ثلاثاء الفخاخ

 


اليوم هو الثلاثاء من أسبوع الآلام. وكحال يوم الإثنين، ليس للثلاثاء مُسمّى تاريخيّ. لكنني وضعت له اسم. ولا أتوقع أن يُخلده التاريخ، ولكني أسميته ثلاثاء الفخاخ. فالصراع والمعارك والتوتر يتصاعد. وقد اجتمع الغرماء ليتحالفوا ضد يسوع. فالفريسيون والصدوقيون والكتبة والشيوخ، والعديد من القادة الدينيين اجتمعوا وأقروا بحتمية أن يتخلصوا من يسوع وأنه يجب أن يموت.

ماذا يمكننا أن نفعل لتحقيق ذلك؟ لذا، لنستعرض أحداث الثلاثاء. لقد جاءوا إلى يسوع بأربعة فخاخ متقنة.

يبدأ اليوم، بحسب البشير مرقس، بيسوع وتلاميذه، وهم عائدون مرة أخرى من بين عينيا إلى أورشليم. وفي طريقهم جاءوا إلى شجرة التين مرة أخرى، ونظروا إليها وإذ بها قد يبست. وأكّد يسوع أن شجرة التين هذه تُمثل إسرائيل. وأن دينونة لعن شجرة التين هي دينونة ستقع تحديدًا على نظام الهيكل اليهوديّ.

فيسوع يقول أن مشكلة نظام الهيكل هو مثل شجرة التين. فقد كانت بلا ثمر. ولم تطرح أي ثمر. فهذه الديانة التي منحنا الله إياها هي في الأساس الإيمان والغفران. بالإيمان وليس بالأعمال. لقد أوضح بولس ذلك جليًا مرارًا وتكرارًا. وما يقوله يسوع هو أن رجال الدين اليهود قد اختطفوا الإيمان الممتد منذ زمن إبراهيم.

لقد اختطفوه وصنعوا نظامُا ليس فقط لا يصنع ثمر كشجرة التين، بل حتى الأوصياء على هذا النظام لا يمكنهم هم أنفسهم القيام بالأمور التي يطالبون الناس بها، مما يجعلهم منافقون بالطبيعة. لذا، فمن الواضح ليس فقط أن القادة الدينيين مخطئين، بل أن ما على التلاميذ فعله من الآن فصاعدًا هو التمسك بديانة الإيمان والغفران. وكان الرب يعلم أنهم في غضون أيام قليلة سيحتاجون إلى الغفران.

ثم جاءوا إلى المدينة المقدسة، وتجمعت الجموع. وإني أتخيل هنا، أن التلاميذ كما بالأمس كانوا في حالة تأهب أكثر: ما الذي يجري؟ مَن محيط بنا؟ من ينظر إلينا؟ ماذا سوف يقع؟ وهنا اجتمع الفريسيون، والصدوقيون، والكتبة، والشيوخ معًا في محاولة لنصب الفخاخ للإيقاع بيسوع. لذا جاءوا بهذه الفخاخ الأربعة.

الفخ الأول

الفخ الأول: “بأَيِّ سُلطانٍ” فعلت ما حدث بالأمس في الهيكل؟ من الذي منحك السلطان لتقلب موائد الصيارفة وتمنع الأشياء التي نحن مسؤولون عنها؟ ولكن يسوع قلب الحديث رأسًا على عقب، ولم يبتلع الطُعم، وسألهم:

“معمُودِيَّةُ يوحنّا: مِنَ السماءِ كانت أم مِنَ النَّاسِ؟” فلا يزال الكلام في إطار الُسلطان. وكان يسوع يعلم أنه في كلتا الحالتين هم في ورطة. لأنهم إذا قالوا أ، معمودية يوحنا كانت من الله (من السماء)، فيمكن أن يقول يسوع: حسنًا، هذا هو الموضع الذي قال فيه الله بصوت مسموع: هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت؟” والذي فيه نزل الروح القدس مثل حمامة. فكان من الممكن أن يقول: فلماذا لم تنصتوا حينها؟

وإذا قال الفريسيين والقادة الدينيون أن معموديته كانت من الناس، فإن يوحنا المعمدان الذي كان ينظر إليه على أنه نبي ويحظى بشعبية واسعة– إذا كانوا يقولون فقط أن هذا لم يكن إلهيًا بأي شكل من الأشكال، فستشتعل بذلك انتفاضة على أيديهم. لذا، فالفخ الأول لم ينجح. لأنهم لم يريدوا أن يتسببوا في فض الجموع عنهم، وهم في حاجة لهذا الحشد للتخلّص من يسوع.

