خروج ١٩: ١–٩أ
تقول كلمة الله ان العهد الذي صنعه الله مع إبراهيم تم تجديده مع ابنه إسحاق. ففي تكوين ٢٦: ٣ يقول الله لإسحاق: “لَكَ وَلِنَسْلِكَ أُعْطِي جَمِيعَ هذِهِ الْبِلاَدِ، وَأَفِي بِالْقَسَمِ الَّذِي أَقْسَمْتُ لإِبْرَاهِيمَ أَبِيكَ.” ومن ثم لابن إسحاق، يعقوب، حين ظهر الله له في بيت إيل (وفقا لتكوين ٢٨: ١٣-١٥)، وأكد العهد له قائلاً: “أَنَا الرَّبُّ إِلهُ إِبْرَاهِيمَ أَبِيكَ وَإِلهُ إِسْحَاقَ. الأَرْضُ الَّتِي أَنْتَ مُضْطَجِعٌ عَلَيْهَا أُعْطِيهَا لَكَ وَلِنَسْلِكَ. وَيَكُونُ نَسْلُكَ كَتُرَابِ الأَرْضِ … وَيَتَبَارَكُ فِيكَ وَفِي نَسْلِكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ. وَهَا أَنَا مَعَكَ، وَأَحْفَظُكَ حَيْثُمَا تَذْهَبُ.” في ذلك الوقت قد لا يكون يعقوب على علم أنه سيذهب إلى مصر وأن نسله سيكون عبيدا لمدة ٤٠٠ سنة وأن الوعد سيظل كامن، حتى يؤكده الله من جديد مع موسى.
من التعاسة في مصر إلى العهد الموسوي:
لكن طرق الله نادرا ما تكون طرقنا، فقد كانت بالفعل خطته أن ينتقل بشعب عهده من خلال مآسي مصر نحو أرض الموعد. (راجع نبوءة تكوين ١٥: ١٣). وهذا المبدأ الإلهي لم يتغير حتى يومنا هذا: “إِنْ كُنَّا نَتَأَلَّمُ مَعَهُ لِكَيْ نَتَمَجَّدَ أَيْضًا مَعَهُ.” (رومية ٨: ١٧). ولكن بعد ليلة مظلمة طويلة من نفس إسرائيل، طلع الفجر. فدعا الله موسى، وبيد قوية وذراع ممدودة حرّر الله شعبه من نير العبوديّة. عبروا البحر الأحمر على أرض يابسة. حصلوا على طعاما من السماء وماءً من الصخرة. وبعد ثلاثة أشهر وصولوا إلى جبل سيناء. وهنا صنع الله عهدا مقدسا مع إسرائيل لتأكيد العهدالذي صنعه مع إبراهيم وإسحاق ويعقوب.
فعمليّا كل الإصحاحات في خروج ١٩-٣٤ تتعلق باقامة هذا العهد، عهد الله مع شعب اسرائيل الذي اعطاه الله لموسى على جبل سيناء. وهذا ماسيتوضح لنا من خلال الاسئلة التي سنطرحها والإجابة عليها في السطور القادمة. اما اسئلتنا فهي كالتالي:
كيف أُقيمَ هذا العهد؟
ما هي الوعود الإلهيّة والشروط الإنسانيّة التي شكّلت هذا العهد؟
كيف يقود مفهوم العهد خطة الله إلى عمل يسوع المسيح؟.
أ) كيف أُقيم هذا العهد؟
دعونا نتجول في هذه الإصحاحات المهمة معا. وسوف تتبين الملامح الرئيسية من خلال جولتنا. في (خروج ١٩: )٣ صعد موسى للمرة الأولى إلى جبل سيناء، وأعلن الله له عن الشروط العامة للعهد في الآيات ٥ و ٦: إن سمعتم لي وحفظتم عهدي، تكونون لي خاصة، ومملكة كهنة وأمة مقدسة. نزل موسى، وأخبر الشعب، وفي الآية ٨ قبلوا العهد: “كُلُّ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الرَّبُّ نَفْعَلُ.” عاد موسى بهذا القبول للرب، وفي الآية ٩ قال الرب أنه سيأتي ليتحدث في مسامع الشعب، لكي يصدقوا موسى.
