اللاهوت النسويِّ

التعريف

يَدَّعي اللاهوت النسويُّ المطالبة بالمساواة والعدل والتحرُّر للنساء ممَّا يرتئيه بـأنَّه أنظمة السلطويَّة الذكوريَّة الجائرة وهيمنتهم الدينيَّة.

المُوجَز

اللاهوت النسويُّ لاهوتٌ ودراسات كتابيَّة تُجرى باختلاق منهجيَّات ونظريَّات تفسيريَّة نسويَّة. لاهوتٌ يُطالب بالمساواة والعدل والتحرُّر للنساء ممَّا يرتئيه أنظمة سلطويَّة وهيمنة أبويَّة أو بمركزيَّة ذكوريَّة قد شَكَّلَت الكنيسة وتاريخ ترجمة الكتاب المقدَّس وتفسيره، بل الكتاب المقدَّس نفسه. لاهوتٌ لا يعتدُّ، كما المعهود، بالكتاب المقدَّس كلمة الله ذات السُلطان الموحى بها من الروح القدس. إنَّه ليس لاهوتًا واحدًا، إنَّما عدَّة لاهوتيَّات نسويَّة، كلٌّ منها تعكس بيئات تاريخيَّة وثقافيَّة وعالميَّة مختلفة، باستخدام التحليل التشابكيِّ (أو التحليل متعدِّد الجوانب) تحديدًا. فيسعى اللاهوت النسويُّ، كما المظلَّة الكُبرى “حركة النسويَّة”، نحو التغيير الثوريِّ، وقد بلغت تأثيراتهما مدًّا بعيدًا موفِّران السياق للخدمة الكرازيَّة المعاصرة.


نظرة عامَّة على اللاهوت النسويِّ

قد تطوَّر اللاهوت النسويُّ إبَّان تطوُّر النسويَّة العَلمَانيَّة وبحوار معها أيضًا. ومع إنَّ كلمة “نسويَّة” قد توحي بفكر أو حركة متجانسة شاملة، فهي أكثر من مجرَّد مظلَّة مُصطَلحيَّة لكثير من المفاهيم النسويَّة التي تستخدم منهجيَّات متباينة وتتناول اهتمامات مختلفة وتدافع عن وجهات نظر مغايرة، بل بعضهم يتَّسم بالحصريَّة. فالأمر كذلك “للاَّهوت النسويِّ” الذي هو ليس واحدًا، إنَّما كُثُر، فكلٌّ منهم شَبَّ برأسه من بيئات تاريخيَّة وثقافيَّة وعالميَّة مختلفة. فهذه الحالة من التغيُّر المستمرِّ والتنوُّع سمة خاصَّة للنسويَّة الحاليَّة واللاهوت النسويِّ، ويُنظَر إليها بإيجابيَّة لأنَّها تعكس الالتزامات الفكريَّة النسويَّة.[1]

إنَّ اللاهوت النسويَّ ليس لاهوتًا ودراسات كتابيَّة تقدِّمهم النساء، إنَّما لاهوت ودراسات كتابيَّة تختلق عديدًا من المنهجيَّات ونظريَّات التفسير النسويَّة. ففي العموم هو لاهوتٌ، نسويٌّ، يسعى إلى المساواة وصلاح معيشة النساء بمقاومة ما يرتئيه أنظمة سلطويَّة وهيمنة وإقصاء أبويَّة أو ذكوريَّة المركز وتفكيكهم.

يؤمن لاهوتيُّو النسويَّة بأنَّ أنظمة السلطويَّة الذكوريَّة وامتيازاتها هذه قد شَكَّلَت تاريخ الكنيسة وتاريخ التفسير الكتابيِّ المتوارث -وربَّما بلغ محتوى الكتاب المقدَّس نفسه (بأنَّه كتاب بشريُّ المنشأ والغاية)- وقد نتج عنه قهر النساء وإخراسهنَّ وإقصائهنَّ بل برَّر ذلك في كلِّ مناحي الحياة لا سيَّما الكنيسة. وفي سعيه إلى تحرُّر النساء من هذه الأنظمة، تغذَّى اللاهوت النسويُّ بل عادةً يُعدُّ أحد أشكال اللاهوت التحرُّريِّ.

