التمتع بالله

التعريف

التمتُّع بالله هو إدراكه بالعقل، والاندهاش بجماله، ومسرَّة القلب به، وتكريس النفس له، كما يعني في جوهره تسبيح الله على كينونته.

المُوجز

التمتُّع بالله وصيَّة كتابيَّة وهو أيضًا الغاية التي خلقنا الله لأجلها. إذ يُمجَّد الله بالتمتُّع به لأنَّه يبيِّن مقدار تثميننا لله. نتمتَّع بالله بأربع طرائق في الأقلِّ: عقليًّا بمعرفته؛ وحسِّيًّا بالاندهاش من جماله؛ وعاطفيًّا بالفرح به وبطرقه؛ وإراديًّا بتكريس أنفسنا لطاعة وصاياه. كما أنَّ الفرح بالله هو ما يُمكِّن المؤمنين من أن يحيوا كذبائح حيَّة ويستمرُّوا في مقاومة الخطيَّة ويظلُّوا ثابتين في مواجهة الاضطهاد.


يصارع البعض مع إدراك ما تعنيه مخافة الله أو طاعته أو محبَّته أو تمجيده أو عبادته. لكن يُثير الحديث عن التمتُّع بالله مشاعر كثيرين بكونه فظًّا وربَّما غير ملائمٍ. فما الذي تقوله كلمة الله عن التمتُّع به؟ تأمَّل في حضِّ داود في مزمور 37: 4 بأنَّه عليك أن “تتلذَّذ بِالرَّبِّ” “فيُعْطِيَكَ سُؤْلَ قَلْبِكَ”. (انظر أيضًا سفر التثنية 28: 47؛ 1 أخبار الأيَّام 16: 31، 33؛ نحميا 8: 10؛ مزمور 16: 11؛ 32: 11؛ 33: 1؛ 34: 8؛ 35: 9؛ 36: 8؛ 40: 8، 16؛ 42: 1–2؛ 43: 4؛ 63: 1، 11؛ 64: 10؛ 95: 1؛ 97: 1، 12؛ 98: 4؛ 104: 34؛ 105: 3؛ إشعياء 41: 16؛ يوئيل 2: 23؛ زكريَّا 2: 10؛ 10: 7؛ لوقا 6: 23؛ يوحنَّا 3: 29؛ 15: 1؛ 16: 22؛ فيلبِّي 3: 1؛ 4: 4؛ 1 بطرس 1: 8).

لا بُدَّ أن يرتكز “سؤل” قلوبنا بالطبع على الله بكونه محورَ اهتمام القلب وشبعه المتزايد والمبهج المُدخر بالأكثر في الله. يُعَدُّ عدم التمتُّع أو الفرح بالربِّ أمرًا خطيرًا. ففي حقيقة الأمر “لا يُعبَد الله ما لم يُتمتَّع به ويُثمَّن. فالتسبيح ليس بديلاً للفرح بل تعبيرٌ عنه. لذا يُعَدُّ عدم تمتُّعك بالله إهانةً له. إذ يبدو الأمر وكأنَّك تقول له إنَّ ثمَّة شيء آخر يشبعك أكثر منه، ويقف هذا على طرف نقيض من عبادة الله، فهذا تدنيس للمقدَّسات” (انظر جون بايبر، Desiring God: Meditations of a Christian Hedonist, 22

لا بُدَّ أن نلاحظ أيضًا أنَّه إن كان فرحنا كاملاً في الله، فلن نرغب في أيِّ شيءٍ يقلِّل من محوريَّته في أرواحنا. كما لن نرغب في شيءٍ يُحتمَل أن يُغيِّر قلوبنا لتضع ثقتها في أيِّ شخصٍ سواه. لن نفرح بالله فرحًا حقيقيًّا إن كان “سؤلنا” يكمن في أمورِ هذا العالم التي تسلبنا شبعنا الكامل بالله.