في خروج ١٩: ١٠-١٥ أمر الله موسى أن يقدّس الشعب. بعد ثلاثة أيام يقتربون من الجبل. بعد ثلاثة أيام ينزل الرب بالنار، وغطى الدخان الجبل. دعا الله موسى إلى أعلى (آية ٢٠) وأرسله مرة أخرى مع تحذير للشعب ألا يقتحموا فيسقطوا (الآيات ٢١، ٢٤). ثم خاطب الله نفسه (٢٠: ٢٢) الشعب في ٢٠: ١-١٧ أعطى الوصايا العشر. ارتعد الشعب من صوت الله (في الآيات ١٨-١٩) وطلبوا من موسى: “تَكَلَّمْ أَنْتَ مَعَنَا فَنَسْمَعَ. وَلاَ يَتَكَلَّمْ مَعَنَا اللهُ لِئَلاَّ مُوتَ.” لذا في ٢٠: ٢١ اقترب موسى من الضباب وأخذ ما تبقى من الشرائع من الرب. وترد هذه الشرائع في الإصحاحات ٢١-٢٣، وتشمل تفاصيلا أكثر من الوصايا العشر.
في خروج ٢٤: ١-٢ قال الله لموسى أن يجمع الكهنة والشيوخ وأن يصعدوا إلى الجبل. ولكن أولا في خروج ٢٤: ٣ حدّث موسى بجميع الشرائع إلى الشعب، ومرة أخرى قبلوا شروط العهد: “كُل الأَقْوَالِ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا الرَّبُّ نَفْعَلُ.” ثم كتب موسى الكلمات التي تلقّاها في كتاب (آية ٤)، وبنى مذبحا، وذبحوا ذبائح من الثيران، وختم العهد بالدم. رش بعض الدم على المذبح، وقرأ الكتاب للشعب، ورش بعض الدم على الشعب (الآيات ٥-٨). المعنى الضمني هو على الأرجح أن الشعب صنع حلفا أنهم اذا كسروا العهد، سيسفك دمائهم مثل الثيران وسيكون الأمر على رؤوسهم.
ثم (في خروج ٢٤: ٩-١٠) صعد موسى وهارون وناداب وأبيهو والشيوخ السبعين إلى الجبل في منتصفه وكان عيدا ورأوا مجد الله. ولكن في الآية ١٢ دعى الرب موسى لكي يصعد أكثر حتى يحصل على “لَوْحَيِ الْحِجَارَةِ” التي كتبها الله. فصعد موسى في السحاب (آية ١٨) وظل أربعين يوما. تعطي الإصحاحات ٢٥-٣١ الرسالة التي تكلم بها الله لموسى، وهي تحديدا خطة لخيمة الاجتماع المراد بناؤها ولخدمة الكهنة. عندما فرغ الله من الكلام أعطى موسى لوحي الشهادة (٣١: ١٨) لكي يحملهما إلى الشعب كوثيقة عهد موقعة شخصيّا منه، اي من قبل الرب.
ولكن خلال الأربعين يوما التي صعد فيها موسى الجبل ليستلم العهد كسر الشعب بالفعل وعدهم في العهد وصنعوا صنما. ففي خروج ٣٢: ٨ قال الله: “زَاغُوا سَرِيعًا عَنِ الطَّرِيقِ الَّذِي أَوْصَيْتُهُمْ بِهِ.” صلّى موسى لأجل الشعب وحجب الله دماره (٣٢: ١١-١٤). وعندما نزل موسى إلى المحلة (آية ١٩)، كسر لوحي العهد ليظهر كيف أن الشعب قد كسر العهد مع الله. فقتل بنو لاوي ٣٠٠٠ رجل (٣٢: ٢٨)، وأرسل الله ضربة (آية ٤٥) ولكن صُفح عن الشعب ككل من خلال صلاة موسى.