التشابكيَّة

في السنوات الأخيرة، توسَّعت مراكز اهتمام لاهوتيِّي النسويَّة ومنهجيَّاتهم من مجرَّد التركيز على المرأة والعلاقات المرتبطة بالنوع الاجتماعيِّ لتشمل التأثيرات المُرَكَّبَة للهويَّة الإناسيَّة والعِرقيَّة والطبقة الاجتماعيَّة والهويَّة الجنسيَّة والقدرات الإناسيَّة والعجز الإناسيِّ، وإنسان ما بعد الاستعمار، وكلُّ ما يرتؤونه مُحرِّكات السلطويَّة وكسب الامتيازات واحتكارها. لذا الطبيعة المترابطة والمتداخلة لهذه الفئات المجتمعيَّة تُعرف بمصطلح “التشابكيَّة”. فالتحليل التشابكيُّ يسعى إلى تحديد وتقويض الطريقة التي بها مختلف تجارب التهميش ومحرِّكاتها تتشابك ومضاعفة التأثيرات المؤذيَّة لكلٍّ منها. وهذا من صفات حركتي النسويَّة الثالثة والرابعة.

في هذا التحليل، يحتلُّ منظور المُهَمَّش واحتياجاته الأولويَّة على تلك التي لصاحب الامتيازات -الذي هو من أصحاب البشرة البيضاء وذي التعليم المتقدِّم والطبقة المتوسِّطة والغربيِّين والنساء النسويَّة- وإنَّ جوهريَّة الهويَّة المجتمعيَّة التي طغت على الحركة الثانية للنسويَّة الغربيَّة، التي تفترض أنَّ كلَّ تجارب كلِّ النساء واحدة (على سبيل المثال، فقيرات وغنيَّات؛ غربيَّات وغير غربيَّات)، تُعدُّ هي أيضًا إشكاليَّة. فوفقًا لهذا المذهب، جوهريَّة الهويَّة المجتمعيَّة، وأحيانًا (بخلاف المتوقَّع) وحتَّى النظرة الأحاديَّة للهويَّة المجتمعيَّة، لقد استبدلا بذاتانيَّة ما بعد الحداثة وتنوُّعها.

والآن، يتَشَعَّبُ اللاهوت النسويُّ بشبكة واسعة من المناهج ووجهات النظر التي تعكس مختلف تجارب النساء حول العالم؛ من أبرزها لاهوت الأفريقيَّات الأمريكيَّات (womanist theology)، ولاهوت اللاتينيَّات الأمريكيَّات (mujerista theology)، ولاهوت الكوريَّات (minjung feminist theology)، ولاهوت المنبوذات الهنديَّات (dalit feminist theology)، ولاهوت الأفريقيَّات والأسيويَّات، ولاهوت نساء ما بعد الاستعمار، ولاهوت ذوات الهمم، ولاهوت مجتمعات الميم عين[2]-لا سيَّما مُغايرات الهويَّة الجنسيَّة (عضويًّا ذكور).

التجسيد الأنثويُّ

على الرغم من هذا التعدُّد، تهتمُّ غالبيَّة النُهُج بطبيعة التجسيد الأنثويِّ ومآلاته، وإعلاء الشكوكيَّة حيال ثنائيَّة الجسم-النفس وإفشاء الريبة في النظريَّات التي تربط المرأة بالوجود الجسديِّ والعالم الطبيعيِّ، وربطها بالرجال ذوي المنظور العقلانيِّ “البحت”. لطالما كانت التكامليَّة بين الرجل والمرأة منسوجة في الكتاب المقدَّس مقبولة داخل المسيحيَّة التاريخيَّة القويمة حتَّى أمس، لكن ما فتق أن صار رفضها شائعًا. إذ في المقابل يشدِّد اللاهوت النسويُّ على قيمة التجسيد الأنثويِّ وخبراته في كلٍّ من مصدر التأمُّل اللاهوتيِّ وغايته، وما يقابلها من احتياج أجساد النساء والاعتراف بتجارب معاناة النساء وتقديمها في الطقوس السرائريَّة وخدماتها.