شغفنا للفرح

بداخل كلِّ روحٍ نهمٌ شديدٌ للفرح. إذ خلق الله أرواحنا وبها توقٌ وشوقٌ وشغفٌ لا يهدؤون للسرور. إذ وضع الله فينا هذا الدافع الذي يدفعنا في كلِّ لحظةٍ من كلِّ يومٍ للبحث عمَّا يعطينا البهجة والإثارة الشديدة. فهذا ما يعنيه أنَّ الإنسان مخلوق على صورة الله. دعونا نغوص في ضوء هذا في مزمور 37: 4، هنالك أمران جديران بأن ننتبه لهما.

أوَّلاً: إنَّها وصيَّة. فهي ليست أمرًا نصلِّي لأجله أو نتأمَّل فيه فحسب كما لو كان خيارًا أو اختيارًا، بل هي التزامٌ أخلاقيٌّ نلتزم به جميعنا. فالفرح بالله والتمتُّع به ببساطة واجبٌ علينا.

ثانيًا: البهجة أو الفرح شعور وعاطفة ومشاعر وخبرة شخصيَّة لا نملك زمامها. فهي ليست فعلاً نشعر به بمحض إرادتنا. إذ أيقظ الله وأثار وحرَّك هذه المشاعر في أرواحنا. استخدم الله وسائل مختلفة ليفعل هذا: الكتاب المقدَّس والخليقة والسرَّين المقدَّسين والطاعة والصلاة والعبادة والتأمُّل، إلخ. لذا فمسؤوليَّتنا بحسب ما قال جوناثان إدواردز “أن نضع أنفسنا في طريق الجاذبيَّة” وسيقع على عاتق الله مسؤوليَّة جذبنا.

لماذا الفرح؟

لماذا جعل كاتبو الكتاب المقدَّس البهجة أو الفرح في الله أمرًا أساسيًّا في العلاقة معه؟ ألا يكفي أن نطيع الله أو نخافه ونؤمن به؟ ثمَّة صور عدَّة للإجابة عن هذا السؤال.

أوَّلاً: يُعَدُّ الفرح بالله أمرًا في غاية الأهمِّيَّة لأنَّه أكثر من مجرَّد ردِّ فعلٍ بشريٍّ أو خبرةٍ إنسانيَّة، فهو يبيِّن بجلاء وشمول عن قيمة ما يُثيره وقدره وروعته. بعبارةٍ أخرى، يُعَدُّ الفرح أو الابتهاج بالله الوسيلة الوحيدة الأكثر فعَّاليَّة لتمجيد الله وتعظيمه. إذ الابتهاج الدائم والشديد بالله أكثر وسيلةٍ تكرمه وتمجِّده بها. يتمجَّد الله فينا بالأكثر حين نكون فرحين جدًّا وراضين ومأسورين ومأخوذين بفتنة جماله الذي يُرى في وجه الربِّ يسوع المسيح، كما قال جون بايبر: “يُعَدُّ الفرح خيرَ شاهدٍ على قيمة ما نتمتَّع به، فهو أعمق صدًى لقيمة مجد الله في قلب الإنسان” (انظر “Joy and the Supremacy of Christ in a Postmodern World,” in The Supremacy of Christ in a Postmodern World78).

كيف يتمجَّد الله فينا بالأكثر؟ أين وما الطريقة التي يُعلَن بها مجد الله بالأكثر؟ يتمجَّد الله بالأكثر فينا حين تشعل معرفتنا به وخبراتنا معه نارًا آكلةً من الفرح تأكل كلَّ الملذَّات والإغراءات ويصير وحده كنزنا الذي نثمِّنه. صاغها جوناثان إدواردز في العبارة التالية:

يتمجَّد الله برؤية مجده وأيضًا بالابتهاج به. يتمجَّد الله حين يُبتهَج به أكثر من أن يُرى فحسب. خلقَ الله العالم لكي يتواصل معه ولكي تستقبل الخلائق مجده في عقلها وقلبها. فمَنْ يشهد أنَّ لديه فكرة عن مجد الله [لا] يمجِّد الله بقدر ما يشهد عن قبوله [أي شعوره بالتسبيح والحمد] له وبهجته به (انظر Miscellany 448).