والسؤال المطروح الآن هو، ماذا تبقى من العهد؟ فهم كسروه حتى قبل أن يكتمل. وعليهم ان يواجهو نتائج كسر العهد، ولو استند هذا العهد على الأعمال أو العدل الصارم وحده لكان قد أنتهى أمر إسرائيل. ولكن ليبيّن الله أن العهد يستند على النعمة جدد عهده واستخدم كلمتان مهمتان تجعل هذا الأساس الكريم واضحا. ففي (خروج ٣٤: ١) قال الله لموسى أن يصنع لوحي حجر آخرين وأن يصعد الجبل مرة أخرى. في ٣٤: ٦-٧ أعلن الله عن نفسه، وعن أساس العهد المجدد: “فَاجْتَازَ الرَّبُّ قُدَّامَهُ، وَنَادَى الرَّبُّ: «الرَّبُّ إِلهٌ رَحِيمٌ وَرَؤُوفٌ، بَطِيءُ الْغَضَبِ وَكَثِيرُ الإِحْسَانِ وَالْوَفَاءِ. حَافِظُ الإِحْسَانِ إِلَى أُلُوفٍ. غَافِرُ الإِثْمِ وَالْمَعْصِيَةِ وَالْخَطِيَّةِ. وَلكِنَّهُ لَنْ يُبْرِئَ إِبْرَاءً. مُفْتَقِدٌ إِثْمَ الآبَاءِ فِي الأَبْنَاءِ، وَفِي أَبْنَاءِ الأَبْنَاءِ، فِي الْجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابعِ».” ترافع موسى في الآية ٩ “اغْفِرْ إِثْمَنَا وَخَطِيَّتَنَا وَاتَّخِذْنَا مُلْكًا.” واستجاب الرب في الآية ١٠ “هَا أَنَا قَاطِعٌ عَهْدًا. قُدَّامَ جَمِيعِ شَعْبِكَ أَفْعَلُ عَجَائِبَ لَمْ تُخْلَقْ فِي كُلِّ الأَرْضِ وَفِي جَمِيعِ الأُمَمِ.”
ثم في (خروج ٣٤: ٢٧-)٢٨ ختم الرب هذا الاجتماع الأخير على جبل سيناء كهذا: “وَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «اكْتُبْ لِنَفْسِكَ هذِهِ الْكَلِمَاتِ، لأَنَّنِي بِحَسَبِ هذِهِ الْكَلِمَاتِ قَطَعْتُ عَهْدًا مَعَكَ وَمَعَ إِسْرَائِيل». وَكَانَ هُنَاكَ عِنْدَ الرَّبِّ أَرْبَعِينَ نَهَارًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، لَمْ يَأْكُلْ خُبْزًا وَلَمْ يَشْرَبْ مَاءً. فَكَتَبَ عَلَى اللَّوْحَيْنِ كَلِمَاتِ الْعَهْدِ، الْكَلِمَاتِ الْعَشَرَ.” ثم نزل ووجهه يلمع بسبب لقائه مع الله. باقي سفر الخروج يسجل بناء خيمة الاجتماع.