لاهوت النسويَّة البيئيَّة (Ecofeminist)

كثيرًا أيضًا ما يتبنَّى اللاهوت النسويُّ قضايا بيئيَّة أو مجتمعيَّة، تتَّخِذ أشكال عِدَّة تعكس لاهوتيَّات ضمنيَّة مختلفة. على سبيل المثال، أحد الأشكال ينبثق من قضايا العدالة ومحاربة الفقر المتشابكة، والتعهُّد باقتصاديَّات محلِّيَّة وعالميَّة، والظروف البيئيَّة اللازمة لاستمراريَّة الإنتاج. وآخر ينبثق من الاعتقاد بأنَّ الأفكار الذكوريَّة حيال التراتبيَّة التنازليَّة والهيمنة والاستغلال مسؤولة عن تهاوي العالم المخلوق ولا بُدَّ من استبداله بنهج نسويٍّ يحافظ على التبادليَّة البشريَّة والخليقة ويسعى خلف الازدهار المتبادل. وشكل آخر ينبثق من رفض ما يُعدُّ الإله الأبويَّ الذي للكتاب المقدَّس (الله الآب، الله الابن، الله روح الآب والابن) وإله كلِّ التمايزات التراتبيَّة والثنائيَّة أو أيُّهما بين الإلهيِّ والعالم المخلوق، وبدلاً من ذلك تبنِّي إما الحلولية أو الألوهيَّة الأنثويَّة أو روح الخالق.

النسويَّة الإنجيليَّة أو الكتابيَّة (السوائيَّة)

مُنذ سبعينيَّات القرن العشرين، يسعى بعض الإنجيليِّين إلى فرض الفكر النسويِّ على دراسة الأسفار المقدَّسة والممارسات الكنسيَّة. فبدؤوا بتشكيل كيان “العُقَادُ النسويُّ الإنجيليُّ (عنا)” (Evangelical Women’s Caucus “EWC”) الذي في نهاية المطاف قد انقسم عام 1986 على مسألة المثليَّة الجنسيَّة، وشكَّلوا كيان “العُقَادُ النسويُّ الإنجيليُّ ومسيحيُّون من أجل المساواة الكتابيَّة (ممك)” (CBE) -فالكيان الأوَّل يدعم المثليَّة الجنسيَّة أمَّا الثاني يرفضها. والآن “عنا” متماشية مع اللاهوت النسويِّ التحرُّريِّ.

يعترف النسويُّون الإنجيليُّون بسُلطان الكتاب المقدَّس كونه وحيًا إلهيًّا. لكن مع ذلك، ولأسباب عِدَّة، لا يقبلون بتعليم الكتاب المقدَّس بوجود مهام ومسؤوليَّات للرجال مختلفة عن التي للنساء في العائلة والكنيسة، ويتحاجُّون على النقيض بأنَّ هذه الاختلافات لم تعد قائمة اليوم. فهم يسعون خلف مهام واحدة للرجال والنساء عامةً وفي الزواج تحديدًا.

علم التفسير النسويُّ

على كلِّ اختلافاتهم، يُقبِل اللاهوتيُّون النسويُّون إلى النصِّ الكتابيِّ بقناعات متماثلة حيال تفسيره الذي يُحدِّد فهمهم للنصِّ وتطبيقهم له. يتباين ملفوظ هذا التفسير لكنَّه عادةً ما يتضمَّن تفسيرًا اشتباهيًّا وتفسيرًا استرجاعيًّا وتفسير إعادة تشكيل.[3]

فالتفسير الاشتباهيُّ ينطوي على قراءة مقاومة للنصِّ وليس منه. فبدلاً من القبول غير الانتقاديِّ لوحي النصِّ الكتابيِّ كاملاً وسُلطانه وعصمته وحكمته، يفرض التفسير الاشتباهيُّ أبويَّة ذكوريَّة وتحيُّزًا ضدَّ المرأة في الكتاب المقدَّس (متعلِّلاً بأن كتبه رجال لمستلمين رجال)، وينتقد ويهدِّم النصَّ والترجمة والتفسير المتوارثين، أو أيُّهم، المرتبطين به. فلديه ليس كلُّ الكتاب “كلمة الله”، وعليه توجد قانونيَّة داخل القانونيَّة الأصليَّة. وحدها المقاطع، ليس سواها، التي تتطابق مع المعتقدات النسويَّة التي ينبغي الوعظ بها في الكنيسة (قارن مع “التفسير التبشيريِّ”).

