عن ذلك كاتب العبرانيِّين: “وَأَمَّا الإِيمَانُ فَهُوَ الثِّقَةُ بِمَا يُرْجَى وَالإِيقَانُ بِأُمُورٍ لاَ تُرَى” (عبرانيِّين 11: 1).

يؤمن المسيحيُّون بالسماء في الأساس لأنَّهم يؤمنون بالكتاب المقدَّس الذي يتحدَّث بوضوح عن السماء. يمكنك الاعتماد بحياتك على كلمة الله. من المسلَّم به أنَّنا كثيرًا ما نتوق إلى شيء أكثر يقينيَّة، وأكثر قابليَّة للإثبات، وأكثر إثارة للإعجاب من مجرَّد كلمات موجودة في كتاب. ومع ذلك، يخبرنا بطرس أنَّ الكتاب المقدَّس هو إعلان أكثر يقينيَّة حتَّى من يسوع نفسه في مجد تجلِّيه (2 بطرس 1: 19). هذا ادِّعاء مذهل. إنَّه يقول إنَّ الكتاب المقدَّس نفسه هو أحد “البراهين” الأكثر إقناعًا التي قدَّمها الله على الإطلاق.

لذلك، في حين أنَّ الكتاب المقدَّس قد لا يخبرنا بكلِّ شيء نريد أن نعرفه عن السماء، إلاَّ أنَّه يخبرنا بكلِّ ما نحتاج إلى معرفته. فشهادته كاملة وكافية ووافية.

هل السماء حقيقيَّة؟

 السماء فكرة مألوفة للكثيرين منَّا، ولكن ما هي بالضبط؟ بكلِّ بساطة، هي المكان الذي يعيش فيه الله. “أَبَانَا ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ”، كما نقول في الصلاة الربَّانيَّة. الآن، هذا لا يعني أنَّ الله غير موجود في مكان آخر. إنَّه حاضر في كلِّ مكان. لكن السماء هي المكان الذي يسكن فيه بحضوره بشكل فريد للبركة. إنَّه مكان كنزنا (متَّى 19: 21)، موطننا (فيلبِّي 3: 20)، ميراثنا (1 بطرس 1: 4-5)، والرجاء المخزون لأجلنا (كولوسي 1: 5).

ربَّما لاحظت أنَّني أستمرُّ في استخدام كلمة “مكان”. ذلك لأنَّ السماء ليست مجرَّد مفهوم أو حالة ذهنيَّة؛ إنَّها موقع حقيقيٌّ (يوحنَّا 14: 2–3؛ أعمال الرسل 1: 9-11؛ 7: 55-56). عندما يموت أتباع يسوع، على الرغم من أنَّ أجسادنا تبقى على الأرض، فأرواحنا تدخل على الفور إلى محضر الله (فيلبِّي 1: 23؛ 2 كورنثوس 5: 8). هذه حالة مؤقَّتة أو “حالة وسيطة” حتَّى اليوم الذي يعود فيه يسوع وتُقام أجسادنا وتتَّحد مع أرواحنا من جديد إلى الأبد.

لا ملائكة صغار لطفاء

إذاً، فإنَّ رجاءنا النهائيَّ كمسيحيِّين ليس الجلاء عن هذه الأرض بل استعادة هذه الأرض. ذات يوم، ستشقُّ مدينة السماء الأجواء حيث يرث الخطاة المفديُّون عالمًا مفديًّا (رؤيا 21: 1-4؛ راجع 2 بطرس 3: 13؛ رومية 8: 13). هذا هو السبب في أنَّ الكتاب المقدّس يصوِّر بيتنا المستقبليَّ بعبارات مادِّيَّة ملموسة؛ “سَمَاوَاتٍ جَدِيدَةً وَأَرْضًا جَدِيدَةً” (إشعياء 65: 17؛ 2 بطرس 3: 13؛ رؤيا 21: 1-4). بعبارة أخرى، لن نطوف بالقيثارات الذهبيَّة مع الملائكة الصغار اللطفاء. سنركض ونعمل ونلعب ونغنِّي ونضحك ونرتاح ونستمتع بعجائب الله الصالح والجميل التي لا نهاية لها.

لذلك من الجيِّد أن نتحدَّث عن الأبديَّة في “السماء” طالما أنَّنا نتذكَّر أنَّ الكلمة هي مجرَّد اختصار للسماء الجديدة والأرض الجديدة؛ عالم من الفرح الأبديِّ المتزايد في محضر ملكنا.

الشوق لتلك اللحظة

حسب سفر الجامعة، فقد “جَعَلَ [الله] الأَبَدِيَّةَ فِي قَلْبِهِمِ” (جامعة 3: 11). كأشخاص خُلقوا على صورته، نحن كائنات أبديَّة لها شوق فطريٌّ وقدرة على الحياة الأبديَّة. لقد خُلقنا لنعيش إلى الأبد.