يُعَدُّ إدراك طبيعة الله أمرًا حتميًّا ولن يبعدنا عنها الجهل اللاهوتيُّ بها كثيرًا. إذ تؤدِّي الإثارة غير المستنيرة بالحقِّ إمَّا إلى الوثنيَّة وإمَّا إلى التعصُّب. غير أنَّ المعرفة وحدها لا تكفي. فإعلان مجد الله للآخرين أمرٌ في غاية الأهمِّيَّة، ولكن مجدَّدًا هنالك أمر له أهمِّيَّة أعظم لوجودنا.

إذ يُعَدُّ التوقير الفرِح والشغوف بالله وليس مجرَّد التعرُّف به عقليًّا غايةَ وجودنا وبالتالي جوهر الروحانيَّة الحقَّة. من المحتَّم إن كان الله سيتمجَّد فينا تمجيدًا عظيمًا أن نُسرَّ للغاية به وبما فعله لأجلنا في الربِّ يسوع. لذا فنحن موجودون لنتمتَّع ونبتهج بإعلان الجمال الإلهيِّ لكي يصير المسيح مَنْ يأسر ألبابنا ولا تعود أرواحنا تتمتَّع بالخطيَّة.

فماهيَّة الفرح المُقدَّر لنا في الأبديَّة يكمن في حالة الروح التي نختبر فيها ونعبِّر عن الغبطة الشديدة في الله. إذ يُكمن الفرح (السعادة) في ارتياح الروح بجملتها في الله والابتهاج بأنَّ هذا الكائن الرائع والمُمجَّد نصيبنا. نتحدَّث هنا عن بهجة الاتِّحاد الهانئ الذي لا ينتهي ولا يُوصف والاحتفال المبهج مع الآب والابن والروح القدس. هذا الفرح المتسامي الذي لا ينتقص منه أيُّ اضطهادٍ أو ألمٍ أو عوزٍ ولا تزيده ثروةٌ أو نجاحٌ أو ازدهارٌ (انظر فيلبِّي 4: 11).

خلقنا الله لنمجِّده من خلال غمرنا بالفرح الذي يتدفَّق من اللقاء المُخلِّص مع ابنه الفتَّان. لذا فالغاية من وراء خلقتنا ألاَّ نكون سعداء فحسب، بل أن نفرح بالتشبُّث بسيادات الله الأبديَّة وليس في التشبُّث بإنجازاتنا ولا في التمتُّع بشهواتنا الحسِّيَّة. أيضًا ليس في تنمية تقديرٍ صحِّيٍّ للذات أو في الحصول على بيتٍ من أربع غرف نوم مع مرآب يسع لثلاث سيَّارات. فالله “ينبوع كلِّ بهجة” ويطلب منَّا أن نتقدَّم ونرتوي منه.

ثانيًا: يُعَدُّ الفرح بالله أمرًا في غاية الأهمِّيَّة لأنَّ أرواحنا تتمتَّع بجمال المسيح الذي يأسر الألباب وترتاح في نعمته وصلاحه الكافيين وأيضًا ليس بوسعنا أن نهزم العالم والجسد والشيطان. كان تكريس كاتبي الكتاب المقدَّس بفرحنا بالربِّ مدفوعًا، على الأقلِّ في جزءٍ، بحقيقة أنَّ الشيطان لم يكن أقلَّ تكريسًا بأن يمتِّعهم بملذَّات الخطيَّة الزائلة (راجع عبرانيِّين 11: 25). إذ تكمن الاستراتيجيَّة الشيطانيَّة للعدوِّ في إغوائنا لنعتقد بأنَّ العالم والجسد وانغماس الذات في الخطيَّة سيفعل بقلوبنا المثقَّلة والمنسحقة ما لن يقدر الله أن يفعله؛ وهذه ماهيَّة المعركة التي نواجهها في كلِّ يوم. إذ نستيقظ لنجد عالمًا في حالة حرب لكي يجعل أذهاننا ومشاعرَ قلوبنا من حلفائه. الفائز في الحرب هو مَنْ يقنعنا بأنَّه سيجلب لنا أعظم وأكثر فرحٍ يشبع الروح. لذا علينا أن نعمل ونصلِّي ونجدَّ في أثر الفرح في الربِّ يسوع بشغفٍ وبذلٍ.