أمَّا التفسير الاسترجاعيُّ يسعى إلى استعادة التاريخ المفقود للنساء في الكتاب المقدَّس والكنيسة وتبجيله. كما ينطوي على التذكير بمعاناة النساء في الكتاب المقدَّس لا سيَّما ضحايا العنف والظُلم (مثال، هاجر وثامار والسريَّة مجهولة الاسم وبنات يفتاح)،[4] والتشكيك في مواضع هذه الروايات في الكتاب المقدَّس ومواصلة الاقتداء بها في الكنيسة (قارن مع “التفسير التذكُّريِّ”).

وعن تفسير إعادة التشكيل، تفسير يسعى إلى تنقيح النُهُجِ التقليديَّة (ذكوريَّة الهوى) للكتاب المقدَّس والكنيسة التاريخيَّة، وإحلالها بنُهُج نسويَّة الارتكاز. بتطبيق هذا، سيصير الكتاب المقدَّس مصدرًا لتحرير النساء، ونظريَّة نسويَّة تقود إلى واقع حيٍّ متغيِّر (قارن مع “تفسير الطِقَاسة الإبداعيَّة أو التطبيق الإبداعيِّ”).

إنَّ هذه المبادئ التفسيريَّة مُنعَكِسَة في بيان وضعه مؤلِّفون نسويُّون في اجتماع عام 2010 في أحد مؤتمرات دار الأدب الكتابيِّ. ففيه اتَّفقوا على أنَّ:

  • العمل “النسويَّ” لا بُدَّ أن يتحدَّى ويقلقل ويقلب تبعيَّة النساء/الرجال للرجال، بدلاً من تقويته وتعزيزه؛
  • العمل “النسويَّ” لا بُدَّ أن يُظهِر تقديره واحترامه لتجارب النساء/الرجال بإمكانيَّات النساء/الرجال وقوَّتهنَّ/تهم الفاعلة […]؛
  • العمل “النسويَّ” لا بُدَّ أن يتبعه تغييرات بعيدة المدى في الدين والمجتمع، بالإضافة إلى الأهمِّيَّة السياسيَّة والثوريَّة. وعليه، لا بُدَّ له أن يكون عمليًّا وعالميًّا مُغيِّرًا ومُجدِّدًا وانتقاليًّا.[5]

بإيجاز، اللاهوت النسويُّ ليس مسعًى علميًا نظريًّا، إنَّما وسيلة بغاية محدَّدة وهي إحداث تغييرات ثوريَّة في حياة النساء والكنيسة والمجتمع ككلٍّ.

اللغة اللاهوتيَّة

يُعدُّ نقد اللغة عاملاً مهمًّا في هذا التغيُّر الثوريِّ. فمعظم اللاهوتيِّين النسويِّين يعِدُّون لغة الذكوريَّة للاهوت الكتاب المقدَّس والتحيُّز الذكوريِّ البارز في اللغة اللاهوتيَّة المتوارثة معضلة إذ يؤمنون بالتالي: “إذا كان الله ذكرًا، فالذَكَر هو الله”.[6]