رغبة البشريَّة في السعادة التي لا تنتهي أمر لا يمكن إشباعه ولا يمكن إنكاره. ضع في اعتبارك القلق العميق وعدم الرضا الذي نشهده غالبًا بين أكثر الأشخاص إنجازًا في العالم. لديهم كلُّ شيء، ومع ذلك لا يزال هناك شيء مفقود. كما قال الممثِّل جيم كاري ذات مرَّة: “أعتقد أنَّه يجب على الجميع أن يصبحوا أثرياء ومشهورين ويفعلوا كلَّ ما حلموا به حتَّى يتمكَّنوا من رؤية أنَّ هذا ليس هو الجواب الصحيح”.

ما الذي يفسِّر هذا؟

في مقال مطوَّل بعنوان “عن القصص الخياليَّة”، يتأمَّل جي. آر. آر. تولكين في حبِّ الإنسان للقصص الخياليَّة. يعرف العصريُّون الصالحون أمثالنا أنَّ القصص ليست حقيقيَّة؛ فلماذا ننجذب إليها إذًا؟ يقترح تولكين أنَّها تحتوي على ميزات لها صدى فريد يتردَّد في أرواحنا، أشياء مثل:

  • التضحية بالنفس بشكل بطوليٍّ
  • الخروج خارج الزمن
  • التواصل مع كائنات غير بشريَّة
  • الانتصار على الشرِّ
  • الإفلات من الموت
  • الحبُّ من دون فراق (“السعادة الأبديَّة”)

تستغلُّ القصص الخرافيَّة الرغبات التي لا يمكن للخيال الواقعيِّ أن يمسَّها. على الرغم من أنَّنا مقتنعون فكريًا بأنَّ لا شيء يمكن أن يلبِّي رغباتنا في ما هو “رائع لدرجة أنَّه لا يمكن أن يكون حقيقيًّا”، فإنَّ هذه الرغبات لن تتركنا وشأننا. في أعماقنا، لدينا شكٌّ مزعج -رجاء- في أنَّ عالمنا ليس بالطريقة التي من المفترض أن يكون عليها، وليس على النحو الذي سيظل عليه دائمًا. لذلك، من خلال نقلنا إلى أماكن “في الخارج”، توقظ القصص الخياليَّة الشوق الثابت “هنا”. إنَّها تشير إلى أنَّ الواقع الأساسيَّ الذي نشعر به في أعماق أرواحنا صحيح بصورة ما.

يكمن جمال المسيحيَّة في أنَّ الإنجيل ليس مجرَّد قصَّة أخرى رائعة تشير إلى الحقيقة الأساسيَّة، بل إنَّ الإنجيل هو الواقع الأساسيُّ الذي تشير إليه جميع القصص الأخرى. عندما يعود يسوع، ما كان يبدو دائمًا أنَّه بعيد المنال و”أروع من أن يكون حقيقيًّا” سوف يصطدم بالحاضر، ويغلِّف خبرتنا ويغمرنا بالفرح.

ربَّما يعبِّر سي. إس. لويس، صديق تولكين، عن هذا بأفضل صورة: “إذا وجدنا في أنفسنا رغبة، لا يمكن لأيِّ شيء في هذا العالم أن يشبعها، فالتفسير الأكثر احتماليَّة هو أنَّنا خُلقنا لعالم آخر”.

باب السماء المفتوح

كتب البيوريتانيُّ توماس بروكس: “لا يمكن المبالغة بشأن المسيح ولا السماء”. من المستحيل المبالغة في تقدير روعة الحياة مع المسيح في العالم الآتي. ستكون السماء أبديَّة لأنَّ أبعاد نعمته التي سيتمُّ استكشافها ستكون بلا نهاية.

على الرغم من عدم قدرتك أنت أو أنا على “إثبات” وجود السماء علميًّا (أو إثبات عدم وجودها بالطبع)، فإنَّه اعتقاد معقول تمامًا أن نتمسَّك به. تشهد شهادة الكتاب المقدَّس الجديرة بالثقة، وكذلك الشوق الذي لا ينضب في أرواحنا، بقوَّة على حقيقتها.

أخيرًا، يجب أن نتذكَّر أنَّ السبب الوحيد الذي يجعلنا نذهب إلى السماء هو أنَّ الله ترك السماء ليأتي إلينا. منذ ألفي عام، في شخص يسوع المسيح، عاش الله الحياة التي فشلنا في أن نعيشها، ومات الموت الذي نستحقُّ أن نموته، وقام مرَّة أخرى حتَّى يتمتَّع به كلُّ من يقبله إلى الأبد.

إذا كنت تثق بأنَّ يسوع يخلِّصك، فإنَّ قاضي الكون ينظر إليك –بخطاياك وكلِّ شيء- ويرى ابنه الذي بلا عيب.

سأل أ. دبليو. توزر: “هل توقَّفتَ يومًا لتفكِّر أنَّ الله سيكون سعيدًا بوجودك معه في السماء مثلما يسعدك أن تكون هناك؟”

أنا لا أستطيع الانتظار. ماذا عنك؟

شارك مع أصدقائك

مات سميثرست

حاصل على ماجستر اللاهوت من كلية اللاهوت المعمدانية الجنوبية ويخدم كراع لكنيسة ريفر سيتي المعمدانية وكمحرر في ائتلاف الإنجيل.