هكذا يكمن مفتاح عيش حياة النجاح وإماتة الخطيَّة في التمتُّع بالربِّ تمتُّعًا أكثر وليس في المحاولة بجدٍّ. لا يعني هذا أنَّه بمقدورك أن تكون مسيحيًّا ناجحًا دون أن تحاول، بل يعني أنَّ التمتُّع يمكِّن من العمل بجدٍّ. يعطي التمتُّع بالله قوَّةً للعيش بقداسةٍ.

ثالثًا: يُعَدُّ الفرح بالله أمرًا في غاية الأهمِّيَّة لأنَّه يتعلَّق ويعبِّر عن كياننا بجملته بخلاف العديد من المشاعر الأخرى الموجودة في الروح أو أنشطة الحياة. يمكنك أن تدرك شيئًا دون أن تبتهج به وبوسعك أن تتَّخذ قرارًا في الحياة أو تفعِّل إرادتك في أمورٍ تكرهها بشدَّة. لكن حين تبتهج بشيءٍ بالحقِّ، فلا بُدَّ أن تدركه وتختاره. يتطلَّب الفرح أن تشترك فيه كلُّ ملكات الروح والنفس والعقل والقلب. كما يُعبِّر الفرح عن ماهيَّتك بجملتها بطريقة لا يمكن أن يُعبِّر أيُّ شيءٍ آخر عنها مثله. لا بُدَّ أن تدرك وتختار الشخص أو الشيء لكي تتمتَّع به بالحقِّ. إذ لا بُدَّ أن تستوعبه في ذهنك وتتشبَّث به في قلبك. يتطلَّب الفرح كلَّ ما في داخلنا لنصل إلى التعبير التامِّ عنه.

رابعًا: يُعَدُّ الفرح بالله أمرًا في غاية الأهمِّيَّة لأنَّه لا يوجد له مثيل في الفرح المرائيِّ وغير الصادق. بوسعك أن تتظاهر بأنَّك فرِح في حين أنَّك لست فرِحًا، وبوسعك أن تزيِّف الفرح ولكن ليس بمقدورك أن تمتلك فرحًا مزيفًا. ثمَّة أمر نقيٌّ وصادقٌ وحقيقيٌّ يتعلَّق بالفرح لا يوجد في أيِّ عاطفة بشريَّة أخرى (“Joy and the Supremacy of Christ in a Postmodern World,” 78).

طرائق نبتهج فيها بالربِّ

إذًا، كيف نتمِّم هذه الوصيَّة؟ أو الأفضل من هذا، ما الوسائل التي يظهر بها هذه البهجة في حياتنا؟

أوَّلاً: الافتتان العقليُّ بالله أو الوَلَه به. لا بُدَّ أن نستخدم عقولنا ولا بُدَّ أن يتَّسع نطاق إدراكنا لله ويتعزَّز. علينا أن نعرفه وندرسه ونستكشف طرقه ونتحقَّق من مشيئته ونصير تلاميذ لشخصيَّة الله وسماته.

فالابتهاج بالربِّ يتجاوز الكلمات البشريَّة التي هي ثمرة إيماننا به (1 بطرس 1: 8). لا يمكن لشخصٍ أن يفرح فرحًا ذا مغزى بشخصٍ لا يعرف عنه شيئًا. فمعرفتنا بالمسيح المتجسِّد وعمله الفدائيِّ تُعَدُّ أساسًا لإيماننا به ليفي بالتزامه بالعهد. كما يُعتبَر الإيمان أو الاعتقاد بنزاهته، والقوَّة المُخلِّصة لموته الكفَّاريِّ، وقيامته الحقيقة الواهبة الحياة التربةَ التي تزهر فيها زهور الفرح الذي لا يُعبَّر عنه.

فالتمتُّع غير المتجذِّر أصوله بعمقٍ في الحقائق التاريخيَّة لما تمَّمه المسيح ما هو سوى هيامٍ. إذ ستفتُر هذه المشاعر الوقتيَّة المنفصلة عن الحقِّ حين تحلُّ الضيقات وتصير محض بخار ليس له قيمة تُذكَر يحفظ بها روح الإنسان. ينشط الفرح أو الابتهاج الذي في ذهن داود ويُمكِّن قلب الإنسان من أن يثبت أمام أيِّ ضيقة. فهذه ماهيَّة الفرح الذي يرفع روح الإنسان إلى أقصى درجات الغبطة الواثقة والفرح الذي لا يمكن لأيِّ ألمٍ أو ضيقٍ أو حلمٍ تبخَّر أن ينتقص منه.