وفي حالة أشدِّ تعصُّبًا، يستخدم بعض لاهوتيِّي النسويَّة صيغتي “G*d” أو “الله/الإلهة أو الله الأنثى” أو “صوفيا” عوضًا عن لفظة “الله” التي يعتقدون أنَّها ترتبط ارتباطًا وثيقًا بصورة الله الأبويَّة الذكوريَّة؛ وكذلك صيغتي “the*logy” أو “thealogy” بدلاً من “Theology” (إذ إنَّ في الأصل اليونانيِّ مقطع theo اسم مذكَّر؛ وthea الصيغة المؤنَّثة منه). ونسويُّون آخرون يستخدمون كلاًّ من الصيغتين المذكَّرة والمؤنَّثة لأسماء الله وضمائره وصوره، أو يستخدمون الصيغ محايدة النوع الاجتماعيِّ في اللغة الإنجليزيَّة مثل (Creator, Redeemer, & Sustainer). إنَّ إعادة تسمية الله أو تصوُّره يُعَدُّ مشروعًا محوريًّا للاَّهوت النسويِّ، كما أنَّ هذه التغيُّرات اللغويَّة تعكس هجرًا بارزًا للعقيدة المسيحيَّة التاريخيَّة.

وعلى نحو أقلِّ تعصُّبًا، قد تبنَّت بعض أبرز الترجمات الإنكليزيَّة للكتاب المقدَّس نهج الهويَّة الاجتماعيَّة الشموليَّة أو الهويَّة الاجتماعيَّة المحايدة، إذ كلاهما بهدف ترجمة اللغات الأصليَّة إلى الإنكليزيَّة المعاصرة على نحو أكثر دقَّة، ولمسايرة التغييرات التي طرأت على اللغة التي هي نتاج حركة النسويَّة. لكنَّ مبادئ الترجمة الصحيحة، لا سيَّما ترجمة الكتاب المقدَّس، مبادئ معقَّدة، لكنَّ بعض تلك الترجمات النسويَّة اتَّسمت بضعف الموثوقيَّة عن غيرها، إذ ضحَّت بالدقَّة من أجل التبسيط أو الابتعاد عن التأذِّي.[7]

بغضِّ النظر عن كون القناعات النسويَّة مقبولة، إنَّ التغييرات التي أحدثتها النسويَّة في لغة اليوم مخصَّصة لترجمات الكتاب المقدَّس والوعظ والتأمُّل اللاهوتيِّ. فعلى سبيل المثال، في حين أنَّ الترجمة الإنكليزيَّة القياسيَّة للكتاب المقدَّس (ESV) تبقى على الضمائر المُذَكَّرَةِ العامَّة لكنَّها أيضًا تنوِّه في التذييل إلى أنَّ الكلمة اليونانيَّة “أدِلفوي” (المُتَرجمة إلى “إخوة” في النصِّ الأساسيِّ) قد تشير في العهد الجديد إلى “الرجال أو كلٍّ من الرجال والنساء” الذين هم إخوة وأخوات في عائلة الله أي “الكنيسة” بحسب السياق.[8] وعليه، على الرغم من عدم تبديل الترجمة الإنكليزيَّة القياسيَّة كلمة “إخوة” إلى “إخوة وأخوات” في النصِّ الأساسيِّ (راجع الترجمة الدوليَّة الحديثة NIV، 2011)، يظلُّ ذلك التنويه في التذييل اعترافًا بكلٍّ من تأثير النسويَّة في المعنى اللغويِّ وفي قرَّاء الترجمة الإنكليزيَّة القياسيَّة.

وقفة مع اللاهوت النسويِّ

إنَّ هذه التغييرات في لغة اليوم برهان على التأثيرات العميقة للنسويَّة. إذ إنَّ المنطق الاستهلاليَّ للاَّهوت النسويِّ -بأنَّ الكنيسة والكتاب المقدَّس وحتَّى إله الكتاب المقدَّس كارهون للمرأة، بل يؤذونها- قد قبله عديدون إن لم يكن أغلبيَّة شعوب العالم الغربيِّ. وعليه، تُعدُّ المقاومة أو العداء تجاه الإنجيل الكتابيِّ والمسيحيَّة التاريخيَّة أداة معظم الجهود في الكرازة والإرساليَّة والتأثير في العامَّة من المسيحيِّين في حياتهم اليوميَّة.

