كيف تستعد كنيستك لنهضة حقيقية؟

كثيرًا ما نتحدث عن “النهضة”، ونصلي من أجلها، وندعو الآخرين إليها. ولكن، هل تساءلنا يومًا: ما هي النهضة حقًا؟ وعندما نسمع هذه الكلمة، ما الصورة الذهنية التي تتشكل أمامنا؟ وهل هي صورة كتابية صحيحة، أم انعكاس لتأثيرات ثقافية معاصرة؟

أولًا: النهضة ليست مهرجانًا أو مؤتمرًا ضخمًا

يظن البعض أن النهضة هي حضور الآلاف في استاد، أو مؤتمر مليء بالحماس والموسيقى. هذا في حقيقته تصور مستورد من الثقافة الأمريكية المعاصرة، حيث يتم التركيز على الأرقام والضجة والتنظيمات الضخمة. لكن الكتاب المقدس لا يربط نهضة الكنيسة بهذا النمط.

النهضة الحقيقية تبدأ من الكنيسة المحلية، حتى ولو كانت صغيرة العدد. فالرب يسوع لم يقل: “سأبني مؤتمرات أو أيام روحيّة”، بل قال: “أبني كنيستي” (متى 16: 18). الكنيسة المحلية هي الحقل الذي يعمل فيه روح الله. والمؤتمرات قد تكون نافعة، ولكنها ليست غاية في ذاتها، بل وسيلة. أما الغاية فهي نمو الكنيسة وتقديس أعضائها.

ثانيًا: النهضة لا ترتبط بشخص معين

كثيرًا ما نربط النهضة بقدوم خادم شهير أو واعظ موهوب، كأن حضور هذا الشخص سيجلب النهضة تلقائيًا. ولكن النهضة لا تأتي بواسطة شخص واحد، بل من خلال جسد المسيح كله، أي الكنيسة، وبالروح القدس. فعبر التاريخ، كانت النهضات الروحيّة تأتي في الكنيسة، وبالكنيسة، وللكنيسة:

  • في الكنيسة: لأن هنا في هذا المكان–في وسط المؤمنين الحقيقيين–وعد الرب بأن يكون في وسطهم.
  • وبالكنيسة: أي من خلال كل فرد وكل عضو في الكنيسة بمختلف مواهبهم وإمكانياتهم مهما كانت بسيطة: “لأَنَّهُ لَيْسَ لِلرَّبِّ مَانِعٌ عَنْ أَنْ يُخَلِّصَ بِالْكَثِيرِ أَوْ بِالْقَلِيلِ” (1 صموئيل 14: 6).
  • وللكنيسة: فهدف كل النهضات الروحيّة، وهدف كل المواهب الروحية هو شيء واحد: “لأَجْلِ تَكْمِيلِ الْقِدِّيسِينَ . . . لِبُنْيَانِ جَسَدِ الْمَسِيحِ” (أفسس ٤: ۱۲).

ثالثًا: النهضة ليست أضواءً ولا عجائب خارقة

قد نظن أن النهضة تعني بالضرورة حدوث معجزات وظهور مواهب فائقة للطبيعة، ولكن الله لا يعمل دائمًا بالطريقة ذاتها أو وفق نمط واحد. وللأسف، قد أصبحنا متدينين على نحو مفرط، وألفنا شكلاً معينًا من العبادة، حتى ظننا أن حضور الله لا يأتي إلا من خلاله، وأن النهضة لا تحدث إلا بذلك الأسلوب الذي اعتدناه واختبرناه. لقد حصرنا عمل الله في قالبٍ صنعناه بأنفسنا، ووضعنا ثقتنا في الطريقة، لا في الرب ذاته. فإن لم يتجلَّ الله في كنائسنا بالصورة التي رسمناها في أذهاننا، حسبنا أن حضوره لم يكن حقيقيًّا، أو أن كنيستنا ليست في نهضة.

تأمَّل في قصة إيليا النبي كمثال. لقد قاد نهضة عظيمة على جبل الكرمل، حينما استجاب الرب له بنار من السماء، معلنًا سلطانه على آلهة البعل. ولكن في المرة التالية التي ظهر فيها الرب لإيليا، لم يكن حضوره مصحوبًا بضجيج أو مظاهر خارقة، بل جاء إليه في “صوت منخفض خفيف” (1 ملوك 19: 12)، في سكون مهيب يكشف عن عمق حضوره.

إن المعجزات ليست دليل على رضى الله أو على النهضة (فكّر في معجزة خروج الماء من الصخرة للمرة الثانية حين أمر الرب موسى أن يُكلّم الصخرة، فضربها (العدد 20: 11–12)! لقد حدثت المعجزة، ولكن الرب قال لموسى وهارون: “أَنَّكُمَا لَمْ تُؤْمِنَا بِي حَتَّى تُقَدِّسَانِي أَمَامَ أَعْيُنِ بَنِي إِسْرَائِيلَ”.

فالمعجزات والمواهب الروحية ليست أوسمة نُعلّقها على صدورنا، ولا هي تصاريح دخول إلى حضرة الله، وليست ضمانة أكيدة بأن النهضة ستتم من خلالنا. إنما الذين يعاينون الله بحق هم “أنقياء القلب” (متى 5: 8)، أولئك الذين يدخلون إلى الأقداس بثقة بفضل دم يسوع المسيح، تاركين وراءهم خطاياهم، سالكين في طريق القداسة، التي بدونها “لن يرى أحد الرب” (عبرانيين 12: 14).