ثانيًا: هنالك الوَلَه الحسِّيُّ. نحن في الأصل مخلوقات حسِّيَّة بحسب التصميم الذي خلقنا الله عليه. إذ يعني أنَّنا صُمِّمنا على شبه الله، في جزءٍ على الأقلِّ، أنَّنا ننجذب بالفطرة إلى الجمال وننفر من القبح. لدينا قدرة فطريَّة على إدراك الجمال والابتهاج به (ما لم نفسد هذه القدرة ونضعفها بتقسية نفوسنا بسبب عدم التوبة عن الخطيَّة).

يكمن في الله الجمال المطلق وماهيَّة الابتهاج به أن نعاين جماله بكلِّ ما فيه من بهاء: من التناغم بين صفاته والعجب في أعمال يديه وعظمة قدرته وقوَّة رحمته وروعة جلاله وصلاحه الذي لا حدود له. لذا لا بُدَّ أن نعمل على أن نغرس بداخلنا الشعور الحسِّيَّ ونحسِّن من تذوُّقنا لمشتهيات مجده (انظر مزمور 27: 4؛ 145: 5).

صُمِّم إعلان الله الذي أوحى به عن ذاته وقت الخلق وفي التدبير الإلهيِّ وفي الكتاب المقدَّس وفي وجه ابنه الربِّ يسوع المسيح بوضوحٍ شديدٍ ليُثير فينا الابتهاج العظيم والفرح الذي لا مثيل له الذي يجدر بالله وحده. فالجمال الكامن في الله هو ما يجعله مُشتهَيًا ويُتاق له توقًا شديدًا ويُعجِّل بأن تدرك الروح أنَّها خُلقت لعالم مختلف.

فالجمال الإلهيُّ مطلق وقائم بذاته وكامل. فمصدر جمال المخلوق بالتحديد أنَّ منبعه الخالق، وثانويًّا أنَّه يعكس فضائل الله ويحقِّق الغاية التي خلقه الله لأجلها. إذ يكمن كمال الترتيب والاتِّساق والعظمة والتناغم والتناسب والروعة في الله دون سواه. لا يوجد بين صفات الله وأعماله أيُّ تعارض أو تباين. فهو متسامٍ أخلاقيًّا وجليل روحيًّا ورفيع حسِّيَّا.

فالاختبار الحسِّيُّ مع الله أكثر من مجرَّد ممتع لأنَّه مُغيِّر تغييرًا شديدًا (انظر 2 كورنثوس 3: 18). إذ تحمل طيَّاته المقدرة على الإقناع وهداية العقل الباحث عن الحقِّ. نحن ببساطة لا نعاين الجمال، بل يأسرنا هذا الجمال الإلهيُّ ويتحدَّى ولاء قلوبنا. يدعونا هذا الجمال إلى أن نعيد تشكيل حياتنا ويكشف عن سلوكنا الرديء ويوقظ فينا حقيقة أنَّه الكائن المتسامي وأنَّه بادر برحمته بدعوتنا إلى أن نكون على شبه جماله. فلدى الجمال القدرة على أن يرفع قبضة القبح الأخلاقيِّ والروحيِّ المُمسكة بقلوبنا. يُثير ارتباطُ الروح بالجمال فينا المحبَّةَ ويخلق فينا عاطفة جديدة لا تطفئها أيُّ قوَّة أرضيَّة.

كما يُوبَّخ الجمال أيضًا بإظهار الانحراف الأخلاقيِّ للأمور التي نتشبَّث بها أكثر من الربِّ يسوع وبإعلان الواقع الشائن المتخفِّي وراء الواجهة الجذَّابة المخادعة للملهيات الدنيويَّة. فقد خُدعنا بقبح الخطيَّة لأنَّنا لم نشخص في جمال المسيح. فلا يُرى القبح والفساد والعبث رؤيةً واضحةً إلاَّ في الضوء الساطع للنزاهة والتناغم والهدف الذي أُعلِن في الربِّ يسوع.