إنَّ معظم الطوائف قد واجهت مناظرات عن رسامة المرأة وخدمات النساء، فمنهم من أقرَّ بصوابيَّة أساس المبادئ النسويَّة وتفسيراتها الكتابيَّة. وحتَّى داخل الطوائف التي لم تُغَيِّر أنظمتها التدبيريَّة والإداريَّة، داخلها كنائس فرديَّة وعائلات كاملة تجدهم منقسمين حيال دور النساء في البيت والكنيسة. لذا يُعَدُّ فهم اللاهوت النسويِّ وتأثيراته ضروريٌّ لخدمة مؤثِّرة في كلِّ البيئات الثقافيَّة.

مع ذلك، توجد تشاركات بين المسيحيِّين الكتابيِّين ولاهوتيِّي النسويَّة. على سبيل المثال، المعتقدات أو الممارسات التي تحطُّ من كرامة النساء وقدرها (مثل الأجور غير المتساوية، والإباحيَّة، والعنف المنزليِّ، والتحرُّش الجنسيِّ) لا بُدَّ أن يلفظها المسيحيُّون الكتابيُّون كما يلفظها لاهوتيُّو النسويَّة، حتَّى وإن لم نتَّفق على السبب الأوَّليِّ، أو الحلول، لهذه المشكلات.

يكمن داخل لُبِّ كلٍّ من اللاهوت النسويِّ واللاهوت الكتابيِّ سؤال يقول: ما الإنجيل؟ تتمثَّل الإجابة النسويَّة في إنَّ هذا الإنجيل مجموعة من الأحاديث البشريَّة الخرافيَّة أو على أقصى تقدير غير واقعيَّة لا بُدَّ من تشذيبها وقراءتها بتفسير شكوكيٍّ إن لم تكن في صالح النساء. أمَّا إجابة الكتاب المقدَّس نفسه تتمثَّل في أنَّ الأسفار المقدَّسة كلمة الله الحيِّ الحقيقيِّ واهبة الحياة ذات السلطان الموحى بها من الروح (2 تيموثاوس 3: 16)، وبينما الكنيسة تخطئ فالكتاب المقدَّس ليس كذلك، لا يُخطِئ.[9]


[1]  Laurel C. Schneider and Cassie J. E. Trentaz, “Making Sense of Feminist Theology Today,” Religion Compass 2/5 (2008), 788–803, here 796.

[2] المثليَّات والمثليُّون ومزدوجو الميل الجنسيِّ ومغايرو الهويَّة الجنسانيَّة والمتسائلون وحاملو صفات الجنسين.

[3]  Laurel C. Schneider and Cassie J. E. Trentaz, “Making Sense of Feminist Theology Today,” 792.

[4] مثال، Phyllis Trible, Texts of Terror: Literary-Feminist Readings of Biblical Narratives (Philadelphia: Fortress, 1984)

[5] Elisabeth Schüssler Fiorenza, “Between Movement and Academy: Feminist Biblical Studies in the Twentieth Century” in Feminist Biblical Studies in the Twentieth Century: Scholarship and Movement, ed. Elisabeth Schüssler Fiorenza (Atlanta: Society of Biblical Literature, 2014) 4, الذي يعزو إلى كلمات مونيكا مالِنكثُن. إنَّ القصد من التقسيم بين النساء/الرجال يتمثَّل في إظهار تنوُّع هويَّات النساء وتضمين “الرجال المهدورة حقوقهم”، ص. 3، التزييل رقم 4.

[6] Mary Daly, Beyond God the Father: Toward a Philosophy of Women’s Liberation. (Boston: Beacon Press, 1973 ) 19.

[7] انظر كتاب دي إيه كارسون ” The Inclusive Language Debate: A Plea for Realism (Grand Rapids: Baker, 1998)”، الذي أيضًا سَبَّق تأريخ ترجمة اليوم الدوليَّة الحديثة (TNIV) إلى عام 2002.

[8]  استهلال في الترجمة الإنكليزيَّة القياسيَّة (Wheaton: Crossway, 2001) 9، والتذييل، مثل رومية 1: 13.

[9] المبدآن التاسع عشر والحادي والعشرون من كتاب مبادئ الإيمان التسع والثلاثون.

شارك مع أصدقائك

حاصلة على درجة الدكتوراة (PhD) من كلية موور في أستراليا.