رابعًا: النهضة لا تُقاس بالأعداد، بل بنوعية المؤمنين

العالم يفكر بالحجم والعدد، لكن ملكوت الله يشبه “الخميرة” و”حبة الخردل” (متى 13). ليس المهم كم عدد الحاضرين، بل نوعية حياة الذين تغيّروا. النهضة الحقيقية تخلق أناسًا يتبعون المسيح بصدق وتواضع.

خامسًا: النهضة ليست مخططة لكنها تُستقبل بتوقُّع

إن النهضة لا تأتي وفق جدول أعمال منظم، ولا يمكن صناعتها بترتيبات بشرية دقيقة، بل هي عطية إلهية تُمنَح للقلوب الجائعة والعطشى إلى البر. كما قال الرب يسوع: “طوبى للجياع والعطاش إلى البر، لأنهم يُشبعون” (متى 5: 6). صحيح أن توقيت النهضة لا يمكن التنبؤ به، لكنها تأتي إلى القلوب المشتاقة والمتوقعة لعمل الله، تلك التي تترقّب بلهفة افتقاد الروح القدس لبيتها الروحي، أي الكنيسة. فهو، بحسب نعمته، يُشبع الجياع خيرات، أما الذين يظنون أنفسهم أغنياء ومكتفين، فيُصرَفون فارغين (راجع لوقا 1: 53).

سادسًا: النهضة لا تأتي من دون كلمة الله

جميع النهضات الكتابية – في أيام عزرا، نحميا، حزقيا، ويوشيا – ارتبطت برجوع الشعب إلى كلمة الله. لا يُمكن أن نختبر نهضة روحية من دون الكلمة الحية والفعّالة. وعندما علّم المسيح الجموع التائهة، لم يُشبعهم بالخبز أولاً، بل بالكلمة (مرقس 6: 34). وعندما ودّع بولس قسوس أفسس، لم يسلّمهم إلى أي شيء سوى “لِلَّهِ وَلِكَلِمَةِ نِعْمَتِهِ، الْقَادِرَةِ أَنْ تَبْنِيَكُمْ” (أعمال 20: 32).

سابعًا: ثمر النهضة هو الخدمة والتكريس، لا مجرد العاطفة

النهضة ليست مجرد مشاعر دافئة أو تأثرًا وقتيًّا خلال اجتماع روحي، بل هي تحوُّل حقيقي في نمط الحياة، يُكرَّس فيه الإنسان لخدمة الرب. ففي يوم الخمسين (أعمال 2)، لم يخرج التلاميذ من عُليّة صهيون وقد امتلأت قلوبهم بالتعزية فقط، بل خرجوا مملوئين بالروح القدس ليكرزوا ببشارة نعمة الله، ويشهدوا للمسيح المقام بقوة. لقد خرجوا من ذواتهم، ومن انغلاقهم، ومن خلافاتهم القديمة — وهم الذين، قبل أسابيع قليلة، كانوا يتخاصمون فيما بينهم عمن هو الأعظم في الملكوت (لوقا 22: 24). لكن النهضة الحقيقية جعلتهم رسلًا للمصالحة، وليسوا طلاب مجد شخصي.

ثامنًا: النهضة ليست كموجة بحر عاتية تضرب الجميع

قد تمرّ النهضة بجوار كثيرين دون أن يدروا بها أو يلحظوا حدوثها، تمامًا كما حدث مع أورشليم، حيث سار الرب يسوع في شوارعها، وعلَّم، وصنع المعجزات، وافتقدها برحمته، لكنها لم تُدرك ما كان يحدث في وسطها، إذ قال عنها: “لَمْ تَعْرِفِي زَمَانَ افْتِقَادِكِ” (لوقا 19: 44). وكذا الحال مع الجموع التي زاحمت يسوع من كل جهة، لكن امرأة واحدة فقط، لمسته بإيمان، فخرجت منها قوة وشفاها الرب (مرقس 5: 27–34).

النهضة الحقيقية في كنائسنا المحلية قد لا تكون في الضجيج ولا في الحشود، بل في لقاء بسيط لدرس الكتاب، أو في اجتماع صلاة متواضع، أو حتى في عبادة يوم الأحد التي ربما سئمت منها لأن نمطها لا يُناسب ذوقك أو توقُّعاتك. قد تكون النهضة حاصلة وأنت غافل، تنظر بعيدًا، مترقِّبًا ما تظنه “نهضة” بمقاييسك البشرية.

ارجع إلى كنيستك المحلية. اخدم الرب هناك بأمانة، شجّع المؤمنين على الالتفاف حول كلمة الله، وثق أن النهضة قد تكون واقعة بالفعل — لأنها لم تنقطع منذ يوم الخمسين، بل هي مستمرة حيثما يُكرز بالإنجيل، ويُعمل بالروح القدس في قلوب الجياع للبر.

شارك مع أصدقائك

مينا م. يوسف

يدرس حاليًا درجة الدكتوراة (Ph.D) في الإرساليات والأديان المقارنة في الكليّة المعمدانيّة الجنوبيّة، بولاية كنتاكي الأمريكيّة. كما حصل على درجة الماجستير (M.A) في الدراسات الإسلاميّة من جامعة كولومبيا الدوليّة، بولاية ساوث كارولاينا الأمريكيّة. ويعمل كرئيس تحرير ائتلاف الإنجيل (TGC عربي)، وكمساعد أستاذ للدراسات العربيّة والإسلامية بالكليّة المعمدانية الجنوبية بولاية كنتاكي الأمريكية. كما عمل في السابق كمدير مشروعات الشرق الأوسط في خدمات الألفيّة الثالثة، وشارك في تأليف كتاب Medieval Encounters باللغة الإنجليزيّة.