ب) ما هي الوعود الإلهيّة والشروط الإنسانيّة التي شكّلت هذا العهد؟
الآن من خلال النظرة العامة على كيفية إقامة العهد بين الله وإسرائيل يمكننا الإجابة على السؤال الثاني: ما هي الوعود الإلهية والشروط الإنسانيّة لهذا العهد؟ ماهي التزامات الله الشخصية وماذا سيفعله؟ وماهو المطلوب او التزامات شعب اسرائيل، شريك العهد، ان يفعله؟
هناك خمسة وعود إلهيّة في هذا العهد :
١. ستكون إسرائيل ملكا ثمينا لله:
في خروج ١٩: ٥ قال الله: “فَالآنَ إِنْ سَمِعْتُمْ لِصَوْتِي، وَحَفِظْتُمْ عَهْدِي تَكُونُونَ لِي خَاصَّةً مِنْ بَيْنِ جَمِيعِ الشُّعُوبِ. فَإِنَّ لِي كُلَّ الأَرْضِ.” ذكر الله أن كل الأرض له ليبين أنه عندما دعى إسرائيل له “خَاصَّةً،” أنه يعني أكثر من مجرد الرعاية العامة والسلطة التي لديه على العالم. فهو سيكون إله إسرائيل وهم سيكونون خاصته بطريقة خاصة. وسيكون لديهم بركات أكثر من كل الأمم الأخرى. سيكونون ملكا ثمينا لله إن حفظوا عهده.
٢. ستكون إسرائيل مملكة كهنة:
الوعد الثاني في خروج ١٩: ٦ هو “وَأَنْتُمْ تَكُونُونَ لِي مَمْلَكَةَ كَهَنَةٍ”. وكان الامتياز الأكثر دهشة للكهنة هو التواصل الحميم مع الله. فهم يقتربوا لله نيابة عن الشعب. وكان نصيبهم ليس الأرض، ولكن الرب. هذه الإمتياز قد وعد به الله للأمة كلها. وما يضاعف من هذا الامتياز هو دعوة الله لهم كهنوت ملوكيّ أو كهنة في خدمة الملك. ليس هناك من امتياز أكبر من التواصل الحميم مع ملك الكون.
٣. ستكون إسرائيل أمة مقدّسة:
الوعد الثالث للعهد في ١٩: ٦ هو أن إسرائيل ستكون أيضا “أُمَّةً ًمُقَدَّسَةً”. وهي ستكون مقدسة في ناحيتين: الأولى، أنها سوف تتخصص، وتكون مميزة عن جميع الشعوب الأخرى، الثانية، أنها ستُمنح شبهًا معنويا بالله. سوف تشارك طبيعة الله. “تَكُونُون قِدِّيسِينَ لأَنِّي قُدُّوسٌ الرَّبُّ إِلهُكُمْ” (لاويين ١٩: ٢). إن حفظت إسرائيل العهد مع الله، سيكون لديها الامتياز المرضي للتشبّه بالله. ستكون أمة مقدّسة.
٤. سيحفظ الله إسرائيل من كل أعدائها:
نجد وعد العهد الرابع في خروج ٢٣: ٢٢. “وَلكِنْ إِنْ سَمِعْتَ لِصَوْتِهِ وَفَعَلْتَ كُلَّ مَا أَتَكَلَّمُ بِهِ، أُعَادِي أَعْدَاءَكَ، وَأُضَايِقُ مُضَايِقِيكَ.” مثل القط الذي يلدغ فأرا ويكتشف أنه مخلب كلب. كل من يعارض إسرائيل سيكون عليه أن يتعامل مع الله القدير، إن حفظت إسرائيل العهد. وربما هذا هو ما يعنيه الله في خروج ٣٤: ١٠ حيث يعد “أَفْعَلُ عَجَائِبَ لَمْ تُخْلَقْ فِي كُلِّ الأَرْضِ وَفِي جَمِيعِ الأُمَمِ، فَيَرَى جَمِيعُ الشَّعْبِ الَّذِي أَنْتَ فِي وَسَطِهِ فِعْلَ الرَّبِّ.” دفاعا عن شعبه سيفعل الله عجائب ليستعلن مجده بين الأمم.