ثالثًا: ثمَّة تهلل عاطفيٌّ. صُمِّمت عواطفنا أيضًا لتجد مُرتكزها وكمالها في الله. فهو الوحيد الجدير بغيرتنا الفرحة ومحبَّتنا وتكريسنا وبهجتنا وخوفنا وسرورنا وشغفنا وامتناننا ورجائنا. تأمَّلْ في إعلان بطرس بإنَّنا: “نحبُّ المسيح” و”نؤمن به ونفرح فرحًا لا يُنطق به ومجيد” رغم أنَّنا لا نراه (1 بطرس 1: 8). لا بُدَّ أن نتعلَّم بمعونة الروح القدس أن نغرس ونعيد توجيه عواطفنا لكي تتجذَّر في المسيح وتتركَّز عليه.

أخيرًا: ثمَّة تكريس إراديٌّ. يتطلَّب الابتهاج بالربِّ ارتباط مشيئتنا والخيارات التي نختارها به. علينا أن نفعل فعلين. أوَّلاً: لا بُدَّ أن نختار أن نطيع وصاياه؛ وثانيًا: لا بُدَّ أن نختار أن نتجنَّب كلَّ ما نهى عنه. تجعل الطاعة الابتهاج والفرح يزهران. فوصايا الله تُعتبَر وصفته للسعادة والصحَّة الروحيَّة. لذا علينا أن نثق بالله حين يقول إنَّ الخطيَّة ستهلك وتدمِّر وإنَّ الطاعة ستبارك وتُغني.

إذ يبلد العصيان أرواحنا ويخدِّرها لكيلا تشعر بحضور الله وأعماله، وينتقص من قدرتنا على إرضائه، ويستنزف طاقتنا الروحيَّة، ويجعلنا نفقد قدرتنا على التركيز على الله ونثق به ثقةً تامَّةً. كما أنَّه يفسح المجال في نظامنا الروحيِّ لسمٍّ يُعمي شيئًا فشيئًا أعيننا الروحيَّة ويصُمُّ آذاننا الروحيَّة.

الخاتمة

قد يكمن أكبر خطأ يُرتكب في التعامل مع هذا الحقِّ والتجاوب معه في الظنِّ بأنَّ التركيز على الفرح يولِّد السلبيَّة، أو يؤدِّي إلى نمط حياةٍ آمنٍ ومتمحورٍ حول الذات، أو نهجٍ مسيحيٍّ يَهْوَسُ فيه المسيحيُّ بحالة قلبه أو مشاعره لدرجه أنَّه يهمل عائلته أو يتجاهل احتياجات جاره أو يصير غير مبالٍ بالضالِّ أو يعزل نفسه عن آلام واحتياجات الآخرين.

فالفرح والابتهاج الشديد بجمال المسيح المشبع هو ما يؤجِّج العاطفة لتتعاطف مع مصائب الشعوب ويحفِّز إرادة الشخص ليضحِّي التضحيات اللازمة للحفاظ على الزواج من الانهيار.

كما أنَّ الفرح والابتهاج الشديد بجمال المسيح المشبع يُمكِّن قلب الإنسان من التغلُّب على السلوك الإدمانيِّ ويصون النفس في مقاومتها للخطيَّة والإغراءات ويمكِّن الروح الضعيفة والمكسورة من أن تثابر حين تخسر وظيفة أو يضيع طفل متمرِّد أو لا يتحقَّق وعد أو حلم.

أيضًا الفرح والابتهاج الشديد بجمال المسيح المشبع يشجِّع القلب الخجول والخائف على أن يشارك ويقاوم الثقافة البعيدة عن المسيح بالأخبار السارَّة عن إنجيل صليب المسيح والحياة والمغفرة بالإيمان بالربِّ يسوع.

كما أنَّ الفرح والابتهاج الشديد بجمال المسيح المشبع هو ما يشدِّد الكنيسة في ضيقاتها ويربط قلوب شعبها بالوحدة والمحبَّة والمودَّة.

شارك مع أصدقائك

سام ستورمز

حاصل على درجة الدكتوراة من جامعة تكساس، وهو راعي كنيسة بريدجواي بمدينة أوكلاهوما الأمريكية.