ثم هنا، ضرب يسوع ثلاث أمثال لهم. وليس لدي الوقت للدخول في التفاصيل؟، ولكن هناك موضوع مشترك بينها: مثل الابنين، والكرمين القتلة، والمدعوين للعُرس. وقد استخدم هذه الأمثال ليُثبت أنهم يرفضون نعمة الله وأنهم كرجال دين مضروبون بالبر الذاتيّ والنفاق.

الفخ الثاني

هذا ما يقودنا للفخ الثاني: لمن يكون ولاءك؟ هل أنت متحالف مع روما أم مع إسرائيل؟ وكلا الجوابين ليسا في صالح يسوع. فلو قال: إني متحالف مع إسرائيل وليس مع روما، فيمكن للرومان أن يُلقوا القبض عليه. ولو قال: أنا متحالف مع روما، فسينفض من حوله أتباعه وانتهى الأمر. وقد قاموا بذلك عبر إرسال كلا الفريسيين والهيرودسيين.

كان ولاء الفريسيون لإسرائيل، بينما الهيرودسيين كان ولائهم لروما. فسألوه: “أيجوزُ أن تُعطَى جزية لقيصر أم لا؟” وأيًا كان الجواب، فإن هذا سيؤدي إلى غضب إما روما أو إسرائيل. لكنه أجاب ببراعة:

– “لمن هذه الصورة على العُملة؟”

– لقيصر.

– أَعطُوا إِذًا مَا لقيصر لقيصر وما لله لله.

وهكذا، تعامل يسوع ببراعة مع الفخ الثاني.

الفخ الثالث

الفخ الثالث: لمن تكون زوجة في القيامة؟ ولأن الحظ لم يحالف الفريسيين والهيرودسيين، أرسلوا الصدوقيين. وبالطبع الصدوقيون لا يؤمنون بالقيامة.

وقد أتوا ليسألوا: لِمَنْ مِنْهُمْ تَكُونُ زَوْجَةً فِي الْقِيَامَةِ؟ ولكن مرة أخرى يحوّل الفخ ضدهم بالرد عليهم قائلًا: “أَفَمَا قَرَأْتُمْ مَا قِيلَ لَكُمْ مِنْ قِبَلِ اللهِ… لَيْسَ اللهُ إِلهَ أَمْوَاتٍ بَلْ إِلهُ أَحْيَاءٍ.” ثم صرّح: “في الْقِيَامَة… لا يتَزَوَّجُونَ”، على الأقل بالطريقة التي يعتقدونها.

الفخ الرابع

ثم أخيرًا، أسكت الفريسيين، والصدوقيين، والهيرودسيين. وبقيت محاولة أخيرة. أرسلوا شخصًا واحدًا أخيرًا متخصص في الناموس لاستجواب يسوع. ومن المفترض أن هذا الشخص يعرف الناموس أفضل من أي شخص آخر. كان يعرف كل نقطة وحرف منها. فأرسلوه له.

أتى هذا الشخص إلى يسوع وسأله: “أَيَّةُ وَصِيَّةٍ هِيَ الْعُظْمَى؟” فأجاب يسوع: “تُحِبُّ الرَّبَّ… وتُحِبُّ قَرِيبَكَ.” وهنا نظر إليه وقال له: “لَسْتَ بَعِيدًا عَنْ مَلَكُوتِ اللهِ.” لقد شعر يسوع بشيء ما في نفس ذلك الشخص. وهذا يجعلني أتساءل هل ربما نرى هذا الناموسيّ في السماء؟

وهكذا نجا يسوع من الفخاخ الأربعة. والآن جاء دور يسوع ليوجه الأسئلة بدوره إلى القادة الدينيين. فسألهم: ماذا تقولون في المزمور 119؟ داود يدعو المسيّا “رب”. هنا يسألهم يسوع بشأن ألوهيّة المسيّا. وهنا، يقول الكتاب المقدس أنهم سكتوا، ولم يجسُر أحدٌ بعدَ ذلكَ أنْ يسألهُ!