٥. سيكون الله رحيما ورؤوفا وغفورا:
أخيرا، وكأساس لكل شيء آخر، يعد الله أن يكون رحيما ورؤوفا ويغفر الإثم والمعصية والخطية. خروج ٣٤: ٦-٧ هي من بين أحلى كلمات البشارة في الكتاب المقدس. والحقيقة أنها أتت من جبل سيناء وليس من جبل الجلجلثة، وهي مقدمة الوصايا العشر (٣٤: ٢٨)، وهذا يدل على أن رسالة المسيح ورسالة موسى هما رسالة واحدة متناغمة بالنعمة. ” فَاجْتَازَ الرَّبُّ قُدَّامَهُ، وَنَادَى الرَّبُّ: «الرَّبُّ إِلهٌ رَحِيمٌ وَرَؤُوفٌ، بَطِيءُ الْغَضَبِ وَكَثِيرُ الإِحْسَانِ وَالْوَفَاءِ. حَافِظُ الإِحْسَانِ إِلَى أُلُوفٍ. غَافِرُ الإِثْمِ وَالْمَعْصِيَةِ وَالْخَطِيَّةِ.” لذا فإن الوعد الخامس العظيم للعهد الموسوي هو أن الله سوف يتعامل مع إسرائيل بالرحمة والنعمة وسيغفر خطاياها لو انها حفظت والتزمت بالعهد.
إذن، باختصار، تتلخص الوعود الإلهية الخمس للعهد الموسوي، والتي تؤكد من جديد على العهد مع إبراهيم، في:
ستكون إسرائيل مُلكا خاصا لله،
ستكون إسرائيل مملكة كهنة لله،
ستكون إسرائيل أمة مقدسة،
سيحارب الله عن إسرائيل ويتغلب على كل أعدائها،
سيتعامل الله مع إسرائيل بالنعمة والرحمة ويغفر خطاياها.
هذه هي الوعود الإلهية للعهد. لكنها جميعها تعتمد على شروط معينة يجب أن تتحقق من قبل الشعب، كما يقول وخروج ١٩: ٥ “فَالآنَ إِنْ سَمِعْتُمْ لِصَوْتِي، وَحَفِظْتُمْ عَهْدِي…” تختبرون كل هذه البركات الإلهية.
المؤشرات الثلاثة للشروط التي يجب ان تلتزم بها اسرائيل:
لذلك ننتقل الآن إلى الشروط الإنسانية التي يجب أن تتحقق من أجل التمتع ببركات العهد.
١. مؤسس على النعمة وتقديم الغفران:
يتضح شيئا واحد من البداية. الشرط ليس كمالا بلا خطيئة. فالعهد الموسوي لا يُعلّم بان العهد يتصادر او يلغى عند ارتكاب الخطية. بل يقول إن الرب يغفر الإثم والمعصية والخطية (خروج ٣٤: ٧). فأساس العهد هو النعمة. لذلك، عندما يقول الله لاسرائيل في (خروج ١٩: ٥) “إن سَمِعْتُمْ لِصَوْتِي، وَحَفِظْتُمْ عَهْدِي،” هذا لا يعني أنها يجب أن تربح بركاتها من خلال العمل في سبيل الله. بل يعني أنها يجب أن تحافظ على نفسها في موقف تلقي نعمة الله ورحمته وغفرانه.
٢. محبة الله وربح النعمة؟
وما هو هذا الموقف؟ إحدى الإجابات هي في خروج ٢٠: ٥-٦ في خضم الوصايا العشر: “لأَنِّي أَنَا الرَّبَّ إِلهَكَ إِلهٌ غَيُورٌ، أَفْتَقِدُ ذُنُوبَ الآبَاءِ فِي الأَبْنَاءِ فِي الْجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابعِ مِنْ مُبْغِضِيَّ، وَأَصْنَعُ إِحْسَانًا إِلَى أُلُوفٍ مِنْ مُحِبِّيَّ وَحَافِظِي وَصَايَايَ.” تتمسك إسرائيل بجانبها في العهد بمحبتها لله وعدم وضع أي قيمة أخرى بجانب الله في قلبها. وإنطلاقا من هذا المحبة لله تتدفق حتما الطاعة لكلمته، وذلك لأنك تسعى دائما وراء ما تقدّره وتثمنه. لذا فهذه الطاعة ليست لربح نعمة الله. لكنها دليل محبة نعمة الله. فنحن لا نحب الله عندما نضع أنفسنا في موضع الموظف ويكون هو في موضع صاحب العمل الذي يدفع لنا الأرباح.
فعندما يقول الله أن الحب بالنسبة له هو شرط يجب على إسرائيل أن تفي به من أجل المشاركة في بركات العهد، يشبه القول بأن الشرط الذي يجب أن تفي به من أجل الاستفادة من عطلتك الخاصة هو الاستمتاع بغروب الشمس. فمن يستطيع أن يتصور أن وصية محبة الله يمكن أن تكون وصية لكسب بركات منه. على العكس من ذلك، عندما تفكر في الأمر تجد أن وصية محبة إلها رؤوفا وغفورا (خروج ٣٤ :٦-٧) يجب أن تتضمن وصية الثقة به. الطريقة الوحيدة للحصول على الغفران هي الثقة فيمن يغفر. والطريقة الوحيدة للاستفادة من الوعود الكريمة هي الثقة فيمن يتعهّد. لذا فكان الشرط الأساسي الذي يتعين على إسرائيل الوفاء به أجل التمتع ببركات الله هو الثقة.
٣. فشل إسرائيل في عدم الإيمان:
مرة تلو الأخرى في العهد القديم يرجع تمرد إسرائيل ضد الله والعهد إلى عدم الإيمان (عدد ١٤: ١١؛ تثنية ١: ٣٢؛ ٩: ٢٣؛ ٢ ملوك ١٧: ١٤؛ ٢ أخبار ٢٠: ٢٠؛ مزمور ٧٨: ٢٢، ٣٢؛ ١٠٦: ٢٤). فعلى سبيل المثال،يتطلع مزمور ٧٨: ٢٢ إلى الوراء ويقول إن سخط الله التهب ضد إسرائيل في البرية “لأَنَّهُمْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ وَلَمْ يَتَّكِلُوا عَلَى خَلاَصِهِ.” و(عبرانيين ٣: )١٩ يقول أن سبب عدم دخول جيل البرية لأرض الموعد كان هو عدم الإيمان. أو كما يقول عبرانيين ٤: ٢ “لَمْ تَنْفَعْ كَلِمَةُ الْخَبَرِ أُولئِكَ. إِذْ لَمْ تَكُنْ مُمْتَزِجَةً بِالإِيمَانِ فِي الَّذِينَ سَمِعُوا.”
لذلك هناك ثلاثة أسباب على الأقل للاستنتاج أن الشرط الأساسي المطلوب من إسرائيل هو الإيمان.
أولا، لأن تجديد العهد تم على أساس النعمة، وقدّم غفرانا رحيما عن الخطايا (خروج ٣٤: ٦-٧). لا يمكن تلقي الغفران إلا بالإيمان.
ثانيا، يعد الله بالرحمة لجميع الذين يحبونه (خروج ٢٠: ٦). ولكن محبة الله هي تماما عكس محاولة ربح الأجور من رب السماء. يجب أن تشمل محبة الله الابتهاج في كونه جديرا بالثّقة كالشخص كما يبين ذلك في (خروج : ١٩: ٤) الذي يعلن صراحة “حَمَلْتُكُمْ عَلَى أَجْنِحَةِ النُّسُورِ (من مصر) وَجِئْتُ بِكُمْ إِلَيَّ.”).
ثالثا، نصوص عديدة من العهد القديم والعهد الجديد تقول بأن جذور عصيان إسرائيل هو فشلها في الثقة بالله. ولذلك، فإن الطاعة المطلوبة في العهد الموسوي هي الطاعة التي تأتي من الايمان.