الويلات السبع

خاف الجميع من أن يسألوه أي سؤال آخر. ولما لم يكن لديهم أي رد على أسئلة يسوع، نطق بسبع ويلات قضائيّة على هؤلاء القادة الدينيين، واصفًا إياهم بالمنافقين والقادة العميان. وهكذا أوضح يسوع أنه لا يتطلع إلى التحالف مع أي شخص من هذه الهيئات والسُلطات الدينية. أعلن بوضوح عن الإطاحة بهم لصالح الناس. وبهذا ينتهي مشهد الفخاخ.

هذا يوم آخر مليء بالأحداث والإثارة. عاد يسوع والتلاميذ إلى بيت عنيا. وبينما التلاميذ جالسون على الجبل ينظرون إلى غروب الشمس فوق أورشليم، ويتحدثون عن عظمة وفخامة هذه الأبنية.

في الأغلب كانوا يتحدثون عن الهيكل على وجه الخصوص. فقال لهم يسوع أنه سيأتي يوم لن يُترَك فيه حجر على حجر. وشرح لتلاميذه أن ضيقة والاضطهاد سيتزايد، وهو ما سيؤدي إلى دينونة الأيام الأخيرة ضد شعب الله. وبأن مهمتهم أن يظلوا يقظين ومتمسكين بالإيمان، لأن أورشليم هي شجرة التين. والأنظمة الموجودة هناك لا تصنع ثمرًا. لكن يسوع أت بالطريق الذي سيثمر ثمرًا.

ما هو الموضوع الرئيسيّ في هذا اليوم؟

فالموضوع–إذا تذكرنا شجرة التين، والفخاخ، وصولًا لذروة هذا الإعلان النهائي للدينونة مع غروب الشمس. فلب الموضوع هو أنه بالنعمة وليس بالأعمال.

لذا فبينما نحن هنا في يوم الثلاثاء، أعتقد أنه من الهام أن نسأل أنفسنا إلى أي مدى نفهم هذا جيدًا؟

وسيكون واقع الكلام مختلفًا من شخص لآخر. لكن، كما تعلمون، من ناحية، لدينا أناس يعتقدون أنهم سيخلصون لأنهم يذهبون إلى الكنيسة، ولأنهم يقرؤون الكتاب المقدس، ولأنهم يصلون، ولأنهم يمارسون طقوس معينة. لكن هذه الأشياء وحدها، بعيدًا عن نعمة الله، لن تجلب الخلاص الذي نحتاجه. فهذه الأمور لن تمنحنا السلام الذي نحتاجه.

هناك مجموعة أخرى من الناس في ثقافاتنا يقولون: “أنا أؤمن بأن جميع الأشخاص الطيبين والصالحين سيذهبون إلى السماء.” أو قد يقولون: إن فعلت خير أكثر من الشر، سيسمح لك الله بالدخول.” أو “كيف لك أن تعرف إن كنت في مرتبة الصالحين أو الأشرار.”

أيًا كانت الإجابة، ففي النهاية هذا نظام قائم على الأعمال، مما يجعله نظامًا فريسيًا–والذي يجعل أناس التي تعتنقه تحت دينونة أعمال البر الذتيّ التي سيدينها يسوع في ذلك اليوم. إن ما يُريدنا يسوع أن نفعله هو أن نطرح هذه الأعمال ونلتفت إليه.

إنه يريدنا أن نرى أن الأمر كله بالنعمة، وليس بأعمالنا كي لا يفتخر أحد. وهذا يتطلب منا أن نتضع، وأن نُقر بأننا خطاة، وأننا لا نقدر أن نفعل شيء يمكنُنا من الاقتراب من الله. بل نعتمد كليًا على نعمة الله نحونا، والتي ستظهر بوضوح في الأيام القليلة القادمة.

شارك مع أصدقائك