إنها نفس الطاعة المطلوبة في العهد الإبراهيميّ عندما قال الرب لإبراهيم: “وَيَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ الأَرْضِ، مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِي.” (تكوين ٢٢: ١٨). وهي نفس الطاعة المطلوبة في العهد الجديد الذي نعيش فيه. تقول (عبرانيين ٥: ٩) عن المسيح “وَإِذْ كُمِّلَ صَارَ لِجَمِيعِ الَّذِينَ يُطِيعُونَهُ، سَبَبَ خَلاَصٍ أَبَدِيٍّ.” العهد الإبراهيمي، والعهد الموسوي، والعهد الذي ختمه المسيح بدمه كلها تعبيرات مختلفة لعهد واحد عظيم للنعمة. وتحت كل هذه العهود، التي أُعرب عنها بالعديد من الطرق المختلفة، شيء واحد مطلوب من الإنسان لأجل أن يرث بركات العهد: “الإِيمَانُ الْعَامِلُ بِالْمَحَبَّةِ.” (غلاطية ٥: ٦).
ت) كيف يمكن لنعمة عظيمة هكذا أن تأتي من خلال هذا العهد؟
هذا يقودنا إلى سؤال أخير والذي لا يجيب عليه العهد الموسوي. كيف يمكن إعطاء مثل هذه النعمة العظيمة بموجب هذا العهد؟ وكيف يمكن لإله بار أن يغفر ببساطة الإثم والمعصية والخطية؟ وكيف يمكن لقاض مجرد السماح لخطاة مذنبين أن يذهبوا أحرارا؟ بالتأكيد ذبائح الثيران والخراف والماعز ليست مجرد تعويضا لكل الإهانة التي وقعت على اسم الله بسبب خطايا إسرائيل. مرة أخرى تكمن الإجابة في المستقبل. رأها إشعياء بأكثر وضوحا، وقال “كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ، وَالرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا.” (إشعياء ٥٣: ٦). كيف يمكن لله فقط، في ظل العهد الموسوي، أن يكون كريما ويغفر مجانا جدا؟ الجواب: لأنه تطلّع إلى مجيء ابنه والذبيحة النهائية التي تُصلح كل الجرح الذي حصل لكرامة الله من خلال عصيان المختارين. لا يمكن أن يكون هناك عهدا مع إبراهيم، وعهدا مع موسى، وعهدا جديدا بدون مجيء يسوع المسيح. ما قد أُعطي مجانا بموجب موسى تم شراؤه من قبل المسيح.
إذا كنت تريد لمحة جديدة عن المسيح في موسم عيد ميلاده هذا لمساعدتك في الثقة به ومحبته وطاعته، انظر إلى هذين الأمرين. أولا، وضعت كل خطية مغفورة من آدم إلى نهاية الزمان على المسيح البريء وسحقته إلى الجحيم. وهو قَبِل ذلك عن طيب خاطر لأجل مجد الآب وخير شعبه. ثانيا، إذا وثقنا به وتبعناه في طاعة الإيمان، فنحن وارثون ليس فقط عهد الله مع إبراهيم ولكن أيضا عهد الله من خلال موسى. فكل من يؤمن بذلك مُلكٌ خاص لله. أنتم مملكة كهنة. أنتم أمة مقدسة (١ بطرس ٢: ٩، ١٠). يقاوم الله أعدائك بقوة تصنع العجائب. ولكم هو الآن ودائما سيكون “الرَّبُّ إِلهٌ رَحِيمٌ وَرَؤُوفٌ، بَطِيءُ الْغَضَبِ وَكَثِيرُ الإِحْسَانِ… غَافِرُ الإِثْمِ وَالْمَعْصِيَةِ وَالْخَطِيَّةِ.”
ياليتنا نحب المسيح بوجدان صادق جديد في موسم عيد الميلاد هذا! “مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِ إِنْسَانٍ: مَا أَعَدَّهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ.” (١ كورنثوس ٢: ٩).